شعبان فضائل وبدع
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله .
أما بعد : أخي المسلم ها قدْ أوشك شهرُ رجب الأصم[1] على الانقضاء، ويحلل علينا شهر مبارك، شهرٌ أحبَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وفضَّله على غيره من الشهور، شهرٌ تُرفَع فيه أعمالُنا إلى الله، ويتسابقوا فيه أهل الدين على طاعة الله، وكانَ يراجِع فيه العاصون أنفسَهم؛ ليتوبَ الله عليهم، شهرٌ قال عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ((ذاك شهرٌ يغفُل الناسُ عنه بين رجب ورمضان))، إنَّه شهر شعبان المعظَّم .
مَضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ وَهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ الْمُبَارَكْ
فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتَ جَهْلاً ِ حُرْمَتِهَا أَفِقْ واحْذَرْ بَوَارَكْ
فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَاتِ قَهْرًا وَيُخْلِي الْمَوْتُ قَهْرًا مِنْكَ دَارَكْ
تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطَايَا تَوْبَةِ مُخْلِصٍ وَاجْعَلْ مَدَارَكْ
عَلَى طَلَبِ السَّلاَمَةِ مِنْ جَحِيمٍ فَخَيْرُ ذَوِي الْجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَكْ
فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتَ جَهْلاً ِ حُرْمَتِهَا أَفِقْ واحْذَرْ بَوَارَكْ
فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَاتِ قَهْرًا وَيُخْلِي الْمَوْتُ قَهْرًا مِنْكَ دَارَكْ
تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطَايَا تَوْبَةِ مُخْلِصٍ وَاجْعَلْ مَدَارَكْ
عَلَى طَلَبِ السَّلاَمَةِ مِنْ جَحِيمٍ فَخَيْرُ ذَوِي الْجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَكْ
وقد كان السلف رضي الله عنهم يستعدون لشعبان كما يستعدون لرمضان؛ فعن لؤلؤة مولاة عمار قالت: كان عمارُ رضي الله عنه يتهيَّأ لصوم شعبان كما يتهيَّأ لصومِ رمضانَ .
لقدْ كانوا يهتمون بهذا الشهر اهتمامًا خاصًّا؛ لِمَا عرفوا من نفَحَاته وكَرَاماته، فكانوا ينكبُّون على كتاب الله يتلونه ويتدارسونه، ويتصدقون من أموالهم، ويتسابقون إلى الخيْرات، وكأنهم يُهيِّئون قلوبَهم لاستقبال نفحات رمضان الكُبرى، حتى إذا دخلَ عليهم رمضان دَخَلَ عليهم وقلوبُهم عامرةٌ بالإيمان وألسنتُهم رطبةٌ بذِكْر الله، وجوارحُهم عفيفةٌ عن الحرام طاهرةٌ نقيَّةٌ فيشعرون بلذَّة القيام وحلاوة الصيام، ولا يَملُّون من الأعمال الصالحة؛ لأنَّ قلوبَهم خالطتها بشاشةُ الإيمان وتغلغَل نورُ اليقين في أرواحِهم.
ولقد بلغ بهم الاهتمام بهذا الشهر استعدادا لشهر رمضان أنهم كانوا يقولون: شهرُ رجب هو شهرُ الزرع، وشهرُ شعبان هو شهرُ سَقْي الزرع، وشهرُ رمضان هو شهْرُ حَصادِ الزرع، بل شبَّهوا شهرَ رجب بالريح، وشهرَ شعبان بالغيم، وشهْرَ رمضان بالمطَرِ، ومَن لم يَزْرعْ ويَغْرِسْ في رجب، ولم يَسْقِ في شعبان، فكيف يريد أن يحْصدَ في رمضان؟!
لماذا سمي شعبان بهذا الاسم
قال ابن حجر رحمه الله : سمي شعبان لتشعبهم (أي قريش) في طلب الماء ،أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام . (فتح الباري 5/743)
شعبان شهر يغفل عنه الناس :
عن أسامة بن زيد، قَال: قُلتُ: يا رسول الله، لمْ أرَكَ تصوم شهْرًا من الشهور ما تصوم مِنْ شعْبان، قال: (( ذلك شهْرٌ يغْفُل الناس عنْه بيْن رجب ورمضان، وهو شهْرٌ تُرْفَع فيه الأعْمال إلى ربِّ العالمين، فأحبّ أنْ يرْفعَ عملي وأنا صائمٌ )). النسائي (2357) وحسنه الألباني
أخي المسلم لا ينبغي لك أن تغفُلَ عن الله حينَ يغفُل الناسُ، بل لا بُدَّ أن تكونَ مُتيقظًا لربِّك سبحانه وتعالى غيْر غافلٍ، فأنت المقبلُ حالَ فِرارِ الناس، وأنت المتصدِّقُ حال بُخْلِهم وحِرْصهم، وأنت القائمُ حالَ نومِهم، وأنت الذاكرُ لله حالَ بُعْدِهم وغَفْلَتِهم، وأنت المحافظُ على صلاتك حالَ إضاعتهم لها.
فضائل شهر شعبان
أخي المسلم اعلم رحمك أنَّ الله تعالى فضَّل بعض الأزمنة على بعض , وجعل لها من المزايا ما تدفع المؤمن على الحرص على استغلالها والاستفادة منها كما هو الحال في رمضان وغيره ، ومن هذه الشهور شهر شعبان ويتبين فضل هذا الشهر بما يلي :
1ـ صوم النبي صلى الله عليه وسلم أكثره :
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ) متفق عليه
وفي لفظ عنها : ( فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ ) متفق عليه
2ـ شهر ترفع فيه الأعمال :
عن أُسَامَة بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: ( ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ) النسائي (2357)
3ـ شهر يغفر الله في ليلة النصف منه لكل مسلم إلا مشرك ومشاحن :
عَنْ معاذ بن جبل رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ) ( ابن حبان 12/481 (5665 ) والطبراني (20/108)
تنويه :
قال الشيخ الألباني رحمه الله في تخريج إصلاح المساجد للقاسمي (ص88) : لا يلزم من ثبوت هذا الحديث اتخاذ هذه الليلة موسماً يجتمع الناس فيها, ويفعلون فيها من البدع اهـ
النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان لمن لم تكن له عادة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموه )) الترمذي (738) وصححه الألباني
- و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين ،إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصمه )) متفق عليه
كيف الجمع بين حديث: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا))، وحديث ((كانت أحب الشهور إليه أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان))؟
أجاب الشيخ ابن باز رحمه الله على هذا السؤال فقال: بسم الله والحمد لله، وبعد:فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله وربما صامه إلا قليلاً كما ثبت ذلك من حديث عائشة وأم سلمة، أما الحديث الذي فيه النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان فهو صحيح، كما قال الأخ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني، والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السنة، والله ولي التوفيق . مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الخامس والعشرون
بدع شهر شعبان
إعلم أخي رحمك الله أن الله تعالى أمرنا بطاعته وحسن عبادته ومن عبادته طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم إذ أنه هو المبين عن الله ، ولا يقبل الله من العباد عبادتهم إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم وعلى سنة نبيه الأمين ، قال تعالى : {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}الملك/2 أي أخلصه وأصوبه .
أخي المسلم ! لقد أحدث الناس نتيجة جهلهم بشرع الله محدثات ليست من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، يعتقدون أنها من الدين وليس كذلك لعدم ورودها من طرق صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن هذه المحدثات اعتقادهم أن العبادات في شعبان لها فضل على بقية أيام العام .
وإليك هذه البدع والمحدثات :
1- تخصيص يوم النصف منه بالصيام : وفيه حديث أخرجه ابن ماجه والبيهقي : إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها"، الحديث مكذوب لأنه من طريق ابن أبي سبرة، قال فيه أحمد وابن معين : يضع الحديث.
2- الاحتفال بليلة النصف من شعبان : إما بالاجتماع على عبادات، أو إنشاد قصائد ومدائح، أو بإطعام وهذه الاحتفالات تردها النصوص العامة التي تنهى عن إحداث العبادات، و قالَ عبدُ الرَّحمنِ بْنُ زَيد بن أسلم (وهو من أتباع التابعين من أهل المدينة) : لم أدرك أحداً من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولم ندرك أحداً منهم يذكر حديث مكحول، ولا يرى لها فضلاً على سواها من الليالي . أخرجه ابن وضاح بإسناد صحيح في ما جاء في البدع (119).
تاريخ حدوث هذه البدعة : قال المقدسي : (( وأول ما حدثت عندنا سنة 448هـ قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يُعرف بابن أبي الحميراء وكان حسن التلاوة ، فقام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان ، فأحرم خلفه رجل ثم انضاف ثالث ورابع فما ختمها إلا هو في جماعة كثيرة .. )) الباعث على انكار البدع والحوادث 124-125
3- صلاة الألفية : وتسمى أيضا صلاة البراءة ؛ جاء فيها : يا علي من صلى ليلة النصف من شعبان مائة ركعة بألف قل هو الله أحد قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة ..." قال الشوكاني في الفوائد المجموعة : هو موضوع ... ورجاله مجهولون .
أحاديث ضعيفة وموضوعة في شعبان
1ـ عــن أبـــي أمــامة رضي الله عنه قال , قال رســول الله صــلى الله علــيه وســلم : ((خمس ليال لا ترد فيهن الدعوة : أول ليلة من رجب , و ليلة النصف من شعبان , و ليلة الجمعة , و ليلة الفطر , و ليلة النحر)) موضوع : السلسلة الضعيفة : ((3/649))
2ـ عــن أنس بن مالك رضي الله عنه عــن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(( تدرون لم سمي شعبان ؟ لأنه يشعب فيه خير كثير , وإنما سمي رمضان ؛ لأنه يرمض الذنوب ؛ أي : يدنيها من الحر )) موضوع السلسلة الضعيفة والموضوعة "( 7 /209 )
3ـ عــن الحــسن قال : قال رســول الله : ((رجب شهر الله ، وشعبان شهري ، ورمضان شهر أمتي )) ضعيف السلسلة الضعيفة والموضوعة (9/ 390 )
4ـ عــن أبي هــريرة رضي الله عــنه أن عــائشة رضي الله عــنها حــدثــتهم : (( أن النبي كان يصوم شعبان كله . قالت عائشة : يا رسول الله ! أحب الشهور إليك أن تصوم شعبان ؟ قال : (( إن الله يكتب على كل نفس منيته تلك السنة ، فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم )) منكر السلسلة الضعيفة والموضوعة " 11/ 148
5ـ عــن أبي ســلمة , عــن عــائشة رضي الله عــنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :((شعبان شهري ورمضان شهر الله وشعبان المطهر ورمضان المكفر)) ضعيف جدا السلسلة الضعيفة والموضوعة " (8 / 222 )
6ـ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها. فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا. فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له! ألا من مسترزق فأرزقه! ألا مبتلى فأعافيه! ألا كذا ألا كذا، حتى يطلع الفجر)) ضعيف جدا ضعيف سنن ابن ماجه (1/ 444)
7ـ عـــن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال :(( أتاني جبرائيل عليه السلام فقال :"هذه ليلة النصف من شعبان ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم بني كلب ولا ينظر الله فيها إلى مشرك ولا إلى مشاحن ولا إلى قاطع رحم ولا إلى مسبل ولا إلى عاق لوالديه ولا إلى مدمن خمر"))ضعيف جدا ضعــيف الترغــيب والترهــيب, الجـزء :1,رقم الحديث:620))
8ـ عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال :(( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان " وكان يقول : " ليلة الجمعة ليلة أغر ويوم الجمعة يوم أزهر)) ضعيف رواه أحمد في المسند (2346) وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف ،
وانظر مشكاة المصابيح (1/306)
9ـ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين افتقدته فوجدته في البقيع (( إِنَّ اللَّـهَ عزَّ وجلَّ ـ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ ))ضعيف ( أخرجه الإمام أحمـدُ (26018)، والترمذيُّ (739)، وابْنُ ماجةَ (1389)
10ـ حديث : (( فضل شهر شعبان كفضلي على سائر الأنبياء )) قال الحافظ ابن حجر : موضوع تبيين العجب و كشف الخفاء 2 / 110
--------------------------
[1] قال الخليل: إنما سمى بذلك لأنه كان لا يسمع فيه صوت مستغيث، ولا حركة قتال ، ولا قعقعة سلاح، لأنه من الأشهر الحرم. انظر الصحاح للجوهري (6/245)
كتبه أبو هانئ / نصرالدين بلقاسم
تعليق