توم ماونتين/ *كاونتر بونش([1])
ترجمة/ شيماء نعمان
مفكرة الإسلام: باعتباري أحد أول من كتب بشأن المشكلات في غرب السودان/ دارفور، في منتصف عام 2003، وعاش جنبًا إلى جنب هنا في أسمرة على مدى ثلاث سنوات مع عدد من ممثلي المقاومة في دارفور وغيرهم من المقاومة السودانية، فإن بحثي لم يعثر على أي دليل على عمليات إبادة جماعية. إلا أن بالطبع الإبادة الجماعية كانت ولا تزال تمارسها إثيوبيا ضد الصوماليين الذين يعيشون فيها؛ ولكن في إقليم دارفور فلم تكن هناك أية إبادة جماعية.
ودعونا نبدأ بمقارنة الوضعين، الأول إقليم دارفور والثاني إقليم أوجادين الإثيوبي. فقد كان لاجئو الصراع في دارفور هم المستفيدون من واحدة من أكبر أعمال الإغاثة وأكثرها فاعلية في التاريخ.
في المقابل، فإن مساعدات الإغاثة للصوماليين الذين يعيشون في إقليم أوجادين الإثيوبي قد تم إنهاؤها بصورة فعلية حاليًا في كافة أنحاء أوجادين تقريبًا منذ عدة سنوات؛ وذلك على الرغم من مرور البلاد بواحدة من أسوأ موجات الجفاف في التاريخ.
وتملك دارفور قوة شرطة دولية في المنطقة منذ سنوات؛ حيث تعمل إلى جانب قوات الأمن السودانية كما أن معظم أعمال العنف قد انتهت.
أما في أوجادين؛ فقد أمضت فرق الموت الإثيوبية، بتمويل عن طريق"الإعانات" الغربية، أكثر العقد الماضي في العمل على توسيع أعمال القتل والفوضى في الأنحاء غير الحضرية من الإقليم. ومع استمرار طرد تقريبًا جميع أفراد اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة "أطباء بلا حدود"، لم تكن هناك سوى تغطية ضئيلة للغاية لهذه الإبادة الجماعية بوسائل الإعلام الغربية ناهيك عن أي فضح للدور الغربي في تمويل النظام الإثيوبي. ولك أن تقارن بين ذلك وبين اكتظاظ الإعلام الغربي بحملة "أنقذوا دارفور" الدعائية، وستجد أن قاعدة "أرني المال" المجربة الذهبية الصحيحة لابد من تطبيقها لتفسير ما يجري فعليًا.
وكانت أسطورة الإبادة الجماعية في دارفور قد جرى الترويج لها على أيدي منظمات غربية غير حكومية تعمل في مجال "حقوق الإنسان"، جمعت عشرات بل ربما مئات الملايين تحت شعارات "كفى" و"أوقفوا الإبادة الجماعية". وتستند ادعاءات الإبادة الجماعية على تقديرات لعدد الوفيات، وهي تقديرات قفزت على نحو مبالغ فيه عندما بدأ تدفق الدولارات إلى الداخل. ففي البداية كان عدد الأشخاص الذين يُفترض أنهم راحوا ضحية لعميات الإبادة الجماعية في دارفور 100.000؛ ثم 200.000؛ ثم 300.000؛ وأخيرًا- في ادعاء مثير للسخرية لدرجة دفعت حتى جهاز الرقابة الإعلامية التابع للحكومة البريطانية لاستبعاده- 400.000 شخص. ولم يعط أي من ممثلي دارفور الذين تحدثت إليهم في أسمرة قط أي مصداقية لتلك الأرقام الغربية.
وفي الواقع، يتفق الجميع تقريبًا هنا في القرن الإفريقي، على الأقل هؤلاء البعيدين عن جدول المنح الغربية، على أن العدد الحقيقي لهؤلاء الذين فُقدوا خلال أعمال العنف في غرب السودان يُقدر بعشرات الآلاف، وهو عدد مأساوي إلا أن ما يفوقه إلى حد بعيد هو ما حل بأولئك الذين يعانون في الصومال وأوجادين حيث لا تزال تدور رحى عمليات إبادة جماعية فعلية.
وقد تم إعلان الوضع الإنساني في الصومال - بينما لا يزال يعمل مسئولو الإغاثة- أنه الأسوأ في العالم (ومع ما يحدث للتاميل بمعسكرات التكثيف في سريلانكا فإن ذلك من شأنه أن يقول الكثير). أما في إقليم أوجادين المجاور، فليس هناك ببساطة أية وكالات إغاثية- فيما عدا ما يوجد في قليل من البلدات- لتشهد بذلك ما هو في مثل سوء أو أسوأ على الأرجح مما عليه الصومال.
بالرغم من ذلك، ما الذي نسمعه من جانب أولئك الذين يجمعون الأموال الطائلة باسم الأفارقة البائسين حول عمليات الإبادة الجماعية الفعلية التي تجري في أوجادين؟
وكما ذكرت سابقًا؛ فقد كتبت في البداية بشأن ما اعتقدت أنه يحدث في السودان وإثيوبيا وهو يعود إلى منتصف عام 2003. وتشير التقديرات إلى أن السودان تكبدت نحو مليوني حالة وفاة خلال حربها الأهلية التي دامت لعقود طويلة بين الشمال والجنوب. وبعد عدة سنوات من العمل الشاق، بدأ السلام على نحو بطيء، بل معقد تقريبًا يحل بالسودان بعد أن تم تحديد الأعمال الأساسية على الأرض خلال المفاوضات التي عُقدت هنا في أسمرة. على النقيض من هذا، ما هو برنامج العمل الذي طالبت به مجموعة "أنقذوا دارفور"؟ غزو واحتلال عسكري بقيادة غربية مثلما حدث في العراق وأفغانستان! إن بوقوع نصف مليون أو أكثر من القتلى بالعراق وأفغانستان بسبب "التدخل" العسكري الغربي، من صاحب عقل حصيف يمكن أن يعتقد أن إرسال جنود غربيين إلى السودان سيُقدم أي شيء سوى تدمير السلام الذي تم بناءه بشق الأنفس خلال السنوات القليلة الماضية والتسبب في مزيد من المعاناة؟
وبينما يترسخ السلام ببطء في دارفور، فإنه في أوجادين ليس إلا ذكرى مفقودة منذ فترة طويلة. إن الحرب، والمجاعة، والمرض آفات تنتشر في أنحاء أوجادين وأصبحت وضعًا يمثل إلى حد كبير النمط السائد في المناطق الزراعية بإثيوبيا. وفي حين يجني الوكلاء الغربيون ملايين الدولارات بينما يروجون لشعارهم الأجوف "أنقذوا دارفور"، شهد السودانيون نمو السلام في البلاد. في المقابل فإن الإثيوبيين، الذين عانوا في ظل نظام يُعد أكبر متلق للمعونات الغربية في إفريقيا، لا يرون إلا مستقبل من الصراعات العرقية والدينية المتنامية، والأسوأ من ذلك، برامج نشطة للإبادة الجماعية.
والمشكلات المتنامية في إثيوبيا يمكن دائمًا العودة بأسبابها إلى الغرب، وتحديدًا إلى الولايات المتحدة. فالغرب، وعلى الأخص الولايات المتحدة، يتفانون من أجل إبقاء إفريقيا في حالة من الأزمة؛ حيث أن ذلك هو الوضع الأفضل لاستغلالها. واللوبي صاحب شعار "أنقذوا دارفور" مُكرس لجلب مزيد من أعمال العنف إلى إفريقيا تحت ستار "التدخل الإنساني"؛ ولم يصل أبدًا من عشرات الملايين من الدولارات التي يجمعونها سوى النذر القليل إلى السودانيين، بالرغم من كونها مخصصة لهم.
إن إنهاء أسطورة الإبادة الجماعية في دارفور أمر طال انتظاره. وإذا كانت الشعوب الغربية تريد بالفعل تقديم المساعدة لإفريقيا، فينبغي عليهم وقف تبرعاتهم لمحتالي "أنقذوا دارفور" والبدء في مساءلتهم بشأن عشرات المليارات من المساعدات الغربية التي تُدفع لتمويل عمليات إبادة جماعية فعلية في إقليم أوجادين الإثيوبي.
المصدر
http://www.islammemo.cc/2009/10/31/89496.html
ترجمة/ شيماء نعمان
مفكرة الإسلام: باعتباري أحد أول من كتب بشأن المشكلات في غرب السودان/ دارفور، في منتصف عام 2003، وعاش جنبًا إلى جنب هنا في أسمرة على مدى ثلاث سنوات مع عدد من ممثلي المقاومة في دارفور وغيرهم من المقاومة السودانية، فإن بحثي لم يعثر على أي دليل على عمليات إبادة جماعية. إلا أن بالطبع الإبادة الجماعية كانت ولا تزال تمارسها إثيوبيا ضد الصوماليين الذين يعيشون فيها؛ ولكن في إقليم دارفور فلم تكن هناك أية إبادة جماعية.
ودعونا نبدأ بمقارنة الوضعين، الأول إقليم دارفور والثاني إقليم أوجادين الإثيوبي. فقد كان لاجئو الصراع في دارفور هم المستفيدون من واحدة من أكبر أعمال الإغاثة وأكثرها فاعلية في التاريخ.
في المقابل، فإن مساعدات الإغاثة للصوماليين الذين يعيشون في إقليم أوجادين الإثيوبي قد تم إنهاؤها بصورة فعلية حاليًا في كافة أنحاء أوجادين تقريبًا منذ عدة سنوات؛ وذلك على الرغم من مرور البلاد بواحدة من أسوأ موجات الجفاف في التاريخ.
وتملك دارفور قوة شرطة دولية في المنطقة منذ سنوات؛ حيث تعمل إلى جانب قوات الأمن السودانية كما أن معظم أعمال العنف قد انتهت.
أما في أوجادين؛ فقد أمضت فرق الموت الإثيوبية، بتمويل عن طريق"الإعانات" الغربية، أكثر العقد الماضي في العمل على توسيع أعمال القتل والفوضى في الأنحاء غير الحضرية من الإقليم. ومع استمرار طرد تقريبًا جميع أفراد اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة "أطباء بلا حدود"، لم تكن هناك سوى تغطية ضئيلة للغاية لهذه الإبادة الجماعية بوسائل الإعلام الغربية ناهيك عن أي فضح للدور الغربي في تمويل النظام الإثيوبي. ولك أن تقارن بين ذلك وبين اكتظاظ الإعلام الغربي بحملة "أنقذوا دارفور" الدعائية، وستجد أن قاعدة "أرني المال" المجربة الذهبية الصحيحة لابد من تطبيقها لتفسير ما يجري فعليًا.
وكانت أسطورة الإبادة الجماعية في دارفور قد جرى الترويج لها على أيدي منظمات غربية غير حكومية تعمل في مجال "حقوق الإنسان"، جمعت عشرات بل ربما مئات الملايين تحت شعارات "كفى" و"أوقفوا الإبادة الجماعية". وتستند ادعاءات الإبادة الجماعية على تقديرات لعدد الوفيات، وهي تقديرات قفزت على نحو مبالغ فيه عندما بدأ تدفق الدولارات إلى الداخل. ففي البداية كان عدد الأشخاص الذين يُفترض أنهم راحوا ضحية لعميات الإبادة الجماعية في دارفور 100.000؛ ثم 200.000؛ ثم 300.000؛ وأخيرًا- في ادعاء مثير للسخرية لدرجة دفعت حتى جهاز الرقابة الإعلامية التابع للحكومة البريطانية لاستبعاده- 400.000 شخص. ولم يعط أي من ممثلي دارفور الذين تحدثت إليهم في أسمرة قط أي مصداقية لتلك الأرقام الغربية.
وفي الواقع، يتفق الجميع تقريبًا هنا في القرن الإفريقي، على الأقل هؤلاء البعيدين عن جدول المنح الغربية، على أن العدد الحقيقي لهؤلاء الذين فُقدوا خلال أعمال العنف في غرب السودان يُقدر بعشرات الآلاف، وهو عدد مأساوي إلا أن ما يفوقه إلى حد بعيد هو ما حل بأولئك الذين يعانون في الصومال وأوجادين حيث لا تزال تدور رحى عمليات إبادة جماعية فعلية.
وقد تم إعلان الوضع الإنساني في الصومال - بينما لا يزال يعمل مسئولو الإغاثة- أنه الأسوأ في العالم (ومع ما يحدث للتاميل بمعسكرات التكثيف في سريلانكا فإن ذلك من شأنه أن يقول الكثير). أما في إقليم أوجادين المجاور، فليس هناك ببساطة أية وكالات إغاثية- فيما عدا ما يوجد في قليل من البلدات- لتشهد بذلك ما هو في مثل سوء أو أسوأ على الأرجح مما عليه الصومال.
بالرغم من ذلك، ما الذي نسمعه من جانب أولئك الذين يجمعون الأموال الطائلة باسم الأفارقة البائسين حول عمليات الإبادة الجماعية الفعلية التي تجري في أوجادين؟
وكما ذكرت سابقًا؛ فقد كتبت في البداية بشأن ما اعتقدت أنه يحدث في السودان وإثيوبيا وهو يعود إلى منتصف عام 2003. وتشير التقديرات إلى أن السودان تكبدت نحو مليوني حالة وفاة خلال حربها الأهلية التي دامت لعقود طويلة بين الشمال والجنوب. وبعد عدة سنوات من العمل الشاق، بدأ السلام على نحو بطيء، بل معقد تقريبًا يحل بالسودان بعد أن تم تحديد الأعمال الأساسية على الأرض خلال المفاوضات التي عُقدت هنا في أسمرة. على النقيض من هذا، ما هو برنامج العمل الذي طالبت به مجموعة "أنقذوا دارفور"؟ غزو واحتلال عسكري بقيادة غربية مثلما حدث في العراق وأفغانستان! إن بوقوع نصف مليون أو أكثر من القتلى بالعراق وأفغانستان بسبب "التدخل" العسكري الغربي، من صاحب عقل حصيف يمكن أن يعتقد أن إرسال جنود غربيين إلى السودان سيُقدم أي شيء سوى تدمير السلام الذي تم بناءه بشق الأنفس خلال السنوات القليلة الماضية والتسبب في مزيد من المعاناة؟
وبينما يترسخ السلام ببطء في دارفور، فإنه في أوجادين ليس إلا ذكرى مفقودة منذ فترة طويلة. إن الحرب، والمجاعة، والمرض آفات تنتشر في أنحاء أوجادين وأصبحت وضعًا يمثل إلى حد كبير النمط السائد في المناطق الزراعية بإثيوبيا. وفي حين يجني الوكلاء الغربيون ملايين الدولارات بينما يروجون لشعارهم الأجوف "أنقذوا دارفور"، شهد السودانيون نمو السلام في البلاد. في المقابل فإن الإثيوبيين، الذين عانوا في ظل نظام يُعد أكبر متلق للمعونات الغربية في إفريقيا، لا يرون إلا مستقبل من الصراعات العرقية والدينية المتنامية، والأسوأ من ذلك، برامج نشطة للإبادة الجماعية.
والمشكلات المتنامية في إثيوبيا يمكن دائمًا العودة بأسبابها إلى الغرب، وتحديدًا إلى الولايات المتحدة. فالغرب، وعلى الأخص الولايات المتحدة، يتفانون من أجل إبقاء إفريقيا في حالة من الأزمة؛ حيث أن ذلك هو الوضع الأفضل لاستغلالها. واللوبي صاحب شعار "أنقذوا دارفور" مُكرس لجلب مزيد من أعمال العنف إلى إفريقيا تحت ستار "التدخل الإنساني"؛ ولم يصل أبدًا من عشرات الملايين من الدولارات التي يجمعونها سوى النذر القليل إلى السودانيين، بالرغم من كونها مخصصة لهم.
إن إنهاء أسطورة الإبادة الجماعية في دارفور أمر طال انتظاره. وإذا كانت الشعوب الغربية تريد بالفعل تقديم المساعدة لإفريقيا، فينبغي عليهم وقف تبرعاتهم لمحتالي "أنقذوا دارفور" والبدء في مساءلتهم بشأن عشرات المليارات من المساعدات الغربية التي تُدفع لتمويل عمليات إبادة جماعية فعلية في إقليم أوجادين الإثيوبي.
المصدر
http://www.islammemo.cc/2009/10/31/89496.html
تعليق