عدالة الصحابة - ورد الشبهات حولها
في الحوار مع المخالِف الذي يُريد أن يتحرر من النص .. قد يستخدِمُ مغالطاتٍ من قبيل توهُمِ الصحابةِ, أو كذِبِهِم , أو عدم الثقةِ في نقلِهِم وهذا مما لا يقول بهِ أهل السنةِ والجماعة .. وغرضُهُ أنه لو شكّك في الناقل فإنهُ سيسْقُطُ المنقول .. ويرمي المخالِفُ بهذه الإدّعاءاتِ دون أي دليلٍ أو حجةٍ برهانيّةٍ يُثبِتُ بها افتراءَه .. فدوْمًا ينبغي التنبُه في الحوارات مع المخالِف لما يرْمي به من مغالطاتٍ , والوقوف على غرضِهِ منها .. ومحاولةُ التشْكيكِ في عدالةِ الصحابةِ بالوهْم أو الكذِبِ أو التجْريحِ هو دأب الغلاةُ في الطعن فى عدالة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتابعين وتابعيهم ومن نقلوا لنا دين الله عز وجل ،كل يطْعَنُ لأجلِ هواه وبغيته ومراده , واتحد في هذه الغايةِ المبتدعة الرافضة (الطاعِنون في الصحابة) ، والخوارج ، والمعتزلة ، وتبِعَهُم القرآنيون والمستشرقون والملاحدة .. ويُحاوِلون جهْدَهُم الطعْن في عدالتِهِم .. فإن هم نجحوا في ذلِك فقد سقَطَ الدينُ الإسْلامي بالكُلية , ولا يبقى لهم إلا إملاء ما يُريدون .. وكما قلنا : إذا طعنوا في الناقل سقَطَ المنقول ..
توضيحُ المُرادِ بعدالة الصحابةِ عند أهل السنة:
وأهل السنة يُجْمِعون على عدالة الصحابة .. والعدالة تعني الإستقامةُ على الدين وصدق القول وعدمُ تعمُد الكذِبِ على رسول الله صلى اللهُ عليْهِ وسلّم .. وليس المقصود من العدل أن يكون بريئاً من كل ذنب أو أنهم معصومون من المعاصى أو من السهو أو الغلط , فهم بشر يُصيبُ ويُخطىء , ومن قارف إثماً - وهم قلة نادرة جداً - استوجب الحدّ ثم حدوا , كان ذلك كفارة لهم , وتابوا وحسنت توبتهم .. يغفر الله لهم ونُحْسِنُ الظن بهم سنة برسول الله الذي أحسَنَ الظن في أصْحابِهِ كما سيأتي بيانُه .. ولِذا فالمراد بالعدالةِ أن يكون الغالب عليهم التدين ، والتحرى فى فعل الطاعات والإستقامةُ والصِّدق ..
والصحابةُ كُلُّهُم عدولٌ لا يُفرق أهل السنة في ذلِك بين من تقدم إسلامه ومن تأخر، ومن هاجر ومن لم يهاجر، ومن اشترك فى الغزوات ومن لم يشترك ، ومن لابس الفتنة ومن لم يلابسها, ومهما جرى بيْنهم من خلاف فمن اجتهد وأصاب منهم له أجر الإجتهاد وأجر الإصابة , ومن أخطأ له أجر الإجتهاد ويغفر الله له خطأه , ونُحْسِنُ الظن بهم سنة برسول الله الذي أحسَنَ الظن في أصْحابِهِ .. لا نسُبُّهم ولا ننتقِصُ من قدرِهِم , ولا نُفرط ونغالي في حقهم .. فأهل السنة والجماعة وسط بين الجفاةِ والغلاة .. وعدالة الصحابة عند أهل السنة هو من المعلوم من الدين بالضرورة، فالصحابي الذي ينْقُل عن رسول الله مُصدّق فيما يقول .. رضِيَ اللهُ عنهُم وأرْضاهُم.
قال ابن الصلاح في علومِ الحديثِ 1/176 : " للصحابة بأسرهم خصيصة ، وهى أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب، والسنة، وإجماع من يعتد به فى الإجماع من الأمة"
وقال العراقى في ألفيته 3/13- 14 : "إن جميع الأمة مجمعة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم وأما من لابس الفتن منهم وذلك حين مقتل عثمان رضي الله عنه فأجمع من يعتد به أيضاً فى الإجماع على تعديلهم إحساناً للظن بهم، وحملاً لهم فى ذلك على الاجتهاد ".
وقال العراقى في ألفيته 3/13- 14 : "إن جميع الأمة مجمعة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم وأما من لابس الفتن منهم وذلك حين مقتل عثمان رضي الله عنه فأجمع من يعتد به أيضاً فى الإجماع على تعديلهم إحساناً للظن بهم، وحملاً لهم فى ذلك على الاجتهاد ".
أدلة عدالة الصحابة من القرآن والسنة:
فهؤلاء المهاجرين والأنصار من رضي الله عنهم : ومن أصدقُ من الله ؟؟!! .. رضي الله عنهم فقال تعالى " وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " .. .. وقد رضيَ الله عنهم فقال : " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً " , وكان عددهم ألفانِ وأربعماءَة .. قال عنهم صلى الله عليْهِ وسلّم " لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها" ..
قال شيخ الإسْلام ابن تيمية " والرضا من الله صفة قديمة، فلا يرضى إلا عن عبد علم أن يوافيه على موجبات الرضا -ومن رضي الله عنه لم يسخط عليه أبداً- فكل من أخبر الله عنه أنه رضي عنه فإنه من أهل الجنة ".
وتاب الله عليْهِم فقال تعالى "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم "
وقال تعالى عنهم " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم رُكعاً سُجدا يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مَثَلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سُوقه يُعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما "
وهؤلاء صحابةُ رسول الله المهاجِرين : منهم يعدلهم الله ويشهد لهم من فوق سبع سماوات بالصدق ونصرة الله ورسوله, فيقول الله عنهم "لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" ..
وهؤلاء صحابةُ رسول الله الأنصار : في الآية التالية يشْهدُ الله لصحابةِ رسول الله من الأنصار الذين استقبلوا رسول الله وصحابته في المدينةِ فيعدلهم ويشهد لهم بالفلاح فيقول عنهم " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ", وقال صلى الله عليه وسلم " آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الانصار" وقال صلى الله عليه وسلم فيهم أيْضًا " لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق"
وهذا أمر الله للمسْلمين جميعًا وما اوجب أن نقوله عنهم : ففي تكلمة نفس الآية يقول تعالى عن من أتى من بعدِهِم , وماذا يقولون عن الصحابةِ والمؤمنين السابقين : " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم " .. وقالت عائِشة رضي الله عنها " أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي فسبوهم" .. وقال الإمام مالِك " الذي يسب الصحابة ليس له من مال الفئ نصيب ؛ لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء".
وأين هؤلاء من رسول الله .. فلم يرْضى رسول الله بسب أصحابِهِ , ولا باتهامِهِم في ظاهِر أفعالِهِم .. فعن أبي سعيد الخُدري قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شئ، فسبه خالد, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لا تسبوا أحداً من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل اُحُد ذهباً ما أدرك مُد أحدِهم ولا نصِيفَه" .. وقال صلى الله عليه وسلم " أحسنوا إلى أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" .. وقال صلى الله عليه وسلم: " النجوم أمَنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، وأنا أمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يُوعَدُون،وأصحابي أمَنَةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يُوعَدُون"
وعمر بن الخطاب حين أراد أن يضرِب حاطب بالسيف فقال للنبي , دعني اضرب عنق هذا المنافق , فقال النبي صلى الله عليه وسلم " انه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ونزلت (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء تلقون إليهم بالمودة "..
يقول ابن القيم "والله أعلم، إن هذا الخطاب لقوم قد علم الله سبحانه أنهم لا يفارقون دينهم، بل يموتون على الإسلام، وأنهم قد يقارفون بعض ما يقارفه غيرهم من الذنوب، ولكن لا يتركهم سبحانه مصرين عليها، بل يوفقهم لتوبة نصوح واستغفار وحسنات تمحو أثر ذلك، ويكون تخصيصهم بهذا دون غيرهم؛ لأنه قد تحقق ذلك فيهم، وأنهم مغفور لهم. ولا يمنع ذلك كون المغفرة حصلت بأسباب تقوم بهم، كما لا يقتضي ذلك أن يعطلوا الفرائض وثوقاً بالمغفرة. فلو كانت حصلت بدون الاستمرار على القيام بالأوامر لما احتاجوا بعد ذلك إلى صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة ولا جهاد وهذا محال".
فنحن أهلُ السنةِ والجماعةِ من اطاع الله فيمن أحبّ الله ورضي عنهم وأرضوه .. ربنا لا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا .. ونحنُ من حفِظْنا حقّ من حفِظوا لنا الدين .. ونقلوا لنا كتاب الله عز وجل , وسنةَ نبيِّهِ صلى اللهُ عليْهِ وسلّم.. فاللهم اجزِهِم ونبينا عنّا خيْر الجزاء.
تعليق