تصالح مع الله والعباد
شهر واحد في العام كله يمحو الله به ذنوب الدهر كله ولكن هل كل من شهد رمضان فاز بهذه الجائزة؟ الاجابة قطعا لا, ولكن ذلك فقط لمن أدرك وفهم معني الصيام والقيام ومراد الله من هذه الفريضة الغالية, ويوضح الدكتور زكي محمد عثمان ـ أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة ـ أن علينا أمرين مهمين يساعدانا علي اصلاح النفس وتهذيبها, والأخذ بها إلي رحمة المولي عز وجل:
* أولا: التصالح مع الله واعلان التوبة الخالصة النصوح لله عز وجل من كل ما أسرفنا علي أنفسنا, التوبة من الذنوب والمعاصي, التوبة عن الاعراض عن أوامر الله والوقوع في نواهي الله, التوبة الخالصة التي تعني الندم الحقيقي علي ما فرطنا في حق الله, والعزم الأكيد علي ترك المعاصي نهائيا علي الفور بلا رجعة, لاسيما إذا علمنا أن عدونا اللدود( الشيطان) قد صفد في هذا الشهر, ولم يبق إلا النفس التي يجب أن ننشغل بمجاهدتها والانتصار عليها والأخذ بتلابيبها نحو الطاعة وترويضها علي الاستقامة وترك التقاعس والتخاذل والتواكل, والدفع بها نحو الهمة والالتزام في كل شيء: الصلاة لوقتها, الصيام بآدابه, الزكاة دون من أو أذي, فالصيام مدرسة الإيمان وفرصة ذهبية للفرار من المعاصي والذنوب إلي الطاعات والحسنات.
ثانيا: التصالح مع العباد, فما بين العبد وخالقه يغفره الله بالتوبة, أما ما بين الإنسان وأخيه الإنسان لا يسقط حتي يتحلل منه وترد المظالم إلي أهلها, وهو ما يجب أن نحرص عليه قبل رمضان, فطالما نلنا من الآخرين بغير وجه حق وسلبنا أموالهم وأعراضهم وسمعتهم, فجلدنا اخواننا بأسواط كلماتنا من غيبة ونميمة وبهتان وافتئات, وكثيرا ما كانت توافه الأسباب وراء قطيعة أبدية سنوات وسنوات, وقد أخبر النبي صلي الله عليه وسلم لا يحل لامريء مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ومن عجب أن ينشغل العبد بحاله مع الله ولا ينشغل بحاله مع الناس, فيأتي يوم القيامة مفلسا من الحسنات, رغم كثرة عباداته, لأنه نال من الناس في الدنيا ولم يتحلل من مظالمهم, فقدوم رمضان ينبغي أن يكون فرصة للتصالح مع الناس ورد الحقوق إلي أصحابها إن كانوا أحياء والتوبة والدعاء لأصحاب الحقوق الذين فارقوا الحياة.
ولا يشترط في رد المظالم تفاصيل المظلمة إذا كان ذلك سيؤذي الآخرين, بل يجب انتقاء أسلوب جميل لا يؤذي الغير وفي الوقت نفسه لا يضيع حقه, وهي دعوة للتسامح وتصفية النفوس والقلوب.
والتصالح مع العباد لا يكون إلا بالتصالح مع النفس أولا, والاقرار بما اقترفته في حق الغير, وإن لم تصرح به, كما ينبغي لأصحاب الحقوق أن يقابلوا ذلك بالعفو والصفح امتثالا لقوله تعالي وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم... فالله سبحانه وعد أصحاب العفو والصفح بالمغفرة والرحمة ويالها من درجة عالية!
وإذا كان التصالح مع الناس عامة أمرا واجبا في رمضان, فإن التصالح مع الأهل والأرحام يكون أوجب مهما يكن نوع الخلافات أو الخصومات, فكيف يأتي رمضان والابن يهجر أباه, والأخ يهجر أخاه والزوج يهجر زوجته.. الخ, فحتي لا نفقد رمضان ونخسر أجره العظيم يجب أن نتسابق في نبذ الخصام والشقاق, وخيرهما الباديء بالسلام ونتسابق أيضا في صلة الأرحام وأصحاب الحقوق علينا ونتذكر جيدا قول المصطفي صلي الله عليه وسلم ليس الواصل بالمكافيء ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمة وصلها.
فرمضان فرصة لنزع الخصومات والمشاحنات التي كثيرا ما أفسدت علينا حياتنا, وفرقت شملنا وشغلتنا عن رسالتنا في هذه الحياة.
كتب: عصام هاشم
اللهم بلغنا رمضان
تعليق