بسم الله الرحمن الرحيم
و في البداية نعرض الروايتين المتناقضتين من الإنجيل .. ثم نعرض الرد الساذج الذي كان كل ما قدر عليه علماءهم الأجلاء
ففي الرواية الأولي التي ذكرها " متي " في إنجيله في الإصحاح (27)
((2 فَأَوْثَقُوهُ وَمَضَوْا بِهِ وَدَفَعُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ الْوَالِي.
3 حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ
4 قَائِلاً: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئًا». فَقَالُوا: «مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ!»
5 فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ.
6 فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: «لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ».
7 فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ.
8 لِهذَا سُمِّيَ ذلِكَ الْحَقْلُ «حَقْلَ الدَّمِ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ ))
أما السفر المسمي ( أعمال الرسل ) و الذي يُنسب عادة ل" لوقا " .. فيقدم لنا رواية مختلفة تمام الاختلاف
(( 16 «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ الَّذِي سَبَقَ الرُّوحُ الْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ، عَنْ يَهُوذَا الَّذِي صَارَ دَلِيلاً لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ،
17 إِذْ كَانَ مَعْدُودًا بَيْنَنَا وَصَارَ لَهُ نَصِيبٌ فِي هذِهِ الْخِدْمَةِ.
18 فَإِنَّ هذَا اقْتَنَى حَقْلاً مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ، وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسْطِ، فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا.
19 وَصَارَ ذلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، حَتَّى دُعِيَ ذلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقَلْ دَمَا» أَيْ: حَقْلَ دَمٍ.
20 لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ الْمَزَامِيرِ: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَابًا وَلاَ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ. وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آخَرُ))
و هكذا نري روايتين مختلفتين تماماً و متناقضتين .. و لكن لنعطي كل ذي حق حقه فنستمع أولاً لأشهر الردود عندهم و هو الرد الذي جاد به عليهم " منيس عبد النور " في كتاب ( شبهات وهمية حول الكتاب المقدس ) !
رد القس منيس عبد النور
(( قال المعترض: »ورد في إنجيل متى 27:5 أن يهوذا الاسخريوطي »مضى وخنق نفسه« ولكن ورد في أعمال 1:18 »وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها«.
وللرد نقول: ذكر البشير متى خبر انتحار يهوذا دون أن يخوض في تفاصيل، فقال إنه شنق نفسه. أما كاتب أعمال الرسل فذكر تفصيلات الانتحار، وقال إنه علق نفسه وشنقها على طرف هوة في وادي هنوم، فانقطع الحبل به فسقط.))
و هذا هو الرد الذي صار قدساً من أقداسهم .. فما أن تشير إلى تناقض هاتين الروايتين حتى يأتيك أحدهم بهذا الرد البارد و يلصقه لك .. و طبعاً هم لا يلتفتون إلى أن هذا الرد لا يحل المشكلة !
و لكى نشرح الأمر ينبغي أن نوضح أن الروايتين لا تتناقضان في كيفية موت " يهوذا " فقط بل في تفاصيل أخري كثيرة .. و لكي نوضح هذا التناقض أكثر نضع الروايتين متقابلتين ليسهل المقارنة بينهما
رواية متى
رواية أعمال الرسل
3 حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ
4 قَائِلاً: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئًا». فَقَالُوا: «مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ!»
5 فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ.
6 فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: «لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ».
7 فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ.
8 لِهذَا سُمِّيَ ذلِكَ الْحَقْلُ «حَقْلَ الدَّمِ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ ))
(( 16 «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ الَّذِي سَبَقَ الرُّوحُ الْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ، عَنْ يَهُوذَا الَّذِي صَارَ دَلِيلاً لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ،
17 إِذْ كَانَ مَعْدُودًا بَيْنَنَا وَصَارَ لَهُ نَصِيبٌ فِي هذِهِ الْخِدْمَةِ.
18 فَإِنَّ هذَا اقْتَنَى حَقْلاً مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ، وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسْطِ، فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا.
19 وَصَارَ ذلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، حَتَّى دُعِيَ ذلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقَلْ دَمَا» أَيْ: حَقْلَ دَمٍ.
20 لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ الْمَزَامِيرِ: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَابًا وَلاَ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ. وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آخَرُ))
رواية أعمال الرسل
3 حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ
4 قَائِلاً: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئًا». فَقَالُوا: «مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ!»
5 فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ.
6 فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: «لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ».
7 فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ.
8 لِهذَا سُمِّيَ ذلِكَ الْحَقْلُ «حَقْلَ الدَّمِ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ ))
(( 16 «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ الَّذِي سَبَقَ الرُّوحُ الْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ، عَنْ يَهُوذَا الَّذِي صَارَ دَلِيلاً لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ،
17 إِذْ كَانَ مَعْدُودًا بَيْنَنَا وَصَارَ لَهُ نَصِيبٌ فِي هذِهِ الْخِدْمَةِ.
18 فَإِنَّ هذَا اقْتَنَى حَقْلاً مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ، وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسْطِ، فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا.
19 وَصَارَ ذلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، حَتَّى دُعِيَ ذلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقَلْ دَمَا» أَيْ: حَقْلَ دَمٍ.
20 لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ الْمَزَامِيرِ: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَابًا وَلاَ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ. وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آخَرُ))
و الآن دعونا نحصر نقاط الخلاف بين الروايتين :
1- عند " متي " أن " يهوذا " ندم على فعلته و رد الثلاثين من الفضة .. بينما يشير أعمال الرسل إلى أنه لم يندم على فعلته
2- رواية متي تجعل " الكهنة " هم الذين اشتروا حقل ( الفخاري ) و لكن أعمال الرسل يجعل " يهوذا " نفسه هو الشاري
3- سمي الحقل ( حقل الدم ) بالنسبة لمتي لأن ثمنه دُفع من ثمن دم المسيح .. و لكنه سمي بهذا الاسم في أعمال الرسل نسبة لدم " يهوذا " الذي سال فيه
4- عند " متي " يهوذا مات نادماً منتحراً .. أما أعمال الرسل فلا يُفهم من كلامه إطلاقاً إن " يهوذا " ندم على فعلته أو أنتحر
5- نلاحظ التدليس الواضح في رد القس منيس عبد النور في قوله (( وللرد نقول: ذكر البشير متى خبر انتحار يهوذا دون أن يخوض في تفاصيل، فقال إنه شنق نفسه. أما كاتب أعمال الرسل فذكر تفصيلات الانتحار، وقال إنه علق نفسه وشنقها على طرف هوة في وادي هنوم، فانقطع الحبل به فسقط.))
رغم أن أعمال الرسل لم يقل أن " يهوذا " انتحر أو علق نفسه على طوف هوة في وادي ( هنوم ) و لا أي شيء من ذلك الهراء .. فمن أين يا تري جاء القس بذلك التخريف !
6- المصيبة أن القس فاته و هو يلفق رده أن أعمال الرسل يقول أن حقل الفخاري سُمي ( حقل دما ) نسبة لدم " يهوذا الذي سال فيه .. و هذا يعني كما هو واضح أن يهوذا مات و سالت دمائه في الحقل نفسه و ليس في وادي هنوم كما أدعي القس !
7- و سابعة الأثافي أنه لا يوجد ذكر لوادي أسمه ( وادي هنوم ) في كل سفر أعمال الرسل من أوله إلى أخره .. فمن أين أتى به القس العبقري !
و أخيراً يزول العجب من تصديقهم لكل هذه المتناقضات عندما نذكر قول ربنا ( تبارك و تعالي ) في كتابه الكريم :
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }الحج46