الإسْتشراق : مفاهيم وتعريفات

[د.أمير عبدالله]

السلام عليْكم ورحمة الله وبركاته

كثُر استِخدام كلمة الإسْتشراق , أو الإشارة إلى علماء بلفظ المسْتشرِقين , في كثير من بحوث وكتابات علمائِنا في المجالات المختلِفة , في اللغة والطب والرحلات والتاريخ , وحتى في علوم الدين والتعرض لما تناوله المستشرقون بالنقد والدراسة والتحليل .. وكثيرون لا يعرفون ما معنى الإسْتشراق .. وفي هذه المقالة سنكتُب توضيحا وتعريفاً لمعنى ومفهوم الإسْتشراق .. لعل الصورةَ تتقارب من الأذهان , والله الموفق.

يتْبَع

[د.أمير عبدالله]

إن الإستشراق في أبسطِ تعريفاتِهِ هو " علم الشرق أو علم العالم الشرقي "[1], أو هو " الدراسات الغربية المتعلقة بالشرق" , وتعريفه العام كما عرفه أهله من المستشرقين , فهو : الدراسات المتعلقة بالشرقيين ، شعوبهم وتاريخهم وأديانهم ولغاتهم وأوضاعهم الاجتماعية ، وبلادهم وأرضهم وحضاراتهم وكل ما يتعلق بهم [2]..


وكما نرى فإن هذه التعريفات العامة أعلاه , لا تُعبر عن أي خطورةٍ للإسْتشراق ضد الإسْلامِ وأهْلِه, فيحق لأي أمةٍ أن تدْرُس وتتقارب من الأمم الأخرى .. فقد قال تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" الحجرات/13 .. ولكن الأمر ليْسَ كذلِك .. فهناك معنى خاص بالإسْتشراق .. هو المراد الحقيقي .. وما التعريف العام أعلاه إلا من وضع المستشرقين , وكان هدف الغربيين من هذا الإطلاق العام الذي يشمل كل الشرق والشرقيين ، مسلمين أو غير مسلمين ، أن يكون غطاءً للهدف الأساسي ..


وأما هدف المستشرقين الأساسي فلم يكن حسن النية , وذلِك أن أول إعلان رسْمي خرج لإعلان الإستشراق ودراسة الإسلام وثقافات شعوبِه قد خرج من أحضان الكنيسة في فترةٍ هي أكثر الفتراتِ كُرْهاً وبْغضاً للإسْلام وأهله .. وحيث كانت الحروب الصليبية في أوجها , فكان الغرض الأساسي إذاً هو دراسة الإسلام والشعوب الإسلامية ، لخدمة أغراض التبشير من جهة ، وخدمة أغراض الاستعمار الغربي لبلدان المسلمين من جهة أخرى ، ولإعداد الدراسات اللازمة لمحاربة الإسلام وتحطيم الأمة الإسلامية .

وبالتالي فإن المعنى العام أعلاه ماهو إلا تعريف مستَتِر يتم إخفاء الكثير من الدوافِع فيه . وما يعنينا ويخدم توجُّه المنتدى واهتمامه .. هو هذا التعريف الخاص بالإسْتشراق .. وقد أوضَح هذا التعريف وفضَح حقيقةَ الإسْتشراق هم كثيرون من المسْتشرقين أنفسِهِم .. وهذا التعريف الخاص هو " الدراسات الغربية المتعلقة بالشرق الإسْلامي في لغاته وآدابه وتاريخِهِ وعقائِده وتشريعاتِه وحضارتِهِ بوجهٍ عام" أو أنه " اشتغال غير المسلمين بعلوم المسْلمين بغض النظر عن وجهة المشتغل الجغرافية وانتماءاتِه الدينية والثقافية والفكرية "[3]


وقد توسعت الدراسات الاستشراقية اليومَ , وذلِك بعد توسع الاستعمار الغربي في الشرق ، فتناولت جميع ديانات الشرق وعاداته وحضاراته وجغرافيته وتقاليده ولغاته وكل ما يتعلق به .. وظهر نتيجة ذلِك كثير من الحسنات للإسْتشراق , حيْثُ خرجت دراساتٌ كثيرة هادِفة , خرجَت من بعض من لم يكن غايته حرب الإسلامِ مُسْتتِراً وإنما النظرة الحيادية وفهم الآخر وخدمة العلم.


ونحن في هذا المنتدى , كحراسٍ للعقيدة , سنُركِّزُ على أهداف الإسْتشراق المسْتتِرة , ونتناول بالنقد والتحليل كثيرا من تلك الكِتابات والكتاب وتعرية أهلها , وتوعية المسْلِمين بأهداف الإسْتشراق الحقيقيّةِ , وكيفية مواجهتِه ومجابهتِه ..

وجزاكم الله خيْراً.



___________________

[1] الدراسات الإسلامية والعربية في الجامعات الالمانية , رودي بارك – ترجمة د.مصطفى ماهر , ص.11

[2] عبدالرحمن بن حبنكة الميداني "أجنحة المكر الثلاثة" , ص.53

[3] الاستشراق والدراسات الاسلامية للنملة . 124

[ظل ظليل]

تسجيل متابعة ... وأدعو الله أن يزيدك من علمه ومن فضله وأن يحفظك ويصرف عنك كل سوء .

======================

لقد قدّم أحمد عبد الحميد غراب مجموعة من التعريفات للاستشراق استناداً إلى العديد من المراجع في هذا المجال ثم اختار أن يجمع بينها في تعريف واحد وهذا التعريف هو : " هو دراسات "أكاديمية " يقوم بها غربيون كافرون - من أهل الكتاب بوجه خاص- للإسلام والمسلمين، من شتى الجوانب : عقيدة ،وشريعة ، وثقافة ، وحضارة ، وتاريخاً، ونظماً، وثروات وإمكانات .. .بهدف تشويه الإسلام ومحاولة تشكيك المسلمين فيه ، وتضليلهم عنه ، وفرض التبعية للغرب عليهم ، ومحاولة تبرير هذه التبعية بدراسات ونظريات تدعي العلمية والموضوعية ، وتزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي."
- أحمد عبد الحميد غراب . رؤية إسلامية للاستشراق.ط2 (بيرمنجهام: المنتدى الإسلامي ، 1411) ص 7.

[د.أمير عبدالله]

جزاكم الله خير الجزاء أخي الحبيب ظل ظليل .. وتعريف الباحِث أحمد غراب عليه مآخذ منها انه بداه بأفكار سابِقة ولجأ فيه الى التعميم , وقد تناول هذا التعريف بالنقد : د.مازن مطبّقاني في كتابه الإسْتشراق , واستعاض عن تعريفه بتوجيه أو تعريف أشمل تغلب على هذه المآخِذ فقال :

" وبالرغم من اجتهاد الباحث في هذا التعريف لكنه كان يجب أن يتجرد عن أي أفكار سابقة أو تعميمات .

ومن خلال متابعة للاستشراق فإننا يمكن أن نقول إنّ الاستشراق هو كل ما يصدر عن الغربيين من أوروبيين( شرقيين وغربيين بما في ذلك السوفيت) وأمريكيين من دراسات أكاديمية (جامعية) تتناول قضايا الإسلام والمسلمين في العقيدة، وفي الشريعة، وفي الاجتماع ، وفي السياسة أو الفكر أو الفن ، كما يلحق بالاستشراق كل ما تبثه وسائل الإعلام الغربية سواء بلغاتهم أو باللغة العربية من إذاعات أو تلفاز أو أفلام سينمائية أو رسوم متحركة أو قنوات فضائية، أو ما تنشره صحفهم من كتابات تتناول المسلمين وقضاياهم. كما أن من الاستشراق ما يخفى علينا مما يقرره الباحثون والسياسيون الغربيون في ندواتهم ومؤتمراتهم العلنية أو السرية. ويمكننا أن نلحق بالاستشراق ما يكتبه النصارى العرب من أقباط ومارونيين وغيرهم ممن ينظر إلى الإسلام من خلال المنظار الغربي . ولا بد أن نلحق بالاستشراق ما ينشره الباحثون المسلمون الذين تتلمذوا على أيدي المستشرقين وتبنوا كثيراً من أفكار المستشرقين حتى إن بعض هؤلاء التلاميذ تفوق على أساتذته في الأساليب والمناهج الاستشراقية. ويدل على ذلك احتفال دور النشر الاستشراقية بإنتاج هؤلاء ونشره باللغات الأوروبية على أنها بحوث علمية رصينة أو ما يترجمونه من كتابات بعض العرب والمسلمين إلى اللغات الأوروبية" .