بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على النبي المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين..
هذا المقال لمن لديه معرفة بعلم العروض ، و إلا لن تفهم عزيزي القارئ شيئا..
قصة الغرانيق .. استغلها المستشرقون و المنصرون للطعن في صدق الرسول المعصوم ، محمد –عليه السلام-.
و القصة هذه بَيُّنٌ بطلانه منذ أزمان ، إذ تتصدى لهم علماء الإسلام الأشاوس بالمؤلفات ، و أخرسوهم بالبيِّنات.
لكن ما سأتحدث عنه هو ملاحظة بسيطة أمام جهود علماء المسلمين في إبطال القصة المكذوبة .
و القصة لا تستحق أن أعيرها شأنا بعد سقوطها ، ولكن هي ملاحظة ظهرت لي و تبينت ، فأردت أن أشرك الناس فيها.
رأيي: لكل أسطورة أساس صحيح بنيت عليه الأسطورة .
تماما مثل اللؤلؤ في المحار ، فالمحار يبقى في سكون حتى تدخل فيه حبة رمل ، ثم يبدأ بالإفراز عليها حتى يصنع منها لؤلؤة ، و لو لم تدخل -بقضاء الله طبعا- لما أفرزت شيئا.
أولا: ما هو النص الأصلي للآية المزعومة الأولى:
ملاحظة: لا يغر القارئ كثرة الروايات المكذوبة ، فإن جميعها مطعونٌ في صحتها (اقرأ "نصب المجانيق" ) . و لا عجب ، لأن الأصل مكذوب . فإننا لا نلتفت إلى الإشاعات حتى و لو كثر القائلون.
(هل نلتفت إلى الأبوكريفا العرفانية التي وجد منها العلماء مكتبة كاملة ؟!)
على 8 أوجه: (1)
1# تلك الغرانيق العلى
2# و إنهن لهن الغرانيق العلى
3# و إنها للغرانيق العلى
4# و إنها لمع الغرانيق العلى
5# و إنهن لمن الغرانيق العلى
6# إنهن لفي الغرانيق العلى
7# إنهن الغرانيق العلى
8# إن تلك الغرانيق العلى
قبل أن نبدأ :
ما معنى غرانيق؟
الطيور البيضاء التي تطير عاليا في السماء ، و يسمي المشركون الأصنام غرانيق ، و بالأحرى هذه الثلاثة.
الأصح هي :
1# تلك الغرانيق العلى
لأنها هي أقل الأوجه أخطاءً ، و هي الأكثر ورودا في الروايات (5 مرات أو أكثر) بينما الأوجه الأخرى لا تذكر إلا مرة او مرتين على الأكثر. و الأوجه الأخرى فيها أخطاء كـ #4 و #5 و #6 فالأصنام = الغرانيق و ليست من أو في أو مع الغرانيق .
(1) راجع كتاب "نصب المجانيق في نسف قصة الغرانيق" ، ففيه جميع الروايات و نقضها واحدة واحدة ، و هذه هي جميع الأوجه المذكورة في الروايات.
الملاحظة الخطيرة:
هذه الآية المزعومة مبنية على وزن شعري !
[الشعر ليس كما يظن البعض أنه مجرد كلام آخره قافية (التي هي بالمناسبة الروى!) ، بل الشعر مبني على سَكَنَات و حركات الحروف ، فمجرد نظم نصف بيت يعتبر إنجاز ]
تلك الغرانيق العلى
تلكل غرانيقل على
/5/5//5/5/5//5
مستفعلن ، مستفعلن
الآية المزعومة الثانية:
على 10 أوجه:
1# و إن شفاعتهن لهي التي ترتجى
2# وإن شفاعتهن لترجى
3# و شفاعتهن ترتجى
4# إن شفاعتهن ترتجى
5# إن شفاعتهن لترتجى
6# وإن شفاعتهن لترتجى
7# منها الشفاعة ترتجى
8# و شفاعتهم ترتجى
9# شفاعتهم ترتجى
10# و إن شفاعتهم لترتجى
الأوجه #8 و #9 و #10 خاطئة لغويا ، فكلمتا لأصنام والغرانيق مؤنثتان ، و الضمير العائد في شفاعتهم مذكر (ـهم) و كان الواجب "ـهُن". لو رجحنا فرضا #7 نجد:
منها الشفاعَةْ ترتجى
منهش شفاعَهْ ترتجى
/5/5//5/5/5//5
مستفعلن ، مستفعلن
الآن نضع الآيتين المزعومتين جنب بعضهما:
تلك الغرانيق العلى منها الشفاعَةْ ترتجى
مستفعلن ، مستفعلن مستفعلن ، مستفعلن
هذا بيت شعر على وزن مجزوء الرجز.
و ليس آية !
و لا ننس أننا رجحنا #7 في الثانية فرضا ، لكن أليس من العجب أن يتفق نجد في الروايات الشطر الآخر ؟!
و الأعجب أننا وجدنا الشطر الأول !!
ففي كل القرآن (فوق 6000 آية) لا يأتي على وزن الشعر سوى بضع آيات (أنا لم أر إلا اثنتين ولم تمر علي أو أسمع بغيرهما و لكن لا أجزم أنهما وحيدتان ):
1- (( َفإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً{3} )) الطلاق
2- ((يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )) سبأ 13
و الأعجب أن تكون كل آية شطرا كاملا !!
إذا هي ليست آيات بل أبيات !!
يقول د.إبراهيم عوض في كتابه "مصدر القرآن:دراسة لشبهات المستشرقين و المبشرين حول الوحي المحمدي" ص19 :"لقد ذكر ابن السائب الكلبي في ص19 من كتابه الأصنام أن قريشا كانت تطوف بالكعبة و تقول :"و اللاتِ و العزى ، و مناةِ الثالثةِ الأخرى ، فإنهن الغرانيق العلى ، و إن شفاعتهن لترتجى" و أنها كانت تعتقد أنها بنات الله –عز و جل عن ذلك- و أنهن يشفعن إليه ، فلما بعث الله رسوله أنزل عليه :" أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى{20} أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى{21} تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى{22} إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى{23}".
و الحقيقة أن هذا هو الأشبه بأن يكون الصواب ، و يبدو أن أحد الزنادقة أخذ هذه الرواية و حرفها ، واضعًا كلام قريش في أصنامها على لسان الرسول –عليه السلام-."