شرح قصة يوسف عليه السلام
في إضافة الله تعالى له الهم عند مراودة امرأة العزيز له عن نفسه والذي ينبغي أن نقدم
أولا الإعلام بأن يوسف عليه السلام كان نبيا قبل المراودة والهم والدليل على ذلك أنه لو
لم تثبت نبوته قبل ذلك لم تهتم الأمة بذكر همه لأن العصمة المجمع عليها لا تشترط
للنبي إلا بعد ثبوت نبوته لا قبلها ومع ذلك فإن النبي لا تثبت له معصية مشروع تركها قبل
النبوة ولا بعدها وسنشبع القول في ذلك في قصة آدم عليه السلام إن شاء الله تعالى
وأما إثبات نبوته قبل همه من الكتاب فمن قوله تعالى ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما
وأجمعوا على أن هذا الحكم والعلم في حق يوسف عليه السلام أنهما النبوة ثم قال
تعالى بعدما ذكر الحكم والعلم وراودته التي
هو في بيتها عن نفسه الآية
وأما همه فأول ما ينبغي أن نقدم أن الهم في اللسان الإرادة لا غير فإن سمي الفعل هما
فمجاز من باب تسمية الشيء باسم الشيء إذا قاربه أو كان منه بسبب فلما كانت
الأفعال مرتبطة بالإرادة التي هي الهم سميت هما فيقال لمن نصب أواني الخمر وما
يحتاج إليه شرابها هم وكذلك يقال لمن خلا بامرأة فلاعبها وذلك لأن الهم الحقيقي محله
القلب وهو غير محسوس فلما لم ندركه بالحواس لم نعلمه فإذا أدركنا أسبابه الدالة عليه
بالحواس قلنا هم أي فعل أفعالا دلت على همه بها في باطنه فثبت أن الهم الحقيقي هو
الإرادة لا الفعل
جاء في الصحيح عنه عليه السلام أنه قال من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة
فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت
سيئة واحدة الحديث
فهذا أدل على أن الهم غير الفعل قال الشاعر
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله
فأخبر أنه هم ولم يفعل وإذا كان هذا هكذا فما بال الجهلة باللسان المقلدين المجازفين
في الحقائق يقولون قعد منها مقعد الرجل من المرأة وحل عقد نطاقها وهو ينظر إلى أبيه
تارة والى الملك أخرى ثم يعود لحل العقد
ونحن مع ذلك نعلم قطعا أن أحدنا على جهلنا وعدم عصمتنا وسوء أدبنا لو كان على تلك
الحالة وكشفت عليه أمته لانقبض وتغير عليه حاله فكيف بنا إذا كشف علينا آباؤنا وكبراؤنا
فكيف الملائكة
فانظر إلى مقت هذه القولة وماذا جمعت من الاجتراء والافتراء على أنبياء الله تعالى مع
صفاقة الوجوه وعدم الحياء والتهاون بذكر المصطفين الأخيار وقد ذكرها الهمداني وغيره في
شرح قصة يوسف عليه السلام مع أن الهم في اللسان هو الخاطر الأول فإذا تمادى
سمي إرادة وعزما فإن لم يعترضه نقيض سمي نية ثم إن الله تعالى وصفه بالخاطر الأول
فقال هم وهم يقولون فعل وصنع لا لعا لعثرتهم ولا سلامة
فصل
فإن قيل فما الحق الذي يعول عليه في هذا الهم
فنقول أولا إن بعض الأئمة ذكروا أن الإجماع منعقد على عصمة بواطنهم من كل خاطر وقع
فيه النهي وللمحققين أقوال في هذا الهم نذكر المختار منها إن شاء الله تعالى
فمنهم من قال إن في الكلام تقديما وتأخيرا وترتيبه أن يكون ولقد همت به ولولا أن رأى
برهان ربه لهم بها ويكون البرهان هنا النبوة والعصمة وما كاشف من الآيات وخوارق العادات
والتقديم والتأخير في لسان العرب سائغ
ومنهم من قال هم بحكم البشرية مع الغفلة عن ارتكاب النهي ثم ذكره الله تعالى الإيمان
وتحريم المعصية وشؤمها والوعيد عليها وهو البرهان الأعظم فصرف عنه السوء والفحشاء
ولذا قال بعضهم هم وما تم لأن العناية من ثم
ومنهم من قال كاد أن يهم لولا العصمة السابقة فيكون الهم هنا مجازا
ومنهم من قال هم هم الفحولية وذلك أنه كان عليه السلام فحلا شابا خلت به امرأة ذات
جمال وغنج وطالبته تلك المطالبة فاهتز هزة الفحل بهز ضروري غير مكتسب فسمي ذلك
الاهتزاز هما لكونه من أسباب الهم كما تقدم ويكون الهم على هذا التفسير ضروريا ولا
طلب في الضروريات وأقول إنه إن كان هم مكتسبا لهمه ولم يفعل فلا لوم ولا ذنب بدليل
الحديث المتقدم الذي منه قوله عليه السلام ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا
معناه لم يكتب له صغيرة ولا كبيرة وجاء في حديث آخر أن تارك الخطيئة من أجل الله تكتب
له حسنة بدليل قوله تعالى للملائكة اكتبوها له حسنة فإنما تركها من جراي أي من
أجلي وهذا ينظر إلى قول الله تعالى فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وإذا كان هذا في
حق الرعي
فالأنبياء عليهم السلام أولى بهذا الترك لا محالة كيف وقد أثنى الله تعالى عليه ونزهه
بقوله عندما قالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون فهذا
مما يدل على أنه تركها من أجل الله وأنه مأجور في تركها
وإذا كان هذا فلا ذنب ولا عتب يلحق يوسف عليه السلام صغيرا ولا كبيرا بل يكون مأجورا
في الترك
فهذه أقوال تشاكه الصواب وتليق بالأكابر
والأظهر القول الأخير من هذه الأقوال لكونه معضودا بالخبر والآية
والله أعلم
فإن قيل فإذا لم يتصور في حق يوسف عليه السلام ذنب ولا عتب فلأي شيء قال بعدما
أنصفته امرأة العزيز وأقرت بفعلها وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي
قلنا ومن أين لك أن تقول إنه قالها والآية تقتضي أنها من قول امرأة العزيز وذلك أنه لما
تأدب معها بآداب الأحرار حيث قال لرسول الملك ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة
اللاتي قطعن أيديهن فخلطها معهن وذكر فعلهن وأضرب عن ذكر فعلها تناصفت هي وأقرت
بأنها راودته فقالت وما أبرئ نفسي
على أنه لو ثبت أنه قالها لخرجت له أحسن مخرج وذلك أنه لما
أنصفته بإقرارها وتبرئته قال هو وما أبرئ نفسي على أصل الحوار لا على نفس الوقوع كما
قال الخليل عليه السلام واجنبني وبني أن نعبد الأصنام وهو قد أمن بالعصمة من عبادتها
وقال تعالى لنبينا عليه الصلاة والسلام ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك وهو تعالى قد
شاء ألا يذهبه والعصمة والنزاهة له على كمالها
فليت شعري إذا كان للتأويل في هذه القصة وأمثالها مجرى سحب ومجال للسلامة رحب
فما بالهم يضيقون هذا الواسع لولا الفضول
من كتاب
تنزيه الأنبياء
عما نسب إليهم حثالة الأغبياء
أبي الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي
في إضافة الله تعالى له الهم عند مراودة امرأة العزيز له عن نفسه والذي ينبغي أن نقدم
أولا الإعلام بأن يوسف عليه السلام كان نبيا قبل المراودة والهم والدليل على ذلك أنه لو
لم تثبت نبوته قبل ذلك لم تهتم الأمة بذكر همه لأن العصمة المجمع عليها لا تشترط
للنبي إلا بعد ثبوت نبوته لا قبلها ومع ذلك فإن النبي لا تثبت له معصية مشروع تركها قبل
النبوة ولا بعدها وسنشبع القول في ذلك في قصة آدم عليه السلام إن شاء الله تعالى
وأما إثبات نبوته قبل همه من الكتاب فمن قوله تعالى ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما
وأجمعوا على أن هذا الحكم والعلم في حق يوسف عليه السلام أنهما النبوة ثم قال
تعالى بعدما ذكر الحكم والعلم وراودته التي
هو في بيتها عن نفسه الآية
وأما همه فأول ما ينبغي أن نقدم أن الهم في اللسان الإرادة لا غير فإن سمي الفعل هما
فمجاز من باب تسمية الشيء باسم الشيء إذا قاربه أو كان منه بسبب فلما كانت
الأفعال مرتبطة بالإرادة التي هي الهم سميت هما فيقال لمن نصب أواني الخمر وما
يحتاج إليه شرابها هم وكذلك يقال لمن خلا بامرأة فلاعبها وذلك لأن الهم الحقيقي محله
القلب وهو غير محسوس فلما لم ندركه بالحواس لم نعلمه فإذا أدركنا أسبابه الدالة عليه
بالحواس قلنا هم أي فعل أفعالا دلت على همه بها في باطنه فثبت أن الهم الحقيقي هو
الإرادة لا الفعل
جاء في الصحيح عنه عليه السلام أنه قال من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة
فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت
سيئة واحدة الحديث
فهذا أدل على أن الهم غير الفعل قال الشاعر
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله
فأخبر أنه هم ولم يفعل وإذا كان هذا هكذا فما بال الجهلة باللسان المقلدين المجازفين
في الحقائق يقولون قعد منها مقعد الرجل من المرأة وحل عقد نطاقها وهو ينظر إلى أبيه
تارة والى الملك أخرى ثم يعود لحل العقد
ونحن مع ذلك نعلم قطعا أن أحدنا على جهلنا وعدم عصمتنا وسوء أدبنا لو كان على تلك
الحالة وكشفت عليه أمته لانقبض وتغير عليه حاله فكيف بنا إذا كشف علينا آباؤنا وكبراؤنا
فكيف الملائكة
فانظر إلى مقت هذه القولة وماذا جمعت من الاجتراء والافتراء على أنبياء الله تعالى مع
صفاقة الوجوه وعدم الحياء والتهاون بذكر المصطفين الأخيار وقد ذكرها الهمداني وغيره في
شرح قصة يوسف عليه السلام مع أن الهم في اللسان هو الخاطر الأول فإذا تمادى
سمي إرادة وعزما فإن لم يعترضه نقيض سمي نية ثم إن الله تعالى وصفه بالخاطر الأول
فقال هم وهم يقولون فعل وصنع لا لعا لعثرتهم ولا سلامة
فصل
فإن قيل فما الحق الذي يعول عليه في هذا الهم
فنقول أولا إن بعض الأئمة ذكروا أن الإجماع منعقد على عصمة بواطنهم من كل خاطر وقع
فيه النهي وللمحققين أقوال في هذا الهم نذكر المختار منها إن شاء الله تعالى
فمنهم من قال إن في الكلام تقديما وتأخيرا وترتيبه أن يكون ولقد همت به ولولا أن رأى
برهان ربه لهم بها ويكون البرهان هنا النبوة والعصمة وما كاشف من الآيات وخوارق العادات
والتقديم والتأخير في لسان العرب سائغ
ومنهم من قال هم بحكم البشرية مع الغفلة عن ارتكاب النهي ثم ذكره الله تعالى الإيمان
وتحريم المعصية وشؤمها والوعيد عليها وهو البرهان الأعظم فصرف عنه السوء والفحشاء
ولذا قال بعضهم هم وما تم لأن العناية من ثم
ومنهم من قال كاد أن يهم لولا العصمة السابقة فيكون الهم هنا مجازا
ومنهم من قال هم هم الفحولية وذلك أنه كان عليه السلام فحلا شابا خلت به امرأة ذات
جمال وغنج وطالبته تلك المطالبة فاهتز هزة الفحل بهز ضروري غير مكتسب فسمي ذلك
الاهتزاز هما لكونه من أسباب الهم كما تقدم ويكون الهم على هذا التفسير ضروريا ولا
طلب في الضروريات وأقول إنه إن كان هم مكتسبا لهمه ولم يفعل فلا لوم ولا ذنب بدليل
الحديث المتقدم الذي منه قوله عليه السلام ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا
معناه لم يكتب له صغيرة ولا كبيرة وجاء في حديث آخر أن تارك الخطيئة من أجل الله تكتب
له حسنة بدليل قوله تعالى للملائكة اكتبوها له حسنة فإنما تركها من جراي أي من
أجلي وهذا ينظر إلى قول الله تعالى فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وإذا كان هذا في
حق الرعي
فالأنبياء عليهم السلام أولى بهذا الترك لا محالة كيف وقد أثنى الله تعالى عليه ونزهه
بقوله عندما قالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون فهذا
مما يدل على أنه تركها من أجل الله وأنه مأجور في تركها
وإذا كان هذا فلا ذنب ولا عتب يلحق يوسف عليه السلام صغيرا ولا كبيرا بل يكون مأجورا
في الترك
فهذه أقوال تشاكه الصواب وتليق بالأكابر
والأظهر القول الأخير من هذه الأقوال لكونه معضودا بالخبر والآية
والله أعلم
فإن قيل فإذا لم يتصور في حق يوسف عليه السلام ذنب ولا عتب فلأي شيء قال بعدما
أنصفته امرأة العزيز وأقرت بفعلها وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي
قلنا ومن أين لك أن تقول إنه قالها والآية تقتضي أنها من قول امرأة العزيز وذلك أنه لما
تأدب معها بآداب الأحرار حيث قال لرسول الملك ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة
اللاتي قطعن أيديهن فخلطها معهن وذكر فعلهن وأضرب عن ذكر فعلها تناصفت هي وأقرت
بأنها راودته فقالت وما أبرئ نفسي
على أنه لو ثبت أنه قالها لخرجت له أحسن مخرج وذلك أنه لما
أنصفته بإقرارها وتبرئته قال هو وما أبرئ نفسي على أصل الحوار لا على نفس الوقوع كما
قال الخليل عليه السلام واجنبني وبني أن نعبد الأصنام وهو قد أمن بالعصمة من عبادتها
وقال تعالى لنبينا عليه الصلاة والسلام ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك وهو تعالى قد
شاء ألا يذهبه والعصمة والنزاهة له على كمالها
فليت شعري إذا كان للتأويل في هذه القصة وأمثالها مجرى سحب ومجال للسلامة رحب
فما بالهم يضيقون هذا الواسع لولا الفضول
من كتاب
تنزيه الأنبياء
عما نسب إليهم حثالة الأغبياء
أبي الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي
تعليق