دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عقلاً ونقلاً
الكاتب : يوسف عبد الرحمن
الكاتب : يوسف عبد الرحمن
كل إنسان يتوهم أنه خُلق عبثاً ، ليس عليه إلا أن يجرب طمس عينيه ليرى العبث الذي خلقتا من أجله .. أو يحاول سد أذنيه ليعرف الحكمة من وجودهما .. أو يقطع أصابعه ، ليرى العبث الذي خلقت الأصابع من أجله ..
وإذا سألت ما الحكمة من وجود أي جزء في الإنسان ؟ أجاب المختصون بقولهم : القيام بوظيفة لصالح الكيان الإنساني بأكمله ، فالفم يأكل للجسم كله ، والقلب يضخ الدماء للجسم كله وهكذا ..
وإذا كان كل جزء في الإنسان قد خلق لحكمة ، وهذه الحكمة هي من أجل خدمة الكيان بأجمعه . فهل يخطر على فكر عاقل بعد هذا أن الإنسان قد خلق عبثاً ؟! [1] .
وإذا كان العاقل منا يتـنزه عن أن يعمل شيئاً عبثاً فمن باب أولى خالق العقل والعقلاء ومهندس الأرض والسماء ، لا شك أنه منزه عن كل العبث سبحانه وتعالى .. ولكي لا تُحار طويلاً أيها الإنسان في معرفة وظيفتك على هذه الأرض ، فقد أرسل الخالق سبحانه وتعالى للناس في كل أمة رسولاً منهم ، يخبرهم عن ذاته المباركة وصفاته ، ومقاصده فيهم ، وأن هناك حياة أخرى تنتظرهم من بعد الموت ، وأنهم مجزون فيها بدون شك على كل ما اكتسبوه في الدنيا من خير وشر : " رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا " [ النساء : 165 ]
ولكي لا يكذب أحد رسل الله ، ولكي لا يدعي كاذب النبوة والرسالة ، أيد الله رسله ببينات تشهد لهم أنهم رسله ، وتميزهم عن غيرهم ، وتقوم بهذه البينات والدلائل الحجة على الناس .
وأنه اذا كان على المدعي - أي مدع - أن يثبت دعواه ، ويقدم الدليل على صدقها وصحتها ، فإن رسالة رسول الإسلام قد قدمت الشواهد القاطعة ، التي تُكون بمجموعها البرهان القاطع على صدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
أولاً : إقرار الله تعالى له ولدعوته :
لقد بدأ النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - دعوته بمكة معلناً للناس أنه رسول مرسل من الخالق سبحانه وتعالى، وَأَنَّهُ قد أُنْزِلَ عليه كتاباً عظيماً اسمه القرآن الكريم ، فأخذ عليه الصلاة والسلام يُسْمِعُ قومه ما قد أوحاه الله إليه من هذا الكتاب ، فكان مما قرأه عليهم وهو في مكة هو قوله سبحانه وتعالى من سورة الاحقاف المكية : " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ( أي هذا القرآن الذي يسمعونه ) قُلْ إِنِ افْتَريتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ". ( الاحقاف : 8 ) أي ان كنت قد تكلمت باسم الله باطلاً ونسبت اليه هذا القرآن ، فمن يحميني من الله إذن؟!
وكان قد قرأ عليهم أيضاً قول الله سبحانه وتعالى من سورة الانعام المكية : " قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ". ( الأنعام : 19 )
أي قل يا محمد أي شيء أكبر شهادة من الله حتى يعترفوا بنبوتك، فإن أكبر الأشياء شهادة هو الله سبحانه وتعالى الذي تكلمت أنت باسمه مدعياً النبوة ، فهو سبحانه الشهيد بينك وبينهم في هذه القضية. [2]
ولقد تحققت شهادته سبحانه وتعالى لهذا النبي العظيم بالحق والصدق، إذ قد سمح له بعمل المعجزات ، واستجاب له الدعوات ، وحقق له النبوءات ، ولم يتوفاه حتى أكمل رسالته ، وسمح له في النهاية أن ينتصر على كل من وقف في وجه دعوته ، وأن يؤسس لدولته ويثبت اركانها ، فصارت له الحُجَّة وكتب له النصر، بعد أن كان ضعيفاً وهم أقوياء وكان فقيراً وهم أغنياء وكان وحيداً وهم ذوو عدد ...
وكأنه سبحانه وتعالى يقول لنا من خلال هذه المظاهر : صدق عبدي ونبيي فيما يرويه عني ، وأنا الذي بعثته نبياً رسولاًَ.
وحاشاه سبحانه وتعالى أن يسمح لهذه المظاهر أن تجتمع فيمن يدعي النبوة كذباً ونفاقاً ، ليضل الناس، بل هي بمقام الإقرار الواضح و التصديق منه سبحانه وتعالى لنبوة رسوله الكريم.
يروى أن سهيل بن عمرو قام على باب الكعبة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاح بالناس فاجتمعوا إليه فكان مما قال : " كنت اعلم ان هذا الدين سيمتد من طلوع الشمس إلى غروبها. فقالوا له ومن أين علمت ؟ قال : إني رأيت رجلاً وحيداً لا مال له ولا عز - يقصد النبي صلى الله عليه وسلم - قام في ظل هذا البيت فقال : إني رسول الله ، وإني سأظهر ، فكنا بين ضاحك وهازل وراجم ومستجهل ، فما زال أمره ينمي ويصعد حتى دِنّا له طوعاً وكرهاً ، والله لو كان من عند غير الله لكان كالكسرة في أيدي أي فتى من فتيان قريش ..
" [3]
والآن لنتناول - أخي القارىء - ما قد قلناه بشيء من الشرح والتفصيل :
فعن سماح الله له بصنع المعجزات فالأمثلة كثيرة وأعظم هذه المعجزات وأدومها هي معجزة القرآن الكريم ، والتي تميزت عن معجزات سائر الأنبياء ببقائها حتى قيام الساعة ، وقد أظهرها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأجراها ( باسم الله ) تبارك وتعالى ، فنقول وبالله التوفيق :
لما بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوته بين قوم قد أحبوا الكلمة ، وتفاخروا بها فيما بينهم ، شعراً و نثراً و خطابةً [4] ، أخذ - عليه الصلاة والسلام - يسمعهم آيات القرآن الكريم ، معلناً لهم أن الله هو الذي بعثه للناس نبياً ورسولاً ، وان هذا القرآن الذي يسمعونه منه ، ليس كلامه ، ولا كلام مخلوق آخر ، إنما هو كلام الله ، أوحى به إليه ، وانه سبحانه يُخبرهم على وجه التحدي ، بأن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لما استطاعوا ذلك : " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ". [ الإسراء : 88 ]
لقد كان تحدياً صارخاً وفي نفس الوقت متناسباً منسجماً مع ما مَهَرَ به القوم ، وذلك لكي يفهموا معناه ويلتـفـتوا إليه ، وتتم به الحجة عليهم ...
وعلى الرغم من أن هذا التحدي قد أُعيد عليهم بقوالب مختلفة من اللفظ والأسلوب - كما سنرى - وقد تم إنهاضهم إليه بالتقريع والتحمس ومختلف أشكال التحدي ، وهم ما هم عليه من أنفة ، وفيهم ما فيهم من الشعراء والخطباء وفرسان الكلام ، ومع حرصهم الشديد على إبطال دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ قد سفه أصنامهم وعاب طريقتهم في الدين ، وجعل القرآن الكريم موجباً لطاعته والانقياد له ، إلا أنهم قد وقفوا أمامه موقف العاجز المهزوم ، ولم يستطع أحداً منهم المواجهة ...
لذلك صار هذا التحدي الذي أعلنه النبي ( باسم الله ) والذي نتج عنه عجز العرب وهزيمتهم أمامه ، صار تصديقاً وتأييداً من الله لرسوله الكريم ، وشهادة منه على صدق نبوته كما مر معنا .
آيات التحدي القرآنية :
الملفت للنظر ان جميع آيات التحدي وعددها خمس آيات قد نزلت في زمن ضعف المسلمين وقلة عددهم ، إذ أن اربع آيات منها نزلت في مكة أي في بدايات الدعوة الاسلامية ، وآية واحده نزلت في المدينة وقد اشتملتها سورة البقرة ، وهي من أوائل السور التي نزلت بعد الهجرة في وقت لم تظهر للإسلام فيه القوة ولا المنعة بعد، وهذه الآيات هي كالتالي :
[1] : الآية 33 من سورة الطور وهي سورة مكية وفيها : " أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ".
والمعنى : إن كانوا صادقين في زعمهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد تقول القرآن الكريم من تلقاء نفسه ، فإنهم لن يعجزوا عن الإتيان بحديث مثله ، لأن محمد يتكلم اللغة العربية وهم مثله في العربية وأشد تمرناً منه في النظم والعبارة ..
[2] : الآية 13 من سورة هود وهي سورة مكية : " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ".
والمعنى : إن كانوا صادقين في زعمهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد افترى القرآن ، فإنهم لن يعجزوا عن تأليف العشر سور ، لأنهم مثله في العربية ، مع ما بهم من طول الممارسة للخطب والأشعار وكثرة المزاولة لأساليب النظم والنثر، ولهم أن يستعينوا بمن يستطيعون ليساعدوهم على تأليف العشر سور .
[3] : الآية 38 من سورة يونس وهي سورة مكية : " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ".
والمعنى إن كان الأمر كما يقولون فليأتوا بسورة مثله أي في البلاغة وحسن الصياغة وقوة المعنى - على وجه الافتراء - فإنهم أقدر على تأليف الكلم واختلاقه منه صلى الله عليه وسلم ، لأنهم قد مارسوا مبادىء ذلك من الخطب والأشعار وزاولوا أساليب النظم والنثر ، ولهم أن يستعينوا بمن يستطيعون ليساعدوهم على تأليف السورة .
[4] : الآية 88 من سورة الاسراء وهي سورة مكية : " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ".
وهنا نسأل : كيف لعربي في بداية دعوته أن يصدر هذا الحكم المتضمن لهذا النفي القاطع والصريح وهو يعلم أن مجال المساجلات بين العرب مفتوح على مصراعيه وأن الفصاحة والبلاغة مثبوتة في رجالهم ونسائهم وقبائلهم؟!
يقول الإمام ابن تيمية : هذا لا يقدم عليه من يطلب من الناس أن يصدقوه إلا وهو واثق بأن الأمر كذلك ، إذ لو كان عنده شك في ذلك ، لجاز أن يظهر كذبه في هذا الخبر ، فيفسد عليه قصده [5].
[5] : هذا وبعد أن أذن الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم بالهجرة إلى المدينة المنورة ، هناك أعاد المولى تبارك وتعالى التحدي للمشركين وكفار أهل الكتاب في آيتين من سورة البقرة ، وهي من أوائل ما نزل من السور بعد الهجرة في وقت لم تظهر للإسلام فيه القوة ولا المنعة بعد ، فقال تعالى : " وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ". [ البقرة : 23 ]
ثم حكم عليهم سبحانه وتعالى حكماً مؤبداً فقال : " فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ".
يصف محمد الصادق عرجون آيتي سورة البقرة بأنهما أقوى ما جاء في التحدي ، لما فيهما من القطع بعجز المتحدين مع التقريع والتهديد بالوعيد ، البالغ حداً لا يبقى معه شيء من ساكن العداوة إلا تحرك ، ولا عامل من عوامل المعارضة - لو كانت ممكنة - إلا هاج وأرعد ، ولا بقية من نخوة الانتصار للنفس والمعتقد إلا ثارت وغبرت [6].
نتيجة التحدي :
لقد عجزوا عن الإتيان بالمطلوب ، فلم يأتوا بحديث مثل القرآن ، ولم يأتوا بعشر سور مثله ، ولم يأتوا بسورة من مثله ، وكان المؤمنون في ذلك الوقت يسمعون آيات التحدي ويقرأونها ولو ظهرت أي معارضة فعلية للقرآن لأهتزت قضية الدين عندهم، ولضاع الدين وانتهى وهو في بداية ظهوره ولما آمن بهذا القرآن أحد ، ولأنطفأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم واختل حاله بين العرب ، إلا ان أمره صلى الله عليه وسلم كان يعلوا شيئاً فشيئاً وأتباعه يتزايدون حالاً فحالا ...
ولو صح من العرب انهم قبلوا التحدي فعارضوا القرآن الكريم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لترتب عليه سقوط دعوته بعد ظهور هزيمته وانهيار حجته و بطلان معجزته ، فما كان لهذا القرآن ان يدخل في نفوس الناس في بدايات الدعوة في مكة والمدينة ، باذلين من اجله النفس والمال والولد ، يوم لم تكن للإسلام القوة والمنعة بعد ، وثمة معارضون للقرآن من العرب الاقحاح ، يأتون بمثله للناس مظهرين فساد دعوى التحدي في تلك الآيات .. فتأمل !
قال الجاحظ : لو تكلف بعضهم ذلك - يريد المعارضة - فجاء بأمر فيه أدني شبهة ، لعظمت القصة على الأعراب وأشباه الأعراب .. ولكثر القيل والقال ، وان سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أسرع في تفريق أتباعه [7] . وتبعه الباقلاني فذكر أنهم لو كانوا عارضوه بما تحداهم إليه لكان فيه توهين أمره ، وتكذيب قوله ، وتفريق جمعه ، وتشتيت أسبابه ، وكان من صدق به يرجع على أعقابه ويعود في مذهب أصحابه .. ورأى صاحب المغني : أن المعارضة لو وقعت لكان فيها اضطراب لنفوس أصحابه [8] .
ولما لم يكن شيئاً من هذا قد حدث فإننا على يقين تام بأن العرب قد وقفوا أمام هذا التحدي موقف العاجز المهزوم ، وقد دفع هذا العجز بأهل الاستكبار منهم أن يصفوا هذا القرآن الكريم بقولهم : " هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ " كما في سورة الزخرف المكية آية : 30 ، وبقولهم : " إِنْ هَذَا إلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ " كما في سورة المدثر المكية آية : 24 ، وذهبوا ينعتون هذا الرسول الذي جاءهم بما أعجزهم بقولهم : " إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ " كما في سورة يونس المكية آية : 2 ، وكذلك قولهم : " هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ " كما في سورة ص المكية آية : 4 ، وليس كل ذلك إلا لهزيمتهم وقصور قرائحهم أمام القرآن الكريم ، ومدى تأثيره العجيب في نفوسهم . . وقد ذهبوا يتواصون على عدم سماع القرآن والمشاغبة والتشويش عليه قائلين فيما بينهم : " لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ .. " فصلت : 26 ، ونلاحظ من هذه الآية الكريمة انهم أرادوا الغلبة من خلال عدم السماع لهذا القرآن ، وليس من خلال قبولهم التحدي لأنهم قد فهموا حقيقته وانه خارج عن مقدرتهم ، ولذلك لما قال البعض منهم على سبيل الكذب والوقاحة : " لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ " كان هو قول منهم بلا فعل ..
هذا ولقد كانت آيات التحدي تُقرأ في قوالب مختلفة من اللفظ والأسلوب - كما رأينا – ولو لم تكن تلك الآيات حقيقة واقعة في حياته - صلى الله عليه وسلم - لسارع كبار الصحابة من بعده والمؤمنون به وكتاب الوحي وكبار الحفظة القراء وقت جمع القرآن الكريم إلى إنكارها ورفضها ، كيف لا ، وقد ضحوا بأموالهم وأنفسهم شرقاً وغرباً في سبيل نشر هذا الكتاب الذي جاءهم به - صلى الله عليه وسلم - إذ لا مصلحة في تحمل الأذى في سبيل دين باطل يكذب عليهم ...
ولقد كان هذا التحدي سبباً في إسلام الكثيرين، لأن القرآن الكريم بهذه الاستثارة للعقول والألباب والقلوب يدعو للتفكر في القرآن بشكل أكبر ، ويجعل الإنسان الشاك يتدبر أكثر و أكثر ، حتى يصل إلى النهاية المحمودة إذا كان ممن يبحث الحق متجرداً من الهوى [9] .
وبجانب معجزة القرآن الكريم - أخي القارىء - هناك الكثير من المعجزات والآيات الحسية قد أظهرها الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أشار إليها القرآن الكريم بكل وضوح كما في قوله تعالى في سورة الصافات الآية رقم 14 : " وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ .. وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ " وقوله في سورة القمر الآية رقم 2 : " وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ " وقوله في سورة الانعام الآية 25 : " وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا .. ".
ففي هذه الآيات الكريمات نجد أن الـتعبير بـ (( وَإِذَا رَأَوْا آيَةً )) يدل بوضوح على انهم شاهدوا معجزة أو معاجز للنبي صلى الله عليه وسلم ، الأمر الذي اجمع عليه كافة علماء المسلمين المعتبرين في العالم ودلت عليه الروايات المتواترة أيضا . ومن المسلم به ان الآيات القرآنية سمعية وليست بصرية, وعليه لا يمكن ان يكون قوله تعالى : (( وَإِذَا رَأَوْا آيَةً )) عائد للآيات القرآنية , بالإضافة إلى ذلك فان التعبير بـ : (( سِحْرٌ مُبِينٌ و سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ )) يتناسب تماماً مع المعجزات وخوارق العادات , والواقع ان اتهامهم نبي الإسلام بالسحر , وترويجهم لهذه المسألة بشكل واسع يدل على انهم رأوا منه خوارق عادات ومعجزات. ولو لم تكن تلك المعجزات حقيقة واقعة في حياته صلى الله عليه وسلم لتشكك المؤمنون في ذلك الوقت بالقرآن الكريم ولقالوا كيف يشير القرآن إلى معجزات لم نشاهدها وكيف نصدق ما لم يقع ؟ [10]
يتبع
.................................................. .
.................................
..............
.................................
..............
تعليق