قوله تعالى : (مّنِ اهْتَدَىَ فَإِنّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلّ فَإِنّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ وَمَا كُنّا مُعَذّبِينَ حَتّىَ نَبْعَثَ رَسُولاً. وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً)_ [الإسراء: 15- 16]
الشبهة : هل يأمر الله بالفسق يا مسلمون؟
} -1أ م ر: يقال أمر فلان مستقيم و أمورُهُ مستقيمة و أمَرَهُ بكذا والجمع الأوامِرُ و أَمَرَهُ أيضا كثره وبابهما نصر ومنه الحديث "خير المال مهرة مَأمورةٌ
أو سكة مأبورة" أي مهرة كثيرة النتاج والنسل وآمَرَهُ أيضا بالمد أي كثره و أَمِرَ هو كثر وبابه طرب فصار نظير علم وأعلمته{_مختار الصحاح
2- }"أمر" عليهم _أمر, وإمارة,وإمرة :صار أميرا عليهم. "أمر فلانا" أمرا, وإمارة, وآمرة: كلفه شيئا. والأمر منه : مر."وأمر فلانا" : أشار عليه
بأمر. "أمر الله القوم" : كثر نسلهم وماشيتهم . ويقال مهرة مأمورة: كثيرة النتاج{ _ المعجم الوسيط.
] وقرأ الحسن أيضا وقتادة وأبو حيوة الشامي ويعقوب وخارجه عن نافع وحماد بن سلمة عن ابن كثير وعلي وابن عباس باختلاف عنهما آمرنا بالمد والتخفيف ، أي أكثرنا جبابرتها وأمراءها ، قاله الكسائي . وقال أبو عبيدة : آمرته بالمد وأمرته ، لغتان بمعنى كثرته ، ومنه الحديث : خير المال مهره مأمورة أو سكة مأبورة أي كثيرة النتاج والنسل . وكذلك قال ابن عزيز : آمرنا وأمرنا بمعنى واحد ، أي أكثرنا . وعن الحسن أيضا ويحيى بن معمر امرنا بالقصر وكسر الميم على فعلنا ، ورويت عن ابن عباس . قال قتادة والحسن : المعنى أكثرنا ، وحكى نحوه أبو زيد و أبو عبيد ، و أنكره الكسائي و قال : لا يقال من الكثرة إلا آمرنا بالمد ، قال و أصلها أأمرنا فخفف ، حكاه المهدوي . و في الصحاح : و قال أبو الحسن أمر ماله بالكسر أي كثر . و أمر القوم أي كثروا ، قال الشاعر : (أمرون لا يرثون سهم القعدد). و آمر الله مالله بالمد . الثعلبي : و يقال للشيء الكثير أمر ، و الفعل منه : أمر القوم يأمرون أمرا إذا كثروا . قال ابن مسعود:" كنا نقول في الجاهلية للحي إذا كثروا : أمر أمر بني فلان" ، قال لبيد :
قلت: و في حديث هرقل الحديث الصحيح: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، إنه ليخافه ملك بني الأصفر أي كثر. [ _ تفسير القرطبي
وعليه فان تفسير الآية حسب هذا القول كالتالي:
1- أمر : بمعنى كثرهم (أي عددهم) , ومن ذلك سؤال زينب للنبي_ص_ ( أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال:نعم، إذا كثر الخبث). صحيح البخاري.
2- أمر : بمعنى أكثر لهم المال والثروة الحيوانية , وفي الحديث :"إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب ؛ فإنما هو استدراج ، ثم تلا: (فَلَمّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْءٍ حَتّىَ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوَاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مّبْلِسُونَ)السلسلة الصحيحة _رقم 413.
أن الله_ عز وجل _ أخبر في الآية السابقة انه لا يعذب إلا بعد أن يبعث الرسل , فيأمرون الناس بعبادة الله _ سبحانه_ وطاعته , فإذا رفضوا حق القول عليهم بالعذاب حينها " وَمَا كُنّا مُعَذّبِينَ حَتّىَ نَبْعَثَ رَسُولاً " , وعليه فإذا أراد الله تعالى أن يهلك قرية طاغية متكبرة بعد بعث إليهم بالرسل ورفضهم ,فانه_سبحانه_ يأمر أهلها وعلى رأسهم سادة تلك القرية ووجهاءها وأغنياءها بالطاعة واتباع تعاليم الرسل , فيفسقون (الفسق هو العصيان) ويخرجون عن أمر ربهم بالطاعة فيحق عليهم حينها العذاب , فالأمر من الله بالطاعة وليس بالفسق , لأنه يقال " أمر بالشيء " إذا أراد فعله وحض عليه , فيقال " أمر بالفسق". أما الآية فتقول: " أمرنا مترفيها ففسقوا فيها " فـ " الفاء" هنا تشرح ردة فعلهم على الأمر لهم بالطاعة بالفسق وهو العصيان. كأن أقول " أمرت زوجتي فنامت", فانا لا اقصد أني أمرتها أن تنام, بل اقصد ردة فعلها. فقد أكون أمرتها بإعداد العشاء مثلا. والآية تفسيرها " فسقوا عن أمر ربهم بالطاعة " , وذلك مثل قوله تعالى : ( وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُوَاْ إِلاّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ ) [الكهف - الآية: 50] .
و الله _تعالى_ إنما يأمر بالخير:(إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ) [النحل90]
فالآية تقديرها " أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا" , وإنما حذفت كلمة " الطاعة " لفوائد بلاغية :
1- إظهار شدة تكبر المترفين وغرورهم بأنفسهم, وسرعة رفضهم أمر الله_تعالى_, فهم في الأساس لا يهمهم نوع أمر الله و لا يعطوا لأنفسهم على الأقل فرصة للتفكير في هذا الأمر, بل هم يسارعون لرفضه فورا. فحذفت الكلمة لبيان عدم أهميتها لديهم أصلا . ولذلك أتى بـ "الفاء" في قوله " ففسقوا" , و "الفاء" في اللغة تفيد الترتيب و السرعة وعدم وجود فاصلا زمني كبير بين الفعل الأول والذي يليه , وعملها عكس عمل " ثم " التي تفيد معنى" الترتيب مع التراخي" أي وجود زمن فاصل بين الفعلين. فإذا قلت " دخل سمير فرشيد " اعني أن رشيدا دخل بعد سمير مباشرة وفورا. ولكن إن قلت " دخل سمير ثم رشيد " فمعني ذلك أن رشيد دخل بعد سمير بفترة زمنية. وفي آية (النحل :90) السابقة , نلاحظ ( الفاء) في قوله " فَسَجَدُوَاْ " للدلالة على سرعة ردة الفعل من الملائكة استجابة للأمر الإلهي , وفي قوله " فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ" للدلالة على سرعة ردة الفعل من إبليس برفض الأمر الإلهي .
2- إظهار سرعة رد الله تعالى على كفرهم , ونصرته لأنبيائه الكرام , ولذلك أتي بـ " فاء " التتابع في جميع الكلمات بعدها " فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً ". وهي نفس " فاء التتابع " التي رد بها _سبحانه _ على إبليس , في قوله : (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّكَ رَجِيمٌ) [الحجر: 34]
الشبهة : هل يأمر الله بالفسق يا مسلمون؟
التفسير الأول:
} -1أ م ر: يقال أمر فلان مستقيم و أمورُهُ مستقيمة و أمَرَهُ بكذا والجمع الأوامِرُ و أَمَرَهُ أيضا كثره وبابهما نصر ومنه الحديث "خير المال مهرة مَأمورةٌ
أو سكة مأبورة" أي مهرة كثيرة النتاج والنسل وآمَرَهُ أيضا بالمد أي كثره و أَمِرَ هو كثر وبابه طرب فصار نظير علم وأعلمته{_مختار الصحاح
2- }"أمر" عليهم _أمر, وإمارة,وإمرة :صار أميرا عليهم. "أمر فلانا" أمرا, وإمارة, وآمرة: كلفه شيئا. والأمر منه : مر."وأمر فلانا" : أشار عليه
بأمر. "أمر الله القوم" : كثر نسلهم وماشيتهم . ويقال مهرة مأمورة: كثيرة النتاج{ _ المعجم الوسيط.
قال المفسرون :
] وقرأ الحسن أيضا وقتادة وأبو حيوة الشامي ويعقوب وخارجه عن نافع وحماد بن سلمة عن ابن كثير وعلي وابن عباس باختلاف عنهما آمرنا بالمد والتخفيف ، أي أكثرنا جبابرتها وأمراءها ، قاله الكسائي . وقال أبو عبيدة : آمرته بالمد وأمرته ، لغتان بمعنى كثرته ، ومنه الحديث : خير المال مهره مأمورة أو سكة مأبورة أي كثيرة النتاج والنسل . وكذلك قال ابن عزيز : آمرنا وأمرنا بمعنى واحد ، أي أكثرنا . وعن الحسن أيضا ويحيى بن معمر امرنا بالقصر وكسر الميم على فعلنا ، ورويت عن ابن عباس . قال قتادة والحسن : المعنى أكثرنا ، وحكى نحوه أبو زيد و أبو عبيد ، و أنكره الكسائي و قال : لا يقال من الكثرة إلا آمرنا بالمد ، قال و أصلها أأمرنا فخفف ، حكاه المهدوي . و في الصحاح : و قال أبو الحسن أمر ماله بالكسر أي كثر . و أمر القوم أي كثروا ، قال الشاعر : (أمرون لا يرثون سهم القعدد). و آمر الله مالله بالمد . الثعلبي : و يقال للشيء الكثير أمر ، و الفعل منه : أمر القوم يأمرون أمرا إذا كثروا . قال ابن مسعود:" كنا نقول في الجاهلية للحي إذا كثروا : أمر أمر بني فلان" ، قال لبيد :
كل بني حرة مصيرهم قل و إن أكثرت من العدد إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا يوما يصيروا للهلك و النكد
قلت: و في حديث هرقل الحديث الصحيح: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، إنه ليخافه ملك بني الأصفر أي كثر. [ _ تفسير القرطبي
وعليه فان تفسير الآية حسب هذا القول كالتالي:
1- أمر : بمعنى كثرهم (أي عددهم) , ومن ذلك سؤال زينب للنبي_ص_ ( أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال:نعم، إذا كثر الخبث). صحيح البخاري.
2- أمر : بمعنى أكثر لهم المال والثروة الحيوانية , وفي الحديث :"إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب ؛ فإنما هو استدراج ، ثم تلا: (فَلَمّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْءٍ حَتّىَ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوَاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مّبْلِسُونَ)السلسلة الصحيحة _رقم 413.
التفسير الثاني
أن الله_ عز وجل _ أخبر في الآية السابقة انه لا يعذب إلا بعد أن يبعث الرسل , فيأمرون الناس بعبادة الله _ سبحانه_ وطاعته , فإذا رفضوا حق القول عليهم بالعذاب حينها " وَمَا كُنّا مُعَذّبِينَ حَتّىَ نَبْعَثَ رَسُولاً " , وعليه فإذا أراد الله تعالى أن يهلك قرية طاغية متكبرة بعد بعث إليهم بالرسل ورفضهم ,فانه_سبحانه_ يأمر أهلها وعلى رأسهم سادة تلك القرية ووجهاءها وأغنياءها بالطاعة واتباع تعاليم الرسل , فيفسقون (الفسق هو العصيان) ويخرجون عن أمر ربهم بالطاعة فيحق عليهم حينها العذاب , فالأمر من الله بالطاعة وليس بالفسق , لأنه يقال " أمر بالشيء " إذا أراد فعله وحض عليه , فيقال " أمر بالفسق". أما الآية فتقول: " أمرنا مترفيها ففسقوا فيها " فـ " الفاء" هنا تشرح ردة فعلهم على الأمر لهم بالطاعة بالفسق وهو العصيان. كأن أقول " أمرت زوجتي فنامت", فانا لا اقصد أني أمرتها أن تنام, بل اقصد ردة فعلها. فقد أكون أمرتها بإعداد العشاء مثلا. والآية تفسيرها " فسقوا عن أمر ربهم بالطاعة " , وذلك مثل قوله تعالى : ( وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُوَاْ إِلاّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ ) [الكهف - الآية: 50] .
و الله _تعالى_ إنما يأمر بالخير:(إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ) [النحل90]
فالآية تقديرها " أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا" , وإنما حذفت كلمة " الطاعة " لفوائد بلاغية :
1- إظهار شدة تكبر المترفين وغرورهم بأنفسهم, وسرعة رفضهم أمر الله_تعالى_, فهم في الأساس لا يهمهم نوع أمر الله و لا يعطوا لأنفسهم على الأقل فرصة للتفكير في هذا الأمر, بل هم يسارعون لرفضه فورا. فحذفت الكلمة لبيان عدم أهميتها لديهم أصلا . ولذلك أتى بـ "الفاء" في قوله " ففسقوا" , و "الفاء" في اللغة تفيد الترتيب و السرعة وعدم وجود فاصلا زمني كبير بين الفعل الأول والذي يليه , وعملها عكس عمل " ثم " التي تفيد معنى" الترتيب مع التراخي" أي وجود زمن فاصل بين الفعلين. فإذا قلت " دخل سمير فرشيد " اعني أن رشيدا دخل بعد سمير مباشرة وفورا. ولكن إن قلت " دخل سمير ثم رشيد " فمعني ذلك أن رشيد دخل بعد سمير بفترة زمنية. وفي آية (النحل :90) السابقة , نلاحظ ( الفاء) في قوله " فَسَجَدُوَاْ " للدلالة على سرعة ردة الفعل من الملائكة استجابة للأمر الإلهي , وفي قوله " فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ" للدلالة على سرعة ردة الفعل من إبليس برفض الأمر الإلهي .
2- إظهار سرعة رد الله تعالى على كفرهم , ونصرته لأنبيائه الكرام , ولذلك أتي بـ " فاء " التتابع في جميع الكلمات بعدها " فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً ". وهي نفس " فاء التتابع " التي رد بها _سبحانه _ على إبليس , في قوله : (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّكَ رَجِيمٌ) [الحجر: 34]
تعليق