العبرية ومنهجية المناظر والداعية المسلم
العبرية الحديثة:
بعد قيامِ دولة إسْرائِيل، تم إحياء اللغة العبرية كلغة جديدة لإسرائيل. لم يكُن هذا الإحياء يعني استخدام نفس اللغة القديمة بلغة عصرية .. بل هو إحياء من جديد، بلسانٍ أعوجٍ لليهودِ الغربيين، مع مفردات عبرية أقدمَ تأثرت بالبونان والرومان، فنجَمَ عنه ظهور لغة عبرية حديثة مختلفة تماما عن اللغة العبرية التوراتية ، في مفردات اللغة نفسِها، بل في قواعِدِها ونحوِها، وطريقةِ نُطْقِها.
العبرية التوراتية:
بينما العبرية التوراتية هي الأقرب للغة العربية، فقد استخدمت واقترضت الكثير من الكلمات العربية وكلمات غيرها من اللغات السامية، وأكثر مفردات هذه التوراة العبرية يستطيع الباحِث المجتهد استخراج اصولها ومفرداتها وحذورها من معاجم اللغة العربية وقواميسِها. وكثير مما نعتبره عربية قديمة ما عادت تُستخدم وحفظها لنا نقل اللسان العربي السماعي، فكثيرٌ منها مما استُخْدِم في التوراة العبرية، مما جعل الكثيرين يرون ان العبرية والعربية ماهما إلا لغة واحدة تعددت لهجاتها، بل كانت الحروف واحدة للعربية والعبرية في اللغة الأم الأقدم، وهذا كذلِك ما جعل انحراف العبرية عن قواعد العربية ومفرداتها، لاختلاطِهم المتكرر بالفرس والروم واليونان وغيرهم من أمم الشمال، بينما امتازت بلاد العرب بعصيانها على المحتل الغربي، لطبيعة تضاريسِها، فظل العُرب محافظين على لغتهم وعربيتهم ومفرداتهم.
النص التوراتي الأقدم منقّح:
لكِن هذا لا يعني أن النص التوراتيّ القديم محافظٌ على نفس كلمات الوحيِ كما هي، بل في كل زمان كان هذا النص يتغيّر وتُنقّح كلماته او قواعِده على حسب نطق العبرانيين في زمان هذا التغيير. ومن أقدم التغييرات التي لوحِظت، هو تغيير النص وكتابته بما يُناسب اللهجة العبرانية اليهودية الجنوبية، المستحدثة والتي ظهرت قبل السبي بقليل أو اثناءِه. ولم تكُن هذه التأثيرات والتنقيحات هي الوحيدة التي طرأت على النص التوراتي، بل كان هناك تنقيحات أخرى موجودة في النصوص، لعبرية لا يعلمها العبرانيون، ومنها على سبيل المثال ما لاحظه المفسرون والنقاد من الصعوية الشديد التي واجههوها في النص العبري لسفر هوشع، والذي ولأجل صعوبته اعتبروه لفترة طويلة أنه نص مُحرّف، فهذا النص كان منحرفًا عن قواعد العبرية القديمة وتكوينها إلى أن ظهر لبعض العلماء حديثًا أن هذا النص في حقيقته هو عبري أصيل ولكن يُمثل اللهجة اليهودية الشماللية في أيام هوشع في عصر القضاة.
بل تُلحظ هذه الفروق بشدة والتي تختلف باختلاف الزمان، في تطور اللغة والنص في نفس الكتاب بمقارنة الكتب الاقدم مثل ضمويل والملوك مع الكتب الأحدث كاسفار الحكمة او استير او عزرا ونحميا والأيام. إذن حتى النص العبراني القديم ليس هو نفس اللهجة او القواعد.
ومع ذلِك فأنت اليوم تقرا نص عبري موحد بقواعد موحدة، وكلماتٍ أغلبها معلومة، لكن هذا مختلف عن الوثائِق الأقدم التي تخرج وتُبين قراءات مختلفة وكلمات معقدة في هذه المخطوطات لا توجد في النص العبري التوراتي!. فمخطوطات قمران مثلًا، اظهرت أنواعًا من النصوص منها مبا يتفق مع النص العبري الحالي ومنها ما يختلف عنها ومنها كتب مختلفقة جذريًا. فالنص التوراتي الذي تُرجِمت منه السبعينة لا يتفق مع النص التوراتي الماسوري اليوم، ولا يتفق مع النص التوراتي السامري، ولا يتفق مع النص القمراني في مخطواطت البحر الميت. أصبَح لكل نصٍ منهم مميزاته، ربما اتفقوا في كثير لكنهم كذلِك اختلفوا في كثير.
الهمينة والمنهج:
فلا يغرّنك أخي الكريم فتعتقِد أن هذا النص العبري القديم، المطبوع اليوم، هو نفس النص الربّانيِّ الذي أوحي إلى موسى وإلى انبياء الله، فتتخِذَهُ أصْلًا لا يقبل المناقشة.. أنت كباحِث مُطالب بالحث في كل وثيقة بل في كل ترجمة قديمة بل في كل تفسير من تفاسيرهم لو لم يطرأ عليها تنقيحات المترجمين وتغييراتِهم. حتى تصِل إلى اقرب كلمة كان عليها النص. هذا ما يفعله حتى علماؤُهُم أنفسُهُم في نقد النص التوراتي.
ثم أنّك كمُسلِم وصلك من فوق سبْعِ سماواتٍ كتاب الله متواترًا متيقّنًا ثابتًا مُهيمنا، فيجِب أن يقودك ويُوجهك إلى طريقة البحث .. لأنه من عند الله .. كما أن النصراني يعتز بما بين يديه من نصوص مع علمه بانقطاعها وضياع اصولها لأنه يظن أنهامن عند الله .. فالأولى أنت المتيقِّن بما عِنْدَك وعزّةِ دينِك .. وهذه الهيمنة قاعدة ربّانية ومنهج مستقيم سواءا كان في حكم الله وشرع الله او سواءا كان بحثُك في النبوّات التي صحّ وتواترت عندك وبُشِّر بها في كتبهم .. يقول تعالى " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون. وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون"
لقد أكمل الله بمحمد صلى الله عليه وسلم الدينَ، وأتم به النعمة، روى الإمام أحمد في المسند أن عمر رضي الله عنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم بكتابٍ أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه النبي فغضب، فقال: ((أمتهوكون (أمتحيرون) فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده، لقد جئتُكم بها بيضاءَ نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذِّبوا به، أو بباطل فتصدِّقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى - صلى الله عليه وسلم - كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتَّبعني)).
والله المستعان.