بين السجود ومُخّ البعوض
ربى وإلهى ، أيها الراعى الصالح يسوع ، رجائى و شفيعى عند " أبى وأبيكم ، وإلهى وإلهكم " يو 20/17 ، رب السموات وما أظلّتْ ، والأرَضين وما أقلّتْ ، جلّ فى علاه .
* ما أجمل أن يمتلىء قلبٌ بالإيمان بإلهٍ واحدٍ (1) أحدٍ (2) ، قادر قهار ، قائم على أمر خليقته ، يَتَوجه إليه بالعبـادة ، يخر ويسجـد لعظمته وجلاله ، ويجثـو أمامه فى خشـوع وضـراعة ، يعنو له وجهه ، وتذل له ناصيته ، يقرّ له بالعزة والكبرياء ، يحمده ويثنى عليه ويمجده ، يستهديه ويستعينه ، يستغيث به ويستنصره ، ويستمـد منه الطاعـةَ والتوفيـقَ ، يسأله الرحمةَ والرأفـةَ والعفو والمغفـرة ، بدلا من " خبزَنـا كَفافَـنا أعطنـا اليوم " مت 6/11 ، فَـ " ليس بالخـبزِ وحدَه يحـيا الإنسـان " مت 4/4 ، تث 8/3 .
* يقول القساوسة : " كان على الأرض مكان للسجـود فى هيكل أورشـليم ، لكنه لا يوجـد الآن ، إنّ مكـانَ سجـودِ المؤمنين الآن قد أصبـح فى السمـاء " (3) .
" وبعد حلول الروح القدس لم يعـط للمؤمنـين صيـغة صـلاة يصلـونها " (4) .
* بئس ما فعلوه بنا يا ربى يسوع ، لقد خدعونا ، لن نسجد لله ولا مرة واحـدة ، لا أحيـاءً ، ولا أمواتـاً ، لا فى الأرض ، ولا فى السمـاء ، باعوا لنا الوهـم بكلمـات فضفـاضة ، لا تعنى إلا الأكاذيب .
لقد جعلوا بين جبـاهنا وبين الأرض جنايـة ، كما ألغـوا صلاتـك الربانيـة .
هل نحن نسجـد الآن فى السمـاء كما زعموا ، دون أن نسجـد فعـلا فى الأرض ؟
ما هذا الهـراء يا ربى وإلهى ؟ لقد قلب المحرفون كتـابك المقـدس رأسـا على عقب ، حطموا المضمون والمعنى ، لقد أصبح الحـقّ فى ديانتـك أعـزَّ من مـخ البعـوض .
* لقد سجد الأنبياءُ ، ورجالُ الكتاب المقدس ، ونسـاؤه ، على وجوههم إلى الأرض ، ثم حرف المبطلون دياناتهم بمبررات غير مبـرورة ، وبأعذار يشـوبها الكـذب لم يتولّ الحق نسجَها ، عليهم ما على أصحاب السبت من لعنة ، غاصوا غوصـة وجاءوا بروثـة ، إنهم أغنى عن الحقيقـة والصـدق والهـدَى من الأقـرع عن المشـط ، لقد أصبحتْ تعـاليمك على أيديهم علقما بكل فم ، إن عثـرةَ القـدم أسـلمُ من عثـرة اللسـان .
الكتاب المقدس بعهديه يزخر طولا وعَرضا بقصص السجـود على الأرض بالجبـهة والوجـه ، وكذا التعـاليم قبل أن يحرفَها المزيفـون . وأنت أدرى بكتابك المقدس يا إلهى .
ها هو حكم السجود فى النصرانية ، وفى الكتاب المقدس ، قبل أن تتولى يدُ التزوير اللعبَ بها :
- يقول القمص : " ومن ثم نجـثو على رُكَبنا أمامه تعالى ، دلالة على حقارتنا نظرا إلى جلاله الإلهى ، ثم نضع جبـاهنا على الأرض ، معترفين بذلك أننا كلا شئ نظرا إلى ذاتنا أمام ذاته الإلهية " (5) .
- ويقول ابن سباع : " أما الحُصْر أو الفُرُش بالكنائس، فهذا من اعتبارنا طهارة المحل وقداسته كما قال الله لموسى : ( الأرض التى أنت واقف عليها مقدسـة فاخـلع نعليـك . خر 3/5 )
ثم ولعدم لصق الأتربة بجبـاه المصلين ، فيحصل من ذلك كسل وتهاون ، واعتذار الشعب فى الحضور
إلى الكنيسـة ، ولعدم قذارة الجسم بالأوساخ " (6) .
- كما يقول : " ويبتدئوا الصلاة باكرا جدا فى الكنيسة بسجـود وركـوع وخُلوّ بال " (7) .
- ويروى إنجيل متّى عن صلاتك ليلة القبض عليك فى ضيعة جثسيمانى : " ثم تقدم قليلا وخـر على وجهـه وكان يصلى قائلا … " متى 26/39
- ويروى مرقص : " ثم تقدم قليلا وخـر على الأرض وكان يصلى … " مرقس 14/35
لقد كان ربى وإلهى عندما يصلى لربه وإلهه : يخـرّ على وجهـه عـلى الأرض .
وماذا عن يشوع بن نون المسمى يوشع :
- لما ظهر رئيس جند الرب ليوشع بن نون " فسقط يوشع على وجهـه إلى الأرض وسجـد " سفر يشوع 5/14
- كما يروى لنا الإصحاح السابع : " فمزق يوشع ثيابه وسقط على وجهـه إلى الأرض أمام تابوت الرب إلى المساء ، هو وشيوخ بنى إسرائيل ووضعوا ترابا على رؤسهم … فقال الرب ليوشع : قم لماذا أنت سـاقط على وجهـك " يوشع 7/6-10 .
وماذا عن ناثان النبى وسليمان :
- " فأخبروا الملك ( أى سليمان ) قائلين هو ذا ناثان النبى فدخل إلى أمام الملك وسجـد للملك على وجهـه إلى الأرض " سفر الملوك الأول 1/23 .
وعن داود فى نفس السفر :
- " وخرت بتشبع بوجههـا إلى الأرض وسجـدت للملك ( أى داود ) " 1 مل : 1/31
وبتشبع هى زوجة داود وأم سليمان عليهما السلام .
- " ولما رأتْ أبيجايل داودَ أسرعت ونزلتْ عن الحمار ، وسقطتْ أمام داود على وجههـا وسجـدتْ إلى الأرض " سفر صاموئيل الأول 25/23 .
وسجد إلى الأرض يعقوبُ ونساؤه والأسباطُ لأخيه عيسـو :
- " وسجـد إلى الأرض سبـعَ مرات ، حتى اقترب إلى أخيه … فاقتربت الجاريتان هما وأولادهمـا وسجـدتا ، ثم اقتربت ليئة أيضا وأولادها وسجـدوا ، وبعد ذلك اقترب يوسف وراحيل وسجـدا " سفر التكوين 33/3-6 .
- " وأما إيليا فصعد إلى رأس الكرمل وخـر إلى الأرض و جعل وجهَـه بين ركبتيه " سفر الملوك الأول 18/42 .
- وعن إليشع والشونمية يروى سفر الملوك الثانى : " فأتت وسقطت على رجليه ، وسجـدت إلى الأرض ، ثم حملت ابنها وخرجت " 4/37 .
- وسجد إخوة يوسف ( الأسباط ) ليوسف : " فأتى إخوة يوسف وسجـدوا له بوجوههـم إلى الأرض " سفر التكوين 42/6 .
- وعن موسى : " خرج موسى لاستقبال حميّـه وسجـد وقبّـله " سفر الخروج 18/7 .
- وإبراهيم عندما طلب من بنى حث قبرا يدفن فيه سارة : " فقام إبراهيم وسجـد لشعب الأرض لبنى حث ، … فسجـد إبراهيم أمام شعب الأرض " التكوين 23/7- 12 .
يقول القمص : " ومما أدعى للذكر هنا أن اللهَ نفسَه قد أباح السجـود للبشـر ، سواء أكانوا كهنة أم ملوكا أتقياء ، بقـوله تعالى لعالى الكاهن : وأقيم لنفسى كاهنا أمينا ويكون أن كل من يبقى فى بيتك يأتى ليسجـد له ( 1 صم 2/35 ) ، وقوله لكاهن كنيسة فيلادلفيا ، هاأنذا أصيّـرهم يأتون ويسجـدون أمام رجليك ، ويعرفون أنى أنا أحببتك ( رؤ 3/9 ) " (8) .
* لقد مسخ الأفاقون كتابك ، ونسخوا تعاليمك ، وحذفوا وأضافوا ، وحرفوا ودسّوا ، وألّـفوا وأحدثوا ، وغيروا وبدلوا ، وألغـوا الركـوع والسجـود فى الصـلاة . لو قال الكتابُ تمـرةً ... قالوا جمـرةً . إنهم أسـرعُ إلى العـبث بالكتـاب من الكلـب إلى ولوغـه .
ما ضَرّهم فى سجدات لله ، يؤديها المسلم أكثر من مائـة مـرة فى اليـوم الواحـد : فى فرائضه ، وسُننه ، ووتره ، وعند وضوئه ، وعند دخوله المسجد ، وفى ضحاه ، وتهجـده !!! ولكن كثيرا ما يلـبس الشيطـان مسـوح الرهبـان .
* لكنك أنت الذى أقمتَهم حراسا على النصرانية : " الحق أقول لكم ، كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا فى السماء ، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا فى السماء " مت 18/18 ، " من غفرتم خطاياه غُفِرتْ له ، ومن أمسكتم خطاياه أُمسِكتْ " يو 20/23 .
ومن اسـترعى الـذئب ظلـم .
* لقد وضعتَ فى كَفّهم من رُقَى إبليس مِفتاحا ، لقد أصبحتْ قولتُـك شعبذةَ الفسـاد والضـلال ، وأصبح النصرانى أولَ من يسمع ويردد ، عقلُه فى أذنيـه ، صـدى لما يسـمعه ، صوتُ سـيده ، يخشى أن يلقيـه القـس فى بحـيرة النـار والكبريت . لِمَ لَمْ تتـدبر الأمر وتمسـكْ طرْفَ لسـانك ؟ إن زلة اللسـان لا تقـال ، والعجـَلة من الشيـطان .
ألم تعلم أن عقـولَ الرجال رهينـةٌ بمخـارج ألسنتـهم ؟ ؟ أنت كلمـة الله وحكمتـه ، كيف لم تسـبق أنـوارُ الحكمـةِ كـل أقـوالك ؟ ؟
* ربى وإلهى : أباحت الشريعة السجـود للبشـر ، سجـود احترام وتوقيـر : " ولا يغرب عن الأذهـان أن السجود نوعان : سجـود عبـادة ، وسجـود إكـرام ... " (9) .
ولكن يقول البابا شنوده : " ... وكما قال القديس اثناسيوس الرسولى : ( ليس هو طبيعتين نسجد للواحدة ، ولا نسجد للأخرى ، بل طبيعة واحدة هى الكلمة المتجسد ، المسجـود له مع جسـده سجودا واحدا ) . ولذلك فإن شعـائر العبـادة لا تقدم للاهوت وحده دون الناسـوت ، إذ لا يوجد فصل ، بل العبـادة لهذا الإله المتجسـد " (10) .
* بربك وإلهك أجبنى يا ربى وإلهى : كيف أسجـد سجـود العبـادة للإله المتجسـد وأنت تحمـل فى بطنـك العـَذْرةَ ، وفى أحشـائك الضـرطةَ والفسـوةَ ، وفى مثانتـك البـولة ، وبدايتك بويضة ملقحة بجدار رحم " امرأة ، مولودا تحت الناموس " غل 4/4 ؟ ؟ وكيف أسجـد لله بغير سجـودك وسجود الأنبيـاء ؟ ؟ برغم نقضهم وإلغـائهم الركـوع والسجـود فى الصـلاة ؟ ؟ وأين أسجـد : أفى السمـاء ، أم فـى الأرض ؟ ؟ كيف أسجـد للمذبـح (11) ولفطـيرة القربان (12) ولا أسـجد لله جاثيـا على ركبتـىّ ، واضعـا وجـهى وجبـهتى على الأرض ؟
* لقد بقى الإسـلامُ هو الدينُ الوحيـدُ الشـامخ ، الذى لم تحـرفْ السجـودَ فيه الأهـواءُ ، ولم يتلاعب به المزورون ، ولم يخالف أتبـاعُه سنّـةَ الأنبياء ، يسجـد المسلمون لخالقـهم بوجوههـم وجباههم إلى الأرض ، مع الوضوء ، طهـارة تامة للجسـد والمـكان ، وخلـع النعـال ، كما أمـر إلهنا وإلههـم ، وكما أُثِـرَ عن نبيهـم منذ 14 قـرنا ، " صِبْغـةَ اللهِ ومَن أحسـنُ مِن الله صبغـةً " .
دينُـهم أصفـى من جَـنَى النحـل ، كمْ تحـيّرنى شريعـةُ هؤلاء المسلمين وأمـورُ دينـهم .
* وما بال الإسلام دينٌ لا يعرف الكهنـوتَ ، ولا الطقـوسَ ، وبلا مذابـح ، ولا تماثيـل ، ولا أيقـونات ، ولا صور ، ولا مبـاخـر ، ولا شموع ، ولا ميرون ، ولا تعميد ، ولا أسرار كنسـية ، ولا قربـان يتحول إلى جسـد الرب ودمه ، كما يعلّم البـراءةَ الأصليـةَ للإنسان ... الخ ، ولم يُؤتمن اليهودُ - الذين عمّتهم لعنةُ الله - على قرآنـهم ، فهنيئا لهم بكتاب يحفظـونه عن ظهـر قلب ، لم يكتبْـه مجهـولون ، ولم يحققْـه لهم بنو إسرائيل ، ولم تُشكَّل لجنـةٌ واحـدةٌ لتصحيـح نصوص ، أو حـذفِ مدسوسـات .
وحـقّ ما كُـتِبَ بمسْـك أن يُخـتَـمَ بعـنبـر .
تكلـم وأجبـنى بربـك أيهـا الراعـى الصـالح يسـوع . أم أن السكـوتَ مِن ذَهَـب ؟ ؟
ولكن ... رُبَّ طـرْفٍ أفصـحُ من لسـان ، وربمـا كـان السكـوتُ جـوابـاً .
المراجع :
1 – واحد : أى ليس له شبيه ولا مثيل ولا نظير .
2 – أحد : أى غير مركب من أجزاء أو أقانيم .
3 – دراسات فى إنجيل متى – تعريب وهيب ملك صـ 42 .
4 - دراسات فى إنجيل متى – تعريب وهيب ملك صـ 44 .
5 – علم اللاهوت – القمص ميخائيل مينا صـ 113 .
6 – الجوهرة النفيسة فى علوم الكنيسة – ابن سباع صـ 101 .
7 - الجوهرة النفيسة فى علوم الكنيسة – ابن سباع صـ 104 .
8 - علم اللاهوت – القمص ميخائيل مينا صـ 114 .
9- علم اللاهوت – القمص ميخائيل مينا صـ 112 .
10 – طبيعة المسيح – البابا شنوده صـ 9 .
11 – سنوات مع أسئلة الناس – البابا شنوده جـ 6 صـ 67 : " وبتدشين المذبح يمكن تقبيله ، والسجود أمامه ، والدوران حوله ، وإقامة القداسات عليه " .
12 - علم اللاهوت – القمص ميخائيل مينا صـ 112 : " ... كسجودنا للقربان المقدس من حيث أن سيدنا يسوع المسيح الموجود فيه هو إلهنا مبدع كل الخيرات ، وخالق جميع المبروءات " .
تعليق