:: إلى طرفي النقيض .. إني لم أومر بذلك ::

تقليص
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حاملة اللواء
    مشرفة شرف المنتدى
    عضو مجموعة الأخوات

    • 24 ديس, 2010
    • 1969
    • طاعة الله
    • مسلمة

    #1

    :: إلى طرفي النقيض .. إني لم أومر بذلك ::

    :: إلى طرفي النقيض.. إني لم أومر بذلك ::
    كتبه/ محمد مصطفى


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛


    فقد روى أهل السير أن الأنصار قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن بايعوه بيعة العقبة الثانية: "لو شئت لمِلنا على أهل الوادي فقتلناهم دفعة واحدة"، فما كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أن قال لهم: (إِنِّي لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ).

    وإن كنتُ لستُ بصدد الكلام عن مراحل تشريع الجهاد في هذا المقام؛ إلا أننا نريد أن نتأمل هذا الدرس الذي علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة؛ أن نقف في أفعالنا وتصرفاتنا وردود أفعالنا حيث أمرنا الله -عز وجل-.

    إن جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأنصار بأنه لم يؤمر بذلك هو أحد لوازم عبوديته لله -عز وجل-، وما كان الأنصار بأغيَرَ على الدين من رسول رب العالمين -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه الفهم العميق لقضية العبودية لله -عز وجل-، تلك الغاية التي من أجلها خلق الله -عز وجل- الإنس والجن أجمعين؛ قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، وقال -تعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين) (الأنعام:162-163).

    وللأسف؛ فإنك متى تناولت قضية العبودية لله -عز وجل- في كل حركة وسكنة بالذِّكر؛ وجدت الكثيرين يعتبرونها من القضايا التقليدية التي قُتلت بحثـًا، وكأن بحثها قد أنزلها منزلة الاعتقاد الراسخ لدى الجميع، فلم يَعُدِ المسلمون يحتاجون إلى التنبيه المستمر حيال هذه القضية المحورية الهامة، ولكن الواقع من حولنا -وفي هذه الفتنة خصوصًا- يصرخ بضد ذلك؛ فإن انحياز البعض إلى طرفٍ غالٍ وانحياز البعض الآخر إلى طرفٍ مفرِّط لَدليل على الغفلة عن مفهوم (إِنِّي لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ)، أو التعامل مع معنى العبودية بصورة سطحية.

    فعلى أحد الجانبين..

    (إِنِّي لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ).. لم أومر أن يكون رد فعلي عند الغضب والاستفزاز هو الاستهانة بالأرواح -وأرواح المسلمين منها-، فأفرح وأصفـِّق للفاعل المجهولة غايته المبهمة أهدافه، ولا أن يكون غاية ما أهدف إليه أن أنفـِّس عما بداخلي دون الالتفات إلى مصالح ومفاسد، ودون التفات إلى الآثار المترتبة، ودون التنبه إلى شبح الفتنة الذي متى أقبل لم يقف أمامه شيء وأتى على الأخضر واليابس، وقد قال -تعالى-: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة:205)، فحتى الغضب لدين الله -عز وجل- يجب أن ينضبط بضوابط الشرع، وأن ينضبط بهذا السؤال: هل أُمرت بذلك أم لا؟ وهل يجوز هذا الفعل أم لا؟

    وعلى الجانب الآخر..

    لم أومر بأن أنسلخ من ديني إذا أردت أن أندد أو أشجب أو أستنكر، فأرفع شعار الكفر، وأجتمع في لعبة "صلاة جماعية" لا يقبلها أي دين، وأتنازل عن ثوابت الإسلام كأنها ثياب أثارت اشمئزاز إنسان فخلعتها إرضاءً له، أو تقاليد موروثة يمكن تغييرها.

    فالإفراط والتفريط في التعامل مع الحدث سببه عدم استيعاب قضية العبودية لله -عز وجل- وضبط الأقوال والأفعال والتصورات وردود الأفعال بضوابط الشرع، وأن تُضبط العواطف بميزان "إني أمرت، أو لم أومر"، سواء في الغضب لدين الله أو المواساة والاستنكار.

    ففريق قد يأخذه الغضب والحميَّة..

    فيؤيد عملاً لا يقره الشرع ولا يرضاه الدين، ويقول: "فعلوا وفعلوا، فلم لا نفعل؟!"، فلا يضبط غضبه وحميته بميزان (إِنِّي لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ)، وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد صلح الحديبية: "علامَ نعطي الدنية في ديننا؟!"، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي) (رواه البخاري).

    وفريق قد يتعاطف ويرق قلبه..

    فيقع في المحظور، وتؤثر العاطفة على الأفعال، كما حدث مع أبي لبابة بن المنذر -رضي الله عنه- لما استشاره يهود بني قريظة في نزولهم على حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عقب خيانتهم في غزوة الأحزاب، وكان -صلى الله عليه وسلم- قد حكم عليهم بالقتل ولم يَبلغهم ذلك، وقد كان بين أبي لبابة ويهود بني قريظة أحلاف وعلاقات في الجاهلية، فلما سألوه وجمعوا حوله النساء والأطفال يبكون؛ أشار إلى حلقه إشارة يفهمون منها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد حكم عليهم بالقتل، فعُدت خيانة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-.

    وكلا الفريقين على خطأ:

    فالفعل الأول ندم عليه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لمَّا رأى بركات طاعة أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعمل لذلك أعمالاً صالحات عسى الله أن يكفر بها عنه ما بدر منه، فليست كل حماسة ووجهة نظر في نصرة الدين يوافقها الدين ويقرها الشرع.

    والفعل الثاني ندم عليه أبو لبابة -رضي الله عنه- حتى قال: "والله ما زالت قدماي من مكانهما حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله"، وذهب وأوثق نفسه في المسجد وامتنع عن الطعام والشراب حتى يتوب الله -عز وجل- عليه.

    فعلينا أن ننضبط بضوابط الشرع، وأن نكون صادقين في امتثالنا لأمر الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) (الحجرات:1)، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب:36)، وأن نُعمِل ما تقرر عند كل مسلم من تقديم الشرع على العقل، وهذا يستلزم منا أن نَرِد الشرع مورد الظمآن المستفهم السائل الذي يريد أن يعرف ما حكم الشرع ليعتقد ويعمل، لا أن نقرر مواقفنا وتظهر ردود أفعالنا المبنية على آرائنا الشخصية وخلفياتنا الثقافية، ثم ننقِّب ونبحث لها عمَّا يوافقها في النصوص الشرعية.
    إن مَن لم يرد موارد الشرع مورد الظمآن، ولم يضبط آراءه وإراداته وميوله وعواطفه الشخصية بالضوابط الشرعية؛ فاته الورود على حوض النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن أناسًا من أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرفهم بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء يُذادون ويُبعدون عن الحوض، وتقول الملائكة له -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ)، فيقول -صلوات الله وسلامه عليه-: (سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي) (متفق عليه).
    روى الإمام أحمد من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال : سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إذا كَنَز الناس الذهب والفضة فاكْنِزوا هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات على الأمر ، والعزيمة على الرُّشْد ، وأسألك شُكر نعمتك ، وأسألك حُسْن عبادتك ، وأسألك قلباً سليماً ، وأسألك لِساناً صادقاً ، وأسألك من خير ما تَعْلَم ، وأعوذ بك من شر ما تَعْلَم ، وأستغفرك لِما تَعْلَم إنك أنت علام الغيوب".
    وفي رواية له قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلّمنا كلمات ندعو بهن في صلاتنا ، أو قال : في دُبُر كل صلاة.



عن الكاتب

تقليص

حاملة اللواء مسلمة اكتشف المزيد حول حاملة اللواء

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة رضااا, 3 أغس, 2009, 05:32 م
ردود 0
1,482 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة رضااا
بواسطة رضااا
ابتدأ بواسطة warda sawdaa, 18 فبر, 2013, 05:55 م
ردود 0
726 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة warda sawdaa
بواسطة warda sawdaa
ابتدأ بواسطة alhajaj2010, 2 أكت, 2007, 02:09 ص
ردود 0
1,449 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة alhajaj2010
بواسطة alhajaj2010
ابتدأ بواسطة محمد عصام الدين, 20 ينا, 2011, 08:07 م
رد 1
1,939 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة محب المصطفى
بواسطة محب المصطفى
ابتدأ بواسطة تابع الشافعي, 24 مار, 2008, 03:49 م
ردود 4
1,760 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة solema
بواسطة solema
ابتدأ بواسطة مسلم ولو قطعوني, 15 فبر, 2010, 01:33 ص
ردود 0
4,696 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة مسلم ولو قطعوني
ابتدأ بواسطة معتزة بإسلامي, 20 مار, 2009, 04:49 ص
ردود 4
4,179 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة معتزة بإسلامي
ابتدأ بواسطة رحلة الذاكرين, 15 يول, 2012, 02:03 ص
ردود 9
2,292 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة رحيق
بواسطة رحيق
ابتدأ بواسطة مصر المسلمة, 1 أبر, 2022, 10:43 م
ردود 0
735 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة مصر المسلمة
بواسطة مصر المسلمة
ابتدأ بواسطة muslim_906, 1 نوف, 2011, 03:05 م
ردود 2
14,991 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة سدرة
بواسطة سدرة
ابتدأ بواسطة مصر المسلمة, 1 أبر, 2022, 09:56 م
ردود 0
1,040 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة مصر المسلمة
بواسطة مصر المسلمة
ابتدأ بواسطة عبد الله بن عمر, 6 يون, 2008, 09:36 ص
رد 1
3,089 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة أبو عائشه
بواسطة أبو عائشه
ابتدأ بواسطة محمد فراج عبد النعيم فياض, 21 سبت, 2011, 11:21 ص
ردود 0
1,216 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة محمد فراج عبد النعيم فياض
ابتدأ بواسطة آية اللطف, 15 أبر, 2009, 09:50 ص
ردود 0
1,481 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة آية اللطف
بواسطة آية اللطف
ابتدأ بواسطة صلاح عامر, 16 يول, 2021, 12:09 ص
ردود 0
143 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة صلاح عامر
بواسطة صلاح عامر

مواضيع من نفس المنتدى الحالي

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة kanrya, 16 ينا, 2011, 06:29 م
ردود 342
57,467 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة نصرة الإسلام
ابتدأ بواسطة العبادي محمد, 10 فبر, 2015, 12:04 ص
ردود 173
17,881 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة العبادي محمد
ثابت: صحح أقوالك
بواسطة ام مريم
ابتدأ بواسطة ام مريم, 2 ماي, 2007, 03:57 م
ردود 167
44,002 مشاهدات
1 رد فعل
آخر مشاركة عاشق طيبة
بواسطة عاشق طيبة
ابتدأ بواسطة رسالة حق, 30 أكت, 2006, 06:04 م
ردود 126
23,418 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة نصرة الإسلام
ابتدأ بواسطة محب المصطفى, 22 ينا, 2014, 07:44 م
ردود 117
13,818 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة محب المصطفى
بواسطة محب المصطفى
يعمل...