السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نناقش اليوم أيها الإخوة الكرام مسألة تلك البلوى التي عمت بين كثير من عوام المسلمين ألا وهي الاجتراء على القول في دين الله بغير علم بدعوى "الاجتهاد" ، ثم الاحتجاج على ذلك بحجج واهية إما هي خطأ في ذاتها أو في غير سياقها الصحيح ، ومنها :
1- الدين ليس حكراً على العلماء
2- الإسلام حثنا على التفكر وإعمال العقل وينبغي فتح باب الاجتهاد لجميع المسلمين
3- حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "إستفتِ قلبك"
4- استنباط آراء سهلة للتيسير على الناس وتحبيب الدين إليهم
5- لا إشكال عند الخطأ في الاجتهاد فالمجتهد المخطئ له أجر
وسنرد عليها بإذن الله تعالى
لكن لنتعرف أولاً على شروط الاجتهاد بحسب ما قال العلماء ..
فللاجتهاد شروط لا يجوز لمن لم تتوافر فيه أن يجتهد، وقد ذكر أهل الأصول شروط المجتهد، فأطالوا الكلام بذلك، ولكننا نذكرها هنا مختصرة لضيق المقام:
الشرط الأول: الإسلام، وهو واضح.
الشرط الثاني: العقل، وهو واضح أيضًا.
الشرط الثالث: البلوغ؛ لأن الصبي لا يعتمد على خبره وشهادته، فمن باب أولى اجتهاده.
الشرط الرابع: إشرافه على نصوص القرآن، أي ما يتعلق منها بالأحكام، وقد ذكر بعض أهل الأصول أنها خمسمائة آية، ومنهم من قال: إن ذلك إنما يعني الآيات الدالة على الأحكام، بدلالة المطابقة فحسب، لا ما دل على الأحكام بالتضمن والالتزام.
الشرط الخامس: معرفة ما يحتاج إليه من السنن المتعلقة بالأحكام.
الشرط السادس: معرفة مواقع الإجماع والخلاف، حتى لا يفتي بما يخالف الإجماع أو يدعي الإجماع على ما ليس بإجماع، أو يحدث قولاً جديدًا لم يسبق إليه.
الشرط السابع: معرفة القياس، فإنه مناط الاجتهاد وأصل الرأي ومنه يتشعب الفقه، فمن لا يعرفه لا يمكنه استنباط الأحكام.
الشرط الثامن: أن يكون عارفًا بلسان العرب وموضوع خطابهم، وذلك حتى يميز بين الأحكام التي مرجعها إلى اللغة، كصريح الكلام وظاهره ومجمله ومبينه وعامه وخاصه، وحقيقته ومجازه. وغير ذلك.
الشرط التاسع: معرفة الناسح والمنسوخ، حتى لا يفتي بالحكم المنسوخ، قال علي رضي الله عنه لأحد القضاة: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت.
الشرط العاشر: معرفة حال الرواة في القوة والضعف، وتمييز الصحيح من الفاسد، والمقبول من المردود.
الشرط الحادي عشر: أن يكون ذا ملكة يستطيع أن يستنبط بها الأحكام، ولا تتأتى هذه الملكة إلا بالدربة في فروع الأحكام.
الشرط الثاني عشر: العدالة، فلا يقبل اجتهاد الفاسق، ويجوز أن يعمل هو باجتهاده.
واشترط بعضهم: العلم بالمنطق والكلام، ولم يشترط ذلك الأكثرون. ولا يلزم في هذه الشروط أن يبلغ فيها الشخص المنتهى والغاية، بل يكفيه أن يكون ضابطًا لكل فن منها، وهو ما يعبرون عنه بذي الدرجة الوسطى في هذه العلوم .
المصدر
فهذه هي الشروط الواجب توافرها في المجتهد - باختصار - ، أما الآن فنجد من لا يحسن يكتب جملة كاملة خالية من الأخطاء الإملائية أو النحوية ثم هو يتجرأ على القول في القرآن والسنة ، ويتجاسر على مسائل عظام ! فماذا يتوافر فيك من شروط الاجتهاد المذكورة يا مسكين ؟!
بل ونجد الواحد منهم يُخطَّئ العلماء الكبار ويتطاول عليهم وينال منهم بحجة عدم قداستهم !
نعم نحن لا نقدس العلماء لكن نضعهم في مكانتهم اللائقة بهم ، كيف لا وهم ورثة الأنبياء ؟!
1- فهل الدين حكر على العلماء وحسب ؟
نقر أن العلماء ليسوا بمعصومين ، وأنه لا عصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن دعنا لا نخلط الأمور ، فالتخصص لابد أن يُحترَم ، والدين علم ، وللعلم الشرعي أهله وناسه الذين سهروا الليالي وكدوا واجتهدوا لتحصيله وبذلوا الغالي والنفيس لحفظه وتعليمه للناس ، فلا يأتي آتٍ بعد ذلك لم ينل نصيباً من العلم كافياً ليُفتي في الدين بغير علم ، ويتكلم في كتاب الله وسنة رسوله برأيه وفهمه الشخصي بحجة أن الدين ليس حكراً على أحد وأن العلماء ليسوا بمعصومين ! وكذلك الأمر في جميع علوم الدنيا [الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء واللغات والبرمجة ...... إلخ] فلن يقوم أحدنا بالإدلاء برأيه في الطب لأن الأطباء ليسوا بمعصومين !
نعم العلماء ليسوا بمعصومين ، فهم يصيبون ويخطئون ، فإن هم أخطأوا رد عليهم بالدليل والبرهان مَن يطاولهم علماً بالمسألة وليس كل مَن هب ودب . ولذا عندما يقوم الشيخ الألباني بتضعيف بعض أحاديث البخاري فله ذلك لأنه لم يفعل بناءًا على أهواء أو وجهات نظر سطحية أو أفهام شخصية ، بل بناءًا على رسوخه في علم الرجال وبلوغه المراتب العلى في علم مصطلح الحديث . أما أن يأتي مَن لا يُحسن يكتب ، وقرأ كتاباً من هنا وآخر من هناك كي يرد على الإمام البخاري أحاديثه لأن هذا الحديث لا يوافق عقله والآخر مخالف للعلم بزعمه ، ثم يقول أن الألباني قد رد على البخاري بعض الأحاديث ، فنقول له : أين أنت من الألباني أصلاً حتى يحق لك أن ترد على إمام كالبخاري ؟! وماذا حصَّلت من علم الرجال كي تكون أهلاً للنظر في أحاديث الصحيحين ؟! هل يصح في الأذهان مثلاً أن يقف طالب في المرحلة الإعدادية ليرد على أحمد زويل علم الفيمتوكيمياء بحجة أن الكيمياء ليست حكراً على أحد وأن زويل ليس معصوماً ؟! بالطبع لا ، لكن من المقبول أن يرد على أحمد زويل بهذا الشأن مَن قطع شوطاً طويلاً في دراسة علوم الكيمياء ونال قسطاً وافراً من الاطلاع والإلمام بالعلم ، فساعتئذ يكون الأمر مقبولاً مستساغاً .
فبدلاً من أن تسلك طريق طلب العلم بمشاقه ومصاعبه وما يتطلبه من بذل وجهد إذا بك ترمي كل ذلك وراء ظهرك وتطلق يدك في النصوص المقدسة بلا ضابط ولا رابط وقد عصبت عينيك بعبارة "الدين ليس حكراً على أحد" ! بل القول في دين الله تعالى حِكر على أهل العلم وطلابه كلٍ قدر ما علَّمه الله ، بل وفرضٌ عليك أيها العامي يا من لا تملك أدوات الاجتهاد أن تمتنع عن التقول على الله ورسوله ، وأن تلجأ لأهل العلم لتسألهم عما تجهل ، فقد قال سبحانه : [قُُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] وقال سبحانه وتعالى : [فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ]
2- وأما مسألة إعمال العقل والدعوة لفتح باب الاجتهاد للجميع :
فلم يمنعك أحد من إعمال عقلك ، بل أنت مأمور بإعمال عقلك في كل صغيرة وكبيرة ، لكن العقل يقر أن تُعْمِلَه فيما هو متاح له من معطيات لا أن تُعْمِلَه فيما لا يملكه ولا يحسنه ، فإن لم تمتلك أدوات الاجتهاد ولم تتوافر فيك شروطه ففيمَ ستُعمِل عقلك ؟ إن أعمَلْت عقلك فيما لا يُحسنه لم تصل بذلك إلا إلى الانحراف عن مراد الله ورسوله .
وأما الدعوة إلى اجتهاد الجهال وغير ذوي العلم في الدين والسماح لكل من شاء ليدلي بدلوه في كتاب الله تعالى وسُنة رسوله ، فهو الهلاك بعينه . ولماذا نذهب بعيداً ؟!
أتعلم يا أيها الراغب في "الاجتهاد" أن القائلين بعدم وجوب الحجاب قد تبنوا نفس دعواك بفتح الاجتهاد ورددوا نفس زعمك فاجترأوا على كتاب الله وسنة رسوله بغير علم ثم توصلوا إلى نفي فريضة ثابتة لا يماري فيها إلا جاهل ؟!
فهل تستطيع الرد عليهم ؟!
كيف سترد عليهم بطلان اجتهادهم إن كنتَ أنت نفسك تدعو إلى فتح الاجتهاد للجميع وتتبناه ؟!
أم أنك ستلزمهم بالدليل الصحيح من الكتاب والسنة - الذي هو بفهم سلف الأمة - وبالتالي تقع في مناقضة نفسك وتنفي ادعاءك السابق بضرورة عدم التحجر عند السلف والالتزام بالنصوص والجمود عند الألفاظ ؟!
فالرجوع لأهل الذكر لا يعني إلغاء العقل أو تعطيله ، بل إعمال العقل واجبٌ في حدود المعطيات المتاحة له ، فمعلوم أن الإنسان منا لا يُعمِل عقله إلا في نطاق المعلومات المتوافرة له ، فكيف أُعمِل عقلي فيما أجهل ؟! هذا لا يصح عقلاً أصلاً . فالأصل هو محو الجهل ثم التفكر وإعمال العقل في المعلومات المتوافرة .
3- وأما بالنسبة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : "إستفتِ قلبك" :
فليس معنى هذا الحديث الصحيح أن يقول كل مَن أراد في دين الله ، أو أن الإفتاء في المسائل الشرعية يكون بحسب اطمئنان القلوب هكذا ، وإنما الحديث يعني أمرين :
الأول : أن استفتاء القلب إنما يكون بعد سؤال العلماء ومعرفة حكم الشرع بالمسألة ، كأن يُفتي العالم مثلاً بِحِل مسألة ما ، لكن يشعر المستفتي في قرارة نفسه بشبهة الحرام في المسألة فساعتها يفعل ما تطمئن له نفسه من البعد عن محل الشبهة .
والثاني : أن استفتاء القلب إنما يكون لمن سكن الإيماء نفسه وامتلأ باليقين قلبه كالصحابة الأبرار ، ومَن حذا حذوهم ، أما عموم الناس مِمَّن غلبت عليهم رغباتهم ومعاصيهم فليس لهم ذلك الاستفتاء لأنهم يتبعون أهواءهم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .
ولو كان معنى الحديث حرية القول في دين الله لكل من هب ودب ، فما تفسير قول الله تعالى [فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون] ؟! وإن كان كلٌ سيعيش مع قلبه فيستفتيه وانتهى الأمر ، فما وظيفة العلماء ؟! وما فائدة العلم الشرعي أصلاً ؟!
واقرأ المزيد هنا : http://fatwa.islamweb.net/fatwa/inde...waId&Id=199943
4- وأما بالنسبة لمسألة استنباط آراء سهلة للتيسير على الناس وتحبيب الدين إليهم :
فإن تحبيب الناس وتقريبهم للإسلام لا يكون بتزييف الدين بحسب أهوائهم وأمزجتهم وإلا فالأمر محال ، فكيف لدين رب العالمين أن يُرضي أهواء البشر على اختلافهم ؟! وكيف يكون الدين بحسب الأهواء إن كانت إحدى أساسات الدين المُتعبَّد به لرب العالمين هي "نهي النفس عن الهوى" ؟!
إن حاولت تزييف الدين تحت مُسمى "تجميله وتحبيبه للناس" فقد ضلَّلتهم ودللتهم على دين غير الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، فبماذا ينفعهم "دينهم المزخرف" عند ربهم وقد قال سبحانه : [فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً] ؟! الجمال في ديننا كما أنزله الله تعالى وبحسب مراده سبحانه ، ولا يعمى عن جماله إلا متبعٌ هواه مطموس على بصيرته فيخاله معيباً يحتاج التجميل ، فيتحجج أعمى البصيرة بالرغبة في تحبيب الدين للناس فيما حقيقة الأمر هي التنازل عن الدين مداهنةً لأعدائه وتزلفاً إليهم لعلهم يرضون ، وأبداً لن يرضوا .
بل والحق أن مسألة "تجميل الدين وتعديله" هي من وحي أعداء الدين للمسلمين .. ألا تصدقوني ؟ فاسمعوا بآذانكم من المُتنصرة المرتدة "أيان هيرسي علي" وهي تخبركم بمخططهم الخبيث لتعديل القرآن الكريم ، بحيث يظل نَص القرآن الكريم كما هو ويتم تغيير مفاهيمه وتعديلها واستبدالها بأخرى مزخرفة زائفة يعتنقها المسلمون ويروجون بأنفسهم لها ، ليرضى الغرب عنهم وعن إسلامهم الجديد ! فتقول المرأة المرتدة قرب نهاية الفيديو : ((الدستور الأمريكي عمره 250 عاماً فقط ، وقد تم تعديله 27 مرة ، والقرآن عمره لا يقل عن 1200 عام ولم يتم تعديله ولو لمرة واحدة .. يا له من عار .. إنه من العاجل والضروري البدء في هذه التعديلات .. لقد حان وقت الإبداع وسنقوم بكل وسعنا للمساعدة))
الفيديو هنا : https://www.facebook.com/KolenaKhale...2997526377291/
5- يبقى الرد على مسألة "لا إشكال عند الخطأ في الاجتهاد فالمجتهد المخطئ له أجر" :
وهنا أنقلُ التالي لنعلم إن كان كل مجتهد مخطئ له أجر فعلاً أم لا :
لقد اختلط على الناس في هذا العصر خاصة المفهوم الحقيقي لمعنى الاجتهاد، كما اختلط عليهم من يحق له الوصف بالمجتهد . طريقان مظلمان من شأنهما أن يوقعا هؤلاء الناس في تخبطات عقدية ومنهجية، تجعلهم لا يفرقون بين عالم وعالم، وبين مقلد ومقلد، وبين داعية وداعية
الاجتهاد الحقيقي له أهله وله مَواطِنه، له أحكامه وأصوله، وليس يحق لأي أحد أن يجتهد ويفتي ويصرف كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - كيف يشاء، فيضل الناس بغير علم
وقد صدق ابن عمر- - إذ قال: إن أصحاب الأهواء هم أعداء السنة، أعيتهم أن يحفظوها، وتفللت منهم أن يعوها، فإذا سئلوا، استحيوا أن يقولوا لا نعلم، فأفتوا بغيرعلم، فضلوا وأضلوا.
ولنناقش المسألة في ضوء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ )
رواه البخاري و مسلم و غيرهما وقد أراد البخاري من هذا الحديث : أنه لا يلزم من رد حكم القاضي، أو فتوى المفتي أو العالم، أو عمل العامل إذا خالف الشرع، لا يلزم من رد فتواهم أو حكمهم عليهم، أن يكونوا أثموا بما قالوا أو عملوا . بل إذا بذل العالم وسعه للوصول إلى الحق، وبذل الحاكم أو القاضي وسعه كذلك واجتهد فحكم أو أفتى وخالف بذلك الصواب والحق، فإنه يكون مأجورا ، ولو خالف الشرع في حقيقة الأمر، إذا كان ذلك بعد الاجتهاد وبذل الوسع وهو أهل للاجتهاد، فهو مأجور أجرا واحدا.
ولكن متى يؤجر العالم أو متى يؤجر الحاكم ؟
يؤجر إذا كان عالما قادرا على الاجتهاد ، وأما الجاهل فلا !
قال ابن المنذر رحمه الله : وإنما يؤجر الحاكم إذا أخطأ، إذا كان عالما بالاجتهاد فاجتهد، وأما إذا لم يكن عالما فلا.
أي: القاضي إذا كان عالما بالاجتهاد وقادرا على الوصول إلى معرفة الحكم الشرعي، ثم بذل وسعه واجتهد فأخطأ، فإنه يؤجر أجرا واحدا، لكن إن كان قد قضى على جهل فهو مأزور غير مأجور .
ثم استدل ابن المنذر في هذا الموضع بحديث: «أن القضاة ثلاثة : قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، وقاض عرف الحق فقضى بخلافه فهو في النار، وقاض قضى للناس على جهل فهو في النار». وهذا الحديث أخرجه أصحاب السنن، ومروي من عدة طرق ، وهو حديث صحيح حسن .
وقال الخطابي: إنما يؤجر المجتهد إذا كان جامعا لآلة الاجتهاد، فهو الذي نعذره بالخطأ، بخلاف المتكلف فيخاف عليه، ثم إنما يؤجر اجتهاده في طلب الحق عبادة، هذا إذا أصاب، وأما إذا أخطأ فلا يؤجر على الخطأ، بل يوضع عنه الإثم فقط؛ فإذا قضى الحاكم على جهل، فهو في النار والعياذ بالله.
وكذلك إذا سئل الإنسان فأفتى بغير علم فهو آثم، وقد قال[: «من أفتى بفتيا غير ثبت ، كان إثمه على مَن أفتاه ، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه « رواه أبوداود. فالإثم يرجع عليك إن تكلمت بغير علم، أو حصل منك تقديم بين يدي الله ورسوله[ وقد قال الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم} (الحجرات: 1).
إذاً إنما يؤجر المجتهد إذا كان جامعا لآلة الاجتهاد، وهو ما إذا كان حافظا للقرآن والسنة النبوية، وله معرفة وفهم لهما، وكذلك معرفة بأقوال الصحابة والمفتين والفقهاء ، مع العلم بالعربية وقواعدها، فهذا لا إثم عليه إذا اجتهد ثم أخطا . أما إذا أفتى أو حكم وأخطأ، لأنه لا يعرف الأحكام ويجهل، ومع ذلك قضى وأفتى على جهل ، فإنه لا يؤجر على ذلك؛ لأنه معتد ومتطاول .
ولماذا الذي يقضي ويخالف الحق له أجر؟! نقول: له أجر واحد على اجتهاده، وبذله لوسعه، وتعبه في الوصول إلى حكم الله تبارك وتعالى أو حكم رسوله.
وأما قوله: «إذا حكم الحاكم فاجتهد» هكذا وقع في الرواية ، بدأ بالحكم قبل الاجتهاد ، ومعلوم أنه إنما يحكم بعد الاجتهاد ، ولا يجوز له أن يحكم قبل الاجتهاد ؟! ولماذا لم يقل : إذا اجتهد الحاكم فحكم...؟
فالجواب: أن المعنى عند العلماء أنه: إذا اجتهد الحاكم فحكم، هذا معنى قول النبي: «إذا حكم الحاكم فاجتهد»؛ لأن الحكم لا يكون إلا بعد الاجتهاد كما هو معلوم ، ولا يكون الحكم قبل الاجتهاد، والفاء هاهنا ليست تعقيبية، فيكون التقدير: إذا حكم بعد الاجتهاد.
وقال بعض أهل العلم معنى: «إذا حكم الحاكم فاجتهد» أي: إذا أراد أن يحكم فاجتهد فأصاب فله أجران. وهذا أيضا معنى صحيح .
ولهذا قال أهل الأصول: إنه يجب على العالم المجتهد أن يجدد النظر عند وقوع النازلة مرة أخرى، ولا يعتمد على الاجتهاد السابق؛ لإمكان أن يظهر له خلاف ما قضى أو حكم به أو أفتى سابقا .
وقوله: «إذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» يعني: بان له الخطأ أو لم يتبين، فإن له أجرا على اجتهاده وتعبه في تحصيل الحكم، ولا يعني أن له أجرا على خطئه؟! ولكن يكون الإثم مرفوعا عنه، وهذا من لطف الله تعالى بعباده ورحمته بهم أنه لا يكلفهم ما لا يطيقون كما قال: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة: 286)..
وللحديث بقية بإذن الله تعالى ..
نناقش اليوم أيها الإخوة الكرام مسألة تلك البلوى التي عمت بين كثير من عوام المسلمين ألا وهي الاجتراء على القول في دين الله بغير علم بدعوى "الاجتهاد" ، ثم الاحتجاج على ذلك بحجج واهية إما هي خطأ في ذاتها أو في غير سياقها الصحيح ، ومنها :
1- الدين ليس حكراً على العلماء
2- الإسلام حثنا على التفكر وإعمال العقل وينبغي فتح باب الاجتهاد لجميع المسلمين
3- حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "إستفتِ قلبك"
4- استنباط آراء سهلة للتيسير على الناس وتحبيب الدين إليهم
5- لا إشكال عند الخطأ في الاجتهاد فالمجتهد المخطئ له أجر
وسنرد عليها بإذن الله تعالى
لكن لنتعرف أولاً على شروط الاجتهاد بحسب ما قال العلماء ..
فللاجتهاد شروط لا يجوز لمن لم تتوافر فيه أن يجتهد، وقد ذكر أهل الأصول شروط المجتهد، فأطالوا الكلام بذلك، ولكننا نذكرها هنا مختصرة لضيق المقام:
الشرط الأول: الإسلام، وهو واضح.
الشرط الثاني: العقل، وهو واضح أيضًا.
الشرط الثالث: البلوغ؛ لأن الصبي لا يعتمد على خبره وشهادته، فمن باب أولى اجتهاده.
الشرط الرابع: إشرافه على نصوص القرآن، أي ما يتعلق منها بالأحكام، وقد ذكر بعض أهل الأصول أنها خمسمائة آية، ومنهم من قال: إن ذلك إنما يعني الآيات الدالة على الأحكام، بدلالة المطابقة فحسب، لا ما دل على الأحكام بالتضمن والالتزام.
الشرط الخامس: معرفة ما يحتاج إليه من السنن المتعلقة بالأحكام.
الشرط السادس: معرفة مواقع الإجماع والخلاف، حتى لا يفتي بما يخالف الإجماع أو يدعي الإجماع على ما ليس بإجماع، أو يحدث قولاً جديدًا لم يسبق إليه.
الشرط السابع: معرفة القياس، فإنه مناط الاجتهاد وأصل الرأي ومنه يتشعب الفقه، فمن لا يعرفه لا يمكنه استنباط الأحكام.
الشرط الثامن: أن يكون عارفًا بلسان العرب وموضوع خطابهم، وذلك حتى يميز بين الأحكام التي مرجعها إلى اللغة، كصريح الكلام وظاهره ومجمله ومبينه وعامه وخاصه، وحقيقته ومجازه. وغير ذلك.
الشرط التاسع: معرفة الناسح والمنسوخ، حتى لا يفتي بالحكم المنسوخ، قال علي رضي الله عنه لأحد القضاة: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت.
الشرط العاشر: معرفة حال الرواة في القوة والضعف، وتمييز الصحيح من الفاسد، والمقبول من المردود.
الشرط الحادي عشر: أن يكون ذا ملكة يستطيع أن يستنبط بها الأحكام، ولا تتأتى هذه الملكة إلا بالدربة في فروع الأحكام.
الشرط الثاني عشر: العدالة، فلا يقبل اجتهاد الفاسق، ويجوز أن يعمل هو باجتهاده.
واشترط بعضهم: العلم بالمنطق والكلام، ولم يشترط ذلك الأكثرون. ولا يلزم في هذه الشروط أن يبلغ فيها الشخص المنتهى والغاية، بل يكفيه أن يكون ضابطًا لكل فن منها، وهو ما يعبرون عنه بذي الدرجة الوسطى في هذه العلوم .
المصدر
فهذه هي الشروط الواجب توافرها في المجتهد - باختصار - ، أما الآن فنجد من لا يحسن يكتب جملة كاملة خالية من الأخطاء الإملائية أو النحوية ثم هو يتجرأ على القول في القرآن والسنة ، ويتجاسر على مسائل عظام ! فماذا يتوافر فيك من شروط الاجتهاد المذكورة يا مسكين ؟!
بل ونجد الواحد منهم يُخطَّئ العلماء الكبار ويتطاول عليهم وينال منهم بحجة عدم قداستهم !
نعم نحن لا نقدس العلماء لكن نضعهم في مكانتهم اللائقة بهم ، كيف لا وهم ورثة الأنبياء ؟!
1- فهل الدين حكر على العلماء وحسب ؟
نقر أن العلماء ليسوا بمعصومين ، وأنه لا عصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن دعنا لا نخلط الأمور ، فالتخصص لابد أن يُحترَم ، والدين علم ، وللعلم الشرعي أهله وناسه الذين سهروا الليالي وكدوا واجتهدوا لتحصيله وبذلوا الغالي والنفيس لحفظه وتعليمه للناس ، فلا يأتي آتٍ بعد ذلك لم ينل نصيباً من العلم كافياً ليُفتي في الدين بغير علم ، ويتكلم في كتاب الله وسنة رسوله برأيه وفهمه الشخصي بحجة أن الدين ليس حكراً على أحد وأن العلماء ليسوا بمعصومين ! وكذلك الأمر في جميع علوم الدنيا [الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء واللغات والبرمجة ...... إلخ] فلن يقوم أحدنا بالإدلاء برأيه في الطب لأن الأطباء ليسوا بمعصومين !
نعم العلماء ليسوا بمعصومين ، فهم يصيبون ويخطئون ، فإن هم أخطأوا رد عليهم بالدليل والبرهان مَن يطاولهم علماً بالمسألة وليس كل مَن هب ودب . ولذا عندما يقوم الشيخ الألباني بتضعيف بعض أحاديث البخاري فله ذلك لأنه لم يفعل بناءًا على أهواء أو وجهات نظر سطحية أو أفهام شخصية ، بل بناءًا على رسوخه في علم الرجال وبلوغه المراتب العلى في علم مصطلح الحديث . أما أن يأتي مَن لا يُحسن يكتب ، وقرأ كتاباً من هنا وآخر من هناك كي يرد على الإمام البخاري أحاديثه لأن هذا الحديث لا يوافق عقله والآخر مخالف للعلم بزعمه ، ثم يقول أن الألباني قد رد على البخاري بعض الأحاديث ، فنقول له : أين أنت من الألباني أصلاً حتى يحق لك أن ترد على إمام كالبخاري ؟! وماذا حصَّلت من علم الرجال كي تكون أهلاً للنظر في أحاديث الصحيحين ؟! هل يصح في الأذهان مثلاً أن يقف طالب في المرحلة الإعدادية ليرد على أحمد زويل علم الفيمتوكيمياء بحجة أن الكيمياء ليست حكراً على أحد وأن زويل ليس معصوماً ؟! بالطبع لا ، لكن من المقبول أن يرد على أحمد زويل بهذا الشأن مَن قطع شوطاً طويلاً في دراسة علوم الكيمياء ونال قسطاً وافراً من الاطلاع والإلمام بالعلم ، فساعتئذ يكون الأمر مقبولاً مستساغاً .
فبدلاً من أن تسلك طريق طلب العلم بمشاقه ومصاعبه وما يتطلبه من بذل وجهد إذا بك ترمي كل ذلك وراء ظهرك وتطلق يدك في النصوص المقدسة بلا ضابط ولا رابط وقد عصبت عينيك بعبارة "الدين ليس حكراً على أحد" ! بل القول في دين الله تعالى حِكر على أهل العلم وطلابه كلٍ قدر ما علَّمه الله ، بل وفرضٌ عليك أيها العامي يا من لا تملك أدوات الاجتهاد أن تمتنع عن التقول على الله ورسوله ، وأن تلجأ لأهل العلم لتسألهم عما تجهل ، فقد قال سبحانه : [قُُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ] وقال سبحانه وتعالى : [فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ]
2- وأما مسألة إعمال العقل والدعوة لفتح باب الاجتهاد للجميع :
فلم يمنعك أحد من إعمال عقلك ، بل أنت مأمور بإعمال عقلك في كل صغيرة وكبيرة ، لكن العقل يقر أن تُعْمِلَه فيما هو متاح له من معطيات لا أن تُعْمِلَه فيما لا يملكه ولا يحسنه ، فإن لم تمتلك أدوات الاجتهاد ولم تتوافر فيك شروطه ففيمَ ستُعمِل عقلك ؟ إن أعمَلْت عقلك فيما لا يُحسنه لم تصل بذلك إلا إلى الانحراف عن مراد الله ورسوله .
وأما الدعوة إلى اجتهاد الجهال وغير ذوي العلم في الدين والسماح لكل من شاء ليدلي بدلوه في كتاب الله تعالى وسُنة رسوله ، فهو الهلاك بعينه . ولماذا نذهب بعيداً ؟!
أتعلم يا أيها الراغب في "الاجتهاد" أن القائلين بعدم وجوب الحجاب قد تبنوا نفس دعواك بفتح الاجتهاد ورددوا نفس زعمك فاجترأوا على كتاب الله وسنة رسوله بغير علم ثم توصلوا إلى نفي فريضة ثابتة لا يماري فيها إلا جاهل ؟!
فهل تستطيع الرد عليهم ؟!
كيف سترد عليهم بطلان اجتهادهم إن كنتَ أنت نفسك تدعو إلى فتح الاجتهاد للجميع وتتبناه ؟!
أم أنك ستلزمهم بالدليل الصحيح من الكتاب والسنة - الذي هو بفهم سلف الأمة - وبالتالي تقع في مناقضة نفسك وتنفي ادعاءك السابق بضرورة عدم التحجر عند السلف والالتزام بالنصوص والجمود عند الألفاظ ؟!
فالرجوع لأهل الذكر لا يعني إلغاء العقل أو تعطيله ، بل إعمال العقل واجبٌ في حدود المعطيات المتاحة له ، فمعلوم أن الإنسان منا لا يُعمِل عقله إلا في نطاق المعلومات المتوافرة له ، فكيف أُعمِل عقلي فيما أجهل ؟! هذا لا يصح عقلاً أصلاً . فالأصل هو محو الجهل ثم التفكر وإعمال العقل في المعلومات المتوافرة .
3- وأما بالنسبة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : "إستفتِ قلبك" :
فليس معنى هذا الحديث الصحيح أن يقول كل مَن أراد في دين الله ، أو أن الإفتاء في المسائل الشرعية يكون بحسب اطمئنان القلوب هكذا ، وإنما الحديث يعني أمرين :
الأول : أن استفتاء القلب إنما يكون بعد سؤال العلماء ومعرفة حكم الشرع بالمسألة ، كأن يُفتي العالم مثلاً بِحِل مسألة ما ، لكن يشعر المستفتي في قرارة نفسه بشبهة الحرام في المسألة فساعتها يفعل ما تطمئن له نفسه من البعد عن محل الشبهة .
والثاني : أن استفتاء القلب إنما يكون لمن سكن الإيماء نفسه وامتلأ باليقين قلبه كالصحابة الأبرار ، ومَن حذا حذوهم ، أما عموم الناس مِمَّن غلبت عليهم رغباتهم ومعاصيهم فليس لهم ذلك الاستفتاء لأنهم يتبعون أهواءهم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .
ولو كان معنى الحديث حرية القول في دين الله لكل من هب ودب ، فما تفسير قول الله تعالى [فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون] ؟! وإن كان كلٌ سيعيش مع قلبه فيستفتيه وانتهى الأمر ، فما وظيفة العلماء ؟! وما فائدة العلم الشرعي أصلاً ؟!
واقرأ المزيد هنا : http://fatwa.islamweb.net/fatwa/inde...waId&Id=199943
4- وأما بالنسبة لمسألة استنباط آراء سهلة للتيسير على الناس وتحبيب الدين إليهم :
فإن تحبيب الناس وتقريبهم للإسلام لا يكون بتزييف الدين بحسب أهوائهم وأمزجتهم وإلا فالأمر محال ، فكيف لدين رب العالمين أن يُرضي أهواء البشر على اختلافهم ؟! وكيف يكون الدين بحسب الأهواء إن كانت إحدى أساسات الدين المُتعبَّد به لرب العالمين هي "نهي النفس عن الهوى" ؟!
إن حاولت تزييف الدين تحت مُسمى "تجميله وتحبيبه للناس" فقد ضلَّلتهم ودللتهم على دين غير الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، فبماذا ينفعهم "دينهم المزخرف" عند ربهم وقد قال سبحانه : [فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً] ؟! الجمال في ديننا كما أنزله الله تعالى وبحسب مراده سبحانه ، ولا يعمى عن جماله إلا متبعٌ هواه مطموس على بصيرته فيخاله معيباً يحتاج التجميل ، فيتحجج أعمى البصيرة بالرغبة في تحبيب الدين للناس فيما حقيقة الأمر هي التنازل عن الدين مداهنةً لأعدائه وتزلفاً إليهم لعلهم يرضون ، وأبداً لن يرضوا .
بل والحق أن مسألة "تجميل الدين وتعديله" هي من وحي أعداء الدين للمسلمين .. ألا تصدقوني ؟ فاسمعوا بآذانكم من المُتنصرة المرتدة "أيان هيرسي علي" وهي تخبركم بمخططهم الخبيث لتعديل القرآن الكريم ، بحيث يظل نَص القرآن الكريم كما هو ويتم تغيير مفاهيمه وتعديلها واستبدالها بأخرى مزخرفة زائفة يعتنقها المسلمون ويروجون بأنفسهم لها ، ليرضى الغرب عنهم وعن إسلامهم الجديد ! فتقول المرأة المرتدة قرب نهاية الفيديو : ((الدستور الأمريكي عمره 250 عاماً فقط ، وقد تم تعديله 27 مرة ، والقرآن عمره لا يقل عن 1200 عام ولم يتم تعديله ولو لمرة واحدة .. يا له من عار .. إنه من العاجل والضروري البدء في هذه التعديلات .. لقد حان وقت الإبداع وسنقوم بكل وسعنا للمساعدة))
الفيديو هنا : https://www.facebook.com/KolenaKhale...2997526377291/
5- يبقى الرد على مسألة "لا إشكال عند الخطأ في الاجتهاد فالمجتهد المخطئ له أجر" :
وهنا أنقلُ التالي لنعلم إن كان كل مجتهد مخطئ له أجر فعلاً أم لا :
لقد اختلط على الناس في هذا العصر خاصة المفهوم الحقيقي لمعنى الاجتهاد، كما اختلط عليهم من يحق له الوصف بالمجتهد . طريقان مظلمان من شأنهما أن يوقعا هؤلاء الناس في تخبطات عقدية ومنهجية، تجعلهم لا يفرقون بين عالم وعالم، وبين مقلد ومقلد، وبين داعية وداعية
الاجتهاد الحقيقي له أهله وله مَواطِنه، له أحكامه وأصوله، وليس يحق لأي أحد أن يجتهد ويفتي ويصرف كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - كيف يشاء، فيضل الناس بغير علم
وقد صدق ابن عمر- - إذ قال: إن أصحاب الأهواء هم أعداء السنة، أعيتهم أن يحفظوها، وتفللت منهم أن يعوها، فإذا سئلوا، استحيوا أن يقولوا لا نعلم، فأفتوا بغيرعلم، فضلوا وأضلوا.
ولنناقش المسألة في ضوء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ )
رواه البخاري و مسلم و غيرهما وقد أراد البخاري من هذا الحديث : أنه لا يلزم من رد حكم القاضي، أو فتوى المفتي أو العالم، أو عمل العامل إذا خالف الشرع، لا يلزم من رد فتواهم أو حكمهم عليهم، أن يكونوا أثموا بما قالوا أو عملوا . بل إذا بذل العالم وسعه للوصول إلى الحق، وبذل الحاكم أو القاضي وسعه كذلك واجتهد فحكم أو أفتى وخالف بذلك الصواب والحق، فإنه يكون مأجورا ، ولو خالف الشرع في حقيقة الأمر، إذا كان ذلك بعد الاجتهاد وبذل الوسع وهو أهل للاجتهاد، فهو مأجور أجرا واحدا.
ولكن متى يؤجر العالم أو متى يؤجر الحاكم ؟
يؤجر إذا كان عالما قادرا على الاجتهاد ، وأما الجاهل فلا !
قال ابن المنذر رحمه الله : وإنما يؤجر الحاكم إذا أخطأ، إذا كان عالما بالاجتهاد فاجتهد، وأما إذا لم يكن عالما فلا.
أي: القاضي إذا كان عالما بالاجتهاد وقادرا على الوصول إلى معرفة الحكم الشرعي، ثم بذل وسعه واجتهد فأخطأ، فإنه يؤجر أجرا واحدا، لكن إن كان قد قضى على جهل فهو مأزور غير مأجور .
ثم استدل ابن المنذر في هذا الموضع بحديث: «أن القضاة ثلاثة : قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، وقاض عرف الحق فقضى بخلافه فهو في النار، وقاض قضى للناس على جهل فهو في النار». وهذا الحديث أخرجه أصحاب السنن، ومروي من عدة طرق ، وهو حديث صحيح حسن .
وقال الخطابي: إنما يؤجر المجتهد إذا كان جامعا لآلة الاجتهاد، فهو الذي نعذره بالخطأ، بخلاف المتكلف فيخاف عليه، ثم إنما يؤجر اجتهاده في طلب الحق عبادة، هذا إذا أصاب، وأما إذا أخطأ فلا يؤجر على الخطأ، بل يوضع عنه الإثم فقط؛ فإذا قضى الحاكم على جهل، فهو في النار والعياذ بالله.
وكذلك إذا سئل الإنسان فأفتى بغير علم فهو آثم، وقد قال[: «من أفتى بفتيا غير ثبت ، كان إثمه على مَن أفتاه ، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه « رواه أبوداود. فالإثم يرجع عليك إن تكلمت بغير علم، أو حصل منك تقديم بين يدي الله ورسوله[ وقد قال الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم} (الحجرات: 1).
إذاً إنما يؤجر المجتهد إذا كان جامعا لآلة الاجتهاد، وهو ما إذا كان حافظا للقرآن والسنة النبوية، وله معرفة وفهم لهما، وكذلك معرفة بأقوال الصحابة والمفتين والفقهاء ، مع العلم بالعربية وقواعدها، فهذا لا إثم عليه إذا اجتهد ثم أخطا . أما إذا أفتى أو حكم وأخطأ، لأنه لا يعرف الأحكام ويجهل، ومع ذلك قضى وأفتى على جهل ، فإنه لا يؤجر على ذلك؛ لأنه معتد ومتطاول .
ولماذا الذي يقضي ويخالف الحق له أجر؟! نقول: له أجر واحد على اجتهاده، وبذله لوسعه، وتعبه في الوصول إلى حكم الله تبارك وتعالى أو حكم رسوله.
وأما قوله: «إذا حكم الحاكم فاجتهد» هكذا وقع في الرواية ، بدأ بالحكم قبل الاجتهاد ، ومعلوم أنه إنما يحكم بعد الاجتهاد ، ولا يجوز له أن يحكم قبل الاجتهاد ؟! ولماذا لم يقل : إذا اجتهد الحاكم فحكم...؟
فالجواب: أن المعنى عند العلماء أنه: إذا اجتهد الحاكم فحكم، هذا معنى قول النبي: «إذا حكم الحاكم فاجتهد»؛ لأن الحكم لا يكون إلا بعد الاجتهاد كما هو معلوم ، ولا يكون الحكم قبل الاجتهاد، والفاء هاهنا ليست تعقيبية، فيكون التقدير: إذا حكم بعد الاجتهاد.
وقال بعض أهل العلم معنى: «إذا حكم الحاكم فاجتهد» أي: إذا أراد أن يحكم فاجتهد فأصاب فله أجران. وهذا أيضا معنى صحيح .
ولهذا قال أهل الأصول: إنه يجب على العالم المجتهد أن يجدد النظر عند وقوع النازلة مرة أخرى، ولا يعتمد على الاجتهاد السابق؛ لإمكان أن يظهر له خلاف ما قضى أو حكم به أو أفتى سابقا .
وقوله: «إذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» يعني: بان له الخطأ أو لم يتبين، فإن له أجرا على اجتهاده وتعبه في تحصيل الحكم، ولا يعني أن له أجرا على خطئه؟! ولكن يكون الإثم مرفوعا عنه، وهذا من لطف الله تعالى بعباده ورحمته بهم أنه لا يكلفهم ما لا يطيقون كما قال: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة: 286)..
وللحديث بقية بإذن الله تعالى ..
تعليق