سور وعبر
توقفت طويلا امام ذكر القرآن الكريم، لبعض المخلوقات من الطير والحشرات والحيوانات ، فقد وجدته يشير للكلب والهدهد ، كما وجدت ان بعض السور فد سميت بأسمائهم : كسورة "البقرة" ، وسورة " العنكبوت" وسورة " النمل" وسورة " النحل" وسورة " الفيل".. فتوصلت الى ان كلما نحسن صنعا ، يذكر عند الرحمن ، حتى ولو كان هذا الصنيع قد صدر عن حيوان ..
فمثلا " فيل " أبرهة الأشرم ، هذا الحيوان الأعجم ، الذي عرف حرمات الله و لم يتعدها ، عرف حرمة و قدر بيت الله الحرام ، فلم يخطو خطوة واحدة للإمام.. فجعل إسمه في سورة يقرؤها الأنام ، " سورة الفيل " يقرؤها المسلمون ، جيلا بعد جيل..
أما تلك "النملة الصغيرة" ، فقد طبقت في آية واحدة ثلاثا من وصايا الرسول عليه الصلاة و السلام ، حين قال " كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته"..و هي راعت أمر بها ، و خشيت على رعيتها.. و حين قال " الدين النصيحة " فقد نصحتهم بالدخول إلى مساكنهم.. و حتى تضمن إمتثالهم لما تقول وضحت لهم سبب الدخول " لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ (18)"..فعملت بقول السلف "من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ".. و حتى لا تسيء إلى سليمان عليه السلام ، إذا ما وطأتهم الأقدام ، قالت " وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" ، فراعت قول ربها " مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)".
بالله عليكم هلا تفكرتم في امر تلك النملة التي خشيت على قومها من ان يحطمنمهم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون .. وامر غيرها من البشر، الذين كانوا يتفرجون على جنود صهيون ، وهم يحطمون الاطفال والنساء وهم يشعرون! .
تفكر كيف حشر لسليمان عليه السلام ، جنوده من الجن و الانس والطير ، فلم يذكر اسم واحد من هؤلاء بالتحديد، سوى اسم الهدهد لغيرته على التوحيد.. تفكر في امر هذا الهدهد ، الذي استنكر الا يسجد لله الذي يخرج الخبء ، فعار على امر الدين.. وتفكر في امر اؤلئك، الذين باتوا يستنكرون، على من يكثر من الصلاة والسجود لرب العالمين!
وتفكر في امر " العنكبوت"، رغم ان بيتها من اوهن البيوت ، حين كان الامر ينعلق بالدفاع عن الرسول ، نسجت خيوطها في الحال، ولم تأل جهدا في هذا المجال ، وتفكر في امر من يملك المال والعدة والعدد ،حين اسيء للرسول صلى الله عليه وسلم ، كيف تصرف في هذا الصدد!
تفكر في امر تلك "البقرة" التي ما ان ضرب القتيل ببعض اجزائها ، حتى نطق الميت وبالحق شهد ، فادان ذلك القاتل اليهودي ، وتفكر في امر هؤلاء الاحياء ، الذين يرون القتلة اليهود، فيصمتون ثم لا يشهدون عليهم بالحق ، ولا حتى هم يدينون ولا يستنكرون .
و تـامل في أمر هذا " الكلب"، الذي راح يحرس الصالحين ، كيف ذكر في قرآن يتلى إلى يوم الدين ، ليعطيك فائدة بأن مجالسة أصحاب الدين ، تدخلك في زمرة الصالحين ، كما كان الحال مع هذا الكلب.. فلا يغرنك حسب أو نسب ، فأبو لهب رغم ما يربطه بالرسول صلى الله عليه و سلم من نسب ، كان حظه من القرآن ، قوله سبحانه " سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)" ..
و تفكر في أمر "النحلة" ، حين أوحى لها ربها ، فأطاعت و سبل ربها سلكت ، فالطيب أكلت ، و الطيب الحلو المذاق من بطنها أخرجت.. و قارن بينها و بين غيرها من الخلق ، ممن قال لهم الحق " يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً (168)" فأكلوا بعضهم بعضا ، منهم من أكل الحرام ، ومنهم من اكل الربى ، ومنهم من أكل لحم أخيه ميتا.. و منهم من أكل الحقوق، و لم يخرج من فيه سوى الشرور، و الكذب و شهادة الزور..
هي حيوانات و حشرات ، قد تبدو في نظر الانسان صغيرة و حقيرة ، و لكنها حين أطاعت ربها ، كان لها شأن و منزلة كبيرة..
فما بالك أيها الإنسان، و أنت المكرم على جميع مخلوقاته ، إن امتثلت لأوامره و اجتنبت نواهيه ، فلك أن تتخيل عظيم مكانتك عند خالقك ، الذي كرمك ابتداء حتى قبل أن يرى عملك!
نقلته لكم من كتاب : أوراق مسافرة
تأليف : سمر عبد الهادي
تعليق