السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله وصحبه و من والاه، أما بعد:
ففي هذه الآونة الاخيرة على وسائل الاعلام قام أحد الجهال بالطعن في حديث البخاري التالي :
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي ابنة ست سنين ، وبنى بها وهي ابنة تسع ، ومكثت عنده تسعا .
الراوي: عروة بن الزبير المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 5158
خلاصة الدرجة: [صحيح]
وتبعه للاسف في هذا الطعن بعض من ينتسبون للاسلام و يُطلق عليهم بالدعاة الجدد، فتكلموا فيما لا يفقهون فضلوا و أضلوا، فهؤلاء تبعوا المستشرقين في طعنهم في الاسلام فلما عجزوا عن الطعن في القرآن الكريم مباشرة أرادوا الطعن فيه بطريقة غير مباشرة و ذلك بمهاجمة أهم مصادر المسلمين بعد القرآن و هو أصح كتاب بعده، صحيح الامام البخاري رحمه الله.
وما أنقله الآن هو مقتبس من كلام الشيخ العلامة ابي اسحاق الحويني حفظه الله، فلنعرض اشكاليتهم و نرد عليها مستعينين بالله رب العالمين، ونحن نعلم أن هذا الحديث لم يتكلّم فيه أي أحد من أهل العلم المعتبرين من السلف والخلف، الا هؤلاء الشرذمة من الجهال ممن وافق المستشرقين في بهتانهم.
الاشكال:
من ناحية السند
1- عروة ابن الزبير تفرد بهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها.
2- هشام ابن عروة تفرد به عن ابيه عروة ابن الزبير.
3- لم يرو هذا الحديث عن هشام ابن عروة مديني واحد بل كل رواته عن هشام هم من اهل العراق.
4- وهشام ابن عروة اختلط وساء حفظه في كبره بعد ان ارتحل للعراق ومالك كان لا يرضاه.
من ناحية المتن
قال أن اسماء اخت عائشة كانت بنت سبع وعشرين سنة يوم هاجر النبي و هي حامل في عبد الله ابن الزبير؛ وعائشة أصغر من أسماء بعشر سنوات؛ فيكون سن عائشة عند الهجرة سبع عشرة سنة؛ والنبي دخل بعائشة بعد الهجرة بسنتين بعد واقعة بدر؛ اذن كان دخول النبي بعائشة وهي بنت تسع عشرة سنة.
نتيجة الجاهل : حديث البخاري ضعيف
الجواب:
الرد من ناحية الاسناد:
1- حجته الأولى كذب، فلم يتفرد عروة ابن الزبير برواية الحديث عن عائشة بل رواه عنها غيره ومنهم:
الاسود ابن يزيد
القاسم ابن عبد الرحمان
القاسم ابن محمد بن ابي بكر
عمرة بنت عبد الرحمان
يحي ابن عبد الرحمان ابن حاطب
2- حجته الثانية كذب، فهشام بن عروة لم يتفرد بهذا الحديث عن أبيه عروة، بل رواه عنه آخرون منهم :
ابن شهاب الزهري وحديثه في صحيح مسلم
أبو حمزة ميمون مولى عروة ابن الزبير.
3-حجته الثالثة كذب، فهشام لما دخل العراق ما دخل الا للكوفة، وقد روى هذا الحديث عن هشام ابن عروة من غير أهل الكوفة كثير منهم:
من اهل المدينة :
أبو الزناد عبد الله بن ذكوان
ابنه عبد الرحمان بن ابي الزناد
عبد الله بن محمد بن يحي بن عروة
رواه من اهل مكة :
سفيان بن عيينة
ورواه عن هشام ايضا جرير بن عبد الحميد الضبي من أهل الري وهي بعيدة عن العراق
ورواه عنه من اهل العراق من غير الكوفيين :
حماد ابن سلمة
حماد ابن زيد
أهيب ابن خالد
وغيرهم من اهل البصرة
ورواه عنه من اهل الكوفة:
سفيان الثوري
عبده ابن سليمان
علي بن مسهر
جعفر بن سليمان الضبعي
يونس ابن بكير
وجماعة اخرون
4- قوله هشام ابن عروة اختلط في كبره لما دخل العراق، فهشام لما دخل العراق دخل الكوفة وحدها؛ ولم يقل عنه أحد انه اختلط غير أبي الحسن ابن القطان في كتابه دلائل الوهم و الايهام؛ وفي هذا الكتاب ذكر ابن القطان هشام في موضعين فقط : وثّقه في موضع و قال عنه في موضع آخر اختلط..
قال الامام الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال في نقل الرجال؛ ردا على ابن القطان : هشام بن عروة أحد الأعلام؛ حجة إمام؛ لكن في الكبر تناقص حفظه ولم يختلط أبدا ولا عبرة بما قاله أبو الحسن ابن القطان من انه وسهيل بن ابي صالح اختلطا و تغيرا؛ نعم تغير الرجل قليلا ولم يبق حفظه كهو في حال الشبيبة فنسي بعض محفوظه او وهم؛ فكان ماذا ؟ أهو معصوم من النسيان؟ ولما قدم العراق في آخر عمره حدث بجملة كثيرة من العلم في غضون ذلك يسير احاديث لم يجودها ومثل هذا يقع لمالك ولشعبة ولوكيع ولكبار الحفاظ؛ فدع عنك الخبط وذر خلط الائمة الاثبات بالضعفاء و المخلطين فهشام شيخ الاسلام ولكن احسن الله عزاءنا فيك يا ابن القطان. أهـ
مشكلة هشام لما دخل الكوفة و هو دخلها ثلاث مرات:
أنه في المرة الاولى كان اذا حدّث عن ابيه عن عائشة قال : حدثني أبي قال سمعت عائشة.
في المرة الثانية كان يقول حدثني أبي عن عائشة
في القدمة الثالثة كان يقول :عن أبي عن عائشة
الفرق في الروايات الثلاثة في أدوات التحمّل، فصيغة اسناد الاولى تصريح بالسماع فهو لا غبار عليه و اسناد الثانية قال عن عائشة و هشام لا يُعرف بتدليس فالاسناد بهذه الصيغة الثانية مقبول جدا و فيه قوة.
الاشكال كله في اسناد القَدْمَةِ الثالثة لأنه قال عن أبي عن عائشة، والسؤال هنا : هل يستطيع هذا الجاهل أن يبين لنا مَن مِن الرواة السابقة ذكرهم الذين رووا عن هشام سمع عنه في القدمة الاولى ومن في الثانية و من في الثالثة ؟
الجواب لا أحد يستطيع الا أن ينص بذلك امام عن راوٍ معين في سماعه عن هشام ويحدد القدمة التي سمع فيها عنه.
فهذا الجاهل لا يستطيع ان يقول أنهم كلهم سمعوا عنه في القدمة الثالثة محل الاشكال.
فان طَالَبَنَا بالمِثْلِ أي ما هو الدليل أنه ليس كلهم سمعوا عنه هذه الرواية في القدمة الثالثة؟
يكون الجواب :
أ- أن روايات الكوفيين عن هشام تملأ الكتب من الصحاح و المسانيد و السنن و لا أحد قال ان أي كوفي يروي عن هشام نتوقف في روايته.
ب- فان سلمنا تَنَزُّلاً بالتوقف في روايات الكوفيين عن عروة، تبقى روايات المكيين و المدنيين و البصريين و اهل الري عن هشام مقبولة دون أي شك.
ج- ثم هل كل كوفي روى عن هشام لابد و ان يكون سمع عن هشام في الكوفة ؟ بل يمكن ان يكون قد سمع منه في الحج مثلا ولا سيما ان هشام لم يدخل الكوفة في حياته كلها الا ثلاث مرات خاصة وأن من روى عنه من الكوفيين يُعَدُّ بالمئات و ما ذكرناهم سابقا الا على سبيل المثال لا الحصر.
الشيء الآخر يقولون ان هشاما كان مدلسا على زعمهم، والمدلس يعني أسقط شيخه و روى عن شيخ شيخه؛ ولما نرجع الى كلام اهل العلم نجدهم قالوا : هشام ابن عروة ربما دلَّس، يعني التدليس ليس من صفته ، ولما بحثنا من الذي اسقطه هشام ابن عروة في رواياته وجدنا اثنين كلاهما من الثقات الاثبات فلا يضر اسقاطهما و تُقبل رواياته و يُرَدُّ اتهامه بالتدليس.
اذن هشام ضبط الحديث تماما ولا حجة للجاهل المتعالم.
الرد من ناحية المتن :
أما قوله ان اسماء كانت بنت سبع وعشرين سنة عند هجرة النبي فهذا نعم و قاله أبو نعيم الاصبهاني بأنها وُلدت قبل الهجرة بسبع و عشرين سنة؛ والسؤال الآن : من أين جئت بأن بين أسماء و عائشة عشر سنوات ؟؟؟
أدلتهم :
أ- أن عائشة أصغر من فاطمة بخمس سنوات كما نص الحافظ ابن حجر على ذلك في الاصابة.
ب- فاطمة وُلدت عام الفيل والنبي حينها كان سنه خمس وثلاثين سنة وكلامهم هذا عن رواية رواها الواقدي بسنده عن ابي جعفر الباقر عن العباس ابن عبد المطلب رضي الله عنه قال : وُلدت فاطمة عام الفيل.
طالما انتم تتكلمون في البخاري و في سنده فهيا نتحاكم لقوانين الرواية في هذا: الواقدي صاحب هذه القصة ما درجته من حيث الضبط و الاتقان ؟
قال الامام أحمد: الواقدي كذاب؛ وقال النسائي : الكذابون على رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعة منهم :الواقدي بالمدينة ؛ وقال عنه الامام البخاري متروك، هذه واحدة .
الثانية أن أبا جعفر الباقر هو محمد ابن علي ابن الحسين ابن علي ابن ابي طالب ورحم الله ابا جعفر وُلد سنة 56 هجرية والعباس رضي الله عنه مات سنة 33 هجرية يعني مات العباس قبل ان يولد أبو جعفر بثلاث وعشرين سنة فلم يسمع منه ابدا فهو اسناد منقطع.
فإذن الواقدي كذاب و ابو جعفر لم يسمع من العباس فهذا السند عند العلماء يُسمى سند سااااااااااقط.
الذي عليه العلماء من المحققين كما جزم ابن عبد البر و جماعة من العلماء أن فاطمة رضي الله عنها وُلِدَت قبل البعثة بعام واحد أو أكثر بقليل؛ ونص الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمة عائشة رضي الله عنها أنها وُلدت بعد البعثة بأربع سنوات أو خمس فيكون الفارق بين فاطمة و عائشة خمس سنوات كما نقلنا سابقا عن الحافظ ابن حجر.
فقالوا عندنا مشكلة مع هذا الطرح وهو أن البخاري روى في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : لقد نزل قوله تعالى: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ؛ وأنا جارية ألعب بمكة.
قالوا أن سورة القمر نزلت سنة اربعة من المبعث بلا خلاف؛ وقوله بلا خلاف غير صحيح ؛ فلو سلَّمنا ان عائشة ولدت سنة اربعة من المبعث و السورة نزلت سنة اربعة ايضا ؛ فإما عائشة تكون لم تولد بعد او كانت رضيعة حين نزول السورة ؛ فكيف تكون جارية تلعب ؟ فإذن لا يستقيم ان تكون وعت زمن نزول الآية الا أن يكون سنها من ثماني الى عشر سنوات فهذا يدل أنها وُلدت قبل المبعث بخمس سنوات والنبي مكث في مكة ثلاث عشرة سنة بعد البعثة فيكون سن عائشة عند الهجرة 18 عشر سنة ودخل بعائشة بعد سنتين فيكون سنها عشرون سنة يعني كان سنها من ثماني عشرة سنة الى عشرين وقت الدخول و ليس تسع سنوات.
والجواب : يكون هل عندك دليل أن سورة القمر نزلت سنة اربعة للبعثة دفعة واحدة ؟؟؟ أم كما هو معلوم فان القرآن كان ينزل مُنَجَّمًا، مفرقا، حسب الحوادث، فما نزلت سور كلها مرة واحدة الا القليل . فالمشكلة تكون لو قالت السيدة عائشة أنه نزلت سورة القمر وأنا جارية ألعب ؛ هنا تكون مشكلة؛ ولكنها قالت نزل قوله: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ؛ اذن ليس لازما أن تكون هذه الآية نزلت سنة أربعة للبعثة بل ممكن تكون قد نزلت في أواخر العهد المكي؛ فلا يكون أي اشكال و هذا جمع بين الاحاديث و هو معقول جدا وليس فيه أي اشكال و هذا ما ينبغي فعله بدل ضرب الاحاديث ببعضها كما يفعل الجهال.
الخلاصة
الحديث ثابت سندا و متنا وما قاله الجاهل قد نُسف نسفا ولله الحمد القائل : فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ.
هذا والحمد لله رب العالمين وأسألكم الدعاء لي و لفضيلة الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله.
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله وصحبه و من والاه، أما بعد:
ففي هذه الآونة الاخيرة على وسائل الاعلام قام أحد الجهال بالطعن في حديث البخاري التالي :
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي ابنة ست سنين ، وبنى بها وهي ابنة تسع ، ومكثت عنده تسعا .
الراوي: عروة بن الزبير المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 5158
خلاصة الدرجة: [صحيح]
وتبعه للاسف في هذا الطعن بعض من ينتسبون للاسلام و يُطلق عليهم بالدعاة الجدد، فتكلموا فيما لا يفقهون فضلوا و أضلوا، فهؤلاء تبعوا المستشرقين في طعنهم في الاسلام فلما عجزوا عن الطعن في القرآن الكريم مباشرة أرادوا الطعن فيه بطريقة غير مباشرة و ذلك بمهاجمة أهم مصادر المسلمين بعد القرآن و هو أصح كتاب بعده، صحيح الامام البخاري رحمه الله.
وما أنقله الآن هو مقتبس من كلام الشيخ العلامة ابي اسحاق الحويني حفظه الله، فلنعرض اشكاليتهم و نرد عليها مستعينين بالله رب العالمين، ونحن نعلم أن هذا الحديث لم يتكلّم فيه أي أحد من أهل العلم المعتبرين من السلف والخلف، الا هؤلاء الشرذمة من الجهال ممن وافق المستشرقين في بهتانهم.
الاشكال:
من ناحية السند
1- عروة ابن الزبير تفرد بهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها.
2- هشام ابن عروة تفرد به عن ابيه عروة ابن الزبير.
3- لم يرو هذا الحديث عن هشام ابن عروة مديني واحد بل كل رواته عن هشام هم من اهل العراق.
4- وهشام ابن عروة اختلط وساء حفظه في كبره بعد ان ارتحل للعراق ومالك كان لا يرضاه.
من ناحية المتن
قال أن اسماء اخت عائشة كانت بنت سبع وعشرين سنة يوم هاجر النبي و هي حامل في عبد الله ابن الزبير؛ وعائشة أصغر من أسماء بعشر سنوات؛ فيكون سن عائشة عند الهجرة سبع عشرة سنة؛ والنبي دخل بعائشة بعد الهجرة بسنتين بعد واقعة بدر؛ اذن كان دخول النبي بعائشة وهي بنت تسع عشرة سنة.
نتيجة الجاهل : حديث البخاري ضعيف
الجواب:
الرد من ناحية الاسناد:
1- حجته الأولى كذب، فلم يتفرد عروة ابن الزبير برواية الحديث عن عائشة بل رواه عنها غيره ومنهم:
الاسود ابن يزيد
القاسم ابن عبد الرحمان
القاسم ابن محمد بن ابي بكر
عمرة بنت عبد الرحمان
يحي ابن عبد الرحمان ابن حاطب
2- حجته الثانية كذب، فهشام بن عروة لم يتفرد بهذا الحديث عن أبيه عروة، بل رواه عنه آخرون منهم :
ابن شهاب الزهري وحديثه في صحيح مسلم
أبو حمزة ميمون مولى عروة ابن الزبير.
3-حجته الثالثة كذب، فهشام لما دخل العراق ما دخل الا للكوفة، وقد روى هذا الحديث عن هشام ابن عروة من غير أهل الكوفة كثير منهم:
من اهل المدينة :
أبو الزناد عبد الله بن ذكوان
ابنه عبد الرحمان بن ابي الزناد
عبد الله بن محمد بن يحي بن عروة
رواه من اهل مكة :
سفيان بن عيينة
ورواه عن هشام ايضا جرير بن عبد الحميد الضبي من أهل الري وهي بعيدة عن العراق
ورواه عنه من اهل العراق من غير الكوفيين :
حماد ابن سلمة
حماد ابن زيد
أهيب ابن خالد
وغيرهم من اهل البصرة
ورواه عنه من اهل الكوفة:
سفيان الثوري
عبده ابن سليمان
علي بن مسهر
جعفر بن سليمان الضبعي
يونس ابن بكير
وجماعة اخرون
4- قوله هشام ابن عروة اختلط في كبره لما دخل العراق، فهشام لما دخل العراق دخل الكوفة وحدها؛ ولم يقل عنه أحد انه اختلط غير أبي الحسن ابن القطان في كتابه دلائل الوهم و الايهام؛ وفي هذا الكتاب ذكر ابن القطان هشام في موضعين فقط : وثّقه في موضع و قال عنه في موضع آخر اختلط..
قال الامام الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال في نقل الرجال؛ ردا على ابن القطان : هشام بن عروة أحد الأعلام؛ حجة إمام؛ لكن في الكبر تناقص حفظه ولم يختلط أبدا ولا عبرة بما قاله أبو الحسن ابن القطان من انه وسهيل بن ابي صالح اختلطا و تغيرا؛ نعم تغير الرجل قليلا ولم يبق حفظه كهو في حال الشبيبة فنسي بعض محفوظه او وهم؛ فكان ماذا ؟ أهو معصوم من النسيان؟ ولما قدم العراق في آخر عمره حدث بجملة كثيرة من العلم في غضون ذلك يسير احاديث لم يجودها ومثل هذا يقع لمالك ولشعبة ولوكيع ولكبار الحفاظ؛ فدع عنك الخبط وذر خلط الائمة الاثبات بالضعفاء و المخلطين فهشام شيخ الاسلام ولكن احسن الله عزاءنا فيك يا ابن القطان. أهـ
مشكلة هشام لما دخل الكوفة و هو دخلها ثلاث مرات:
أنه في المرة الاولى كان اذا حدّث عن ابيه عن عائشة قال : حدثني أبي قال سمعت عائشة.
في المرة الثانية كان يقول حدثني أبي عن عائشة
في القدمة الثالثة كان يقول :عن أبي عن عائشة
الفرق في الروايات الثلاثة في أدوات التحمّل، فصيغة اسناد الاولى تصريح بالسماع فهو لا غبار عليه و اسناد الثانية قال عن عائشة و هشام لا يُعرف بتدليس فالاسناد بهذه الصيغة الثانية مقبول جدا و فيه قوة.
الاشكال كله في اسناد القَدْمَةِ الثالثة لأنه قال عن أبي عن عائشة، والسؤال هنا : هل يستطيع هذا الجاهل أن يبين لنا مَن مِن الرواة السابقة ذكرهم الذين رووا عن هشام سمع عنه في القدمة الاولى ومن في الثانية و من في الثالثة ؟
الجواب لا أحد يستطيع الا أن ينص بذلك امام عن راوٍ معين في سماعه عن هشام ويحدد القدمة التي سمع فيها عنه.
فهذا الجاهل لا يستطيع ان يقول أنهم كلهم سمعوا عنه في القدمة الثالثة محل الاشكال.
فان طَالَبَنَا بالمِثْلِ أي ما هو الدليل أنه ليس كلهم سمعوا عنه هذه الرواية في القدمة الثالثة؟
يكون الجواب :
أ- أن روايات الكوفيين عن هشام تملأ الكتب من الصحاح و المسانيد و السنن و لا أحد قال ان أي كوفي يروي عن هشام نتوقف في روايته.
ب- فان سلمنا تَنَزُّلاً بالتوقف في روايات الكوفيين عن عروة، تبقى روايات المكيين و المدنيين و البصريين و اهل الري عن هشام مقبولة دون أي شك.
ج- ثم هل كل كوفي روى عن هشام لابد و ان يكون سمع عن هشام في الكوفة ؟ بل يمكن ان يكون قد سمع منه في الحج مثلا ولا سيما ان هشام لم يدخل الكوفة في حياته كلها الا ثلاث مرات خاصة وأن من روى عنه من الكوفيين يُعَدُّ بالمئات و ما ذكرناهم سابقا الا على سبيل المثال لا الحصر.
الشيء الآخر يقولون ان هشاما كان مدلسا على زعمهم، والمدلس يعني أسقط شيخه و روى عن شيخ شيخه؛ ولما نرجع الى كلام اهل العلم نجدهم قالوا : هشام ابن عروة ربما دلَّس، يعني التدليس ليس من صفته ، ولما بحثنا من الذي اسقطه هشام ابن عروة في رواياته وجدنا اثنين كلاهما من الثقات الاثبات فلا يضر اسقاطهما و تُقبل رواياته و يُرَدُّ اتهامه بالتدليس.
اذن هشام ضبط الحديث تماما ولا حجة للجاهل المتعالم.
الرد من ناحية المتن :
أما قوله ان اسماء كانت بنت سبع وعشرين سنة عند هجرة النبي فهذا نعم و قاله أبو نعيم الاصبهاني بأنها وُلدت قبل الهجرة بسبع و عشرين سنة؛ والسؤال الآن : من أين جئت بأن بين أسماء و عائشة عشر سنوات ؟؟؟
أدلتهم :
أ- أن عائشة أصغر من فاطمة بخمس سنوات كما نص الحافظ ابن حجر على ذلك في الاصابة.
ب- فاطمة وُلدت عام الفيل والنبي حينها كان سنه خمس وثلاثين سنة وكلامهم هذا عن رواية رواها الواقدي بسنده عن ابي جعفر الباقر عن العباس ابن عبد المطلب رضي الله عنه قال : وُلدت فاطمة عام الفيل.
طالما انتم تتكلمون في البخاري و في سنده فهيا نتحاكم لقوانين الرواية في هذا: الواقدي صاحب هذه القصة ما درجته من حيث الضبط و الاتقان ؟
قال الامام أحمد: الواقدي كذاب؛ وقال النسائي : الكذابون على رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعة منهم :الواقدي بالمدينة ؛ وقال عنه الامام البخاري متروك، هذه واحدة .
الثانية أن أبا جعفر الباقر هو محمد ابن علي ابن الحسين ابن علي ابن ابي طالب ورحم الله ابا جعفر وُلد سنة 56 هجرية والعباس رضي الله عنه مات سنة 33 هجرية يعني مات العباس قبل ان يولد أبو جعفر بثلاث وعشرين سنة فلم يسمع منه ابدا فهو اسناد منقطع.
فإذن الواقدي كذاب و ابو جعفر لم يسمع من العباس فهذا السند عند العلماء يُسمى سند سااااااااااقط.
الذي عليه العلماء من المحققين كما جزم ابن عبد البر و جماعة من العلماء أن فاطمة رضي الله عنها وُلِدَت قبل البعثة بعام واحد أو أكثر بقليل؛ ونص الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمة عائشة رضي الله عنها أنها وُلدت بعد البعثة بأربع سنوات أو خمس فيكون الفارق بين فاطمة و عائشة خمس سنوات كما نقلنا سابقا عن الحافظ ابن حجر.
فقالوا عندنا مشكلة مع هذا الطرح وهو أن البخاري روى في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : لقد نزل قوله تعالى: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ؛ وأنا جارية ألعب بمكة.
قالوا أن سورة القمر نزلت سنة اربعة من المبعث بلا خلاف؛ وقوله بلا خلاف غير صحيح ؛ فلو سلَّمنا ان عائشة ولدت سنة اربعة من المبعث و السورة نزلت سنة اربعة ايضا ؛ فإما عائشة تكون لم تولد بعد او كانت رضيعة حين نزول السورة ؛ فكيف تكون جارية تلعب ؟ فإذن لا يستقيم ان تكون وعت زمن نزول الآية الا أن يكون سنها من ثماني الى عشر سنوات فهذا يدل أنها وُلدت قبل المبعث بخمس سنوات والنبي مكث في مكة ثلاث عشرة سنة بعد البعثة فيكون سن عائشة عند الهجرة 18 عشر سنة ودخل بعائشة بعد سنتين فيكون سنها عشرون سنة يعني كان سنها من ثماني عشرة سنة الى عشرين وقت الدخول و ليس تسع سنوات.
والجواب : يكون هل عندك دليل أن سورة القمر نزلت سنة اربعة للبعثة دفعة واحدة ؟؟؟ أم كما هو معلوم فان القرآن كان ينزل مُنَجَّمًا، مفرقا، حسب الحوادث، فما نزلت سور كلها مرة واحدة الا القليل . فالمشكلة تكون لو قالت السيدة عائشة أنه نزلت سورة القمر وأنا جارية ألعب ؛ هنا تكون مشكلة؛ ولكنها قالت نزل قوله: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ؛ اذن ليس لازما أن تكون هذه الآية نزلت سنة أربعة للبعثة بل ممكن تكون قد نزلت في أواخر العهد المكي؛ فلا يكون أي اشكال و هذا جمع بين الاحاديث و هو معقول جدا وليس فيه أي اشكال و هذا ما ينبغي فعله بدل ضرب الاحاديث ببعضها كما يفعل الجهال.
الخلاصة
الحديث ثابت سندا و متنا وما قاله الجاهل قد نُسف نسفا ولله الحمد القائل : فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ.
هذا والحمد لله رب العالمين وأسألكم الدعاء لي و لفضيلة الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله.
تعليق