الرد على زعم الملاحدة إن كان هناك إله فلابد أنه أراد ألا يعرفه أحد
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .
أما بعد :
فيقول الملاحدة هداهم الله إن كان هناك إله فلابد أنه أراد ألا يعرفه أحد أي الملاحدة يقولون لو افترضنا جدلنا صحة زعم المؤمنين بوجود إله فإن هذا الإله أراد ألا يعرفه أحد يعني الله لم يعرفنا نفسه و لا دليل على وجوده و إذا كان موجودا فلا سبيل إلى معرفته و بذلك تسقط كل الأديان و الجواب أن هذا إدعاء بلا برهان و فساده يغني عن إفساده فالله عز وجل قد عرفنا نفسه بالفطرة والعقل و إرسال الرسل .
و الله قد فطر الناس على الإيمان بوجوده و لا ينكر وجوده إلا من تدنست فطرته فإن الإنسان إذا دهاه أمر وضاقت به المسالك ، فلا بد أن يستند إلى إله يتأله له ، و يتضرع نحوه ، و يلجأ إليه في كشف بلواه ، ويسمو قلبه صعودا إلى السماء ، و يشخص ناظره إليها من حيث كونها قبلة لدعاء الخلائق أجمعين ، فيستغيث بخالقه و بارئه طبعا وجبلة ، لا تكلفا وحيلة ، و مثل ذلك قد يوجد في الأطفال .
و قد شهد التاريخ على أن الإنسان مخلوق متديّن، ذو ميول طبيعية دينية، حتى أنه لم يوجد شعب في عصر أو مكان بدون ديانة ما، ولا وُجدت لغة في العالم خالية من اسم الله أو ممَّن هو في مقام الله . و بما أن اللغة تعبّر عن أفكار الإنسان وإحساساته يكون ذلك دليلاً على أن شعور الإنسان بوجود الله عميق في قلب الجميع ولا ينقض ذلك أن البعض ينكرون وجود الله، لأن الإنسان يقدر أن يناقض طبيعته إذا أراد ، و ينكر ما هو مغروس فيه من الله لشبهات عنده أو هوى .
و الخالق أعطانا عقل نفكر به و هذا العقل يقتضي أن هذا الكون الموجود لا بد له من موجد و هو الله .
و لم يعرفنا الخالق نفسه عن طريق فطرتنا وعقولنا فحسب بل أيضا عرفنا نفسه عز وجل عن طريق إرسال الرسل التي تدعو إليه و يعرفون الناس بالله وما يحبه الله وما يكرهه و كيفية عبادته ،وبذلك يكون الأنبياء و الرسل الواسطة بين الله وبين خلقه في تعريفهم بالله و ما يحبه و ما يكرهه و كيفية عبادته فلا أحد يعرف صفات الله و ما يحبه وما يكره إلا من عرفه الله ذلك ، والذي يعرفه الله ذلك هو الرسول و النبي كي يعلِم من بعث فيهم بذلك و كل الشرائع السماوية تتفق أن الله يبعث في الناس رسولا لتبليغ الناس شرعه ، و صدق الله القائل في القرآن : ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾[1].
و من الأدلة على أن مدعي الرسالة صادق في دعواه تأييد الله له بالأدلة الدالة على صدق دعوته كتأييده بالمعجزات ،و لم يبعث الخالق رسولا من الرسل إلا ومعه آية تدل على صدقه فيما أخبربه عن الله .
وتأييد الله رسله بالمعجزات من كمال عدله ورحمته ومحبته للعذر وإقامته للحجة علىالعباد ، و من عظيم حكمة الخالق أن جعل معجزات رسله من جنس ما أبدع فيه القوم المرسلإليهم، إمعاناً في الحجة، وقطعاً للعذر، فلو جعلت معجزة الرسول في أمر يجهله منأرسل إليهم ، لكان لهم عذر في عدم إحسان ما يجهلونه .
و يشترط للمعجزة أن تكون أمر خارق للعادة مع دعوى النبوة و دعوة الناس لعبادة الله تمييزا لهؤلاء الرسل عن غيرهم ممن تحدث لهم بعد الخوارق لكنهم لايدعون لعبادة الخالق ولا لدين الخالق كالسحرة .
و قد شهد التاريخ بالعديد من الرسل كموسى عليه السلام الذي أرسل في قوم كان السحر شائعا بينهم ، فآتاه الخالق من الآيات مافاق به قدرة السحرة على أن يأتوا بمثله و عيسى عليه السلام أرسل في قوم أهل طب فكان يبريء الأبرص و الأعمى و يحيي بعض الموتى بإذن الله و محمد صلى الله عليه و سلم أرسل في قوم أهل بلاغة و فصاحة فأتاه الله معجزة القرآن الذي تحدى العرب أن يأتوا بمثله فعجزوا إلى يومنا هذا و كل من حاول محاكاة القرآن أتى بمحاولات هزيلة .
و من هنا يتبين كذب قول بعض الملاحدة أن الله أراد ألا يعرفه أحد .
هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
[1]- النحل الآية 36
تعليق