أكـاد أُجَـنّ ن ن ن ن ( 3 )
ربى يسوع : حرّمتَ الظلمَ علينا ، فكيف لم تحرّمه على نفسك ؟ أغوى الشيطان آدم وحواء (1) فعاقبتَهما وطردتَهما من الجنة ، ولم تعاقب حينئذ الشيطانَ أصلَ كل خطيئة ، بل إنه يَنْعَمُ بالحضرة الإلهية ، ويتسامر فى المجالس السماوية مع الرب والملائكة (2) ، ووضعت نفسك موضع المخطىء ، وتلقيت جزاءه ، فقضيت على نفسك بالموت والهلاك . أسلمتَ نفسك مختارا (!!!) فى يد الآب ، بعد أن استرحمتَه ولم يرحمْك ، فشربتَ كأس المذلة حتى الثُّمالة ، " وجعلوه يسلم نفسه إلى شانئيه ، ويموت أبشع ميتة ، ليهدىء من حنق الله ، أى من سخيمة نفسه ، وبذلك انتحر بحافز من رغبته فى الانتقام ، فكان أشبه شىء بصاحب دَيْنٍ يؤدى الدَّيْنَ لنفسه ، لأن غريمَه غيرُ راغبٍ فى تَوْفِيَتِهِ الحساب ، ثم هو لا يفتأ يذكّر الغريمَ بما عليه " (3) .
يا مثبت العقل والدِّين ، كيف ينتحر الإله ؟ هل هذا من الحكمة يا كلمةَ الله وحكمتَه ؟
ربى وإلهى : كيف تدين آدم ، وتورِّث الخطيئةَ – التى لا تورَّث - لأبنائه منه وحده ، " لأن الإنسان لم يرث الخطية الأصلية عن الأم ، بل عن الأب بحسب المبدأ الزرعى " (4) . برغم أن حواء هى أصل الخطيئة " لأن آدم لَمْ يُغوَ ولكن المرأة أُغويتْ ، فحصلتْ فى التعدى " (5) . ما مدى صحة هذا المبدأ الزرعى الذى يزعمه القساوسة ؟ وما رأى العلم فيه ؟ هل تحمل الجينات خطايا الآباء والأجداد ، ولا تحمل خطايا الأمهات والجدات ؟ هل يرث الإنسان الخطايا ؟ وهل تزر وازرةٌ وِزْرَ أخرى ؟ ما حقيقة هذا الهذر والهذيان ؟
حـيّرتَنـى يـا إلـهـى !!!!!
ربى وإلهى : تركتَ البشرية تتقلب فى الخطيئة التى وَرِثَتْها خمسة آلاف وخمسمائة سنة - حسب كنيستنا الأرثوذكسية - ، وتتلقى صنوف انتقامك ، فأغرَقْتَ الأرض ، وقضيتَ على الحياة فيها ، وقلبتَ سدوم وعمورة ، وأغرقتَ فرعون وجيش المصريين ، وارتكب بنو إسرائيل كل رذيلة ، فكان منهم المأبونون ، وناذراتُ الزنا المقدس ، وضلّتْ البشرية كلها فعبدوا البعل وملكوم وعشتروت، وعبّروا أبناءهم فى النار. وجئت لتكفر عن خطيئة آدم ( لا عن خطيئة حواء ) ، فهل نسيتَ خليقتك كل هذه السنين ؟ لِمَ لَمْ تتداركْها بمجيئك باكرا لتمحو الخطيئة والإثم قبل أن يستفحل الشر ، وتمكث الأرواح آلاف السنين فى عذاب المطهر ؟
ولِمَ كان الطعن فى محمد بحجة أنه جاء بعد المسيح بخمسمائة وثمانين عاما ، لا بآلاف السنين ؟
كـم تحـيرنـى يـا إلـهـى !!!!!
ربى وإلهى : ما أعظم صرختك الإلهية على الصليب " صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا : إيلى إيلى لَما شبقتنى " مت27/46 ، " صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا : إلوى إلوى لَماشبقتنى " مر 15/34 . ولكن خَبِّرْنى يا إلهى : هل قلتَ إيلى ، أمْ إلوى ؟ ؟ أم قلتَها بَيْنَ بَيْن ؟ ؟ إحداهما عبرية والأخرى آرامية ، وكلتاهما كتب بوحى من الروح القدس !!!! ولم يكن أحد من كتبة الأناجيل موجودا وقت صراخك ؟ غير نسوة تلطمن وتَنُحْنَ وتقْرَعْنَ صدورهن ( لو 23 ) . ولماذا تصرخ بصوت عظيم يا ربى وإلهى ، هل كنت تنادى مَنْ هو بعيد جدا لا يسمع إلا بالصراخ ؟ ألستَ القائل : " أنا فى الآب ، والآب فىّ " ؟ أليس اللاهوتُ لم يفارقْ ناسوتَك ؟
لقد صرخ محمد أيضا، ولكن متحديا أعداءه قائلا : " أنا النبىُّ لا كَذِب ، أنا ابنُ عبدِ المطلب " ، وشـتـان .
ما أشـدَّ وأعظـمَ حـيرتـى !!!!!
ويقولون : " و كان الرب فرحا بطاعته لأبيه ، مقدما ذاته لشرب كأس الآلام برضى " (6)
بينما تقول الأناجيل : " وابتدأ يحزن ويكتئب . فقال لهم نفسى حزينة جدا حتى الموت ... وخرّ على وجهه وكان يصلى قائلا يا أبتاه إن أمكن فلتعْبُر عنى هذه الكأس " مت 26/38،39 ، " وابتدأ يدهش ويكتئب ، فقال لهم نفسى حزينة جدا حتى الموت ... ثم تقدم قليلا وخر على الأرض وكان يصلى لكى تعْبُرَ عنه الساعةُ إن أمكن ، وقال يا أبا الآب كل شىء مستطاع لك فَأَجِزْ عنى هذه الكأس " مر 14/33-36 ، " الآن نفسى قد اضطربتْ . وماذا أقول . أيها الآب نجنى من هذه الساعة " يو 12/27 ، " وجثا على ركبتيه وصلى قائلا يا أبتاه إن شئتَ أن تجيز عنى هذه الكأس ، ولكن لتكن لا إرادتى بل إرادتك " لو 22/41-44 .
أيها نُصدّق ؟ ؟ ما أكْذَبَهم جميعا .
" من المقطوع به عمليا، أنه لا يمكن لنا فى يوم من الأيام، أن نُقِرّ أن المسيحَ حُمِلَ إلى الصليب وهو يمجد اللهَ وقدَرَه " (7) .
أجِـبْـنى . صمتُـك يزيـدنى حـيرةً يـا إلـهـى !!!!
ربى وإلهى : يقولون : " ارتعدتْ السماء ، واهتز الملائكة ، وكانوا يفضلون أن يغوصوا فى أعماق الفناء على أن يشهدوا ما حدث . ولولا أنه كان ضابط لكل شىء ، لَفَنِىَ الكونُ المخلوق كله إلى لا شىء فى تلك اللحظة " (8) . هل شهد القس ارتعادَ السماء ، واهتزازَ الملائكة ، وعلم ما تخبئه صدورُهم أنهم كانوا يفضلون ... الخ . وأن يسوعَ بناسوته الذى لم يفارقْه لاهوتُه ، كان ضابطا كل شىء ؟
" فكان الرب يُسمَّر ، وفى نفس الوقت يحفظ البشريةَ والخليقةَ كلَّها ويسُوسُها " (9)
ما أروع ضبطك لمخلوقاتك أيها الضابط ، وحسن سياستك لها ، من فـوق صليـبك ، عـريانا ، متـوّجـاً بإكليـل الشـوك !!!!! .
ويقولون : " كانت قوة الرب معلنة على الصليب ، فى كونه ضبط قوته كى لا يُبيدَ صالبيه " (10) !!!!!
هل حقا كنتَ عزيزا قويا قاهرا ، أم كنتَ مستسلما ضعيفا خائرا ، تتعثر وتتكفّأ بصليبك على الأرض مرات ؟ أليس من أسمائك : مخذولا ، مسحوقا ، مذلولا ، مرذولا ، ملعون من الله ... ؟
" وظهر له ملاك من السماء يقويه " لو 22/ 43 .
" فقد انعكست آلامه الرهيبة على عضلات وجهه وجبينه ، حتى تسرب الدمُ من الشعيرات الدموية إلى الغدد التى تُفرزُ العرقَ واختلط به " (11) .
لقد بشرتَ تلاميذك بالجلوس على اثنى عشر كرسيا يدينون أسباط إسرائيل الإثتى عشر (12) ، ويدينون ملائكة (13) ، ألم يكن من حسن السياسة إبادة صالبيك ، الذين ورّثوا أبناءهم أعظم خطية عرفتها البشرية ، قتْلَ الإله ، تتضاءل معها القضمة من الثمرة ؟
لمـاذا لا تتكلـم وأنت الكلمـة ؟ هل أصابـك البُكـْمُ يـا إلـهـى ؟ ؟
ربى وإلهى : يقولون " إن اسم الآب مقرون دائما بالنعمة والمحبة " (14) ، فكيف نطق الله ذو الأقانيم الثلاثة بوعيده لآدم بالموت لمجرد قضمه من ثمرة ، الأمر الذى استوجب ضرورة تحقيق العقاب اللامتناهى بقتل الإله المتجسد !!!! لقد تهور الثالوث ، كان الأَوْلى به أن يمسك لسانه ، ويطبق عليه شفتيه ، قيّدتْه كلمتُه ، لقد سكتَ دهرا ونطق كفرا ، يا كلمةَ الله ، يا نُطقَ الله ، يا حكمةَ الله !!!!!! .
وكيف تصدق يا ربى أن الألوهية تكتسب بقضمة من ثمرة ؟ " هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر ( أى أصبح نصف إله ) ، والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد " تك 3/22 ( عندئذ يصبح آدم وحواء إلهين كاملين ) .
لم لا تتـدارك حـيرتـى يـا إلهـى !!!!!
ربى وإلهى : هل ستتجسد فى صورة حية ، لتكفر عن الخطيئة اللانهائية التى ارتكبتها الحية فى حق الله بإغوائها حواء على المخالفة ؟ أو فى صورة شيطان ؟ ؟
كيف يضحى بك أبوك وأنت ابنه الوحيد ، الذى فى حضنه ، تكفيرا لخطيئة غيرك ، بدعوى أنه " بدون سفك دم لا تحدث مغفرة " عب 9/ 12 ؟ بينما يغفر القساوسة أبشع منها بكلمة ؟ مِن سفك دم، وزنا، وبغى، وظلم، وفواحش ما ظهر منها وما بطن . كيف " لم يشفق على ابنه " رو 8/33 ؟
ويـل للأبنـاء من قسـوة بعض الآبـاء .
مَـن يَهْـدِى حـيرتـى ؟ ؟
أكـاد أُجَـنّ ن ن ن ن !!!!!!!!
ربى وإلهى : كانت تجربةُ الفداء قاسيةً عليك لا شك ، أنت أدرى الأقانيم بمَغَبّتِها ، حتى أنك استرحمتَ أباك فلم يرحمْك ، وهرب كلُّ تلاميذك ، واصطليتَ وحدك بلظاها . إياك أن تعيدَ التجربةَ مع الملائكة الذين تمردوا على الله فهبطوا مع إبليس ، وهم الآن مقيدين " بقيود أبدية تحت الظلام " (15) ، أو مع الجن وشياطينهم ، أو مع نسل الحيات ، أو مع بنات حواء ، فيتكرر عليك ما قاسيتَ ، يجب ألا تنسى الجَلد ، وإكليلَ الشوك ، وتعثرَك بالصليب مرات ، وفضيحةَ عُرْيِك ، وأثرَ المسامير فى كفيك ورجليك ، والحربةَ فى جنبك... الخ ، فالمؤمن لا يُلدغُ مِن جُحْرٍ مرتين .
المراجع :
1. يقول أنطونيوس فكرى : "وسبب السقوط أن عدو الخير حسد الإنسان فأراد أن يهبط به إلى الموت ، فكان أن استخدم الحية فى خداع الإنسان . وقد يكون إبليس اتخذ له شكل حية فهو يمكنه أن يتخذ شكل ملاك نور ( 2 كو 11/14 ). أو أن إبليس استخدم الحية . فواضح من نفس الآية (2 كو 11/14 ) أن خدام إبليس يغيرون أشكالهم حتى يخدعوا البسطاء " .
- - " وكان ذات يوم أن جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب ، وجاء الشيطان أيضا فى وسطهم فقال الرب للشيطان : من أين جئت ؟ فأجاب الشيطان الرب وقال من الجولان فى الأرض ، ومن التمشى فيها ... ثم خرج الشيطان من أمام وجه الرب " أيوب 1/6 – 12 .
الرب فقال الرب للشيطان : من أين جئت ؟ فأجاب الشيطان الرب وقال : من الجولان فى الأرض ،
ومن التمشى فيها ... ثم خرج الشيطان من حضرة الرب " أيوب 2/1- 7 .
- " أجناد الشر الروحية الآن مطلقة السراح لها مكان معين فى السماء ... الشيطان له حق الوقوف أمام الله ، ليشتكى أمام الله على المؤمنين نهارا وليلا ( رؤيا 12/10 ) " .( دراسات فى إنجيل متى صـ 68 للأنبا إثناسيوس ) .
- " أجناد الشر الروحية فى السماويات " رسالة بولس إلى أهل أفسوس : 6/12 .
- المسيح فى مفهوم معاصر صـ 8 ، 9 – عصام الدين حفنى ناصف .
- علم اللاهوت صـ 223 - القمص ميخائيل مينا .
- 1 تيموثاوس 2/14 .
- تفسير الأناجيل الأربعة معا صـ 257 – د. شماس حمدى صادق .
- أسطورة تجسد الإله صـ 297 - نخبة من اللاهوتيين .
- إنجيل يوحنا صـ 224 – الأنبا إثناسيوس .
- تفسير الأناجيل الأربعة معا صـ 276 – د. شماس حمدى صادق .
- تفسير الأناجيل الأربعة معا صـ 276 – د. شماس حمدى صادق .
- تفسير الأناجيل الأربعة معا صـ 258 – د. شماس حمدى صادق .
- متى : 19/ 28 .
- 1 كورنثوس : 6/3 .
- دراسات فى إنجيل متى صـ 92 – تعريب وهيب ملك .
- رسالة يهوذا : 6 .