السيد مستنير ..
أولاً أود أن أرحب بك مرة أخرى ضيفاً عزيزاً بيننا و علينا ..
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ (138)
أجدد دعوتنا لك بدعوة الإسلام، إشهد أنه لا إله إلا الله و أن محمداً عبده و رسوله و أن الجنة حق و النار حق ، و أن المسيح عيسى بن مريم عبد الله و رسوله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه.. إشهد بذلك بقلبك و عقلك و لسانك تفلح بإذن الله و تستلم مفاتيح الجنة، فلا يبقى عليك إلا اتباع الطريق الموصل إليها كما بينها الله في القرآن الكريم ..
عودة إلى الموضوع ..
يخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم:
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)
هذه الآية كانت في افتتاحية سورة يوسف، و هي بيان شامل لكل قصص القرآن بوصفها : أحسن القصص.. ثم يختتم الله تعالى قصة يوسف عليه السلام بالبيان التالي:
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)
كذلك الأمر بالنسبة لخاتمة القصة، فهي بيان شامل لكل قصص القرآن بأنها من أنباء الغيب ، و ما شهدها الرسول صلى الله عليه و سلم و ما شهدها أحد من أصحابه و لا أحد من أقربائه أو معارفه أو أحد ممن عاصر الرسول عليه و على جميع الرسل الصلاة و السلام..
و في المقابل نجد أن كافة كتب العهد الجديد بالإجمال و الأناجيل تحديداً ، إنما هي رواية للأحداث كما رواها شهود عيان و تناقلت إلى كاتب الإنجيل (متى أو مرقس أو لوقا أو يوحنا) كما وصلت إليه. هذا ما يؤكده إنجيل لوقا في مقدمته إذ يقول:
1 إِذْ كانَ الكَثيرونَ قد أَخَذُوا في إِنْشَاءِ رِوايَةٍ لِلأَحْداثِ التي جَرتْ في ما بَينَنا، 2 على حَسَبِ، ما سَلَّمَها إِلَينَا الذَّينَ كانُوا، مُنذُ البَدْءِ، شُهُودَ عِيانٍ، ثمَّ صارُوا خدَّامًا لِلْكَلِمَةِ، 3 رَأَيْتُ أَنَا أَيضًا، بَعدَ إِذْ تَحقَّقْتُ بدِقَّةٍ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ، مِنَ البَدْءِ، أَنْ أَكْتُبَها إِلَيْكَ، بحسَبِ تَرْتيبِها، أَيُّها الشَّريفُ ثاوُفِيلُس، 4 لِكَي تَعْرِفَ جَيِّدًا قُوَّةَ التَّعليمِ الذَّي وُعِظْتَ بهِ.
و سأقوم من خلال الأسطر التالية بسرد بعض النقاط المتعلقة بقصة ميلاد المسيح عليه السلام من خلال العودة إلى ذلك التاريخ و ذلك الوقت بالتحديد مرة مع رواية الكتاب المقدس و مرة مع القصص القرآني الموصوف بأنه أحسن القصص و أنه من أنباء الغيب..
كل هذا كان مقدمة ضرورية لفهم الشهود التي بين أيدينا.. القرآن و الكتاب المقدس..
و الآن يا عزيزي مستنير و يا عزيزي القارئ فلننسى أننا أولاد هذا الزمان ، و لنعد بأنفسنا على أننا يهود في الثلاثينات من العمر ، أي في ذروة العقل و الحكمة، مرة مع رواية القرآن و مرة مع رواية الكتاب المقدس..
مع رواية الكتاب المقدس:
يقول متى في إنجيله محدثاً عن ولادة المسيح العذرية:
وأَمَّا مَوْلِدُ يسوعَ المسيحِ فكانَ هكذا: ..... وكانَ هذا كُلُّه ليَتِمَّ ما قالَ الربُّ بالنَّبيِّ، القائل: "ها إِنَّ العذراءَ تَحْبَلُ وتَلِدُ ابنًا ويُدعى اسْمُهُ عِمَّانوئيلَ" أَي: اللهُ معَنا .
وفقاً لمتى فإن اليهود كانوا ينتظرون المسيح القادم على أن تكون أول نبوءة عنه ستتحقق من ولادته العذرية من العذراء ..
أنا و أنت يا مستنير كما قلنا إنما نحن الآن يهود في الثلاثينات من العمر ، و على اطلاع على كتب العهد القديم، فهو ديننا كيهود.. و نعلم أن النبوءة الأولى التي ستتحقق في المسيح المنتظر إنما هي ولادته من عذراء..
نعم .. فإن تحققت هذه النبوءة في المولود علمنا مسبقاً أنه هو المسيح المنتظر الذي طال انتظاره ليخلصنا بالكيفية التي يريدها الله.. أما أن يأتينا أحدهم و يقول أنا المسيح و ما علمنا تحقق هذه النبوءة فيه، فإنه لو حول القرود إلى بشر و الشمس إلى قمر ما صدقناه طالما أن هذه النبوءة تخص المسيح و تعتبر شهادة ميلاده و جواز سفره.. تذكروا هذا دائماً..
و عودة إلى رواية متى عن ميلاد المسيح:
وهذِهِ سيرَةُ ميلادِ يَسوعَ المَسيحِ: كانَت أُمُّهُ مَريَمُ مَخْطوبَةً ليوسفَ، فَتبيَّنَ قَبْلَ أنْ تَسْكُنَ مَعَهُ أنَّها حُبْلى مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. وكانَ يوسفُ رَجُلاً صالِحًا فَما أرادَ أنْ يكْشِفَ أمْرَها، فَعزَمَ على أنْ يَترُكَها سِرًّا
تذكروا اننا جميعاً في هذه الأثناء يهوداً نعيش في ذلك الزمان.. و كلنا يعلم أن مريم مخطوبة ليوسف النجار و أنه سوف يتزوجها بعد فترة.
هل علمنا بداية أن مريم حبلى؟ كلا ! كل ما تعرفه أنها مخطوبة ليوسف النجار و أنه سوف يتزوجها.. هذا ما يقوله متى : فَما أرادَ أنْ يكْشِفَ أمْرَها ...
هل نعلم نحن بكل هذه التفاصيل؟ كلا! فالموضوع كله بالسر.. نتابع النص في متى :
وبَينَما هوَ يُفَكِّرُ في هذا الأمْرِ، ظَهَرَ لَه مَلاكُ الرَّبِّ في الحُلُمِ وقالَ لَه: ((يا يوسفُ اَبنَ داودَ، لا تخَفْ أنْ تأخُذَ مَرْيمَ اَمرأةً لكَ. فَهيَ حُبْلى مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، وسَتَلِدُ اَبناً تُسمّيهِ يَسوعَ، لأنَّهُ يُخَلِّصُ شعْبَهُ مِنْ خَطاياهُمْ)).حَدَثَ هذا كُلُّه لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبُّ بلِسانِ النَّبـيِّ: ((سَتحْبَلُ العَذْراءُ، فتَلِدُ اَبْناً يُدْعى ((عِمّانوئيلَ))، أي اللهُ مَعَنا. فلمَّا قامَ يوسفُ مِنَ النَّومِ، عَمِلَ بِما أمَرَهُ مَلاكُ الرَّبِّ. فَجاءَ باَمْرَأتِهِ إلى بَيتِه، ولكِنَّهُ ما عَرَفَها حتّى ولَدَتِ اَبْنَها فَسَمّاهُ يَسوعَ.
أما نحن ، كيهود في ذلك الوقت، كل ما نعرفه أن يوسف النجار إنما هو خطيب مريم و قد أخذها إلى بيته و أنها امرأته منذ ذلك الوقت.. و قد حبلت و هي في بيته و قد ولدت مولوداً .. ألف مبروك للعائلة الجديدة بمولودها الأول..
هل علمنا بأمر الملاك؟ كلا! لأنه ظهر في الحلم!! ظهر لمن ؟ ليوسف النجار دون غيرها لأن عزم على تركها سراً فجاءه الملاك ليداري عن مريم و يوسف الفضيحة!! هذه هي الرواية الإنجيلية.. و هل لأحد أن يشهد أنه ما عرفها ، أي أنه لم يمارس واجباته الزوجية في الجماع؟ كلا! إن هذا الأمر لا يعرفه و لا يمكن التأكد من صحته إلا أصحاب العلاقة و هم يوسف و مريم عليها السلام..
و بعد مرور 30 عاماً ، يأتي المولود من يوسف النجار كما نعرف جمعياً كيهود أنه كذلك - يأتي فيقول : أنا هو المسيح المنتظر..
ولكن يا يسوع - نحن كيهود شهدنا مولدك و كلنا يعلم أن يوسف النجار ابوك .. و تشهد الأناجيل بهذا الموقف حيث أن نفس إنجيل متى يشهد على ما تعرفه الناس في ذلك الوقت فيقول في الإصحاح 13 :
وعادَ إلى بلَدِهِ، وأخَذَ يُعلِّمُ في مَجمَعِهِم، فتَعَجَّبوا وتَساءَلوا: ((مِنْ أينَ لَه هذِهِ الحِكمةُ وتِلْكَ المُعْجزاتُ؟ أمَا هوَ اَبنُ النَّجّارِ؟ أُمٌُّهُ تُدعى مَريمَ، وإِخوتُهُ يَعقوبَ ويوسفَ وسِمْعانَ ويَهوذا؟ أما جميعُ أخَواتِهِ عِندَنا؟ فمِنْ أينَ لَه كُلُّ هذا؟)) ورَفَضوهُ ...
يقول متى في إصحاحه الاول عن نسب المسيح:
هذا نسَبُ يسوعَ المسيحِ اَبنِ داودَ اَبنِ إبراهيمَ:2 إبراهيمُ ولَدَ إسحق. وإسحق وَلَدَ يَعقوبَ. ويَعقوبُ ولَدَ يَهوذا وإخوتَه ... ومَتّانُ ولَدَ يَعقوبَ. ويَعقوبُ ولَدَ يوسفَ رَجُلَ مَرْيمَ الّتي ولَدَتْ يَسوعَ الّذي يُدعى المَسيحَ.
ورد نسب المسيح مرة أخرى في لوقا الإصحاح الثالث:
وكانَ يَسوعُ في نحوِ الثَّلاثينَ مِنَ العُمرِ عِندَما بدَأَ رِسالتَهُ. وكانَ النـّاسُ يَحسِبونَهُ إِبنَ يوسُفَ، بنِ عالي، بنِ مَتْثاثَ...
هذا هو ظن الناس فيه، و هو أمر طبيعي حسبما روت الاناجيل!!
و في مراجعة الترجمات الأكثر أمانه كالنسخة القياسية المنقحة وجدت النص كالتالي:
[align=left]Jesus was about thirty years old when he began his work. He was the son (as was thought) of Joseph son of Heli[/CENTER]
إن النص بين الأقواس يعني أنه نص تفسيري و ليس من أصل المتن الذي دونه لوقا. فهو يعترف بذلك أنه ابن يوسف النجار حسب شجرةالنسب التي ذكرها عن يسوع..
و عودة إلى نص متى الهام جداً:
وعادَ إلى بلَدِهِ، وأخَذَ يُعلِّمُ في مَجمَعِهِم، فتَعَجَّبوا وتَساءَلوا: ((مِنْ أينَ لَه هذِهِ الحِكمةُ وتِلْكَ المُعْجزاتُ؟ أمَا هوَ اَبنُ النَّجّارِ؟ أُمٌُّهُ تُدعى مَريمَ، وإِخوتُهُ يَعقوبَ ويوسفَ وسِمْعانَ ويَهوذا؟ أما جميعُ أخَواتِهِ عِندَنا؟ فمِنْ أينَ لَه كُلُّ هذا؟)) ورَفَضوهُ ...
لماذا رفضوه؟ أنا و أنت يا مستنير كنا من بين هؤلاء اليهود في موطنه و قد شهدنا مولده و كلنا يعلم أنه ابن يوسف النجار!!فمن أين له أن يدعي أنه المسيح المنتظر؟ إنه لا يحمل جواز السفر الخاص بالمسيح وهو ميلاده من العذراء !! و مهما تفعله من معجزات و مهما ادعيت أن يوسف لم يعرف مريم (يجامعها) إلا بعد مولدك فلن نصدقك .. كل سنة و انت طيب .. يوسف النجار مات منذ زمن و الآن جئت بهذا القول؟؟ إن الشاهد الوحيد الذي يمكن أن يشهد بذلك قد مات و بليت عظامه!!
فما أنت فاعله أيها القارئ الكريم في هذا الموقف؟ شخص يدعي أنه فلان و لا يحمل الإثبات أنه كذلك.. إن لا يملك شهادة الميلاد و لا جواز السفر ليدعي أنه المسيح!! شخصية هامة مثل المسيح ينتظره القاصي و الداني لابد أن يملك الإثبات و الهوية التي لا يمكن تزويرها بأنه هو هو..
أنا شخصياً ، لو أن الأمر كما ورد في الاناجيل فإنني سأكون أول المشاركين و المطالبين بصلبه و قتله و محاكمته لادعائه بأنه المسيح و لا يملك الدليل القاطع و الأهم على أنه هو..
هذه هي الرواية الإنجيلية لميلاد المسيح.. لقد سلبت الأناجيل المسيح جواز سفره و عرته عن شهادة ميلاده و عن كل إثبات بأنه المسيح و ألصقته بنسب يوسف النجار ، فما نملك نحن اليهود إلا أن نكفر به أنه المسيح وفقاً لهذه الرواية .. مهما عمل من عمل ، فلن يثبت أنه هو إن لم يكن يملك شهادة الميلاد العذرية و جواز سفره الذين يؤكدان هويته...
نتابع ...
أولاً أود أن أرحب بك مرة أخرى ضيفاً عزيزاً بيننا و علينا ..
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ (138)
أجدد دعوتنا لك بدعوة الإسلام، إشهد أنه لا إله إلا الله و أن محمداً عبده و رسوله و أن الجنة حق و النار حق ، و أن المسيح عيسى بن مريم عبد الله و رسوله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه.. إشهد بذلك بقلبك و عقلك و لسانك تفلح بإذن الله و تستلم مفاتيح الجنة، فلا يبقى عليك إلا اتباع الطريق الموصل إليها كما بينها الله في القرآن الكريم ..
عودة إلى الموضوع ..
يخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم:
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)
هذه الآية كانت في افتتاحية سورة يوسف، و هي بيان شامل لكل قصص القرآن بوصفها : أحسن القصص.. ثم يختتم الله تعالى قصة يوسف عليه السلام بالبيان التالي:
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)
كذلك الأمر بالنسبة لخاتمة القصة، فهي بيان شامل لكل قصص القرآن بأنها من أنباء الغيب ، و ما شهدها الرسول صلى الله عليه و سلم و ما شهدها أحد من أصحابه و لا أحد من أقربائه أو معارفه أو أحد ممن عاصر الرسول عليه و على جميع الرسل الصلاة و السلام..
و في المقابل نجد أن كافة كتب العهد الجديد بالإجمال و الأناجيل تحديداً ، إنما هي رواية للأحداث كما رواها شهود عيان و تناقلت إلى كاتب الإنجيل (متى أو مرقس أو لوقا أو يوحنا) كما وصلت إليه. هذا ما يؤكده إنجيل لوقا في مقدمته إذ يقول:
1 إِذْ كانَ الكَثيرونَ قد أَخَذُوا في إِنْشَاءِ رِوايَةٍ لِلأَحْداثِ التي جَرتْ في ما بَينَنا، 2 على حَسَبِ، ما سَلَّمَها إِلَينَا الذَّينَ كانُوا، مُنذُ البَدْءِ، شُهُودَ عِيانٍ، ثمَّ صارُوا خدَّامًا لِلْكَلِمَةِ، 3 رَأَيْتُ أَنَا أَيضًا، بَعدَ إِذْ تَحقَّقْتُ بدِقَّةٍ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ، مِنَ البَدْءِ، أَنْ أَكْتُبَها إِلَيْكَ، بحسَبِ تَرْتيبِها، أَيُّها الشَّريفُ ثاوُفِيلُس، 4 لِكَي تَعْرِفَ جَيِّدًا قُوَّةَ التَّعليمِ الذَّي وُعِظْتَ بهِ.
و سأقوم من خلال الأسطر التالية بسرد بعض النقاط المتعلقة بقصة ميلاد المسيح عليه السلام من خلال العودة إلى ذلك التاريخ و ذلك الوقت بالتحديد مرة مع رواية الكتاب المقدس و مرة مع القصص القرآني الموصوف بأنه أحسن القصص و أنه من أنباء الغيب..
كل هذا كان مقدمة ضرورية لفهم الشهود التي بين أيدينا.. القرآن و الكتاب المقدس..
و الآن يا عزيزي مستنير و يا عزيزي القارئ فلننسى أننا أولاد هذا الزمان ، و لنعد بأنفسنا على أننا يهود في الثلاثينات من العمر ، أي في ذروة العقل و الحكمة، مرة مع رواية القرآن و مرة مع رواية الكتاب المقدس..
مع رواية الكتاب المقدس:
يقول متى في إنجيله محدثاً عن ولادة المسيح العذرية:
وأَمَّا مَوْلِدُ يسوعَ المسيحِ فكانَ هكذا: ..... وكانَ هذا كُلُّه ليَتِمَّ ما قالَ الربُّ بالنَّبيِّ، القائل: "ها إِنَّ العذراءَ تَحْبَلُ وتَلِدُ ابنًا ويُدعى اسْمُهُ عِمَّانوئيلَ" أَي: اللهُ معَنا .
وفقاً لمتى فإن اليهود كانوا ينتظرون المسيح القادم على أن تكون أول نبوءة عنه ستتحقق من ولادته العذرية من العذراء ..
أنا و أنت يا مستنير كما قلنا إنما نحن الآن يهود في الثلاثينات من العمر ، و على اطلاع على كتب العهد القديم، فهو ديننا كيهود.. و نعلم أن النبوءة الأولى التي ستتحقق في المسيح المنتظر إنما هي ولادته من عذراء..
نعم .. فإن تحققت هذه النبوءة في المولود علمنا مسبقاً أنه هو المسيح المنتظر الذي طال انتظاره ليخلصنا بالكيفية التي يريدها الله.. أما أن يأتينا أحدهم و يقول أنا المسيح و ما علمنا تحقق هذه النبوءة فيه، فإنه لو حول القرود إلى بشر و الشمس إلى قمر ما صدقناه طالما أن هذه النبوءة تخص المسيح و تعتبر شهادة ميلاده و جواز سفره.. تذكروا هذا دائماً..
و عودة إلى رواية متى عن ميلاد المسيح:
وهذِهِ سيرَةُ ميلادِ يَسوعَ المَسيحِ: كانَت أُمُّهُ مَريَمُ مَخْطوبَةً ليوسفَ، فَتبيَّنَ قَبْلَ أنْ تَسْكُنَ مَعَهُ أنَّها حُبْلى مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. وكانَ يوسفُ رَجُلاً صالِحًا فَما أرادَ أنْ يكْشِفَ أمْرَها، فَعزَمَ على أنْ يَترُكَها سِرًّا
تذكروا اننا جميعاً في هذه الأثناء يهوداً نعيش في ذلك الزمان.. و كلنا يعلم أن مريم مخطوبة ليوسف النجار و أنه سوف يتزوجها بعد فترة.
هل علمنا بداية أن مريم حبلى؟ كلا ! كل ما تعرفه أنها مخطوبة ليوسف النجار و أنه سوف يتزوجها.. هذا ما يقوله متى : فَما أرادَ أنْ يكْشِفَ أمْرَها ...
هل نعلم نحن بكل هذه التفاصيل؟ كلا! فالموضوع كله بالسر.. نتابع النص في متى :
وبَينَما هوَ يُفَكِّرُ في هذا الأمْرِ، ظَهَرَ لَه مَلاكُ الرَّبِّ في الحُلُمِ وقالَ لَه: ((يا يوسفُ اَبنَ داودَ، لا تخَفْ أنْ تأخُذَ مَرْيمَ اَمرأةً لكَ. فَهيَ حُبْلى مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، وسَتَلِدُ اَبناً تُسمّيهِ يَسوعَ، لأنَّهُ يُخَلِّصُ شعْبَهُ مِنْ خَطاياهُمْ)).حَدَثَ هذا كُلُّه لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبُّ بلِسانِ النَّبـيِّ: ((سَتحْبَلُ العَذْراءُ، فتَلِدُ اَبْناً يُدْعى ((عِمّانوئيلَ))، أي اللهُ مَعَنا. فلمَّا قامَ يوسفُ مِنَ النَّومِ، عَمِلَ بِما أمَرَهُ مَلاكُ الرَّبِّ. فَجاءَ باَمْرَأتِهِ إلى بَيتِه، ولكِنَّهُ ما عَرَفَها حتّى ولَدَتِ اَبْنَها فَسَمّاهُ يَسوعَ.
أما نحن ، كيهود في ذلك الوقت، كل ما نعرفه أن يوسف النجار إنما هو خطيب مريم و قد أخذها إلى بيته و أنها امرأته منذ ذلك الوقت.. و قد حبلت و هي في بيته و قد ولدت مولوداً .. ألف مبروك للعائلة الجديدة بمولودها الأول..
هل علمنا بأمر الملاك؟ كلا! لأنه ظهر في الحلم!! ظهر لمن ؟ ليوسف النجار دون غيرها لأن عزم على تركها سراً فجاءه الملاك ليداري عن مريم و يوسف الفضيحة!! هذه هي الرواية الإنجيلية.. و هل لأحد أن يشهد أنه ما عرفها ، أي أنه لم يمارس واجباته الزوجية في الجماع؟ كلا! إن هذا الأمر لا يعرفه و لا يمكن التأكد من صحته إلا أصحاب العلاقة و هم يوسف و مريم عليها السلام..
و بعد مرور 30 عاماً ، يأتي المولود من يوسف النجار كما نعرف جمعياً كيهود أنه كذلك - يأتي فيقول : أنا هو المسيح المنتظر..
ولكن يا يسوع - نحن كيهود شهدنا مولدك و كلنا يعلم أن يوسف النجار ابوك .. و تشهد الأناجيل بهذا الموقف حيث أن نفس إنجيل متى يشهد على ما تعرفه الناس في ذلك الوقت فيقول في الإصحاح 13 :
وعادَ إلى بلَدِهِ، وأخَذَ يُعلِّمُ في مَجمَعِهِم، فتَعَجَّبوا وتَساءَلوا: ((مِنْ أينَ لَه هذِهِ الحِكمةُ وتِلْكَ المُعْجزاتُ؟ أمَا هوَ اَبنُ النَّجّارِ؟ أُمٌُّهُ تُدعى مَريمَ، وإِخوتُهُ يَعقوبَ ويوسفَ وسِمْعانَ ويَهوذا؟ أما جميعُ أخَواتِهِ عِندَنا؟ فمِنْ أينَ لَه كُلُّ هذا؟)) ورَفَضوهُ ...
يقول متى في إصحاحه الاول عن نسب المسيح:
هذا نسَبُ يسوعَ المسيحِ اَبنِ داودَ اَبنِ إبراهيمَ:2 إبراهيمُ ولَدَ إسحق. وإسحق وَلَدَ يَعقوبَ. ويَعقوبُ ولَدَ يَهوذا وإخوتَه ... ومَتّانُ ولَدَ يَعقوبَ. ويَعقوبُ ولَدَ يوسفَ رَجُلَ مَرْيمَ الّتي ولَدَتْ يَسوعَ الّذي يُدعى المَسيحَ.
ورد نسب المسيح مرة أخرى في لوقا الإصحاح الثالث:
وكانَ يَسوعُ في نحوِ الثَّلاثينَ مِنَ العُمرِ عِندَما بدَأَ رِسالتَهُ. وكانَ النـّاسُ يَحسِبونَهُ إِبنَ يوسُفَ، بنِ عالي، بنِ مَتْثاثَ...
هذا هو ظن الناس فيه، و هو أمر طبيعي حسبما روت الاناجيل!!
و في مراجعة الترجمات الأكثر أمانه كالنسخة القياسية المنقحة وجدت النص كالتالي:
[align=left]Jesus was about thirty years old when he began his work. He was the son (as was thought) of Joseph son of Heli[/CENTER]
إن النص بين الأقواس يعني أنه نص تفسيري و ليس من أصل المتن الذي دونه لوقا. فهو يعترف بذلك أنه ابن يوسف النجار حسب شجرةالنسب التي ذكرها عن يسوع..
و عودة إلى نص متى الهام جداً:
وعادَ إلى بلَدِهِ، وأخَذَ يُعلِّمُ في مَجمَعِهِم، فتَعَجَّبوا وتَساءَلوا: ((مِنْ أينَ لَه هذِهِ الحِكمةُ وتِلْكَ المُعْجزاتُ؟ أمَا هوَ اَبنُ النَّجّارِ؟ أُمٌُّهُ تُدعى مَريمَ، وإِخوتُهُ يَعقوبَ ويوسفَ وسِمْعانَ ويَهوذا؟ أما جميعُ أخَواتِهِ عِندَنا؟ فمِنْ أينَ لَه كُلُّ هذا؟)) ورَفَضوهُ ...
لماذا رفضوه؟ أنا و أنت يا مستنير كنا من بين هؤلاء اليهود في موطنه و قد شهدنا مولده و كلنا يعلم أنه ابن يوسف النجار!!فمن أين له أن يدعي أنه المسيح المنتظر؟ إنه لا يحمل جواز السفر الخاص بالمسيح وهو ميلاده من العذراء !! و مهما تفعله من معجزات و مهما ادعيت أن يوسف لم يعرف مريم (يجامعها) إلا بعد مولدك فلن نصدقك .. كل سنة و انت طيب .. يوسف النجار مات منذ زمن و الآن جئت بهذا القول؟؟ إن الشاهد الوحيد الذي يمكن أن يشهد بذلك قد مات و بليت عظامه!!
فما أنت فاعله أيها القارئ الكريم في هذا الموقف؟ شخص يدعي أنه فلان و لا يحمل الإثبات أنه كذلك.. إن لا يملك شهادة الميلاد و لا جواز السفر ليدعي أنه المسيح!! شخصية هامة مثل المسيح ينتظره القاصي و الداني لابد أن يملك الإثبات و الهوية التي لا يمكن تزويرها بأنه هو هو..
أنا شخصياً ، لو أن الأمر كما ورد في الاناجيل فإنني سأكون أول المشاركين و المطالبين بصلبه و قتله و محاكمته لادعائه بأنه المسيح و لا يملك الدليل القاطع و الأهم على أنه هو..
هذه هي الرواية الإنجيلية لميلاد المسيح.. لقد سلبت الأناجيل المسيح جواز سفره و عرته عن شهادة ميلاده و عن كل إثبات بأنه المسيح و ألصقته بنسب يوسف النجار ، فما نملك نحن اليهود إلا أن نكفر به أنه المسيح وفقاً لهذه الرواية .. مهما عمل من عمل ، فلن يثبت أنه هو إن لم يكن يملك شهادة الميلاد العذرية و جواز سفره الذين يؤكدان هويته...
نتابع ...
تعليق