الصيام الرباني والصيام الرهباني

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الحاتمي مسلم اكتشف المزيد حول الحاتمي
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الحاتمي
    0- عضو حديث
    • 6 يون, 2008
    • 15
    • n/a
    • مسلم

    الصيام الرباني والصيام الرهباني

    محمود أباشيخ
    الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة, وحكمه الوجوب لقول الله تعالي ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة : 183 .. إذن المسلم يصوم انصياعا لأوامر الله سبحانه وتعالي في آيات محكمة لا لبس فيها , كما ان الصيام واجب بالسنة وإجماع الأمة بحيث ان الإسلام لم يترك مجالا لعابث ما في أن يشكك في وجوب الصيام في الإسلام , لذلك بإمكان المسلم ان يقول بكل ثقة إني أصوم لله سبحانه وتعالي , فهل يمكن لغير المسلم أن يقول أنه يصوم لله تعالي أم يصوم للرهبان ؟

    قبل أن نجيب علي السؤال المطروح, دعونا نسأل أولا, لماذا يصوم المسلمون في رمضان تحديدا ؟
    نجد الجواب علي هذا السؤال في قوله تعالي
    شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( البقرة 185 )
    ونجد الجواب أيضا في السنة في حديث أبي هريرة
    عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما حضر رمضان " قد جاءكم شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم " رواه أحمد، والنسائي، والبيهقي.

    وللصيام ركنان , النية لحديث " إنما الأعمال بالنيات " والإمساك عن المفطرات’ لقوله تعالي
    فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ


    ومما سبق نري أنه لا يوجد أمر في الصيام غير مبني علي القرآن والسنة, وهذا الأمر لا يقتصر علي الصيام فقط بل يشمل كل العبادات في الإسلام , ونري ان ذلك من البراهين الساطعة علي صدق الرسالة المحمدية , فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يخلوا من تدخل البشر في كل ركن من أركانه وفي كل عبادة من عباداته , إذ ان تدخل البشر في تكوين عقيدة أو فرض فريضة مناقض للتوحيد , فكما أنه لا خالق إلا الله كذلك لا مشرع إلا الله ولا حاكم إلا الله

    لا يشك المسلم في ان الله فرض الصيام علي من قبلنا وذلك لأن الذي فرض علينا الصيام أخبرنا في نفس الآية انه كتب الصيام علي الذين من قبلنا’ غير أننا لا نجد نصا صريحا في العهد الجديد يوجب الصيام علي النصارى, بينما توجد ثلاثة نصوص في العهد القديم قابلة للنقاش.. وإذا كانت لا توجد نصوصا تفرض الصيام علي النصارى, فلماذا يصومون؟ ولمن يصومون ؟ وهل يعني صيام القوم, إقرار بوجود النصوص سلفا

    يقابلنا الصيام أو ما يشبه الصيام لأول مرة في العهد القديم في سفر الخروج 34/28 حيث يخبرنا الكتاب ان موسي التقي بالإله علي جبل سيناء ليتلقي الوصاية العشرة, وبقي هناك أربعين يومنا ( وكان هناك عند الرب أربعين نهارا وأربعين ليلة لم يأكل خبزا ولم يشرب ماء.فكتب على اللوحين كلمات العهد الكلمات العشر )
    يفهم النصارى من هذا النص ان موسي كان صائما ولكن من الواضح ان النص غير محكم لعدم استخدام المصطلح الشرعي وهو الصيام وهو مصطلح يعرفه اليهود, وعدم أكل موسي الخبز لا يعني انه لم يأكل اللحم وعدم شربه الماء لا يعني أنه لم يشرب سائل آخر, وحتي إن قبلنا أنه صام, أخذا ببعض الروايات الإسلامية, فلن يزد ذلك من أن يكون صيامه صياما فرديا

    وعلي الجبل تلقي موسي الكثير من الوصاية, بداية من نهي إبرام المعاهدات مع سكان فلسطين الأصليين, تلاها أمر بهدم معابد الوثنيين ثم توحيد الله, ليعد مرة أخري إلي نهي إبرام المعاهدات. فتحريم الزواج من المشركات ثم النهي من نحت الأصنام فالأعياد وأكل الفطير, ثم عرج علي الزكاة وتفاصيلها ومن ثم الأمر بظهور رجال اليهود أمام الإله ثلاثة مرات في السنة ويبدوا لي ان المقصود بالظهور هنا فريضة الحج .. تلك كانت الوصاية التي تلقاها موسي علي الجبل وفقا للعهد القديم, ويلاحظ من هذه النصوص غياب عبادة الصوم, إضافة إلي عبادة أخري مهمة وهي الصلاة التي يخبر القرآن انها أول عبادة فرضها الله علي موسي بعد إعلان التوحيد
    ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) طة:14

    لماذا يصوم اليهود إذن ؟

    اليهود يصومون اعتمادا علي نص ورد مكررا في اللاويين مرة في 16/29 وأخري في 23/27 جاء فيه (. ويكون لكم فريضة دهرية انكم في الشهر السابع في عاشر الشهر تذللون نفوسكم وكل عمل لا تعملون الوطني والغريب النازل في وسطكم ) 16/29 ( اما العاشر من هذا الشهر السابع فهو يوم الكفّارة محفلا مقدسا يكون لكم تذللون نفوسكم وتقربون وقودا للرب – لكم فتذللون نفوسكم.في تاسع الشهر عند المساء من المساء الى المساء ) 23/27 و32

    إذن اليهود يصومون يوما واحدا في السنة وهو يوم الكفارة استنادا علي اللاويين , وعن صيام يوم الكفارة يقول القمص أنطونيوس فكري [1] في تفسير اللاويين 16/29 " يوم الكفارة العظيم هو اليوم الوحيد الذي يصوم فيه الشعب حسب ناموس موسى " 109, وبهذا قال أكثر المفسرين

    الإشكالية في هذا النص هو عدم استخدام كلمة الصوم, وجاء مكانها في هذا النص كلمة (تذللون أنفسكم ) وهي عبارة غير صريحة, وقد يفهم منها معنا آخر, كل شخص حسب فهمه واجتهاده, فمن الناس من يري الخشوع لله تذلل ومنهم من يظن القذارة والوساخة تذلل كما قد يري البعض ان الصوم تذلل, وما يؤكد ان التذلل أنواع, أن دوود عليه السلام, في قول منسوب إليه, أضاف الصيام والصلاة إلي التذلل حتي يفهم القارئ قصده من التذلل فقال (.أذللت بالصوم نفسي.وصلاتي إلى حضني ترجع.( مز 35/13 ) ولو كان التذلل لا يعني إلا الصيام لإكتفي بها وما أضاف كلمة الصيام
    وأنطونيوس فكري له أكثر من قول في العبارة’ فقد قال أنها تعني الصيام في قول بينما قال في قول آخر انها تعني التوبة
    " تذللون أنفسكم تعنى تقديم توبة وتعويض الآخرين عن ما أخطئوا به فى حقهـم " [2]
    ولأن العبارة ليست قطعية الدلالة نجد من المفسرين من لا يجزم ان التذلل يقصد به الصيام كتفسير وايكليف[3] الذي يقول " والأغلب ان تعذيب النفس كان يتم عن طريق الصيام " أي ان التذلل قد يكون عن طريق آخر وان كان غالبا يتم عن طريق الصوم
    قاموس الكتاب المقدس الإنجيلي العقائدي [4] يجزم ان التذلل لا يقصد به الصوم, ولم يكتف القاموس بذلك بل أضاف نقطة مهمة جدا وهي ان الصيام لم يفرض في الأسفار الخمسة المنسوبة إلي موسي .. يقول القاموس تحت مدخل الصوم fast
    " الصيام هو إمتناع الفرد أو الجماعة عن الأكل والشرب تقربا إلي الله والصيام لم يفرض في أي جزء من التوراة "
    وهذا ما يؤكده قاموس أنغار الجديد للكتاب المقدس[5], إذ يقول تحت مدخل الصوم
    " كلمة الصوم ( صوم عبري ) لم ترد في أسفار موسي ولكن وردت مرارا في الأسفار التاريخية " وقاموس فوسيت للكتاب المقدس يؤكد نفس الشيء مضيفا بان كلمة الصوم في العديد من نصوص العهد الجديد مفتقدة في المخطوطات الفاتيكانية’ الإسكندرية والسينائية, وان كلمة الصوم إضافة لاحقة في كل من متي 17/21 , مرقص9/29 و 1كو 7/5 [6]

    إذن كلمة الصوم لم ترد في أسفار موسي الخمسة ولا مرة واحدة وظهرت في يقيه الأسفار عدد من المرات نلخصها في السطور التالية

    يخبرنا سفر القضاة ان بني إسرائيل سألوا الإله أن يأذن لهم محاربة أخوتهم من سبط بنيامين فأذن لهم غير انهم هزموا شر هزيمة وقتل منهم ثمانية عشر ألف رجل (. فصعد جميع بني إسرائيل وكل الشعب وجاءوا إلى بيت ايل وبكوا وجلسوا هناك امام الرب وصاموا ذلك اليوم إلى المساء واصعدوا محرقات وذبائح سلامة امام الرب. ) القضاة 20/26
    وجاء في سفر صمؤيل ان أهل بيتشمس نظروا الي تابوت الرب فانتقم منهم الإله وأمات 57 ألف بضربة واحدة, وفزع اليهود وصاموا ذلك اليوم ( انظر صمؤيل الأول 6/19 الي 7/6 )
    وفي نفس السفر يخبرنا الكتاب ان بني إسرائيل صاموا سبعة أيام حزنا علي مقتل شاول ( صمؤيل الأول 31/11 – 13 ) بينما يخبرنا صمؤيل الثاني ان دوود ومن معه صاموا يوما واحدا حزنا علي مقتل شاول ( 2 صم 1/12 )

    ونعلم من نفس السفر ان دوود حزن علي مرض ابنه غير الشرعي وفقا لكتاب القوم, فصام دوود وتمسح بالأرض حتي جاءه خبر موت الإبن فأفطر ودخل علي بتشبع الزانية وضاجعها فلما سأله حاشيته قال ( لما كان الولد حيّا صمت وبكيت لاني قلت من يعلم ربما يرحمني الرب ويحيا الولد. والآن قد مات فلماذا اصوم.هل اقدر ان ارده بعد.انا ذاهب اليه واما هو فلا يرجع اليّ ) ويا سلام علي الروحانية وعلي المحبة الإلهية السلام ( 2 صم 12/16 – 23 )


    في الملوك الأول صام اليهود طاعة لإمرأة مجرمة أمرتهم بالصيام وتدعي ايزابل ( الملوك الأول 21/7 )وجاء في سفر عزرا ان اليهود صاموا من أجل ان يعينهم الإله علي الفلسطينيين الذين قدموا اليهم بجيش جرار ( غزرا 8/23 ) وصام نحميا بعد ان وصلته اخبارا محزنة عن حالة اليهود في السبئ ( نحميا 1/4 ) كما صاموا إعلانا للتوبة في نحميا 9/1 وجاء في سفر أستير ان اليهود صاموا عندما صدر أمرا ملكيا بقتل جميع اليهود ( أستير 4/3 ) ومرة أخري صاموا عملا بارشادات مردخاي الديوث ( أستير 9/31 ) .. أما دانيال فقد صام لما عرف اقتراب موعد خراب أورشليم ( دانيال 9/3 ) بينما صام أهل نينوي تطوعا بمجرد إيمانهم برسالة يونان, أي يونس عليه السلام ( يونان 3/5 ) أما قوم ارميا فقد نادوا بالصوم حين قال الإله لإرميا أنه يفكر في شر عظيم ( ارميا 36/1-9 )


    تلك هي الأماكن التي ورد فيها الصيام خارج أسفار موسي الخمسة أوردناها جميعا عدا أربعة نصوص وردت في اشعياء , يوؤيل وزكريا .. ويلاحظ من النصوص المذكورة ان صيام اليهود مرتبط بأمر واحد في الغالب وهو وقوع المصائب وأحيانا التوبة, ويمكن إدراج التوبة تحت بند المصيبة إذ ان توبة اليهود دائما تكون نتيجة لمصيبة وقعت عليهم, لهذا نجد القمص أنطونيوس فكري[7] يقول " هم يصومون إن كان هناك مصيبة إعلانا عن غضب الله ... والصوم هو لرفع غضب الله ولمعرفة السبب فى غضب الله "

    ويلاحظ أيضا ان كل النصوص خارج أسفار موسي تتحدث عن صيام التطوع , حيث لا نجد نصا واحدا يفرض الصيام, وهنا نقصد النصوص التي أوردناها بينما بعض ا النصوص المتبقية قابلة للنقاش وسوف ننظر فيها لاحقا


    الأمر الآخر الذي نلاحظه في النصوص المذكورة, أنها خالية من فقه الصيام, فلم تذكر أي إرشادات كساعات الإمساك أو المفطرات, كذلك حالة المريض أو المسافر .. الجدير بالذكر ان السنة النبوية تحوي تفاصيل دقيقة عن فقه الصيام بينما القرآن الكريم أوجز في آيات قليلة جل أحكام الصيام كما هو بين من الآيات التي سبق ان ذكرناها, وفي المقابل لم يتمكن الكتاب المقدس ان يقدم لنا حكما واحدا للصوم رغم ان الصيام ذكر في الكتاب المقدس خارج أسفار موسي أكثر مما ذكر في القرآن الكريم, ومع ذلك لا يوجد نص في الكتاب المقدس يمكننا ان نبني عليه حكما


    ولقد أدي غياب فقه الصيام من الكتاب المقدس إلي صوم اليهود حسب اجتهاداتهم الشخصية, فجعلوا القذارة رمزا للصيام, فلا يغسلون رؤوسهم ولا يلبسون الأحذية كما أنهم لا يبتسمون بل يظهرون البؤس علي وجوههم .. قال أنطونيوس فكري في تفسيره للاويين 23/27 " وكانوا يمتنعون عن الأكل والـشرب وغـسل الرأس ودهنها والعلاقات الزوجية ولبس الأحذية وكل ما يدل على الفرح . وكانوا يمتنعون عن أى عمل " .. بينما جاء في تفسير بولبيت (تفسير الوعاظ pulpit)[8] في سياق تفسير اصحاح 7/3 من سفر زكريا " ان العويل والنحيب من عناصر الصيام" أما المفسر آلبيرت بانز[9] فيضيف اللطم علي الصدر كعنصر من عناصر الصيام ( تفسيره لزكريا 7/5 ) ويقول في مكان آخر في سياق حديثه عن صيام اليهود, يقول أنهم أي اليهود في صيامهم يمتنعون عن الاستحمام ولا يمشطون شعرهم فيظهرون في شكل قذر وشرس يثيران الازدراء كما ان من عادتهم وضع الرماد علي رؤوسهم ووجوههم لتختلط الدموع بالرماد مما يجعل وجوههم أكثر تشويها ( تفسيره لإنجيل متى 6/16 )

    وقد يضجع أحدهم علي الأرض كما قيل عن داوود أو يمسح بالرماد علي وجهه, وهذه كلها بدع ما نزل الله بها من سلطان, بدليل ان العهد الجديد يذكر ان يسوع أنكر علي اليهود هذه البدع فقال وفقا للكتاب المقدس
    ( ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين.فانهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين.الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم ) إنجيل متى 6/16

    ومن قول يسوع ندرك ان طبيعة الصيام في اليهودية لم تكن سوي بدع ابتدعوها ودفعهم إلي ذلك فقدان الأحكام الصحيحة وهذا يقودنا إلي نص من النصوص الثلاثة التي لم نذكرها بعد وهو الإصحاح 58 من سفر اشعياء حيث نري ان الإله يوبخ اليهود علي البدع الني ابتدعوها في الصيام فيقول
    ( ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بلكمة الشر.لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء.5 امثل هذا يكون صوم اختاره.يوما يذلل الانسان فيه نفسه يحني كالاسلة راسه ويفرش تحته مسحا ورمادا.هل تسمي هذا صوما ويوما مقبولا للرب. 6 أليس هذا صوما اختاره حل قيود الشر.فك عقد النير واطلاق المسحوقين احرارا وقطع كل نير. 7 اليس ان تكسر للجائع خبزك وان تدخل المساكين التائهين الى بيتك.اذا رأيت عريانا ان تكسوه وان لا تتغاضى عن لحمك ) ( اشعياء 58/4-7 )


    نفهم من نصوص اشعياء ان اليهود لم يفهموا حكمة الصيام ولا أركانه فابتدعوا بدعا من عند أنفسهم وأضافوا علي الصيام طقوسا أشبه بطقوس الوثنيين والزاهدين ممن فهموا الزهد فهما خاطئا فظنوا ان القذارة والكآبة من الزهد , والله لم يأمرهم بمثل هذا الصيام, لهذا لم يكن صيامهم لله , وهذا يقودنا إلي سفر زكريا وهو السفر ما قبل الأخير في العهد القديم, حيث جاء فيه ما يؤيد ما ذهبنا إليه إذ يعلن فيه الإله ان اليهود لم يصوموا له


    ( قل لجميع شعب الارض وللكهنة قائلا.لما صمتم ونحتم في الشهر الخامس والشهر السابع وذلك هذه السبعين سنة فهل صمتم صوما لي انا ) ( زكريا 7/5 )

    ثم يقول في 8/19 ( هكذا قال رب الجنود.ان صوم الشهر الرابع وصوم الخامس وصوم السابع وصوم العاشر يكون لبيت يهوذا ابتهاجا وفرحا واعيادا طيبة.فاحبوا الحق والسلام. )


    وهذه الأصوام المذكورة كلها تطوعية وأجمع المفسرون علي أنها لإحياء أحداث تاريخية, وإن اختلفوا في تحديد هذه الأحداث .. البعض يري ان الأصوام الأربعة المذكورة تطوعية لإحياء ذكري حصار القدس, سقوطها وخرابها إضافة إلي ذكري مقتل جدليا ( راجع ارميا 41 و 52 و الملوك الثاني 25/23-25 ) .. تفسير الوعاظ [10]pulpit ينقل عن القديس جيروم أنه قال ان صيام الرابع يتذكر فيه يوم كسر موسي لللوحين, بينما صيام الخامس يشير إلي يوم رجوع جواسيس اليهود بنجاح من ارض كنعان, وفي الختام يقول تفسير الوعاظ ان هذه الأصوام كلها تطوعية وغير ملزمة لليهود

    بقي نصا واحدا وهو النص الوحيد الذي يمكن ان يفهم منه وجوب الصيام وقد ورد هذا النص في سفر يوئيل ويقول (. قدسوا صوما نادوا باعتكاف اجمعوا الشيوخ جميع سكان الارض الى بيت الرب الهكم واصرخوا الى الرب )

    وبالنظر إلي النصوص التي سبقت هذا النص نكتشف أنه لا يخرج عن سياق النصوص الأخرى, ففي 1/12- 13 يقول الكاتب .( ولكن الآن يقول الرب ارجعوا اليّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح. 13 ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا الى الرب الهكم لانه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر. )

    نلاحظ ان الصيام هنا يقع تحت بند المصائب التي من المفترض ان تؤدي إلي التوبة, فالإله هنا يتوعد وفي نفس الوقت يذكر اليهود انه رؤوف رحيم ويندم عن الشر .. إذن الإله في النص يأمر بالتوبة لا الصيام وما الصيام إلا عنصر مرتبط بالتوبة


    إضافة إلي ما ذكرنا .. هذا السفر ككل غير موثوق به, علي الأقل من وجهة نظرنا, وذلك لسببين مهمين وهما ان السفر غير موثق فلا يعرف زمن كتابته ولا يعرف شيء عن شخصية الكاتب , ولا زمن ميلاده أو وفاته ولا مكان ميلاده ... يقول أنطونيوس فكري
    " لا نعرف ً شيئا عن هذا النبي سوى المدون في نبوته والأرجح أن النبي سكن أورشليم وهو من سبط يهوذا . وأبوه فثوئيل غير معروف .. كلمة يوئيل في العبرية تعني " يهوة هو الله ولا يوجد في نبوة يوئيل تحديد تاريخ زمنى لنبوته . فلم يذكر أسماء ملوك يهـوذا أوإسرائيل المعاصرين له، لأن نبوته تركزت على الإنذار بأن يوم الرب آت?? سـريعاً .وكأن الوحي أراد أن يعلن أن هذه نبوة لكل الأجيال ( ص 2 )

    لا ندري كيف ضمه القمص أنطونيوس فكري إلي سبط يهوذا في الوقت الذي يقر فيه ان أب الرجل مجهول كالابن تماما, وقد نسبه لأورشليم بالضربات الترجيحية بدون إعطاء الأسباب, غير ان البعض يقول ان سبب الترجيح هو أنه خاطب خدام المذبح في 1/13 ( انظر تفسير آلبيرت بانز ) .. علي أي حال, رجحنا أم لم نرجح يبقي الكاتب مجهول الهوية مجهول النسب .. ولا ننسي إجماع النصارى واليهود علي ان يوم الكفارة هو اليوم الوحيد الذي يجب صيامه عند اليهود .. ولكن كيف توصلوا إلي هذا الإجماع رغم ان كلمة الصيام لم تذكر ولا مرة في أسفار موسي الخمسة, في الوقت الذي يبنون استنباطهم علي نص ورد في سفر اللاويين المنسوب إلي موسي عليه السلام
    وحتي إذا قبلنا هذا الإجماع فإننا نجد أنفسنا أمام معضلة أخري وهي عدم عمل النصارى بهذا النص فهم يرون أنه غير ملزم رغم ان النص يفيد بأن الحكم مؤبد غير قابل للنسخ
    .. يقول القمص أنطونيوس فكري
    ." وقولـه فريـضة دهريـة = أى يلتزمون بها حتى يأتى رئيس الكهنة الأعظم ربنا يسوع فيتممه " ( تفسير اللايين 16/29 صفحة 115 )
    والتتميم عند النصاري مصطلح يقصد به النسخ .. ولكن النص غير قابل للنسخ لكونه حكما أبديا
    ( ويكون لكم فريضة دهرية انكم في الشهر السابع في عاشر الشهر تذللون نفوسكم )
    والإشكالية الأخرى في النص هي ان النصارى لم يلتزموا بالنص من حيث فترة التذلل وهي من مساء إلي مساء ( حول نسخ هذا الصوم انظر أيضا كتاب سنوات مع أسئلة الناس [11]

    ومما سبق يمكننا القول أنه لا يوجد نصا واحدا يتيما في كل العهد القديم يوجب الصيام أو ممكن أن يبني عليه حكما شرعيا وفيما تبقي من هذه السطور سوف نعالج نصوص العهد الجديد طارحين نفس السؤال .. لمن يصوم القوم وعلي أي شرع يصومون


    صيام النصارى وشواهد العهد الجديد


    الأنبا شنودة بابا الطائفة الأرثوذكسية يعرف الصوم ب " الامتناع عن الطعام فترة معينة، يتناول الصائم بعدها أطعمة خالية من الدسم الحيواني[12] أنظر أيضا كتيب الصوم للقمص زكريا بطرس, ص 6 ) [13] ويعرف معجم اللاهوت الكتابي[14] الصوم بأنه " الامتناع عن كل طعام وشراب، وعند الاقتضاء عن العلاقات الجنسية، خلال يوم أو أكثر، من الغروب إلى الغروب." ( مدخل صوم ) .. أما الموسوعة الكاثوليكية [15] فقد تبنت نفس التعريف غير أنها تفرق بين الصيام والإمساك. فالإمساك وفقا للموسوعة هو الامتناع عن مأكولات معينة ويطلق عليه الصوم الجزئي


    الحديث عن الصيام في العهد الجديد لا يختلف عما جاء في العهد القديم, فكما لا يوجد نص يفرض الصيام في العهد القديم فكذلك العهد الجديد, ورغم ذلك, النصارى يوجبون الصيام باستثناء الطائفة البرتستنتية الذين يرون ان الصوم عمل شخصي تطوعي, ويذكر قاموس الإنجيلي العقائدي, تحت مدخل الصوم, ( ( fast يذكر, أن الصوم لم يفرض في التوراة غير ان صيام المسيح وتلاميذه مبرر كافي لممارسته, مضيفا بأن الصوم ليس إلا أمرا شخصيا [16]


    وجاء قي قاموس أنجار الجديد للكتاب المقدس تحت مدخل الصوم

    " الصوم لايزال واجب في الكنيسة الكاثوليكية واليونانية, بينما في معظم الكنائس البرتستنتية لا يعد أكثر من مستحب [17]

    ويقول الأنبا شنودة ص97 [18] إخواننا البرتستنت لا يرفضون الصوم كليا ولكنهم ألغوه عمليا فهم يرون انه عمل تطوعي فردي بين العبد وربه ويعتمدون علي موعظة الرب علي الجبل وليس لهم مواقيت محددة فالصائم يصوم متي شاء وكيف شاء دون ان تكون للكنيسة سلطان عليه أو ان تتدخل في صومه " وحاول البابا في كتابه اللاهوت المقارن (الترجمة الإنجليزية ) أن يرد علي البرتستنت ولكنه لم يوفق ان يقدم نصا واحدا يفهم منه فرضية الصوم ( ص 97 – 104 )



    ذكر الصيام في عدة أماكن في العهد الجديد, أولهما إنجيل متى حيث يخبرنا أن المسيح اثناء تجربة الشيطان له صام أربعين يوما حتي جاع, ( متى 4/2 )
    وفي متي 6/16 المسيح ينصح التلاميذ قائلا ( ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين, وجاء في أعمال الرسل 13/2-3( وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما اليه ) وفي14/23 ( وانتخبا لهم قسوسا في كل كنيسة ثم صلّيا باصوام ) و في 27/9 ( ولما مضى زمان طويل وصار السفر في البحر خطرا اذ كان الصوم ايضا قد مضى جعل بولس ينذرهم ) ولعل هذا النص يتحدث عن صيام اليهود ولكن النص لا يعدوا ان يكون خبرا .. وبنفس السياق الخبري وردت نصوصا مماثلة ( أنظر أعمال الرسل 10/30 , 1كو 7/5 , 2كو 6/4 و 11/27 ) )

    الطوائف التي توجب الصيام تستند علي بعض النصوص التي أوردناها.. يري القمص زكريا بطرس ان الصوم ركن أساسي في المسيحية لعدم أكل المسيح 40 يوما ولممارسة رجال الله الصوم في العهدين و لقول المسيح " وأما أنت فمتي صمت فأدهن رأسك ( متي 6/17 ) ( الصوم ص 2, 3 ) أنظر ايضا, اللاهوت المقار للبابا شنودة ص 99 +


    عن عدم أكل المسيح 40 يوما, يقولون ان المسيح صام عنا وقدم لنا مثالا نتبعه , ويقولون أن الرسل صاموا قبل القداس وقبل رسامة الكهنة ( أعمال الرسل 13/2 -3 و 14/23 ) .. والصوم اثناء الخطر ( 27/9


    ولا يخف علي القارئ ان كل هذه النصوص لا تدل علي الوجوب, وبعضها لا تدل حتي علي التطوع .. القول بأن الرسل صاموا اثناء القداس ورسامة الكهنة ثم الاستدلال بنفس النص علي الصومين, استدلال غير منطقي, وقد استند عليه البابا شنودة, رغم ان النص في غاية الركاكة, ولا يكاد يفقه, فلا ندري هل كان الصوم من أجل القداس أم أجل سيامة كاهن ؟.. النص في بدايته يفيد بأنهم كانوا صائمين ( وبينما هم يخدمون الرب ويصومون ) واثناء خدمتهم قال الروح القدس ( افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه.) ويضيف ( فصاموا حينئذ وصلّوا ووضعوا عليهما الايادي ثم اطلقوهما ) فهل كانوا صائمين من الأصل أم صاموا حين قال الروح القدس " افرزوا لي برنابا ّوشاول " وهل كان طلب الروح القدس افراز برنابا, سيامة كهنوت ؟ والمفروض ان سيامته قد تمت قبل ذلك علي يد يسوع, كونه من تلاميذه السبعين كما ذكر ذلك القديس يوسابيوس[19] وكثير من آباء الكنيسة ؟ هذا إن لم يكن واحد من ال 12.. إذن فهم البابا شنودة لهذا النص ما هو إلا هدم للكهنوت الذي يدافع عنه, من حيث لا يدري , وحتي لو قبل تفسير البابا, يبقي هذا الصيام صياما تطوعيا إذ لم يقل أحد بوجوب صوم الكهنة إثناء القداس ولو وجب لوجب علي فئة صغيرة

    أما قول بولس " وصار السفر في البحر خطرا اذ كان الصوم " فلا توجد علاقة بين الصيام المذكور والخطر, فبولس يقول أنه وركاب السفينة تعرضوا لمخاطر في البحر وكان ذلك في أيام الصيام, أي صيام اليهود المبتدع كما أثبتنا’ وقد كان بولس متمسكا بالناموس والتقاليد اليهودية, رغم أنه كان يدعوا الآخرين إلي نبذ الناموس ( انظر أعمال الرسل 21/20 + ) إذن كان صوم بولس صوم يهودي و لم يكن الرهبان قد فرضوا الصيام بعد علي الرعية المستخف بها .. يقول تادريس يعقوب ملطي 2003 [20] في تفسيره للنص المعني, يقول
    " يري البعض مثل القديس يوحنا الذهبي الفم ان الصوم هنا هو صوم يهودي أي في يوم الكفارة العظيم " ( ص 917 )

    ويقول القمص أنطونيوس فكري " إذ كان الصوم = هو صوم يـوم الكفـارة ( اليوم الوحيد الذي يصومه اليهود ) وهـو يتراوح أو يأتي فى الفترة ما بين 25 سبتمبر، 10 اكتوبر " ( تفسير أعمال الرسل, ص 244 )


    أما الصوم المذكور رسالة بولس الثانية إلي كورنثوس لا يختلف عن النصوص الأخرى في كونه مجرد خبر ولكن يختلف عن النصوص الأخرى في عامل خطير وهو أنه صيام من النوع الذي أدانه يسوع في متى 6/16-17 وذلك أنه صوم لا يقصد به وجه الله, ولكن التفاخر والرياء لإظهار التقوى ( فانهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين.الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم )
    وبولس لم يذكر الصوم إلا للتفاخر فهو يبدأ بقوله
    أهم خدام المسيح.اقول كمختل العقل.فانا افضل ( 2 كو 11/23 )
    إذن بولس يزعم أنه أفضل من الجميع ويعلل أفضليته بكثرة الصيام و معاناته في سبيل يسوع, فيقول
    ( .في الاتعاب اكثر.في الضربات اوفر.في السجون اكثر.في الميتات مرارا كثيرة.)
    ويضيف أنه ضرب من قبل اليهود خمس مرات في سبيل يسوع
    ( من اليهود خمس مرات قبلت اربعين جلدة الا واحدة. ) 11/24
    ثم يضيف
    ثلاث مرات ضربت بالعصي.مرة رجمت.ثلاث مرات انكسرت بي السفينة.ليلا ونهارا قضيت في العمق. باسفار مرارا كثيرة.باخطار سيول.باخطار لصوص.باخطار من جنسي.باخطار من الامم.باخطار في المدينة.باخطار في البرية.باخطار في البحر.باخطار من اخوة كذبة.
    وفي النهاية يذكر بولس كثرة صيامه
    ( في تعب وكد.في اسهار مرارا كثيرة.في جوع وعطش.في اصوام مرارا كثيرة.في برد وعري) 11/27


    يسوع حين صام أربعين يوما أثناء تجربة الجبل لم يفعل ذلك إلا للضرورة حيث لم يجد ما يقتات به في العراء,بدليل ان الشيطان يقول له ( إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا ) 4/3 لذلك نري ان لوقا يتجنب كلمة الصيام وهو يخبرنا عن نفس القصة وعوضا عن ذلك يقول ( ولم ياكل شيئا في تلك الايام ) لوقا 4/2 , بل ان بعض النقاد يرون تناقض بين رواية متي ورواية مرقص حيث لم يكتف مرقص بعدم ذكر الصيام وعدم الأكل بل أضاف عبارة, فهم منها العديد من المفسرين ان يسوع لم يصم بل كانت الملائكة تقدم له الأكل والشرب, في برية قاحلة والعبارة هي ( وصارت الملائكة تخدمه ) أي بتقديم الطعام إليه .. قاموس أنكار للكتاب المقدس[21] ذهب إلي أبعد من مجرد تناقض مشيرا إلي ان موضوع صيام الأربعين يوما ما هو الا إضافة لاحقة ( ج 2 ص 775 )

    وجاء في معجم اللاهوت الكتابي تحت مدخل " صوم " fast
    " وأما بخصوص الأربعين يوماً التي صامها يسوع في البرية، والتي تتّخذ لها مثالاً ذلك النموذج المزدوج، فلم يكن الغرض منها إعداد يسوع لتقبّل روح الله وهو المملوء منه الملء الكامل ا لوقا 4: 1 - 4)، بل ليفتتح يسوع رسالته المسيانية بفعل تسليم لأبيه بثقة كاملة (متى 4: 1- 4) "
    أي ان هذا الصوم كان خاصا بيسوع بمناسبة بدء رسالته كمسيا, وبالطبع لا مسيا بعده فلن يتكرر هذا الصوم

    ومما يضيف إشكالية علي صوم يسوع, أنه توجد نصوص تفيد ان يسوع رفض فكرة الصيام اثناء حياته رفضا جازما, وذلك حين سأله أتباع يوحنا قائلين ( نصوم نحن والفريسيون كثيرا واما تلاميذك فلا يصومون. فقال لهم يسوع هل يستطيع بنو العرس ان ينوحوا ما دام العريس معهم.ولكن ستأتي ايام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون ) متي 9/14-15 ) أي أنه لا صيام طالما المسيح علي الأرض , ولكن حين ينجيه الله من مكر اليهود ويرفعه اليه, حينئذ يصوم من شاء ان يصوم ( أنظر أيضا مرقص 2/19 و لوقا 5/33 ) أي ان الصيام أمر شخصي تطوعي وهذا ما يؤكده معجم اللاهوت الكتابي إذ يقول تحت مدخل " صوم " " إنهم كانوا يحاولون بذلك إتمام عنصر البر كما حدّدته الشريعة والأنبياء. على أن يسوع، وإن لم يفرض على تلاميذه شيئاً من هذا النوع من البر، فهذا لا يعني أنه يزدريه "
    ويفهم من هذا التصريح انهم, أي اليهود, كانوا يحاولون بصيامهم إتمام البر كما حدته الشريعة , وقد ألغيت الشريعة فلا حاجة الي الصوم, ومن هذا المنطلق رفض البرتستنت الصوم مستندين إلي الكتاب المقدس كقول بولس في كولوسي 2/16 "فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب".


    الجدير بالذكر ان بعض الدارسين المسيحيين يرون ان يسوع رفض الصوم ومنع تلاميذه من الصوم ليس فقط اثناء حياته علي الأرض بل وبعد الرفع . غير انه تم التغيير في النص في فترة لاحقة كي يبدوا النص وكأن يسوع رفض الصوم اثناء حياته علي الأرض فقط [22]


    القمص زكريا بطرس, رغم ميوله البرتستنتية إلا أنه في كتيبه الصوم عارض قول البرتستنت دون أن يسميهم بالاسم, وقال
    " قد يعترض البعض بقول بولس الرسول: "فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت" كو16:2.
    الإجابة: الواقع أن معلمنا بولس الرسول لا يعترض على أصوام الكنيسة لأنه هو نفسه مارس الصوم "ولما مضى زمان طويل وصار السفر في البحر خطرا إذ كان الصوم أيضاً قد مضى جعل بولس ينذرهم... فلما حصل صوم كثير حينئذ وقف بولس في وسطهم..." (أع9:27،21) وإنما قصد بالكلام المذكور في هذا الاعتراض بالأكل الذي يحرمه اليهود من جهة النجاسة بدليل أنه يذكر أيضاً أعياد اليهود (الهلال والسبت)، فحديث بولس هو بعدم ممارسة مؤمني العهد الجديد لشريعة العهد القديم. " ( ص 7 ) انتهي كلام زكريا بطرس ( انظر أيضا اللاهوت المقارن للبابا شنودة, الترجمة الإنجليزية ص 102

    رد هش كهشاشة صاحبه, وتدليس القمص لا يخف علي كل من ألقى نظرة علي الكتاب المقدس, فصوم بولس الذي أشار إليه زكريا بطرس لا علاقة له بالنصرانية وقد أشرنا سابقا إلي قول القمص أنطونيوس فكري وتادريس يعقوب ملطي في أن ذلك كان صوم اليهود في يوم الكفارة العظيم ( راجع تفسيري أنطونيوس فكري وملطي لأعمال الرسل 9/27 )
    بالإضافة إلي ذلك القمص زكريا بطرس تجاهل النصوص التي تشرح النص, كقول بولس في نفس النص (لا يخسركم احد الجعالة راغبا في التواضع وعبادة الملائكة ... التي لها حكاية حكمة بعبادة نافلة وتواضع وقهر الجسد ليس بقيمة )
    وقهر الجسد

    سبق أن ذكرنا ان كلمة الصوم لم ترد في التوراة نهائيا, لذلك قالت بعض الطوائف ان الصيام لم يفرض في التوراة وقالت طوائف أحري أنه فرض يوما واحدا في السنة وهو يوم الكفارة, وهؤلاء قد فهموا من كلمة " تذللون " أو" تتواضعون " الواردة في اللاويين 16/29 وأخري في 23/27 . فهموا منها علي أنها تعني الصوم , وقد ذكر بولس نفس الكلمة التي فهم منها النصارى علي انها تعني الصوم وهي كلمة التواضع كما ذكر مرادفا لكلمة تذليل الجسد في قوله (وقهر الجسد ليس بقيمة ) أي التذلل بالصوم لقهر الجسد ليس له قيمة
    إضافة إلي ذلك, بولس يذكر عبادة الملائكة التي كانت قد ارتبطت بالصوم, فقد كان بعض اليهود يظن ان الملائكة تظهر له بالصيام .. وفي إشارة إلي نص بولس يقول قاموس أنكار (Anchor) " ممارسة الصوم كانت قد اقترنت بعبادة الملائكة, وصار هدف الصوم استحضار الملاك في المنام , وفي كولوسي 2/23 فسرت الكلمة بقهر الجسد ّ" ( ج2 ص 774 )
    ومما ذكرنا يتضح لنا ان صوم النصارى لا يستند علي نص كتابي ونقصد بالكتاب, الكتاب الذي يقدسونه’ وقد ترتب علي غياب نصوص الصوم وأحكامه من الكتاب المقدس, فسادا خطيرا بحيث تحول الصوم لله إلي الصوم للرهبان حتى وصل الأمر إلي تأليه الرهبان فلم تكتف الكنيسة إلي فرض الصيام من جيبها بل أعطت القساوسة حق إعطاء الرخص وتغيير أحكام الصيام الوضعية حتى صار كل كاهن إلها صغيرا في الكنيسة التي يترأسها, مما أدي إلي اختلاف كبير في صيام النصارى, ليس فقط بين الطوائف المختلفة بل بين أتباع الكنيسة الواحدة


    الكنيسة الكاثوليكية توجب الصوم الكبير, وفي العصور الماضية كانت هناك عقوبات قاسية لمن يتساهل في أمر الصيام, كطرد رجال الدين وتحريم المدنيين بعد إنزال اللعنات عليهم ( الموسوعة الكاثوليكية تحت مدخل الإمساك Abstinence ), ومع ذلك يقر الكاثوليك علي عدم وجود نصا يحدد مواقيت الصوم, أو يتحدث عن فقه الصيام, تقول الموسوعة الكاثوليكية عن عدم أكل يسوع اثناء تجربة الجبل تحت نفس المدخل
    " بلا شك هذا لم يكن كفاريا فقط ولكن أيضا ليقتدي به, صحيح ان المسيح لم يحدد بدقة الأيام الواجبة للصوم .... النص الوحيد في العهد الجديد الذي يسن قوانين الإمساك عن الأطعمة, كان قد صاغه مجمع القدس, وينص علي الامتناع عما ذبح علي الأنصاب, الدم والمختنقة " أع 15/29 " [23]



    ما تقوله الموسوعة الكاثوليكية هو أنه لا يوجد نهائيا نصا يفرض الصوم , والنص الوحيد الذي أوردته الموسوعة لا يتحدث عن الإمساك عن الطعام في فترة محددة, وانما عن محرمات أبدية, فما ذبح علي النصب والمختنقة والدم كلها محرمات مطلقة ولا يمنع تناولها اثناء الصوم فقط, وبهذا يمكننا القول ان الكتاب المقدس لم يفرض الصيام, دعك من أن يضع فقها له, ومع ذلك نري ان أيام الصيام في النصرانية أكثر من أيام الإفطار, فمن الذي فرضه عليهم ووضع فقهه , والأهم لمن يصومون ؟


    اختلف النصارى تقريبا في كل شيء حول الصيام, لكن إذا تركنا البروتستنت جانبا يمكننا ان نقسم الصيام إلي نوعين . الفردي والجماعي.. الصوم الفردي يكون في الخفاء حسب قول الأنبا شنودة ( روحانية الصوم للأنبا شنودة الفصل الأول )

    يعرف القمص زكريا بطرس الصوم الفردي ب " صوم خاص،لأغراض معينة، مثل صوم موسى النبي، وإيليا، ودانيال، وحزقيال، وداود، وبولس الرسول وبطرس الرسول وكرنيليوس (أع30:10) ( الصوم ص 4 ) والأصوام الفردية فهي مفتوحة بلا حدود (تفسير متي المسكين لمرقص 2 ) أما عن الصوم الجماعي فيعرفه الأنبا شنودة بالصوم الذي يشترك كل المؤمنين معاً فى صومهم والبابا شنودة رغم قوله بنسخ الصوم اليهودي الا أنه يستدل علي العهد القديم كصوم الشعب أيام أستير

    هذا التقسيم قد يفهم منه أنه يقسم الصوم إلي فرض وسنة أو تطوع ولكن الأمر ليس كذلك فأكثر الأصوام المذكورة في العهد القديم جماعية لكنها لم تكن واجبة .. وهناك تقسيم آخر, ويقسم الصوم إلي الصوم الكبير والأصوام الصغرى , الصوم الكبير وهو الأهم - الصوم الكبير مجموع ثلاثة أصوام مستقلة مدته 55 يوما وهي , صوم أسبوع الاستعداد, أي الاستعداد لصوم الأربعين . ويليه صوم الأربعيني فصوم أسبوع الآلام الذي كان صوماً قائماً بذاته غير مرتبط بالصوم الكبير, في بداية العصر الرسولي روحانية الصوم الفصل 3

    أما الأصوام الأخرى فمنها صوم الميلاد أي ميلاد المسيح , ومدته 43 يوما عند الكنيسة القبطية, 40 يوما عند معظم الكنائس الشرقية وأربعة أسابيع لدي الكاثوليك.. صوم يونان ويعرف أيضا بصوم نينوي ومدته 3 أيام .. صوم الرسل ومدته 45 يوما ... صوم العذراء ومدته 15 يوما .. صوم يومي الأربعاء والجمعة .. صوم البرامون .. صوم يوم السبت وصوم بدء الموسم عند الكاثوليك .. صوم البشارة بميلاد العذراء وصوم ميلادها ونذرها ودخولها مصر وموتها وصعود جسدها حسب اعتقاد النصارى, ثم هناك صوم ختان الإله وحضوره عرس قانا إلخ


    مواقيت الصيام وفترة الإمساك تختلف من كنيسة إلي أخري وأحيانا تختلف المواقيت حسب المنطقة الجغرافية بين أتباع الكنيسة الواحدة .. تعريف معجم اللاهوت الكتابي الذي سبق ان ذكرناه حدد مدة الإمساك بفترة أقلها 24 ساعة, بينما المفسر الأب متي المسكين من الكنيسة القبطية يحدد فترة الإمساك ما بين الشروق والغروب ولكنه لا يجزم بذلك (تفسير متي المسكين متي 6 ) أما البابا شنوده في ( روحانية الصوم ) لم يحدد فترة الإمساك واكنفي بقوله " فترة معينة " وسوف نري لاحقا كيف ان هذه الفترة تختلف من شخص إلي آخر .. أما زكريا بطرس فيربط بفترة الإمساك بنوع الصوم حيث يقول " فلابد إذن من الانقطاع عن الأكل صباحا لفترة زمنية يحددها، نوع الصوم،" ( الصوم, ص 6 )

    القمص زكريا بطرس يضع ثلاثة أركان للصوم وهي الصلاة , الثقة بالله والامتناع عن مأكولات معينة وهي اللحوم, السمن والبقول, وقد أشار زكريا بطرس إلي ان الأركان الثلاثة بعض من أركان الصوم وليست كلها ( الصوم ص 7 ) وبالرجوع إلي تعريف معجم اللاهوتي للصوم نعلم ان الانقطاع عن المعاشرة الجنسية ركن آخر من أركان الصوم في النصرانية, والانقطاع عن المأكولات المذكورة بالإضافة إلي المعاشرة يكون طوال أيام الصيام ولا يختص بفترة الإمساك فقط, ولكن بعض الأطعمة تسمح في صوم ولا تسمح في آخر مثل السمك , لا يسمح في الصوم الكبير ويسمح في صوم الميلاد مثلا كما ان فترة الإمساك أيضا تختلف من فرد إلي آخر ولكن الأمر يرجع إلي الآباء الكهنة وهم من يحددون ساعات الإمساك لمختلف الأفراد وقد يسمح الكاهن لشخص ما لا يسمح لغيره كأن يسمح لصائم بأطعمة معينة ولا يسمح لآخر أو يسمح لصائم ان يجامع زوجته ولا يسمح لصائم آخر, فالكنسية هي التي فرضت الصوم والذي فرض الصوم هو الذي يضع فقه الصوم


    جاء في دراسة أعدتها كنيسة الأنباء تكلا [24]
    ّ" ولا بد في الصوم من الانقطاع عن الطعام لفترة من الوقت ، وفترة الانقطاع هذه تختلف من شخص إلى آخر بحسب درجته الروحية واختلاف الصائمون في سنهم واختلافهم أيضاً في نوعية عملهم ولمن لا يستطيع الانقطاع حتى الساعة الثالثة من النهار فأن فترة الانقطاع تكون بحسب إرشاد الأب الكاهن. وأيضاً فأن الأب الكاهن هو الذي يحدد الحالات التي تصرح فيها الكنيسة للشخص بعدم الصوم ومن أهمها حالات المرض والضعف الشديد."


    ويقول القمص زكريا بطرس " وبالتبعية فالمؤمن يمكن أن تكون له أصوام خاصة فردية، بشرط أن تكون تحت إشراف أب اعترافه. " ( الصوم, ص 4 ) ويقول في صفحة 5 " وكل صوم له نظامه الذي يتفق عليه المؤمن مع أب اعترافه "


    يري البابا شنودة ان اختلاف فترة الإمساك بين الأفراد راجع إلي اختلاف روحانية الأفراد وسنهم أو مهنتهم, ووفقا للبابا شنودة الناس علي ثلاثة درجات روحية فهناك المبتدئ الذي لا يستطيع أن ينقطع طويلاً . ويليه المتدرب الذي يستطيع أكثر . يفوقهما الناضج روحي. وفترة الإمساك التي يتحملها الشاب غير الفترة التي يتحملها الكهل, كما ان بعض الناس يعملون في مهن شاقة وبحاجة إلي سعرات حرارية أكثر. ولأن الكتاب لم يفرض الصوم دعك من ان يضع فقها له يسند البابا مسؤولية التشريع إلي الكاهن فيقول " ومع كل ذلك ، فيمكننا ان نضع قاعدة هامة وهي :فترة الانقطاع تكون حسب إرشاد أب الاعتراف . " ( روحانية الصوم الفصل 2 ) ويقول أيضا " وعلي آيه الحالات ، لا داعي لاستفاضة في بحث هذه النقطة ، مادامت فترة الانقطاع تتغير من شخص إلي آخر ، كما إننا تركنا تحديدها لأب الاعتراف ( نفس المصدر )" ويقول أيضا " كما أن العض من الناحية الأخرى قد يتهاون بطريقة تفقده فائدة الصوم . والأفضل ان يشرف أب اعتراف علي هذا الأمر ( نفس المصدر )



    .. ويقول زكريا بطرس عن فترة الإمساك " ويدخل في تحديدها عوامل مختلفة كالمرض وغيره، لذلك يتحتم الاسترشاد بحكمة أب الاعتراف." ( الصوم , ص 7 ) إذن حكمة أب الاعتراف هو الحل الأمثل إذ ان الكتاب المقدس لم يهتم بفقه الصيام ولم يتطرق إليه لا من قريب ولا من بعيد,
    . والبابا نفسه ليس له رأي جازم فنراه يطرح سؤالا ويقول
    هل هناك علاقة بين الانقطاع عن الطعام والساعة التاسعة؟
    ويجيب البابا شنوده قائلا
    يبدو أن هناك علاقة ... لأنه في طقس الكنيسة الخاص بصلاة الساعة التاسعة، نلاحظ اختيار فصل الإنجيل الخاص بمباركة الطعام بعد فترة من الجوع وواضح أننا في صلاة الساعة التاسعة نذكر موت السيد المسيح على الصليب، فلماذا إذن هذا الفصل من الإنجيل الخاص بمباركة الطعام؟ يبدو أن نظام الانقطاع كان عموما إلى الساعة التاسعة، (( روحانية الصوم الفصل 2 ) ")


    يبدو, قد, ولعل .. أي أننا لا نعرف بالتحديد فترة الإمساك فنترك الأمر للكهنة يشرفون عليه, وهذا القول كافي ان يجيب علي سؤالنا " من فرض الصوم علي النصارى " أنهم الكهنة .. أحيانا بأهوائهم وفي حالة واحدة علي الأقل تحت ضغط الشعب: كصوم العذراء الذي تقول عنه الكنيسة أنه الصوم الوحيد الذي فرضه الشعب علي الكنيسة[25]
    وصدق القمص زكريا بطرس وهو كذوب حين أجاب علي تساؤل طرحه بنفسه حيث قال
    " وقد يسأل سائل: من الذي حدد الأصوام الجماعية؟ "
    وأجاب زكريا بطرس
    " الإجابة: الكنيسة بما فوض لها السيد المسيح من سلطان قد حددت هذه الأصوام في مجامع مسكونية فكما عقدت الكنيسة في عصر الرسل مجمعاً في أورشليم بخصوص بعض القضايا الإيمانية كما جاء في سفر أعمال الرسل 1:15-29 هكذا عقدت الكنيسة خلال تاريخها الطويل مجامع مسكونية للنظر فيما يواجه الكنيسة من قضايا خاصة بالإيمان والعقيدة وتقرير ما تراه نافعاً لحياة أبنائها الروحية ومن هذه الأمور قرارات المجامع بخصوص الأصوام الجماعية المعروفة في الكنيسة الآن مثل: الصوم الكبير، وصوم الأربعاء، والجمعة، وصوم الميلاد، وصوم الرسل، وصوم العذراء، وصوم نينوى. ( الصوم, ص 5 )

    يقول الأنبا شنودة

    لكي لا ننسي صلبه من أجلنا ، مع ما يقدمه هذا الصلب من مشاعر مقدسة ... وضعت لنا الكنيسة أسبوع الآلام كتذكار سنوي . ووضعت لنا صوم الأربعاء والجمعة كتذكار أسبوعي ووضعت لنا صلاة الساعة السادسة من النهار كتذكار يومي .كل ذلك حتى لا ننسي الدم الطاهر الذي سفك لأجلنا [26]
    ويقول الأنبا شنودة في اللاهوت المقارن الفصل 6
    إن الكنيسة نظمت الصوم ، ووضعت له أسسه الروحية ، ومواعيده الثابتة المبنية علي قواعد روحية ليس الآن مجالها . وهكذا احتفظت بالصوم ، وبقي كعمل روحي لا يستغني عنه احد والكنيسة من حقها أن تنظم ، بل من واجبها أن تنظم ، من أجل صالح جماعة المؤمنين لكي يعبدوا الله جميعاً روح واحدة . وهي تعتمد في ذلك علي قول الرب لقادتها { ما ربطتموه علي الأرض يكون مربوطاً في السماء . وما حللتموه علي الأرض يكون محلولاً في السماء"
    ويقول في روحانية الصوم ( الفصل 3 )
    طبعاً طاعة الكنيسة آمر لازم ، وطاعة الوصية أمر لازم . ولكننا حينما نطيع الوصية ، ينبغي أن نطيعها في روحانية وليس في سطحية ... وان كانت الكنيسة قد رتبت لنا هذا الصوم ، فقد رتبته من أجل العمق الروحي الذي فيه



    وقد يسأل سائل
    كم من عقائد باطلة صيغت تحت حجة التفويض ؟
    كم من الأموال سرقت
    كم من خطايا غفرت
    كم صكوك غفران بيعت
    كم ضال الجنة له بيعت
    كم تقولات علي الله قيلت
    كم من رؤوس العلماء قطعت
    كم حروب صليبية شنت
    كم من حالات برسوم ظهرت
    وكم وكم وكم وعند كل كم قف وتدبر قوله تعالي
    ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ) التوبة :31 )


    تطور الصوم
    العهد الجديد لم يرد فيه فقه الصيام لأنه لم يوجبه, والكنيسة في بدايتها كانت تري الصوم أمرا شخصيا تطوعيا, ولم تقنن قوانين له, ولم يكن النصارى في القرون الأولي يميزون أنفسهم عن اليهود فكانوا مثلهم مثل اليهود يصومون وفقا للقاعدة التي ذكرناها وهي الصيام في وقت الأزمات والمصائب أو عند التوبة, ولعل الصيام عند التعميد يعود إلي العامل الأخير باعتبار المعمودية نوع من التوبة والرجوع إلي الإله .. بالإضافة إلي ذالك, صيام الاثنين والخميس أسبوعيا وهو صيام أبتدعه الفريسيين ( راجع لوقا 18/12 ) .. وقبل دعوة المسيح عليه السلام’ ظهرت علي الساحة حركات تنادي بالزهد والتنسك, وقد اشتهر منهم حنينا بن دوسا Haninah ben Dosa وكان يدعوا إلي التقشف والاعتماد علي الله , وهؤلاء الزهاد لم يتخلوا عن زهدهم وصيامهم بعد ان اعتنقوا المسيحية


    وكان من ضمن المسيحيين اليهود من كان يتبع يوحنا المعمدان قبل رسالة يسوع, وكان يوحنا زاهدا يكثر من الصيام ( مر قص 2/18 ) وقال عنه يسوع " لانه جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب.فيقولون فيه شيطان " ( متى 11/18 ) وقال عنه متي الإنجيلي " كان لباسه من وبر الابل وعلى حقويه منطقة من جلد.وكان طعامه جرادا وعسلا بريا " ( 3/4 )


    وظهر في القرن الأول حركات مسيحية أكثرت من الصيام بهدف استحضار الملائكة في المنام, وارتبط صيامهم بعبادة الملائكة, وقد ورد ذكرهم في رسالة بولس إلي كولوسي 2/18


    ظل الصيام في المسيحية أمرا شخصيا تطوعيا في الفترة التي كانت الكنيسة جزءا من اليهودية, إلي أن بدأت الكنيسة في إتباع مسار مختلف حتى صار لها كيان مستقل, ولكي تثبت الكنيسة وجودها المستقل أخذت تخالف وتعادي كل ما هو يهودي, وبدأت الكنيسة في تقنين القوانين ومنها قوانين الصوم ومع ذلك ظل الصوم أمرا شخصيا مع محاولة تجتنب أيام صوم اليهود, وظل الأمر كذلك ولم يفرض الصوم إلي في القرن السادس في مجمع أورليان الثاني عام 541 [26]

    وفي القرن الثامن وضعت الكنيسة عقوبات قاسية للمفطرين ليس أقلها تحريم الفاطر من الكنيسة
    الصيام, رغم أنه لم يكن فرضا خلال القرون الخمسة الأولي, مع ذلك كان الصيام سببا في إثارة كثير من الخلافات, وذلك منذ بداية النصرانية. بالنسبة لصوم الأربعيني مثلا, اختلف النصارى في طبيعة الصيام وتوقيت الصوم, بالإضافة إلي عدد الأيام .. كان البعض يصوم يوم وآخرون يصومون يومين فأكثر .. يقول يوسابيوس القيصري في تاريخه[27] ان الخلاف ليس جديدا بل هو قديم, مضيفا ان الأجيال السابقة لم تتمسك بنظام صارم في صوم الكبير وأنهم صاموا وفقا للتقليد السائد بينهم ( ص 378 )


    ويقول القديس اريناوس في رسالة نقلها لنا يوسابيوس القيصري يقول فيها


    " النزاع ليس محصورا في اليوم فقط, بل ينغلق أيضا بطبيعة الصوم, البعض يظنون انه يجب عليهم الصوم يوما واحدا, وغيرهم يومين وغيرهم أكثر, والبعض يحسبون يومهم أربعين ساعة نهارا وليلا ( ص 378 ) ص 237 في النسخة العربية[28]


    ويخبرنا يوسابيوس ان عددا من الأساقفة رفضوا الصوم الكبير لكن ذلك لم يكن سببا في إفساد المودة مع من صاموا بل أنهم كانوا يرسلون القرابين للصائمين, كما ينقل لنا يوسابيوس خلاف بولكاريوس مع الأسقف أنكتوس ولم يستطع أنكتوس ( أنيتوس ) إقناع بولكاريوس بالتوقف عن صوم الكبير بينما قال أننكتوس أنه لا يمكنه مخالفة سلفه في الكنيسة التي يرعاها ( ص 379 )

    ويقول سقراط في تاريخه [29]
    " يصوم أهل روما ثلاثة أسابيع متصلة قبل الفصح عدا السبت والأحد. وفي ايلريكا, اليونان ومصر يصومون ستة أسابيع ويسمونه صوم الأربعين, بينما البعض يبدأ قبل الفصح بسبع أسابيع لكنهم يصومون ثلاثة إلي خمسة أيام فقط ومع ذلك يسمونه صوم الأربعين " ( ص 211 - 212 )
    اختلف المتقدمون أيضا في المأكولات المباحة اثناء الصيام. كان بعض الآباء يرون وجوب الامتناع عن كل ذو روح بينما بعض منهم لم ير بأسا من أكل السمك, ومجموعة أخري سمحت بأكل لحوم الطير, يقول يوسابيوس القيصري في تاريخه ان الآباء الذين سمحوا بأكل لحوم الطير قالوا ان الطيور مثل السمك مخلوقة من الماء وفقا لقول موسي ( المصدر السابق ص 212 )


    يوسابيوس القيصري يذكر أيضا ان بعض الصائمين كانوا يمتنعون عن جميع أنواع المأكولات باستثناء الخبز ويري ان سبب كثرة الاختلافات يرجع إلي عدم وجود نص يفرض الصيام .. يقول يوسابيوس
    من الواضح أنه بسبب عدم وجود نص يفرض الصيام, التلاميذ تركوا الأمر للاجتهاد الشخصي,
    ويضيف
    أن الخلاف حول الصيام ليس بأقل من الخلاف حول يوم الاجتماع حيث كل الكنائس تقيم القداس يوم السبت, لكن كنيستي روما وإسكندرية بدلت السبت إلي الأحد


    وتذكر الموسوعة الكاثوليكية تحت مدخل الإمساك Abstinence
    ان الصوم الكبير تغير عبر الأزمنة وأنه كان قصيرا للغاية في أيام القديس اريناوس في القرن الثاني, والصوم الكبير كان عبارة عن يوم أم يومين, يمتنع فيه الصائم عن اللحم, وكان بعض الناس يصومون أكثر من يومين لكن لم يذكر أبدا ان أحدا صام أربعين يوما .. وتضيف الموسوعة انه لا يوجد أثر للصوم الأربعيني قبل القرن الرابع, وهناك معلومات مبهمة عن صوم الأربعين بعد مجمع نيقية, ولكن لم يكن يوجد نظام موحد للصوم أبدا. وكان لكل بلد نظامها الخاص [30]




    الكنيسة الكاثوليكية بدأت في وضع قوانين الصوم لتقليل الخلافات, ووضعت قائمة للأطعمة المسموح بها والممنوعة, مع قوانين صارمة لمن يخالفها, كالتحريم من الكنيسة وبالتالي الملكوت, لكن فشل الكاثوليك في توحيد الصوم’ فقد اختلف كهنتهم فيما يمكن ان يعتبر نوعا من السمك وما لا يمكن كالضفادع مثلا وفي النهاية قررت الكنيسة ان تترك الأمر للرأي الشخصي ( المصدر السابق )


    قوانين الصوم التي وضعتها الكنيسة ذاتها كانت عرضة للتغير, وكذلك الأيام التي يحرم فيها الصيام .. تذكر الموسوعة الكاثوليكية ان الكنيسة قامت بمحاولات حثيثة لإضافة الأسبوع المقدس إلي الصوم الكبير حتى نجحت بذلك في روما, ليصبح الصوم الكبير عبارة عن ستة أسابيع يستثني منها يوم الأحد ليكن مجموع أيامها 36 يوما, وفي القرن السابع أضاف غرغريوس الأول أربعة أيام إلي الصوم الكبير, لتكون مجموعة أيام صوم الكبير 40 يوما ..


    الجدير بالذكر ان مضيف الأيام الأربع غير متفق عليه, والموسوعة الكاثوليكية لا تستبعد ان يكون غرغيوس الثاني هو من أضاف الأيام الأربعة بينما يري آخرون أنه لا يمكن تحديد الشخص, أي أن الذي فرض تلك الأيام الأربعة شخص مجهول ( المصدر السابق )


    استمرت الخلافات ولم يتفق النصارى في صيامهم إلي يومنا هذا, وليس الخلاف حاليا بين مختلف الطوائف, بل الطائفة الواحدة تختلف في صيامها, وليس بغريب ان نري طائفة معينة تحرم أكل البيض في بلد وتحللها في بلد آخر, كما أنه ليس بغريب ان تفرض الكنيسة صوما علي بلد ما في أيام معينة ولا تفرضه علي بلد آخر, وتعلل الكنيسة ذلك إلي اختلاف التقاليد والمناخ بين مختلف البلاد


    تقول الموسوعة الكاثوليكية


    " اختلاف التقاليد والمناخ’ إضافة إلي اختلاف تسعيرة المواد الغذائية أدي إلي تغيير قوانين الصيام تدريجيا " ( المصدر السابق )





    في الولايات المتحدة تم إلغاء صوم السبت الأسبوعي, وفي عام 1887 أعطت الكنيسة الكاثوليكية ترخيصا لرعاياها في الولايات المتحدة بأكل البيض’ السمن, الجبن واللبن الصوم الكبير, كما أعطت ترخيصا لأكل اللحم يوم الاثنين , الثلاثاء, الخميس, والسبت اثناء الوجبة الرئيسية ويستثني السبت الثاني والأخير, بالنسبة للمرضي, المسنين وأصحاب الوظائف الشاقة, هؤلاء يسمح لهم أكل اللحم في كل الوجبات


    في المملكة المتحدة, الكنيسة الكاثوليكية أصدرت ترخيص بأكل اللحم والشحوم في الصوم الكبير باستثناء الأربعاء والجمعة إضافة إلي الخميس المقدس, السبت الثاني والأخير من الأسابيع الستة للصوم الكبير, وترخص الكنيسة أيضا في المملكة المتحدة بأكل البيض مرة واحدة في اليوم باستثناء يوم أربعاء الرماد وآخر ثلاثة أيام من الصوم الكبير .. وتسمح أيضا باللبن, السمن والجبن في كل أيام صوم الكبير عدي يوم أربعاء الرماد والجمعة العظيمة .. والمرق مسموح دائما إلا في الجمعة العظيمة, والسمك الذي سمحت به الكنيسة من قبل تم منعه في المملكة المتحدة, وذلك في حالة تناول اللحم, أي منع الجمع بين اللحم والسمك في الصوم الكبير
    المصدر السابق

    الكنيسة اليونانية أكثر تشددا فقد كانت تمنع كل الأكل سوي الخبز, الملح,الفواكه, الخضروات والماء, وكانت الكنيسة اليونانية تتشدد في منع اللحم, الزبد, البيض واللبن, بل ان الكنيسة اليونانية كانت تمنع حتى السمك الذي تبيحه كل الكنائس الأخرى,وتسمح بالسمك, الزيت والخمر في يوم أحد السعاف .. حاليا الكنيسة اليونانية تسمح بالسمك, الزيت والخمر بالاستثناء الأسبوع الأول والأخير من الصوم الكبير, وتختلف عدد أيام الصوم باختلاف العرقيات, وتذكر الموسوعة الكاثوليكية ان جماعة ملشايتس خفضت أيام الصوم إلي 15 يوما ولا تقتصر ظاهرة إنقاص عدد أيام الصوم عليهم, وتضيف الموسوعة ان التغيير في طبيعة الصوم في اليونان يحدث من وقت لآخر, كما ان من عادة الكنيسة إباحة أكل اللحوم إذا صادف عيد الغطاس يومي الأربعاء والجمعة
    المصدر السابق

    الكنيسة الروسية تمنع أكل اللحوم والسمك لكن من عادتها التساهل في المنع في الأعياد, وأكثر الأيام تشددا هو يوم الجمعة العظيمة وفي هذا اليوم لا يسمح إلا بأكل الأطعمة المجففة أما الخمر فهو مسموح يوم السبت المقدس كما تسمح بالبيض يوم السبت الذي يسبق أحد السعاف


    معظم الطوائف في سورية تصوم الأربعاء والجمعة, إضافة إلي الصوم الكبير, ولكن وفقا للموسوعة الكاثوليكية, الكنيسة وقعت في أخطاء كثيرة عبر التاريخ من حيث طبيعة الصوم .. اليعقوبييون أيضا يصومون الأربعاء,الجمعة والصوم الكبير لكنهم أكثر تشددا في صومهم فهم يمنعون كثير من الأطعمة التي يتساهل فيها الآخرون والأهم من ذلك أنهم يمنعون المسكرات في الصوم الكبير, وفي اليعقوبية يختلف صوم الرهبان عن صوم عامة الشعب من حيث عدد الأيام, وصوم الأربعاء والجمعة واجب علي جميع البالغين بينما الأرمن يختلفون عن الطوائف الاخري في أنهم يقولون بوجوب العمل بناموس موسي عليه السلام ( المصدر السابق )


    في الكنيسة الأرثوذكسية القبطية أيام الصوم أكثر من غيرها بحيث ان أيام الصوم أكثر من أيام الإفطار حلال السنة, 200 يوم في السنة تقريبا وتتبع كنيسة الإسكندرية التقويم القبطي في تحديد أيام الصوم خلافا للكنائس الأخرى, , مجموع أصوام ألكبري لا يزال 55 يوما أما صوم الميلاد فقد كان 40 يوما مثل معظم الكنائس الشرقية, ثم أضافت الكنيسة القبطية ثلاثة أيام إضافية تذكارا لخرافة نقل جبل المقطم, وبذلك يكون مجموع أيام صوم الميلاد 43 يوما خلافا للكاثوليك الذين يصومون أربعة أسابيع, أما صيام الرسل فمدته عند القبط والكنائس الشرقية 45 يوما ويصومه أيضا كاثوليك الشرق خلافا لكاثوليك الغرب, أما صوم العذراء فمدته 15 يوم وفرضه الشعب ويمتنع الصائم عن اللحوم, الأسماك, البيض, اللبن ومشتقاته, ولكن ذلك فقط في الصوم الكبير, خلافا لما كانت عليه الكنيسة, وتسمح الكنيسة حاليا بأكل السمك في صوم الميلادي وصوم الرسل إلا يوم الأربعاء والجمعة, لأن الكنيسة توجب صيام الأربعاء والجمعة تذكارا لتسليم يسوع وموته يوم الجمعة كما يعتقدون, يقول الأنبا شنودة في سنوات مع أسئلة الناس [31 ] يقول
    القاعدة العامة إذن هى عدم أكل السمك فى الأصوام .
    ولكن لما كانت الأصوام كثيرة جداً فى الكنيسة القبطية ، حوالى 200 يوماً فى السنة ، أى أكثر من نصف السنة صوماً ... لذلك سمح بأكل السمك فى بعض الأصوام التى هى أصوام من الدرجة الثانية ، تخفيفاً على الناس من طول فترة الصوم ... ولكن لا يسمح بأكل السمك فى الصوم الكبير وفى الأربعاء والجمعة ، لأنها أصوام من الدرجة الأولى . وهى فى نفس الوقت أصوام سيدية

    ولكن الكنيسة تمنح الترخيص لعدة أباب ذكرناها آنفا وفترة الإمساك تركت لأب الاعتراف يحددها لكل شخص حسب ظروف الصائم, وقد كانت فترة الإمساك سابقا من منتصف الليل إلي ما قبل الغروب [32]


    الخلاف بين النصارى في الصيام لا حصر لها حتى ليظن الواحد اننا نتحدث عن أديان مختلفة, ومع ذلك ليس الهدف هنا إبراز اختلاف النصارى في الصيام, بل أردنا إظهار العامل الرئيسي وراء هذه الخلافات وهو خلاء الكتاب المقدس من فقه الصيام مما أدي إلي اختراع فقه بلا مرجعية مما أدي إلي تغير طبيعة الصيام في النصرانية من جيل إلي آخر


    قد يقول قائل أن المسلمين أيضا اختلفوا في فقه الصيام, وهذا صحيح ولكن كما قلنا نحن لا نتكلم هنا عن الخلاف وانما عن سبب الخلاف, فاختلاف فقهاء المسلمين ناشئ عن فهم النصوص وليس لعدم وجود النصوص , كما أنه خلاف طفيف في أمور فرعية, كرؤية الهلال مثلا في بلد هل يوجب الصيام علي الجميع .. قال الفقهاء ان رؤية بلد رؤية للجميع أهل البلد فيلزم الحكم . أي متى رأى الهلال أهل بلد، وجب الصوم على جميع البلاد, بينما قال آخرون ان رؤية بلد لا تلزم غيرهم ( أنظر فصل الصوم, فقه السنة وسبيل السلام )


    ونجد ان الخلاف في هذه المسألة ناشئ عن فهم نص كقول الرسول صلي الله عليه وسلم


    " صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته ".


    وقد فهم القائلون بالقول الأول أنه خطاب عام لجميع الأمة فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لهم جميعا, بينما قال أصحاب القول الثاني أنه خِطَابٌ لِأُنَاسٍ مَخْصُوصِينَ بِهِ


    ومن الخلافات الطفيفة في الصيام, الخلاف حول الرخصة للمسافر, وقد أجمع العلماء علي إباحة الإفطار للمسافر استنادا علي قوله تعالي


    فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ( البقرة :184 )


    وأختلفوا في أيهما أفضل؟ الصيام أم الأخذ بالرخصة


    فرأى أبو حنيفة، والشافعي، ومالك: أن الصيام أفضل، لمن قوي


    عليه، والفطر أفضل لمن لا يقوى على الصيام.


    وقال أحمد: الفطر أفضل. ( فقه السنة فصل الصوم )


    وكما ترون هو خلاف طفيف دخل علي الصيام من باب آخر وهو باب الرخص


    وفي المقابل نجد الخلاف في النصرانية ناجم عن عدم وجود نص يحدد شهر الصيام بل لا يوجد أصلا نصا يفرض الصيام, ولا ندري من أسقط النص من الكتاب فنحن علي اليقين أنه الصيام قد فرض عليهم إذ أخبرنا الله ذلك في كتابه


    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( البقرة :183)


    وإذ نعود إلي الآيات القرآنية, نتساءل


    لماذا وجوب الصيام يستند إلي آيات قرآنية في الإسلام بينما فرضه الرهبان في النصرانية؟ لماذا حدد القرآن شهر الصيام وحدده الرهبان في النصرانية ؟ (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ,, لماذا حدد القرآن فترة الإمساك وحدده الرهبان في النصرانية (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .. ولماذا الرخص مبنية علي آيات قرآنية في الإسلام ومبنية علي أقوال الرهبان في النصرانية .. ثم لماذا ظل الصيام في الإسلام ثابتا لا يتغير, بينما تطور في النصرانية حتى لا يكاد أحدنا يفرق بين الصوم والإفطار؟


    الجواب واضح لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد .. وهو ان القرآن كلام الله, إذ لا يمكن ان يكون كتاب بشري أكمل من كتاب الله, ولقد أثبتنا ان القرآن كامل ودقيق في تشريعاته, علي الأقل في الجزئية التي تحدثنا عهنا وثبت ان كتاب النصارى ناقص وعاجز عن هداية البشر, علي الأقل في الصيام وأننا لنخجل ان ننسب هذا العجز إلي الله سبحانه وتعالي وهو العزيز الحكيم

    M. Abasheikh

    -----


    [1] القمص أنطونيوس فكري, تفسير العهد القديم سفر اللاويين, كنيسة السيدة العذراء بالفجالة ص 109
    [2] المصدر السابق. ص 115

    [3]. The Wycliffe Bible commentary : Old Testament .ed Pfeiffer, C. F. Moody Press: Chicago 1962. Lev 26:29

    [4] Eugene H. Merrill, fasting, in . Evangelical dictionary of biblical theology. Ed by Walter A. Elwel, Baker Book House Michigan 1996

    [5] Merrill F. Unger, The New Unger's Bible Dictionary: fasting. Moody Press of Chicago, Illinois.1988.

    [6]Andrew Robert Fausset. FAUSSET'S BIBLE DICTIONARY: fasting, 2006

    [7] أنطونيوس فكري , ملوك الأول 21/12

    [8] H.D.M. Spence and Joseph S. Exell, Pulpit Commentary: zec 7:3 Electronic Database. 2001 by Biblesoft

    [9] Albert Barnes, Barnes' Notes: zec7:5 Electronic Database 1997 by Biblesoft

    [10] تفسير الوعاظ لإصحاح 8/19 من سفر زكريا

    [11] الأنبا شنودة الثالث, أسئلة للاهوتية وعقائدية سنوات مع أسئلة الناس, ط الرابعة القاهرة 1990 ج 2 سؤال رقم 19

    [12],البابا شنوده الثالث . كتاب روحانية الصوم, الطبعة 4 القاهرة مطبعة الأنبا رويس بالعباسية 1989 الفصل الثاني

    [13] القمص زكريا بطرس, الصوم, طبعة وورد, الناشر الأب زكريا

    [14] معجم اللاهوت الكتابي, نسخة موقع البشارة الالكترونية

    [15] O'Neill, James David. "Fast." The Catholic Encyclopedia. Vol. 5. New York: Robert Appleton Company, 1909 http://www.newadvent.org/cathen/05789c.htm

    [16] Evangelical Dictionary of Biblical Theology

    [17] New Unger's Bible Dictionary

    [18] translated byMary & Amani Bassilli Comparative Theolog Pope shenouda lll
    Coptic Orthodox Publishers Association London

    [19] EUSEBIUS,P.(1997) CHURCH HISTORY: Chapter XII. The Disciples of Our Saviour. in Schaff, P.ed. The Nicene and Post-Nicene Fathers Second Series Vol. I.p 98

    [20] القمص تادريس يعقوب ملطي أعمال الرسل من تفسير وتأملات الآباء الأولين, الناشر كنيسة الشهيد مار جرجس, مطبعة الأنبا رويس القاهرة 2003

    [21]
    John Muddiman. Fast, in: The Anchor Bible Dictionary.ed Freedman, D. N. Doubleday: New York 1996

    [22] The Anchor Bible Dictionary Vol. 2, Page 776

    [23]
    O'Neill, James David. "Abstinence." The Catholic Encyclopedia. Vol.1New York: Robert Appleton Company, 1907 http://www.newadvent.org/cathen/01067a.htm

    [24] http://st-takla.org/Feastes-&-Special-Events/Great-
    Lent-Baskha/Coptic-El-Soom-Al-Kabir-02-Study_.html



    [25]
    المصدر السابق

    [26] الأنبا شنودة, الحروب الروحية ( 2 ) الناشر الكلية الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس, مطبعة الأنبا رويس ـ القاهرة . 1986

    New Unger's Bible Dictionary [26]. تحت مدخل fast

    [27] Eusebius Pamphilius: Church History, Life of Constantine, Oration in Praiseof Constantine

    [28] يوسابيوس القيصري, تاريخ الكنيسة , ترجمة القمص مرقص داود. طبعة بي دي أف لموقع الدعوة الإسلامية http://www.eld3wah.com

    [29] Socrates Scholasticus, Socrates and Sozomenus Ecclesiastical Histories,

    [30]
    O'Neill, James David. "Abstinence." The Catholic Encyclopedia. Vol.1

    [31 ] الأنبا شنوده الثالث, سنوات مع أسئلة الناس ج 4, الصوم وأكل السمك,مطبعة الأنبا رويس – الأوفست – الكاتدرائية – العباسية 1990

    [32 ]
    Encyclopedia, Fasting and abstinence of the Coptic Orthodox Church of Alexandriawikipedia
    http://en.wikipedia.org/wiki/Fasting_and_Abstinence_of_the_Coptic_Orthodox_Chur ch_of_Alexandria
    التعديل الأخير تم بواسطة صفي الدين; 16 سبت, 2008, 11:29 م. سبب آخر: التَنسيق و تَكبير الخَط
  • صفي الدين
    مشرف المنتدى

    • 29 سبت, 2006
    • 2596
    • قانُوني
    • مُسْلِم حُرٍ لله

    #2
    السَلام عَليكُم
    بارك الله فيك
    ذي صِلَة:
    https://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=11650
    مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ. كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ

    تعليق

    • صفي الدين
      مشرف المنتدى

      • 29 سبت, 2006
      • 2596
      • قانُوني
      • مُسْلِم حُرٍ لله

      #3
      السَلام عَليكُم
      لِلرَفع
      مَوضوع غايَة في الأهَميَة
      مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ. كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ ساعة واحدة
      ردود 0
      3 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 3 أسابيع
      رد 1
      10 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 6 ديس, 2024, 12:38 ص
      ردود 0
      19 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      ابتدأ بواسطة احمد اشرف, 14 نوف, 2024, 10:07 م
      رد 1
      39 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة احمد اشرف
      بواسطة احمد اشرف
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 14 نوف, 2024, 12:20 ص
      ردود 0
      18 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      يعمل...