"] بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
فلسفة مريضة
"ولو تناولنا فلسفة الفداء والكفارة عند النصارى بهذا السؤال
ما هو معتقد النصارى في خطيئة آدم وعقوبتها وأبعادها؟
يعتبر سانت أوغسطينوس (430م) في مقدمة النصارى الذين قدموا تفسيراً متكاملاً لهذه المسألة، ويعتبره العثماني في كتابه: "ما هي النصرانية" الوحيد الذي استوعب قضية الكفارة.
وخلاصة رأيه كما نقله العثماني:
- أن الله خلق الإنسان وترك فيه قوة الإرادة في حرية كاملة، وأنعم عليه، وحرم عليه تناول القمح.
لكن آدم وضع قوته الإرادية في غير موضعها عندما تناول ما حرم عليه، ولم يكن صعباً عليه تحاشي المعصية، إذ لم يكن يعرف يومذاك عواطف الهوس والشهوة.
- ذنب آدم ذنب عظيم لأنه يتضمن ذنوباً عديدة :
أولها: الكفر، إذ اختار آدم أن يعيش محكوماً بسلطته، بدل أن يعيش في ظل الحكم الإلهي.
وثانيها: كفر وإساءة أدب مع الله، لأن الإنسان لم يتيقن في الله.
وثالثها: قتل نفسه، إذ جعل حكمها الموت.
ورابعها: الزنا المعنوي، لأن إخلاص الروح الإنسانية قد ضاع من أجل التصديق بقول الحية المعسول.
وخامسها: السرقة إذ نال ما لا يحل له.
وسادسها: الطمع.
وهكذا كانت هذه الخطيئة أمَّاً لكل الأخطاء البشرية " والحق أنك مهما أمعنت في حقيقة أي إثم، فستجد له انعكاساً في هذه الخطيئة الواحدة ".
- جزاء هذه الخطيئة الشنيعة الموت الدائم، أو العذاب الدائم " لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت"، كما سلب آدم بعدها الحرية الإرادية بعد أن هزمه الذنب، فأصبح حراً في إتيان الإثم، وغير حرٍ في صنع المعروف، فالعقاب المعقول للذنب هو الذنب بعده، بعد تخلي رحمة الله عنه، وهكذا أصبحت الخطيئة مركبة من طبيعة الأبوين، وانتقلت منهما وراثة إلى سائر أبنائهما.
ونلحظ في طرح أوغسطينوس التضخيم الكبير لمعصية آدم، والغاية منه كما هو واضح قفل طريق الرجعة بالتوبة، تمهيداً لإشاعة عقيدة المخلص يسوع عليه السلام، وما ذكره أوغسطينوس في ذنب آدم من تهويل من الممكن أن نقوله عن سائر الذنوب، والحقيقة أن ذنب آدم كسائر الذنوب دون عفو الله ومغفرته.
ولو توقف النصارى عند هذا الحد لكانت القضية شخصية، لكن أوغسطينوس وغيره من النصارى يصرون على أن هذا الذنب لابد له من عقوبة قاسية، كما يرتبون على هذا الذنب مسألة خطيرة، وهي وراثة البشرية جمعاء لذنب أبويهم واستحقاقهم لتلك العقوبة القاسية.
ويؤكد أوغسطينوس على وراثة البشرية لذنب الأبوين، إذ أصبحت الخطيئة كامنة في طبيعتهما، فانتقلت وراثة إلى سائر الأبناء، فيولد الطفل وهو مذنب، لأن وباء الخطيئة كما يقول جان كالوين قد سرى إلى هذا الطفل وراثة، ويصوره القديس توماس أكويناس (1274م) بالذنب تذنبه الروح، لكنه ينتقل إلى أعضاء وجوارح الإنسان.
وهكذا أصبح البشر جميعاً خطاة، وكما يقول عوض سمعان في كتابه " فلسفة الغفران في المسيحية ": وبما أن آدم الذي ولد منه البشر جميعاً كان قد فقد بعصيانه حياة الاستقامة التي خلقه الله عليها، وأصبح خاطئاً قبل أن ينجب نسلاً، إذن كان أمراً بدهياً أن يولد أبناؤه جميعاً خطاة بطبيعتهم نظيره، لأننا مهما جُلنا بأبصارنا في الكون لا نجد لسنة الله تبديلاً أو تحويلاً، ولذلك قال الوحي: " بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم " ( رومية 5/12 - 21 ).
ويشبه كالوني أحد علماء البروتستانت انتقال الخطيئة لبني آدم بانتقال الوباء، فيقول: " حينما يقال: إننا استحققنا العذاب الإلهي من أجل خطيئة آدم، فليس يعني ذلك أننا بدورنا كنا معصومين أبرياء، وقد حملنا ظلماً ذنب آدم .... الحقيقة أننا لم نتوارث من آدم العقاب فقط، بل الحق أن وباء الخطيئة مستقر في أعماقنا، على سبيل الإنصاف الكامل، وكذلك الطفل الرضيع تضعه أمه مستحقاً للعقاب، وهذا العقاب يرجع إلى ذنبه هو، وليس من ذنب أحد غيره ".
وشعر علماء النصرانية بما تحويه عقيدة وراثة الخطيئة من ظلم للإنسانية، فعلموا على تبريرها لتقبلها العقول وعقوبتها من دون اعتراض ولا إحساس بالظلم، فيقول ندرة اليازجي: " آدم هو مثال الإنسان، الإنسان الذي وجد في حالة النعمة وسقط، إذن سقوط آدم من النعمة هو سقوط كل إنسان، إذن خطيئة آدم هي خطيئة كل إنسان، فليس المقصود أن الخطيئة تنتقل بالتوارث والتسلسل لأنها ليست تركة أو ميراثاً.
إنما المقصود أن آدم الإنسان قد أخطأ، فأخطأ آدم الجميع إذن، كل واحد قد أخطأ، وذلك لأنه إنسان ". (عقيدة الخطيئة الاولى وفداء الصليب - وليد المسلم)
نقض فلسفة وراثة الخطيئة الأصلية
فى الحقيقة هذه الفلسفة لا تحتاج الى نقض ولكن تحتاج الى اجابة عن هذا السؤال.
اذا اردنا ان نسلم هل نسلم بهذه الفلسفة المريضة ام نسلم بكلام الرب الذى ورد فى اكثر من فقرة من فقرات الكتاب المقدس الذى يقول بصريح العبارة .
لا يحمل الاب من ارث الابن ولا يحمل الابن من ارث الاب.
وما مفاده ان المغفرة لا تحتاج الى صلب والابرار لا يحتاجون الى خلاص.
فيكون الذى نقض هذا الفلسفة هو الرب سبحانه وتعالى لا احد اخر وهذا يحسم الامر وانت لك الحرية فى ان تعتبر هذا النقض الالهى ام لا.
اما اذا تعرضا لها ببعض النقض الموضوعى.
"نجد ان هذه التبريرات المتهافتة ما كان لها أن تقنع أحداً ممن يرى في وراثة الذنب ظلماً يتنزه الله عنه.
فتشبيههم لوراثة الذنب بعدوى المرض باطل، لأن المرض شيء غير اختياري، فلا يقاس الذنب عليه، كما أن المرض لا يعاقب عليه الإنسان.
وفصل أكونياس بين الروح والجسد وقوله بأن الخطيئة تسري من الروح للجوارح خطأ، لأن الخطأ عندما يقع فيه الإنسان، فإنما يقع فيه بروحه وجسده، فالإنسان مركب منهما، ويمارس حياته من خلالهما معاً. أما آدم فهو غير مركب من آدم وأبنائه". (عقيدة الخطيئة الاولى وفداء الصليب - وليد المسلم)
واخيرا عندما وصف سانت أوغسطينوس (430م) ذنب ادم بانه ذنب عظيم لانه يتضمن ذنوبا عديدة نسى ان هذه التبريرات الخاطئة التى وضعها لخطيئة ادم يمكن ان يضعها لكل الذنوب بلا تخصيص ما كان منها كبيرا او صغير لاننا لو نظرنا الى اقل الذنوب فسوف نجد ان عصبيته العمياء تفرض عليه ان يخضع لها كل الذنوب حتى لا يقع فى مأزق حرج ويمهد الطريق لقبول عقيدة الفداء والخلاص ولا يهم خداع النفس بتبريرات خاطئة ناتجة عن وجهة نظر مريضة هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لا يمكن ان نساوى فى الطاعة والعصيان بين المؤمن والكافر فالطاعة والمعصية لا يتردد بينهما الا المؤمنين وهذا شىء ينبغى الانتباه اليه لان الكافر غير مكلف وبالتالى غير مطالب بطاعة او عصيان لانه ببساطه يجحد الخالق ولا يعترف بوجوده كما ان الطاعة والعصيان الغرص منها اختبار المؤمنين فى ايمانهم وثقتهم به وتحقيقهم لعبوديته و الكافر راسب فى الاختبار من البداية ولا يحتاج الى تحقيق.
واذا كان الذنب الذى فعله ادم كبيرا فلابد ان يكون تعليق الإله على الصليب ليذوق الآلام ثم قتل المسيح هو الذنب الصغير ؟
او من ناحية اخرى لان ذنب ادم كان عظيما فلابد ان يعالج بذنب اعظم منه وهو قتل الاله وصلبه .
أليس من السخف والاستهزاء بالعقول أن تغفر خطيئة آدم عندما أكل من الشجرة بخطيئة وجريمة أبشع وهي تعليق الإله على الصليب ليذوق الآلام ثم يقتل و ياتى بعد ذلك إنسان كسانت أوغسطينوس يصف خطيئة ادم بانها اما لجميع الخطايا .
فعندما قتل قوم صالح الناقة عجل الله لهم العذاب في الدنيا قبل الآخرة وهى مخلوقة فما البال بالذى يقتل الخالق .
فاذا كانت النار تكفى قوم صالح فانها بالطبع لن تكفى يهوذا الاسخربطى ولا الكتبة او الفرسيون مما يعنى ان كل ذلك باطل الا اذا كان مكتوبا لهم دخول الملكوت مكافئة لهم على كرهيتهم وحقدهم وبغضهم للمسيح .
ونسى ايضا ان كل الخطايا بما فيها خطيئة ادم لن تخرج عن كونها عصيان لله .
فالزنا عصيان لله والقتل عصيان لله والسرقة عصيان لله والعصيان ليس كفرا لا يمكن ان يستوى المؤمن والجاحد .
كما نسى شىء هام وهو مغفرة الله تعالى التى لا تحتاج الى صلب او فداء ويكفى فيها اللانسان ان يتوب فيتوب الله عليه وقد دل على ذلك الكثير والكثير من فقرات الكتاب المقدس مثل التى تنبأ بنجاة الانبياء والابرار من وزر الخطيئة الاصلية قبل الصلب المزعوم او تلك التى تنبأ بان خلاص الانسان يكون فى طاعته لله وفعل الخير والبعد عن المنكرات مثل الزنا والسرقة وقتل النفس الى اخره.
واذا لم يكن صعباً علي ادم تحاشي المعصية، لعدم معرفته يومذاك عواطف الهوس والشهوة فمن اين اتته عاطفة الفضول الأولى من كل ذلك بعدم المعرفة وكيف تنعدم عند الإنسان كل هذه العواطف ويوجد سبب يحفزه على الوقوع فى هذه الخطيئة او الوقوع فى غيرها فلكل شىء سببا فالإنسان كسول بطبعه ويحتاج إلى ما يحفزه على الفعل كالشهوات والنزوات التي تامن توجيهه وتحريكه فان انعدمت فلن يبقى له الا الفضول الذى يحركه الظمأ الى المعرفة والمعرفة كانت منعدمة قبل الاكل من الشجرة فيكون الفضول ايضا منعدم.
ففاقد الشهية يكون عقابه الطعام ، فلابد من محفز ومحرك .
بالنسبة لكالونى نسى ان الله هو من خلق الطفل قبل ان تضعه امه فهل من عدل الله ورحمته ان يخلق طفلا مستحقا للعقاب بدون اى مقدمات تترتب عليها هذه النتيجة , ويمكن ان نسلم بغير ذلك ونعتبركلامه فى حالة واحدة اذا كان لللانسان قدرة على خلق ذبابة او الزام الله بشىء لا تقتضيه ارادته وهذا محال .
قال تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)) الاية 73 من سورة الحج , وفى سورة البروج يقول عز من قائل (( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) ))
اما عوض سمعان يمكن ان يكون الرد عليه من نفس كتابه وكلامه ومنطقه فنقول : اذا كان من المشترط ان يكون كل ابناء الخاطىء خطاة , فبالقياس ايضا على هذه الفلسفة يشترط ان يكون كل ابناء البار ابرار , وعلى ذلك اذا شهد لاحد البشر بالبر يكون كل البشر ابرارا ويمكن ان تتمثل هذه الشهادة فى دخول احدهم الملكوت فيتبعه الباقون الا اذا كان كل البشر محرمون من ذلك مطلقا ؟.
وان قيل نعم هناك من سوف يدخل الملكوت ولكن فقط المعترف بالخلاص نقول ايضا بقياس على فلسفته يكفى اعتراف احد البشر لكى لكى يقاس عليه الجميع لاننى اذا حملت انسان خطيئة لم يفعلها نظرا لتماثل الطبيعة بينه وبين الخاطىء فيكفى لدخول كل البشر الملكوت اعتراف انسان واحد فقط نظرا للتماثل الطبيعى بين كل البشر الذى قال به .
هذا بغض النظر عن شهادة المسيح للكثيرين بالبر والنجاة من وزر الخطيئة الاصلية قبل حدوث الصلب المزعوم , فاذا اخذنا بهذه الشهادة وبما قاله عوض سمعان سوف نجد ان كل البشر ابرار وناجون نظرا للطبيعة الواحدة .
واخيرا اذا كان البشر جميعا لهم نفس القلب والقالب فما هى الحاجة الى التناسل والتكاثر الذى سوف ينتج نفس النسخة ذات الطبيعة الواحدة او ما هى الحاجة الى استمرار الحياة بعد الاعتراف .
لذا نصر على اعتبار وراثة الذنب نوعاً من الظلم لا يليق نسبته لله عز وجل وما حدث هو تضاعف او تكاثر للخطيئة ترتب عليه تضاعف حجم العقاب.
واذا كانت طبيعة الانسان هى الشر فقط فلما احتاج الى اغواء الشيطان او الحية لكى يفعل الخطيئة ولم تتكفل طبيعتة الشريرة بتوجيهه الى هذا الواجب المقدس .
[/size]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
فلسفة مريضة
"ولو تناولنا فلسفة الفداء والكفارة عند النصارى بهذا السؤال
ما هو معتقد النصارى في خطيئة آدم وعقوبتها وأبعادها؟
يعتبر سانت أوغسطينوس (430م) في مقدمة النصارى الذين قدموا تفسيراً متكاملاً لهذه المسألة، ويعتبره العثماني في كتابه: "ما هي النصرانية" الوحيد الذي استوعب قضية الكفارة.
وخلاصة رأيه كما نقله العثماني:
- أن الله خلق الإنسان وترك فيه قوة الإرادة في حرية كاملة، وأنعم عليه، وحرم عليه تناول القمح.
لكن آدم وضع قوته الإرادية في غير موضعها عندما تناول ما حرم عليه، ولم يكن صعباً عليه تحاشي المعصية، إذ لم يكن يعرف يومذاك عواطف الهوس والشهوة.
- ذنب آدم ذنب عظيم لأنه يتضمن ذنوباً عديدة :
أولها: الكفر، إذ اختار آدم أن يعيش محكوماً بسلطته، بدل أن يعيش في ظل الحكم الإلهي.
وثانيها: كفر وإساءة أدب مع الله، لأن الإنسان لم يتيقن في الله.
وثالثها: قتل نفسه، إذ جعل حكمها الموت.
ورابعها: الزنا المعنوي، لأن إخلاص الروح الإنسانية قد ضاع من أجل التصديق بقول الحية المعسول.
وخامسها: السرقة إذ نال ما لا يحل له.
وسادسها: الطمع.
وهكذا كانت هذه الخطيئة أمَّاً لكل الأخطاء البشرية " والحق أنك مهما أمعنت في حقيقة أي إثم، فستجد له انعكاساً في هذه الخطيئة الواحدة ".
- جزاء هذه الخطيئة الشنيعة الموت الدائم، أو العذاب الدائم " لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت"، كما سلب آدم بعدها الحرية الإرادية بعد أن هزمه الذنب، فأصبح حراً في إتيان الإثم، وغير حرٍ في صنع المعروف، فالعقاب المعقول للذنب هو الذنب بعده، بعد تخلي رحمة الله عنه، وهكذا أصبحت الخطيئة مركبة من طبيعة الأبوين، وانتقلت منهما وراثة إلى سائر أبنائهما.
ونلحظ في طرح أوغسطينوس التضخيم الكبير لمعصية آدم، والغاية منه كما هو واضح قفل طريق الرجعة بالتوبة، تمهيداً لإشاعة عقيدة المخلص يسوع عليه السلام، وما ذكره أوغسطينوس في ذنب آدم من تهويل من الممكن أن نقوله عن سائر الذنوب، والحقيقة أن ذنب آدم كسائر الذنوب دون عفو الله ومغفرته.
ولو توقف النصارى عند هذا الحد لكانت القضية شخصية، لكن أوغسطينوس وغيره من النصارى يصرون على أن هذا الذنب لابد له من عقوبة قاسية، كما يرتبون على هذا الذنب مسألة خطيرة، وهي وراثة البشرية جمعاء لذنب أبويهم واستحقاقهم لتلك العقوبة القاسية.
ويؤكد أوغسطينوس على وراثة البشرية لذنب الأبوين، إذ أصبحت الخطيئة كامنة في طبيعتهما، فانتقلت وراثة إلى سائر الأبناء، فيولد الطفل وهو مذنب، لأن وباء الخطيئة كما يقول جان كالوين قد سرى إلى هذا الطفل وراثة، ويصوره القديس توماس أكويناس (1274م) بالذنب تذنبه الروح، لكنه ينتقل إلى أعضاء وجوارح الإنسان.
وهكذا أصبح البشر جميعاً خطاة، وكما يقول عوض سمعان في كتابه " فلسفة الغفران في المسيحية ": وبما أن آدم الذي ولد منه البشر جميعاً كان قد فقد بعصيانه حياة الاستقامة التي خلقه الله عليها، وأصبح خاطئاً قبل أن ينجب نسلاً، إذن كان أمراً بدهياً أن يولد أبناؤه جميعاً خطاة بطبيعتهم نظيره، لأننا مهما جُلنا بأبصارنا في الكون لا نجد لسنة الله تبديلاً أو تحويلاً، ولذلك قال الوحي: " بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم " ( رومية 5/12 - 21 ).
ويشبه كالوني أحد علماء البروتستانت انتقال الخطيئة لبني آدم بانتقال الوباء، فيقول: " حينما يقال: إننا استحققنا العذاب الإلهي من أجل خطيئة آدم، فليس يعني ذلك أننا بدورنا كنا معصومين أبرياء، وقد حملنا ظلماً ذنب آدم .... الحقيقة أننا لم نتوارث من آدم العقاب فقط، بل الحق أن وباء الخطيئة مستقر في أعماقنا، على سبيل الإنصاف الكامل، وكذلك الطفل الرضيع تضعه أمه مستحقاً للعقاب، وهذا العقاب يرجع إلى ذنبه هو، وليس من ذنب أحد غيره ".
وشعر علماء النصرانية بما تحويه عقيدة وراثة الخطيئة من ظلم للإنسانية، فعلموا على تبريرها لتقبلها العقول وعقوبتها من دون اعتراض ولا إحساس بالظلم، فيقول ندرة اليازجي: " آدم هو مثال الإنسان، الإنسان الذي وجد في حالة النعمة وسقط، إذن سقوط آدم من النعمة هو سقوط كل إنسان، إذن خطيئة آدم هي خطيئة كل إنسان، فليس المقصود أن الخطيئة تنتقل بالتوارث والتسلسل لأنها ليست تركة أو ميراثاً.
إنما المقصود أن آدم الإنسان قد أخطأ، فأخطأ آدم الجميع إذن، كل واحد قد أخطأ، وذلك لأنه إنسان ". (عقيدة الخطيئة الاولى وفداء الصليب - وليد المسلم)
نقض فلسفة وراثة الخطيئة الأصلية
فى الحقيقة هذه الفلسفة لا تحتاج الى نقض ولكن تحتاج الى اجابة عن هذا السؤال.
اذا اردنا ان نسلم هل نسلم بهذه الفلسفة المريضة ام نسلم بكلام الرب الذى ورد فى اكثر من فقرة من فقرات الكتاب المقدس الذى يقول بصريح العبارة .
لا يحمل الاب من ارث الابن ولا يحمل الابن من ارث الاب.
وما مفاده ان المغفرة لا تحتاج الى صلب والابرار لا يحتاجون الى خلاص.
فيكون الذى نقض هذا الفلسفة هو الرب سبحانه وتعالى لا احد اخر وهذا يحسم الامر وانت لك الحرية فى ان تعتبر هذا النقض الالهى ام لا.
اما اذا تعرضا لها ببعض النقض الموضوعى.
"نجد ان هذه التبريرات المتهافتة ما كان لها أن تقنع أحداً ممن يرى في وراثة الذنب ظلماً يتنزه الله عنه.
فتشبيههم لوراثة الذنب بعدوى المرض باطل، لأن المرض شيء غير اختياري، فلا يقاس الذنب عليه، كما أن المرض لا يعاقب عليه الإنسان.
وفصل أكونياس بين الروح والجسد وقوله بأن الخطيئة تسري من الروح للجوارح خطأ، لأن الخطأ عندما يقع فيه الإنسان، فإنما يقع فيه بروحه وجسده، فالإنسان مركب منهما، ويمارس حياته من خلالهما معاً. أما آدم فهو غير مركب من آدم وأبنائه". (عقيدة الخطيئة الاولى وفداء الصليب - وليد المسلم)
واخيرا عندما وصف سانت أوغسطينوس (430م) ذنب ادم بانه ذنب عظيم لانه يتضمن ذنوبا عديدة نسى ان هذه التبريرات الخاطئة التى وضعها لخطيئة ادم يمكن ان يضعها لكل الذنوب بلا تخصيص ما كان منها كبيرا او صغير لاننا لو نظرنا الى اقل الذنوب فسوف نجد ان عصبيته العمياء تفرض عليه ان يخضع لها كل الذنوب حتى لا يقع فى مأزق حرج ويمهد الطريق لقبول عقيدة الفداء والخلاص ولا يهم خداع النفس بتبريرات خاطئة ناتجة عن وجهة نظر مريضة هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لا يمكن ان نساوى فى الطاعة والعصيان بين المؤمن والكافر فالطاعة والمعصية لا يتردد بينهما الا المؤمنين وهذا شىء ينبغى الانتباه اليه لان الكافر غير مكلف وبالتالى غير مطالب بطاعة او عصيان لانه ببساطه يجحد الخالق ولا يعترف بوجوده كما ان الطاعة والعصيان الغرص منها اختبار المؤمنين فى ايمانهم وثقتهم به وتحقيقهم لعبوديته و الكافر راسب فى الاختبار من البداية ولا يحتاج الى تحقيق.
واذا كان الذنب الذى فعله ادم كبيرا فلابد ان يكون تعليق الإله على الصليب ليذوق الآلام ثم قتل المسيح هو الذنب الصغير ؟
او من ناحية اخرى لان ذنب ادم كان عظيما فلابد ان يعالج بذنب اعظم منه وهو قتل الاله وصلبه .
أليس من السخف والاستهزاء بالعقول أن تغفر خطيئة آدم عندما أكل من الشجرة بخطيئة وجريمة أبشع وهي تعليق الإله على الصليب ليذوق الآلام ثم يقتل و ياتى بعد ذلك إنسان كسانت أوغسطينوس يصف خطيئة ادم بانها اما لجميع الخطايا .
فعندما قتل قوم صالح الناقة عجل الله لهم العذاب في الدنيا قبل الآخرة وهى مخلوقة فما البال بالذى يقتل الخالق .
فاذا كانت النار تكفى قوم صالح فانها بالطبع لن تكفى يهوذا الاسخربطى ولا الكتبة او الفرسيون مما يعنى ان كل ذلك باطل الا اذا كان مكتوبا لهم دخول الملكوت مكافئة لهم على كرهيتهم وحقدهم وبغضهم للمسيح .
ونسى ايضا ان كل الخطايا بما فيها خطيئة ادم لن تخرج عن كونها عصيان لله .
فالزنا عصيان لله والقتل عصيان لله والسرقة عصيان لله والعصيان ليس كفرا لا يمكن ان يستوى المؤمن والجاحد .
كما نسى شىء هام وهو مغفرة الله تعالى التى لا تحتاج الى صلب او فداء ويكفى فيها اللانسان ان يتوب فيتوب الله عليه وقد دل على ذلك الكثير والكثير من فقرات الكتاب المقدس مثل التى تنبأ بنجاة الانبياء والابرار من وزر الخطيئة الاصلية قبل الصلب المزعوم او تلك التى تنبأ بان خلاص الانسان يكون فى طاعته لله وفعل الخير والبعد عن المنكرات مثل الزنا والسرقة وقتل النفس الى اخره.
واذا لم يكن صعباً علي ادم تحاشي المعصية، لعدم معرفته يومذاك عواطف الهوس والشهوة فمن اين اتته عاطفة الفضول الأولى من كل ذلك بعدم المعرفة وكيف تنعدم عند الإنسان كل هذه العواطف ويوجد سبب يحفزه على الوقوع فى هذه الخطيئة او الوقوع فى غيرها فلكل شىء سببا فالإنسان كسول بطبعه ويحتاج إلى ما يحفزه على الفعل كالشهوات والنزوات التي تامن توجيهه وتحريكه فان انعدمت فلن يبقى له الا الفضول الذى يحركه الظمأ الى المعرفة والمعرفة كانت منعدمة قبل الاكل من الشجرة فيكون الفضول ايضا منعدم.
ففاقد الشهية يكون عقابه الطعام ، فلابد من محفز ومحرك .
بالنسبة لكالونى نسى ان الله هو من خلق الطفل قبل ان تضعه امه فهل من عدل الله ورحمته ان يخلق طفلا مستحقا للعقاب بدون اى مقدمات تترتب عليها هذه النتيجة , ويمكن ان نسلم بغير ذلك ونعتبركلامه فى حالة واحدة اذا كان لللانسان قدرة على خلق ذبابة او الزام الله بشىء لا تقتضيه ارادته وهذا محال .
قال تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)) الاية 73 من سورة الحج , وفى سورة البروج يقول عز من قائل (( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) ))
اما عوض سمعان يمكن ان يكون الرد عليه من نفس كتابه وكلامه ومنطقه فنقول : اذا كان من المشترط ان يكون كل ابناء الخاطىء خطاة , فبالقياس ايضا على هذه الفلسفة يشترط ان يكون كل ابناء البار ابرار , وعلى ذلك اذا شهد لاحد البشر بالبر يكون كل البشر ابرارا ويمكن ان تتمثل هذه الشهادة فى دخول احدهم الملكوت فيتبعه الباقون الا اذا كان كل البشر محرمون من ذلك مطلقا ؟.
وان قيل نعم هناك من سوف يدخل الملكوت ولكن فقط المعترف بالخلاص نقول ايضا بقياس على فلسفته يكفى اعتراف احد البشر لكى لكى يقاس عليه الجميع لاننى اذا حملت انسان خطيئة لم يفعلها نظرا لتماثل الطبيعة بينه وبين الخاطىء فيكفى لدخول كل البشر الملكوت اعتراف انسان واحد فقط نظرا للتماثل الطبيعى بين كل البشر الذى قال به .
هذا بغض النظر عن شهادة المسيح للكثيرين بالبر والنجاة من وزر الخطيئة الاصلية قبل حدوث الصلب المزعوم , فاذا اخذنا بهذه الشهادة وبما قاله عوض سمعان سوف نجد ان كل البشر ابرار وناجون نظرا للطبيعة الواحدة .
واخيرا اذا كان البشر جميعا لهم نفس القلب والقالب فما هى الحاجة الى التناسل والتكاثر الذى سوف ينتج نفس النسخة ذات الطبيعة الواحدة او ما هى الحاجة الى استمرار الحياة بعد الاعتراف .
لذا نصر على اعتبار وراثة الذنب نوعاً من الظلم لا يليق نسبته لله عز وجل وما حدث هو تضاعف او تكاثر للخطيئة ترتب عليه تضاعف حجم العقاب.
واذا كانت طبيعة الانسان هى الشر فقط فلما احتاج الى اغواء الشيطان او الحية لكى يفعل الخطيئة ولم تتكفل طبيعتة الشريرة بتوجيهه الى هذا الواجب المقدس .