تويت
رسالة حب ..و اعتذار
أريد أن أطمئنك أيتها الغالية على أحوالنا .. لقد بتنا نتقن لغات الغرب ، إلا أنك مازلت في الوجدان و في القلب .. قواعدك الجميلة مازالت تترك بصماتها واضحة في حياتنا رغم أنوفنا.. اطمئني أيتها الام ، صحيح أن الكثيرين منا يجهل قواعد " الإعراب" في لغتنا ، و لكنه يتقن تماما فن الاعراب ( عن محبته و تقربه ) للغرب..
كما ان عندنا كماً هائلا في حياتنا من " الضمائر المستترة" ، التي تجيد فن الكلام المنمق و الجميل و لكنها لا تفعل إلا القليل . أما الضمائر "الضمائر المتصلة"و التي كنا نتوسم فيها الخير، و جدناها "ضمائر نصب متصلة" لمصلحة الغير .
كما أن "الضمائر المنفصلة"، انفصلت عن مصالح الأمة و الوطنية ، فراحت تبحث عن مصالحها الشخصية ، مما أدى إلى تشرذمنا على الساحة الدولية ، فأصبحت جموعنا ، إما "جمعا مكسورا" ، أو "جمعا منقوصا" ، أو "جمع ا قلة" ، أما "جمع الكثرة" ، فقد بات ممنوعا و محظورا و مقموعا..
هل أشكو إليك أيتها الحبيبة "المعتل" ، أما أشكو إليك "الاجوف و الناقص" من أمتنا ، فكم من معتل في بلادنا يحتاج إلى العلاج ، منا من هو معتل الصحة و الجسم ، ومنا المعتل السقيم ، قليل الفهم ، ومنا من هو معتل النفس و الفؤاد ، لما يراه من احوال و مكابدة العباد..
كم من "أجوف" و "ناقص" يتصدر الشاشات ، يلبس فخم الثياب و يجيد اللغات و لكن لا يتكلم إلا بالتوافه ، و لا ينطق إلا بالترهات..
أما عن "النصب" فحدث و لا حرج ، فالنصب يجري في الامة على قدم و ساق و على أوسع نطاق ، حتى إننا بتنا إذا رأينا رجلا شريفا نزيها بيننا اتسعت أحداقنا ، و فتحنا أفواهنا ، و كأننا نرى جنيا خرج لنا ، أو هبط من القمر علينا.. أما "لام الجحود" فقد أثبتت وجودها على الساحة بلا حدود.. أما حروف "الجر و الكسر" فقد فعلت أفاعيلها فينا ، فكم من مكسور غير مجبور في بلادنا ، مما جرته ويلات الحروب علينا ، وكم من دم مهدور ، بفعل تلك الحروب و الشرور..
نسيت أن أضيف أن "الممنوع من الصرف" قد أصبح هو القاعدة و الاصل في بلادنا ، و غيره هو الاستثماء.. حتى أن هذا المنع من الصرف ، قد طال أموال أهلنا في الارض المحتلة ، فزادوها علة على علة..
و لا تظني أنني قد نسيت "الرفع و الضم" ، فهو حاضر على ساحاتنا فنحن نرفع دوما إلى مجلس الأمن شكوانا ، رغم علمنا و يقيننا بأن الشكوى لغير الله مذلة ، و لكننا إنما نفعل ذلك من القلة.. أما عن "الضم" فقد ضم أعداؤنا مساحات شاسعة من بلادنا.. ألم أقل لك أيتها الغالية أن مفرداتك تعيش في صميم حياتنا.. فاطمئني فالأمة ما زالت تغرف من هذا المعين، و معذرة إلى أخوتي و أخواتي من النحويين..
فيما يتعلق "بتاء التأنيث" فقد اختلط الحابل بالنابل ، فلم نعد نميز بين الإناث و الذكور.. أما عن "حروف العطف" ، لقد اختفت من بيننا و ارتحلت بعيدا عنا ،
و لكن اطمئنك ، فقد بقى حرف "الواو" Waw، يعيش في أكنافنا ، و لله الحمد نصرخ به عند العجب، تماما كما يفعل أهل الغرب..
فما يتعلق بعائلة " الأسماء الخمسة " الأب و الأخ والحمو و الفو و الذو ، فهم منذ أن غادرتهم حروف " العطف " لم يعد الأخ يعرف أخوه !
أم جملتنا العربية ، فقد اكتفينا منها " بالاسمية " ، أما " الجملة الفعلية " ففاعلها دوما في الغرب ، ونائبه في الشرق ، يقوم بتصريف أمورنا ، فصار لكل دولة نائب لهذا الفاعل ، يقوم مقامه ويطيع أوامره .. فأصبح " فعل الأمر " الحاكم المسيطر على كل أمر " نؤمر فنطيع " لنصبح في " خبر كان " ، يعني بإختصار صرنا " جملة لا محل لها من الإعراب " في عالم الغاب ، و "اسما نكرة" (على الرغم من كل "أدوات التعريف" التي نملكها المادية منها و المعنوية ) .. ولا أخفيك أنني لا أدري ما إذا كان هذا التنكير هو " نكرة مقصودة " أم " نكرة غير مقصودة " ، فالعلم عند الله ، فالمسألة مجهولة مثل كل شيء "مبني للمجهول" في حياتنا ، ومع ذلك فنحن لا نيأس رغم كل "الظروف و الأحوال" ، فنحن دوما نعيش على "التمنى و الترجي و ياليت و لعل" ، فصارت بناء عليه أفعالنا تعبر عن "الظن و التخمين" لا عن "التوكيد" و اليقين.
هناك خبر قد يؤلمك ، فقد ألقي القبض مؤخرا على "الهمزة المتطرفة" لأنها اتهمت بالارهاب و التطرف ، فيما يجري التحقيق مع "همزة الوصل" ، إن كان لها أي علاقة بذلك الارهاب و التطرف.. فيما تم الاعراب عن الارتياح لدور "همزة القطع" في قواعد الاعراب .
أما "أسماء الاستفهام" فقد أوليناها اهتماما خاصا في علم الكلام ، فحتى يرتقي و يتقدم أبناؤنا ، رحنا نحبب للجيل الصاعد "أسماء الاستفهام" في لغتنا فنقول لهم:
من أحب الفنانين إليك ؟
ما تعرف عن لاعب الكرة الفلاني ؟
متى رقصت الراقصة المشهورة أول رقصة لها ؟
أين تم تصوير الفيلم الفلاني ؟
كم عدد ألبومات المطرب الفلاني ؟
كيف نحضر الأرواح و نطرد الجن ؟
معذرة يا لغة الحب، يا لغة الرب
ان كنت خرجت عن الدرب..
وطرت وغادرت السرب
لا لفي عن هذا القلب..
بعض الهم ويعض الكرب
الآتي من جهت الغرب
امتدت يده الطولى
في كل مجال للسلب
حتى وصل الحال بهذا النهب
ان خطفت من هذا الجيل
حتى لغة الرب!
ولكني اقول يكفيكي عزا و فخارا ، أن اختارك الرحمن من كل لغات الأرض ليكلما بحروفك ، و نكلمه في كل صلاة أو فرض ، و إن لنا بحروفك تلك اجرا و ثوابا يوم العرض..
فما دام القرآن بين ظهرانينا ، فلن تختفي يا امنا ، و سنظل بك نحتفي لأنك أم الجلال و أم الجمال و أم اللغات ، و سأقول لك كما قال الرحمن لأم موسى " وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)" القصص...سيعود
بناؤك اليك، رغم انوف المعرضين، لان الطفل وان احضروا له اما بديلة، فسرعان ما يعود لأمه الاصلية الجميلة الاصلية .
قد يحدث للقمر والشمس خسوف و كسوف جزئي ، ولكنهما يظلان دوما مصدرا للنور والضياء في هذا الفضاء ، كما ستظلين انت مصدر الاشعاع و النور ، على مدى العصور، لانك اللغة التي اختارها الرحمن لتكون في الدنيا لغة القرآن، وجعلها في الآخرة ايضا لغة اهل الجنان.
نقلته لكم : من كتاب اوراق مسافرة
تأليف : سمر علي عبد الهادي
