بسم الله الرحمن الرحيم
السَّلامُ عَليكُم ورَحمَةُ اللهِ وبرَكاتُه
السَّلامُ عَليكُم ورَحمَةُ اللهِ وبرَكاتُه
اِعلمْ - يا عَبدَ اللهِ - أن العقل وزير تابعٌ حيثما وجهتَه توجَّه، وما عَبَدَة الإنسانِ أو الحيوانِ أو الجمادِ أو الجنِّ أو الملاكِ - وما أهلُ الباطل جَميعا فى مُنافحتِهم عن باطلِهم بعقولهم مُتَّبِعون للعقل وإنما هم مُستَعبِدوه ؛ استَعبَدوه لأهوائهم الفاسِدَةِ فانطلَق يُقيم الحججَ الباطِلات والأدلة الواهِياتِ التى تُقيم لهم هواهم وتُرضى نفوسَهم.
فالذى أراه أنك ليس تَجذِبُك هذه "النظرية" اتِّباعا لحُجَّة أو دليل ولكن عُجْبًا بفكرة كامنة وراءها ربما هوتها نفسُك أو أُشْرِبَ بها هواك. فانظُرْ حالك فإنى أعِظُك أن تقوم لله مُحرِّرا عقلَك من عبودية الهوى واستبداد النفس وأن تتفكر قائلا لعقلك : "قُدنى للحقيقة لا لشىء غيرِها"، واستعن بالله ولا تعجز.
قلتُ : تخيل معى أننا نعيش قبْل الآن بمائة أو مائتين من السنين، وإذ بك اطلعت على كلام العلماء أن الشمس لها موضع ثابت فى الفضاء، فاشْتَبَهَ عليك قولُ الله سبحانه : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) } ( يس )، فإذا ..
الأمر لا يخلو من فرضين : إما أن يقع الخطأ فى كلام العلماء أو فى كلام الله جلَّ جلاله فإن تعارض القولان فإن العقل السليم يقولُ :
أ) كلام الله لا يتعارض مع بَدهياتِ العقل ومُسلَّماته الثابتة النهائية القطعية فما كان الله لِيخلق عقلا يحكمُ على شىء من ذاتِهِ أو صفاته أو أفعاله بالاستحالة، وما كانَ ليُخبِرَ الإنسانَ بشئٍ يَحكمُ عليهِ عقلهُ بالاستحالةِ، ونظير ذلك قولُ أهل الصليب على الثلاثة إنهم واحد وعلى الواحد إنه ثلاثة – خطأ منطقى -، وقولهم عن الأرنب إنه من الحيوانات المجترَّة وعَن الأرضِ إنَّها مُسطـَحة دائِريَّة – خطأ علمى -. فلو قال النصُّ شيئا يَحكمُ عليه العقل بالاستحالة سواء بالمنطق أو العلم كان النصُّ ساقطا ولا مُعوِّل عليه، وليس فى النصوص الإسلامية الصحيحة من ذلك شىء.
ب) إذا وقع التعارض بين النصِّ وبين قولٍ يجرى عليه الصواب والخطأ بالمنطق أو بالعلم – أى بالاجتهاد المنطقى أو بالاجتهاد العلمى – فإن النصَّ إذا كان معلوما بطريق القطع واليقين فإنه لا يسقط لأجل قول لا يفيد إلا الظن. وقالَ اللهُ تعالى : { وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) } ( النجم )، ولأجل ذلك يدَّعى المسلمون أن النصوص المقدسة لا تكون لها قدسية إلا أن تكون ثابتة بطريق القطع واليقين وإلا جاز سقوطها لمجرد الظن، وما كان الله ليذَرَ خَلْقَه ضائعين فى متاهة الظنون كفرع يابس فى مهَبِّ الريح، فالريح القوية لا يقدِر عليها إلا شجرة راسخة .. فتأمَّلْ.
ولأنه ثابت لدينا - بسابق النظر – أن نصوص القرآن الكريم ثابتة بطريق القطع واليقين فإننا سننظر فى قول العلماء فنستدعى فى عقولنا عملية التفكير بأدواتها التى أبدعها الله تعالى لنا وأنعم بها علينا لنعرف حجية هذا القول، فأمَّا أنا فسأقيس الأمور وأقولُ لك : إذا كان الناس يعيشون على ظهر الأرض وهى تدور حول محورها وحول الشمس ولم يعرفوا بهذا الدوران ولا ذاك، واليوم يعرفون أنهم أخطأوا ويعترفون فما لنا ندع قول من لا يُخطئ لقولِ من يُخطئ.
قلتُ : وسبحان الله العظيم، اليوم يعرفون أنهم أخطأوا ويَعترِفون.
أقولُ : فإذا كان هذا هو المنهج السليم والسبيل القويم فكيف بك تأتى حاملا كفتى ميزانٍ "القرآنُ" فى إحداهما و"النظريةُ" فى الأخرى ؟! إن كنتَ قصَّرتَ فى تعلُّم دين الله وفهم رسالته وهجَرتَ كتابَه حتى لم تعرِفْ ما إذا كانت نصوصه ثابتة بالقطع أم بالظن أو تصح معارضتها بالقطع أم بالظن فكان الأولى بك أن ترجع إلى منابع الدين القويم تستقِى منها العلم السليم.
يُتبع بإذن الله ....
تعليق