اليهود والروح القدس:
واليهود أهل التوراة يعرفون حقيقة معنى الروح ، ويعرفون أن الروح القدس هو الذى يأتى بالوحى إلى الأنبياء، وأنه جبريل u، وأنه ينفذ أوامر الله، لا يأتي بشيء من عنده، وما هو إلا عبد من عباد الله ورسوله، وأحد خلقه من ملائكة الله المقربين، ولكنهم مع كثرة نزوله بالعقاب عليهم لكثرة عصيانهم لله، ومخالفة أمره، كرهوا ملاك الله جبريل ، وكرهوا اسمه، واعتبروه عدوًا لهم، ومحاربًا لهم ، فقد ذكر سفر إشعياء هذه العداوة التي ملأت قلوبهم، ونطقت بها أفواههم، إذ جاء فيه: (7إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَذْكُرُ. تَسَابِيحَ الرَّبِّ. حَسَبَ كُلِّ مَا كَافَأَنَا بِهِ الرَّبُّ وَالْخَيْرَ الْعَظِيمَ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَافَأَهُمْ بِهِ حَسَبَ مَرَاحِمِهِ وَحَسَبَ كَثْرَةِ إِحْسَانَاتِهِ. 8وَقَدْ قَالَ حَقّاً: «إِنَّهُمْ شَعْبِي بَنُونَ لاَ يَخُونُونَ». فَصَارَ لَهُمْ مُخَلِّصاً. 9فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ. 10وَلَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا وَأَحْزَنُوا رُوحَ قُدْسِهِ فَتَحَوَّلَ لَهُمْ عَدُوّاً وَهُوَ حَارَبَهُمْ.) إشعياء 63: 7-10
هذه العداوة من اليهود للروح القدس جبريل u جعلتهم يكرهون ذكر اسمه، لذلك فقد اهتم اليهود بسؤال الأنبياء عن الروح الذى يأتى بالوحى من السماء، فإن كان جبريل قاطعوا النبي ولم يسمعوا له، فقد ثبت في صحيح البخارى عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال: سمع عبد الله ابن سلام بقدوم رسول الله r، وهو فى أرضٍ يخترف ، فأتى النبي r، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبى ، فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفًا ، قال: جبريل؟ قال: نعم ، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة ، فقرأ هذه الآية: [قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * </div><div align="right"></="text-align: right; direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang="AR-SA" style="font-size: 18.0pt">مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ] (البقرة 97 [-98])... الحديث)) (رواه البخاري ـ كتاب التفسير ـ باب قوله تعالى (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ) حديث رقم 4480 ، وكتاب التوحيد ـ باب ذكر الملائكة ، حديث رقم 3207) .
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس ـ ـ قال: أقبلت يهود إلى رسول الله r، فقالوا: يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشيـاء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه، إذ قالوا: الله على ما نقول وكيل ، قال: هاتوا ـ الحديث ـ إلى أن قالوا: صدقت ، إنما بقيت واحدة ، وهي التي نبايعك إن أخبرتنا بها ، فإنه ليس من نبى إلا له ملك يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك؟
قال: جبريل ـ u ـ قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان، فأنزل الله عز وجل: (قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ) إلى قوله: (فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ) (رواه الإمام أحمد في مسنده ج1 ص273، الطبعة الميمنية عام 1405).
وساق ابن جرير بسنده نحوًا من هذا الحديث ، ثم ذكر روايات أخرى جاء فيها زعم اليهود أن جبريل عدوهم، وأنه يأتيهم بالشـدة وسفك الدماء، والحـرب والقتال (انظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن مج 1ج 1ص 431-435).
فتبين أن هؤلاء اليهود يعرفون حقيقة الروح القدس وأنه جبريل u وهو المذكور في كتبهم المنزلة على أنبيائهم.
وحتى استنتاج الأنبا غريغوريوس فى موسوعته ”اللاهوت العقيدى – الجزء الأول ص 534“ على أن الروح القدس هى الله وهى الأقنوم الثالث من الثالوث الذى يقدسونه لتحليل ساذج متهافت فهو يقول: (الروح القدس هو الله، لأن الله روح، والقدس، لأنه قدوس.) ونسى أن الروح من خلق الله وهو الذى أعطاها هذه القداسة، وأنه بذلك جعل الله مخلوقًا!
وتراه قد بدأ استنتاجه بالنتيجة التى يريد أن يثبتها ، ولم يأت بدليل غير أن ”الله روح، وهو قدوس، إذًا هو الروح القدس“. وإذا كان الأمر بهذه البساطة فإن الشيطان أُطلق عليه فى الكتاب المقدس كلمة الروح. وعلى ذلك فلابد أن تعترفوا به إلهًا: (19وَقَالَ: [فَاسْمَعْ إِذاً كَلاَمَ الرَّبِّ: قَدْ رَأَيْتُ الرَّبَّ جَالِساً عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَكُلُّ جُنْدِ السَّمَاءِ وُقُوفٌ لَدَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ. 20فَقَالَ الرَّبُّ: مَنْ يُغْوِي أَخْآبَ فَيَصْعَدَ وَيَسْقُطَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ؟ فَقَالَ هَذَا هَكَذَا وَقَالَ ذَاكَ هَكَذَا. 21ثُمَّ خَرَجَ الرُّوحُ وَوَقَفَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: أَنَا أُغْوِيهِ. وَسَأَلَهُ الرَّبُّ: بِمَاذَا؟ 22فَقَالَ: أَخْرُجُ وَأَكُونُ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ. فَقَالَ: إِنَّكَ تُغْوِيهِ وَتَقْتَدِرُ. فَاخْرُجْ وَافْعَلْ هَكَذَا.) ملوك الأول 22: 19-22
وأُطلق عليه رئيس هذا العالم: (اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا الْعَالَمِ خَارِجاً) يو12: 31
بل أُطلِقَ عليه إله هذا الدهر: (4الَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ.) كورنثوس الثانية 4: 4
وهو (الشيطان) فى نفس الوقت إله الحكمة ، وسيد المواقف الصعبة التى يفشل فيها الإله وملائكته ، فقد فشل الإله وملائكته فى إغواء أخاب، كما ذكرنا من قبل فى (ملوك الأول 22: 19-22) وعلم الشيطان بموعد اجتماعهم ومكانه وسببه، وكان يعلم أيضًا بحكمته أن هذا الإله ليس بإله محبة ، وأنه سوف يُضمر حنقه على البشرية كلها، وكان يعلم أن بنى آدم خطَّاء، لذلك وسوس لحواء وآدم للأكل من الشجرة المحرمة عليهما، ليطردهما الرب من الجنة ، ولينزلا ليعيشا ويُنجبا ذرية تعيش فى الأرض، ولينزل الرب بعد سنوات عديدة ليُعدم صلبًا، وبذلك يكون قد سحب الإله بعيدًا عن عرشه وعن ملائكته، وجعله يتجسد ليسهل عليه السيطرة عليه ، فقبض عليه وأسره لمدة أربعين يومًا، لم يُطعمه فيها، ولم يُسقه، ولم يسمح أن يقترب منه أحد من ملائكته ليخدمه، وسحبه معه أينما ذهب تحت مسمى أنه يجربه، وقد يكون قد قتله فى الصحراء أو أطعمه للسباع البرية ، وتجسَّد هو فى صورته:
(1أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ 2أَرْبَعِينَ يَوْماً يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئاً فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيراً. 3وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ لِهَذَا الْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزاً». 4فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ». 5ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَانِ. 6وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «لَكَ أُعْطِي هَذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ. 7فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ الْجَمِيعُ». 8فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». 9ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَأَقَامَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلَ 10لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ 11وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». 12فَأَجَابَ يَسُوعُ: «إِنَّهُ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ». 13وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ.) لوقا 4: 1-13
وبما أن الله لا يُجرَّب بالشرور ، فيكون يسوع الذى جربه الشيطان بالشرور ليس الله: (لأن الله غير مُجرَّب بالشرور وهو لا يُجَرِّب أحداً) رسالة يعقوب 1: 13
وعندما أحس الشيطان أن الرب يريد أن يتراجع ، وبكى ، ودعا الله أن يُذهب عنه كأس الموت ، دفع يهوذا الإسخريوطى أن يشى به ويُعجِّل بتحرير البشرية من الخطيئة الأزلية. وبالتالى فهو المحرر الحقيقى للبشرية من الخطيئة الأزلية. وبهذا العمل البطولى ل”سيد العالم“ يعيش النصارى الآن أحرارًا من الخطيئة التى لم يرتكبوها ، ولم يوافقوا عليها. ومازال هو الجندى المجهول ، فلم يشكروا لمحررهم الأول وهو الشيطان وحليفه يهوذا الإسخريوطى هذا الصنيع. فلعنوا الأول وقالوا عن الثانى خائن.
الأمر الذى تطلب منهم أن يؤمنوا بمحبة الأعداء! ومن هو العدو الأكبر لبنى آدم فى الحياة غير الشيطان سبب كل شرور العالم؟ فقال متى: («سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ.) متى 5: 43-44
وبذلك فهو الذى يستحق العبادة، وليس الرجل خائر القوة الذى صلبوه. (وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى 42قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ». 43وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. 44وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ.) لوقا 22: 41-44
وهناك من الأرواح الرديئة الشيطانية التى تُنسب للرب، وحلت على أنبيائه فقتلوا ودمروا ، وبمنطق الأنبا غريغوريوس سيصل القارىء إلى كون الرب شيطان (سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرا!).
فحل روح الرب على شمشون فقتل ثلاثين رجلاً. (قضاة 14: 19)
وأرسل الرب روحًا فأوقع بين قومين دمَّر عليهم مدينتهم ، وأباد شعبها وأتلف زرعهم: (23وَأَرْسَلَ الرَّبُّ رُوحاً رَدِيئَاً بَيْنَ أَبِيمَالِكَ وَأَهْلِ شَكِيمَ, فَغَدَرَ أَهْلُ شَكِيمَ بِأَبِيمَالِكَ. .. .. .. 45وَحَارَبَ أَبِيمَالِكُ الْمَدِينَةَ كُلَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ, وَأَخَذَ الْمَدِينَةَ وَقَتَلَ الشَّعْبَ الَّذِي بِهَا, وَهَدَمَ الْمَدِينَةَ وَزَرَعَهَا مِلْحاً. 49فَقَطَعَ الشَّعْبُ أَيْضاً كُلُّ وَاحِدٍ غُصْناً وَسَارُوا وَرَاءَ أَبِيمَالِكَ, وَوَضَعُوهَا عَلَى الصَّرْحِ وَأَحْرَقُوا عَلَيْهِمِ الصَّرْحَ بِالنَّارِ. فَمَاتَ أَيْضاً جَمِيعُ أَهْلِ بُرْجِ شَكِيمَ, نَحْوُ أَلْفِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ.) أنظر سفر القضاة 9: 23 ، 45 ، 49, فما هو الإرهاب إن لم تسموا هذا إرهابًا؟
وكان روح الرب على شاول، فخلع هو أيضًا ثيابه وتنبّأ هو أيضًا. وانطرح عريانًا ذلك النهار كله وكل الليل. (صموئيل الأول 19: 24)
خرج الروح واجتمع مع الرب وملائكته لإهلاك آخاب (ملوك الأول 22: 19-22) ،
وأهلكهم الرب إله المحبة وأمر أن تُترك جثثهم لتأكلها الكلاب. فماذا كان سيفعل الشيطان غير ذلك؟: (23وَقَالَ الرَّبُّ عَنْ إِيزَابَلَ أَيْضاً: [إِنَّ الْكِلاَبَ تَأْكُلُ إِيزَابَلَ عِنْدَ مِتْرَسَةِ يَزْرَعِيلَ. 24مَنْ مَاتَ لأَخْآبَ فِي الْمَدِينَةِ تَأْكُلُهُ الْكِلاَبُ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْحَقْلِ تَأْكُلُهُ طُيُورُ السَّمَاءِ].) ملوك الأول 21: 23-24
ومثَّل بجثة يهوياقيم ، ومنع أى فرد من نسله أن يرث كرسى داود: (30لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: لاَ يَكُونُ لَهُ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَتَكُونُ جُثَّتُهُ مَطْرُوحَةً لِلْحَرِّ نَهَاراً وَلِلْبَرْدِ لَيْلاً.) إرمياء 36: 30 ،
مع الأخذ فى الاعتبار أنه قد جاء من نسل يهوياقيم هذا يسوع الذى تسمونه الروح القدس ، وعلى ذلك فقد نعته الآب بأنه ليس بقدوس! وهذا هو السبب الذى جعل كاتب إنجيل متى يُسقط اسم يهوياقيم من نسل يسوع!!
كان هذا بالنسبة لقول الأنبا غريغوريوس عن كلمة الروح ، أما بالنسبة لكلمة القدس فيدعى الأنبا غريغوريوس فى موسوعته ص534: أن ”كلمة قدوس لا تُطلق إلا على الله، يقولوا الإنسان قديس ، إنما الله هو القدوس“ ، ودليله على ذلك إنشاد الملائكة فى السماء قائلين: ”قدوس ، قدوس ، قدوس“. ولم يعلم الأنبا أن الرب أمر موسى أن يكلم جماعة بنى إسرائيل ويقول لهم إنه (موسى) قدوس الرب: (1وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: 2«قُلْ لِكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي قُدُّوسٌ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ.) لاويين 19: 2
وقالها الرب عن هارون: (16وَحَسَدُوا مُوسَى فِي الْمَحَلَّةِ وَهَارُونَ قُدُّوسَ الرَّبِّ.) مزامير 106: 16
وقد أطلقها الرب أيضاً على نفسه ، فقال: (45إِنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَصْعَدَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لِيَكُونَ لَكُمْ إِلَهاً. فَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ»)لاويين 11: 45
وقالها الرب على كل فاتح رحم أى الابن البكر من بنى لاوى: (23كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوساً لِلرَّبِّ.) لوقا 2: 23
أما قول الرب: (2لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثْلَ الرَّبِّ) صموئيل الأول 2: 2 ، فيدل على أنه هناك آخرون يُطلق عليهم قدوس ، ولكن لله القداسة الكاملة.
وكيف فات النصارى أن يسوع عندهم فى الكتاب لم يتمتع مطلقاً بهذه القداسة التى تُنسب لله. فقد وحدوا الرب الخالق مع الإنسان والروح القدس، وكان بذلك الإله يتبول على نفسه، ويتبرز فى ملابسه، وكان يهرب من اليهود خوفاً من قتله، وفى النهاية قبضوا عليه، وأهانوه، وبصقوا فى وجهه، ثم قتلوه. فأى قداسة ترونها فى ذلك؟ وأى كرامة تبقت له؟ مع الأخذ فى الاعتبار أن الثالوث لا ينفصل ولا يتجزأ!
(1وَكَانَ يَسُوعُ يَتَرَدَّدُ بَعْدَ هَذَا فِي الْجَلِيلِ لأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي الْيَهُودِيَّةِ لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ.) يوحنا 7: 1
(53فَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ. 54فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضاً يَمْشِي بَيْنَ الْيَهُودِ علاَنِيَةً) يوحنا 11: 53-54
(28فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيَّاً 29وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!» 30وَبَصَقُوا عَلَيْهِ وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ. 31وَبَعْدَ مَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ نَزَعُوا عَنْهُ الرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ) متى 27: 28-31
وبصفة عامة فإن اليهود نسبوا لله كل ما يتعلق بطبيعته من قدرة وإرادة ، أو يخضع لإرادته مثل ”سماوات الله“ أو ما يخرج من عنده مثل شريعة الله،أو ينتسبون لله تشريفاً من الله لهم، مثل أنبياء الله، ورسل الله، وأحباب الله، وأولاد الله وغيره.
وبذلك نكون قد علمنا من السطور السابقة أن المسيحيين يؤمنون أن إلههم الذى يعبدونه يتكون من ثلاثة أقانيم ، أقنوم الأب وهو إله ، وأقنوم الابن وهو إله، وأقنوم الروح القدس وهو إله أيضًا. وعلى الرغم من أنهم يتكلمون عن كل واحد بمفرده، ويؤمنون أن كلاً منهم إله منفصل عن الآخرين ، ولكنهم مع ذلك إله واحد.
ومعنى هذا أن هذا الإله إمَّا أن يكون مثل الإله البازل Puzzle الذى يركبه الصبية، ولا تتم صورته ولا تكمُل إلا بتركيب كامل أجزائه مع بعضها البعض. وإمَّا أن يكون إلهًا واحدًا تم تقسيمه إلى ثلاثة أقانيم ، وتم توزيع الأدوار على كل منهم.
وعلمنا رأيهم فى الأقانيم ومعناها ، وقد قمنا بتفنيد آراءهم ، وعقيدتهم ، كما بيَّنَّا أن أصول هذه العقيدة من اختراع قساوسة الكنيسة وآبائها فى القرن الثالث والرابع، وعلمنا أن الكتاب المقدس لا يحتوى على كلمة التثليث أو كلمة أقنوم أو قول على لسان يسوع يأمر فيه اليهود أن يسجدوا له ، ويتوجهوا إليه بالعبادة ، والصوم والدعاء.
وكل ما نراه هو توحيد خالص ، تشير إليه الكثير من النصوص المحكمة ، التى نعتبرها الأساس الثابت ، الذى نقيس على فهمنا له باقى النصوص، وما يختلط فيه التأويل أو الفهم ، يكون من المتشابه ، الذى يجب رده إلى المحكم، ليتضح الأمر.
وعلى ذلك نتجه فى النقطة القادمة إلى أدلة التوحيد فى العهدين القديم والجديد. ولا يجب أن ننسى أن العقيدة التى أمر بها الرب أنبياءه فى عهده القديم يجب أن تكون هى نفس عقيدة القوم فى العهد الجديد من عدة نواحٍ: أن عيسى u لم يأت لينقض ، ولا يوجد نسخ فى العقيدة ، وإنما النسخ الذى تعرفه الأديان هو فى الأحكام للتدرُّج. هذا ولا يعترف المسيحيون بالنسخ فى دينهم على الرغم من وجوده بوفرة (راجع فى هذا كتابى ”الناسخ والمنسوخ فى التوراة“)
لكن ماذا إذا اختلفت العقيدة بين العهدين؟ ألا يدل هذا على أن أحد الكتابين قد تم تحريفه؟ أم يدل هذا على أن الرب تلاعب بعبيده فأوحى فى عهده القديم عقائد تغاير ما أوحاه فى كتابه الآخر؟
وقد أكدت دائرة المعارف الفرنسية ما ذهبنا إليه ، فقد ورد فيها نقلا عن دائرة معارف القرن العشرين ، محمد فريد وجدى ج10 ص199 ”جاء لفظ روح الله ونفخة الله فى التوراة ولم يقصد بها إلا أصل القدرة الإلهية أو طريقة تأثير تلك القدرة ... وقد جاء فى الأناجيل ذكر الآب والابن والروح القدس، ولكنه لا يوجد فيها إشارة ما إلى التثليث، ولا إلى ما يشير إليه العلم اللاهوتى اليوم ، فالإله الذى كان يتكلم عنه عيسى u وحوارييه هو الله الواحد رب الأنبياء والأولياء الذى تجب له العبادة وحده، وكان عيسى عليه السلام يدعو هذا الإله بالآب ولا يدعو ربًا سواه“.(ص226 ”النصرانية من التوحيد إلى التثليث“)
واليهود أهل التوراة يعرفون حقيقة معنى الروح ، ويعرفون أن الروح القدس هو الذى يأتى بالوحى إلى الأنبياء، وأنه جبريل u، وأنه ينفذ أوامر الله، لا يأتي بشيء من عنده، وما هو إلا عبد من عباد الله ورسوله، وأحد خلقه من ملائكة الله المقربين، ولكنهم مع كثرة نزوله بالعقاب عليهم لكثرة عصيانهم لله، ومخالفة أمره، كرهوا ملاك الله جبريل ، وكرهوا اسمه، واعتبروه عدوًا لهم، ومحاربًا لهم ، فقد ذكر سفر إشعياء هذه العداوة التي ملأت قلوبهم، ونطقت بها أفواههم، إذ جاء فيه: (7إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَذْكُرُ. تَسَابِيحَ الرَّبِّ. حَسَبَ كُلِّ مَا كَافَأَنَا بِهِ الرَّبُّ وَالْخَيْرَ الْعَظِيمَ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَافَأَهُمْ بِهِ حَسَبَ مَرَاحِمِهِ وَحَسَبَ كَثْرَةِ إِحْسَانَاتِهِ. 8وَقَدْ قَالَ حَقّاً: «إِنَّهُمْ شَعْبِي بَنُونَ لاَ يَخُونُونَ». فَصَارَ لَهُمْ مُخَلِّصاً. 9فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ. 10وَلَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا وَأَحْزَنُوا رُوحَ قُدْسِهِ فَتَحَوَّلَ لَهُمْ عَدُوّاً وَهُوَ حَارَبَهُمْ.) إشعياء 63: 7-10
هذه العداوة من اليهود للروح القدس جبريل u جعلتهم يكرهون ذكر اسمه، لذلك فقد اهتم اليهود بسؤال الأنبياء عن الروح الذى يأتى بالوحى من السماء، فإن كان جبريل قاطعوا النبي ولم يسمعوا له، فقد ثبت في صحيح البخارى عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال: سمع عبد الله ابن سلام بقدوم رسول الله r، وهو فى أرضٍ يخترف ، فأتى النبي r، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبى ، فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفًا ، قال: جبريل؟ قال: نعم ، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة ، فقرأ هذه الآية: [قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * </div><div align="right"></="text-align: right; direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang="AR-SA" style="font-size: 18.0pt">مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ] (البقرة 97 [-98])... الحديث)) (رواه البخاري ـ كتاب التفسير ـ باب قوله تعالى (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ) حديث رقم 4480 ، وكتاب التوحيد ـ باب ذكر الملائكة ، حديث رقم 3207) .
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس ـ ـ قال: أقبلت يهود إلى رسول الله r، فقالوا: يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشيـاء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه، إذ قالوا: الله على ما نقول وكيل ، قال: هاتوا ـ الحديث ـ إلى أن قالوا: صدقت ، إنما بقيت واحدة ، وهي التي نبايعك إن أخبرتنا بها ، فإنه ليس من نبى إلا له ملك يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك؟
قال: جبريل ـ u ـ قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان، فأنزل الله عز وجل: (قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ) إلى قوله: (فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ) (رواه الإمام أحمد في مسنده ج1 ص273، الطبعة الميمنية عام 1405).
وساق ابن جرير بسنده نحوًا من هذا الحديث ، ثم ذكر روايات أخرى جاء فيها زعم اليهود أن جبريل عدوهم، وأنه يأتيهم بالشـدة وسفك الدماء، والحـرب والقتال (انظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن مج 1ج 1ص 431-435).
فتبين أن هؤلاء اليهود يعرفون حقيقة الروح القدس وأنه جبريل u وهو المذكور في كتبهم المنزلة على أنبيائهم.
* * *
وتراه قد بدأ استنتاجه بالنتيجة التى يريد أن يثبتها ، ولم يأت بدليل غير أن ”الله روح، وهو قدوس، إذًا هو الروح القدس“. وإذا كان الأمر بهذه البساطة فإن الشيطان أُطلق عليه فى الكتاب المقدس كلمة الروح. وعلى ذلك فلابد أن تعترفوا به إلهًا: (19وَقَالَ: [فَاسْمَعْ إِذاً كَلاَمَ الرَّبِّ: قَدْ رَأَيْتُ الرَّبَّ جَالِساً عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَكُلُّ جُنْدِ السَّمَاءِ وُقُوفٌ لَدَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ. 20فَقَالَ الرَّبُّ: مَنْ يُغْوِي أَخْآبَ فَيَصْعَدَ وَيَسْقُطَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ؟ فَقَالَ هَذَا هَكَذَا وَقَالَ ذَاكَ هَكَذَا. 21ثُمَّ خَرَجَ الرُّوحُ وَوَقَفَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: أَنَا أُغْوِيهِ. وَسَأَلَهُ الرَّبُّ: بِمَاذَا؟ 22فَقَالَ: أَخْرُجُ وَأَكُونُ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ. فَقَالَ: إِنَّكَ تُغْوِيهِ وَتَقْتَدِرُ. فَاخْرُجْ وَافْعَلْ هَكَذَا.) ملوك الأول 22: 19-22
وأُطلق عليه رئيس هذا العالم: (اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا الْعَالَمِ خَارِجاً) يو12: 31
بل أُطلِقَ عليه إله هذا الدهر: (4الَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ.) كورنثوس الثانية 4: 4
وهو (الشيطان) فى نفس الوقت إله الحكمة ، وسيد المواقف الصعبة التى يفشل فيها الإله وملائكته ، فقد فشل الإله وملائكته فى إغواء أخاب، كما ذكرنا من قبل فى (ملوك الأول 22: 19-22) وعلم الشيطان بموعد اجتماعهم ومكانه وسببه، وكان يعلم أيضًا بحكمته أن هذا الإله ليس بإله محبة ، وأنه سوف يُضمر حنقه على البشرية كلها، وكان يعلم أن بنى آدم خطَّاء، لذلك وسوس لحواء وآدم للأكل من الشجرة المحرمة عليهما، ليطردهما الرب من الجنة ، ولينزلا ليعيشا ويُنجبا ذرية تعيش فى الأرض، ولينزل الرب بعد سنوات عديدة ليُعدم صلبًا، وبذلك يكون قد سحب الإله بعيدًا عن عرشه وعن ملائكته، وجعله يتجسد ليسهل عليه السيطرة عليه ، فقبض عليه وأسره لمدة أربعين يومًا، لم يُطعمه فيها، ولم يُسقه، ولم يسمح أن يقترب منه أحد من ملائكته ليخدمه، وسحبه معه أينما ذهب تحت مسمى أنه يجربه، وقد يكون قد قتله فى الصحراء أو أطعمه للسباع البرية ، وتجسَّد هو فى صورته:
(1أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ 2أَرْبَعِينَ يَوْماً يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئاً فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيراً. 3وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ لِهَذَا الْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزاً». 4فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ». 5ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَانِ. 6وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «لَكَ أُعْطِي هَذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ. 7فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ الْجَمِيعُ». 8فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». 9ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَأَقَامَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلَ 10لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ 11وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». 12فَأَجَابَ يَسُوعُ: «إِنَّهُ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ». 13وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ.) لوقا 4: 1-13
وبما أن الله لا يُجرَّب بالشرور ، فيكون يسوع الذى جربه الشيطان بالشرور ليس الله: (لأن الله غير مُجرَّب بالشرور وهو لا يُجَرِّب أحداً) رسالة يعقوب 1: 13
وعندما أحس الشيطان أن الرب يريد أن يتراجع ، وبكى ، ودعا الله أن يُذهب عنه كأس الموت ، دفع يهوذا الإسخريوطى أن يشى به ويُعجِّل بتحرير البشرية من الخطيئة الأزلية. وبالتالى فهو المحرر الحقيقى للبشرية من الخطيئة الأزلية. وبهذا العمل البطولى ل”سيد العالم“ يعيش النصارى الآن أحرارًا من الخطيئة التى لم يرتكبوها ، ولم يوافقوا عليها. ومازال هو الجندى المجهول ، فلم يشكروا لمحررهم الأول وهو الشيطان وحليفه يهوذا الإسخريوطى هذا الصنيع. فلعنوا الأول وقالوا عن الثانى خائن.
الأمر الذى تطلب منهم أن يؤمنوا بمحبة الأعداء! ومن هو العدو الأكبر لبنى آدم فى الحياة غير الشيطان سبب كل شرور العالم؟ فقال متى: («سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ.) متى 5: 43-44
وبذلك فهو الذى يستحق العبادة، وليس الرجل خائر القوة الذى صلبوه. (وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى 42قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ». 43وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. 44وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ.) لوقا 22: 41-44
وهناك من الأرواح الرديئة الشيطانية التى تُنسب للرب، وحلت على أنبيائه فقتلوا ودمروا ، وبمنطق الأنبا غريغوريوس سيصل القارىء إلى كون الرب شيطان (سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرا!).
فحل روح الرب على شمشون فقتل ثلاثين رجلاً. (قضاة 14: 19)
وأرسل الرب روحًا فأوقع بين قومين دمَّر عليهم مدينتهم ، وأباد شعبها وأتلف زرعهم: (23وَأَرْسَلَ الرَّبُّ رُوحاً رَدِيئَاً بَيْنَ أَبِيمَالِكَ وَأَهْلِ شَكِيمَ, فَغَدَرَ أَهْلُ شَكِيمَ بِأَبِيمَالِكَ. .. .. .. 45وَحَارَبَ أَبِيمَالِكُ الْمَدِينَةَ كُلَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ, وَأَخَذَ الْمَدِينَةَ وَقَتَلَ الشَّعْبَ الَّذِي بِهَا, وَهَدَمَ الْمَدِينَةَ وَزَرَعَهَا مِلْحاً. 49فَقَطَعَ الشَّعْبُ أَيْضاً كُلُّ وَاحِدٍ غُصْناً وَسَارُوا وَرَاءَ أَبِيمَالِكَ, وَوَضَعُوهَا عَلَى الصَّرْحِ وَأَحْرَقُوا عَلَيْهِمِ الصَّرْحَ بِالنَّارِ. فَمَاتَ أَيْضاً جَمِيعُ أَهْلِ بُرْجِ شَكِيمَ, نَحْوُ أَلْفِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ.) أنظر سفر القضاة 9: 23 ، 45 ، 49, فما هو الإرهاب إن لم تسموا هذا إرهابًا؟
وكان روح الرب على شاول، فخلع هو أيضًا ثيابه وتنبّأ هو أيضًا. وانطرح عريانًا ذلك النهار كله وكل الليل. (صموئيل الأول 19: 24)
خرج الروح واجتمع مع الرب وملائكته لإهلاك آخاب (ملوك الأول 22: 19-22) ،
وأهلكهم الرب إله المحبة وأمر أن تُترك جثثهم لتأكلها الكلاب. فماذا كان سيفعل الشيطان غير ذلك؟: (23وَقَالَ الرَّبُّ عَنْ إِيزَابَلَ أَيْضاً: [إِنَّ الْكِلاَبَ تَأْكُلُ إِيزَابَلَ عِنْدَ مِتْرَسَةِ يَزْرَعِيلَ. 24مَنْ مَاتَ لأَخْآبَ فِي الْمَدِينَةِ تَأْكُلُهُ الْكِلاَبُ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْحَقْلِ تَأْكُلُهُ طُيُورُ السَّمَاءِ].) ملوك الأول 21: 23-24
ومثَّل بجثة يهوياقيم ، ومنع أى فرد من نسله أن يرث كرسى داود: (30لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: لاَ يَكُونُ لَهُ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَتَكُونُ جُثَّتُهُ مَطْرُوحَةً لِلْحَرِّ نَهَاراً وَلِلْبَرْدِ لَيْلاً.) إرمياء 36: 30 ،
مع الأخذ فى الاعتبار أنه قد جاء من نسل يهوياقيم هذا يسوع الذى تسمونه الروح القدس ، وعلى ذلك فقد نعته الآب بأنه ليس بقدوس! وهذا هو السبب الذى جعل كاتب إنجيل متى يُسقط اسم يهوياقيم من نسل يسوع!!
* * *
وقالها الرب عن هارون: (16وَحَسَدُوا مُوسَى فِي الْمَحَلَّةِ وَهَارُونَ قُدُّوسَ الرَّبِّ.) مزامير 106: 16
وقد أطلقها الرب أيضاً على نفسه ، فقال: (45إِنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَصْعَدَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لِيَكُونَ لَكُمْ إِلَهاً. فَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ»)لاويين 11: 45
وقالها الرب على كل فاتح رحم أى الابن البكر من بنى لاوى: (23كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوساً لِلرَّبِّ.) لوقا 2: 23
أما قول الرب: (2لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثْلَ الرَّبِّ) صموئيل الأول 2: 2 ، فيدل على أنه هناك آخرون يُطلق عليهم قدوس ، ولكن لله القداسة الكاملة.
وكيف فات النصارى أن يسوع عندهم فى الكتاب لم يتمتع مطلقاً بهذه القداسة التى تُنسب لله. فقد وحدوا الرب الخالق مع الإنسان والروح القدس، وكان بذلك الإله يتبول على نفسه، ويتبرز فى ملابسه، وكان يهرب من اليهود خوفاً من قتله، وفى النهاية قبضوا عليه، وأهانوه، وبصقوا فى وجهه، ثم قتلوه. فأى قداسة ترونها فى ذلك؟ وأى كرامة تبقت له؟ مع الأخذ فى الاعتبار أن الثالوث لا ينفصل ولا يتجزأ!
(1وَكَانَ يَسُوعُ يَتَرَدَّدُ بَعْدَ هَذَا فِي الْجَلِيلِ لأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي الْيَهُودِيَّةِ لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ.) يوحنا 7: 1
(53فَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ. 54فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضاً يَمْشِي بَيْنَ الْيَهُودِ علاَنِيَةً) يوحنا 11: 53-54
(28فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيَّاً 29وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!» 30وَبَصَقُوا عَلَيْهِ وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ. 31وَبَعْدَ مَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ نَزَعُوا عَنْهُ الرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ) متى 27: 28-31
وبصفة عامة فإن اليهود نسبوا لله كل ما يتعلق بطبيعته من قدرة وإرادة ، أو يخضع لإرادته مثل ”سماوات الله“ أو ما يخرج من عنده مثل شريعة الله،أو ينتسبون لله تشريفاً من الله لهم، مثل أنبياء الله، ورسل الله، وأحباب الله، وأولاد الله وغيره.
* * *
ومعنى هذا أن هذا الإله إمَّا أن يكون مثل الإله البازل Puzzle الذى يركبه الصبية، ولا تتم صورته ولا تكمُل إلا بتركيب كامل أجزائه مع بعضها البعض. وإمَّا أن يكون إلهًا واحدًا تم تقسيمه إلى ثلاثة أقانيم ، وتم توزيع الأدوار على كل منهم.
وعلمنا رأيهم فى الأقانيم ومعناها ، وقد قمنا بتفنيد آراءهم ، وعقيدتهم ، كما بيَّنَّا أن أصول هذه العقيدة من اختراع قساوسة الكنيسة وآبائها فى القرن الثالث والرابع، وعلمنا أن الكتاب المقدس لا يحتوى على كلمة التثليث أو كلمة أقنوم أو قول على لسان يسوع يأمر فيه اليهود أن يسجدوا له ، ويتوجهوا إليه بالعبادة ، والصوم والدعاء.
وكل ما نراه هو توحيد خالص ، تشير إليه الكثير من النصوص المحكمة ، التى نعتبرها الأساس الثابت ، الذى نقيس على فهمنا له باقى النصوص، وما يختلط فيه التأويل أو الفهم ، يكون من المتشابه ، الذى يجب رده إلى المحكم، ليتضح الأمر.
وعلى ذلك نتجه فى النقطة القادمة إلى أدلة التوحيد فى العهدين القديم والجديد. ولا يجب أن ننسى أن العقيدة التى أمر بها الرب أنبياءه فى عهده القديم يجب أن تكون هى نفس عقيدة القوم فى العهد الجديد من عدة نواحٍ: أن عيسى u لم يأت لينقض ، ولا يوجد نسخ فى العقيدة ، وإنما النسخ الذى تعرفه الأديان هو فى الأحكام للتدرُّج. هذا ولا يعترف المسيحيون بالنسخ فى دينهم على الرغم من وجوده بوفرة (راجع فى هذا كتابى ”الناسخ والمنسوخ فى التوراة“)
لكن ماذا إذا اختلفت العقيدة بين العهدين؟ ألا يدل هذا على أن أحد الكتابين قد تم تحريفه؟ أم يدل هذا على أن الرب تلاعب بعبيده فأوحى فى عهده القديم عقائد تغاير ما أوحاه فى كتابه الآخر؟
وقد أكدت دائرة المعارف الفرنسية ما ذهبنا إليه ، فقد ورد فيها نقلا عن دائرة معارف القرن العشرين ، محمد فريد وجدى ج10 ص199 ”جاء لفظ روح الله ونفخة الله فى التوراة ولم يقصد بها إلا أصل القدرة الإلهية أو طريقة تأثير تلك القدرة ... وقد جاء فى الأناجيل ذكر الآب والابن والروح القدس، ولكنه لا يوجد فيها إشارة ما إلى التثليث، ولا إلى ما يشير إليه العلم اللاهوتى اليوم ، فالإله الذى كان يتكلم عنه عيسى u وحوارييه هو الله الواحد رب الأنبياء والأولياء الذى تجب له العبادة وحده، وكان عيسى عليه السلام يدعو هذا الإله بالآب ولا يدعو ربًا سواه“.(ص226 ”النصرانية من التوحيد إلى التثليث“)
* * *
تعليق