أهلاً مجدداً ، أستاذي الفاضل ياسر جبر..
أذكر عبارات سريعة مما أوردته حضرتك عن الوحي قبل أن ابدأ تعليقي: قلت حضرتك..
(.. عندما يقوم الموحى إليه بذكر ما جاءه بالوحي، فهو أمامه أن يذكره بنفس لفظه (بالحرف واللفظ).. )
(فأي نص أمامنا له عدة احتمالات , ومن يجداحتمال سادس فليخبرني به :
1- النص نقل حرفياً من الله تعالى .
2- المعنى من الله تعالى , والتعبير منالكاتب.
3- النص يجمعبين الحرف والمعنى , أي يتشكل من الإحتمالين السابقين.
4- النص من أقوال الكاتب ( أو غيره ) بدون أيوحي .
5- النص يجمع بينأقوال الكاتب وأقوال الوحي , أي يتشكل من الاحتمالينالسابقين( .
التعليق
هذا هو سبب اختلاط الأمر عليك يا أستاذ ياسر جبر، فأنت تربيت من صغرك ونـُقش في ذهنك – كما الكثيرين – مفهوم الوحي كما هو في الدين الإسلامي فقط ، رافضاً أن يكون للوحي صورة أخري غيرها..
فأضيف لعلم حضرتك أن مفهوم الوحي لدي العقائد والديانات المختلفة له خمسة نظريات بالإضافة لمفهومه في المسيحية:
1- النظرية الطبيعية: وهي تعبر عن نوع من الإلهام الطبيعي كما يـُلهم الشاعر في نظم قصائده وأعاره، وكما يُلهم الكاتب في كتاباته ورواياته وأدبه.. ونحن المسيحيين نرفض هذه النظرية لأنها تتجاهل عمل الروح القدس.. " تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ."(2بط 1: 21).
2- النظرية الميكانيكية: وهي عكس النظرية الطبيعية تماماً، فهي تنظر للوحي علي أنه يـُملي علي الكاتب ما يكتبه، كلمة كلمة وحرف حرف، وهذه هي التي تعرفها أنت جيداً يا أستاذ ياسر جبر، وتظن أنها الصورة الوحيدة الفريدة للوحي الإلهي.. وهذه النظرية نرفضها ولا نقبلها عندنا لأنها تتجاهل الجانب البشري فيتحول الكاتب إلي آلة صماء أو إنساناً آلياً يكتب ما يُملي عليه وبذلك تُلغي كلية شخصية الكاتب وثقافته ومشاعره..
3- النظرية الموضوعية: وهي تنص علي أن الوحي يـُوحي للكاتب بالموضوع وأفكاره فقط، ويُترك للكاتب حرية التعبير عن هذه الأفكار كما يشاء بدون أدنى تدخل من الوحي وهذه النظرية تعتبر قاصرة . لأن روح الله يوحي للإنسان بالموضوع و الأفكار ولكنه أيضا يحفظه ويعصمه من الخطأ فلا يسمح له أبدا بتدوين أيه فكرة صحيحة بتعبيرات و كلمات خاطئة ولذلك يقول داود النبي :"روح الرب تكلم بي و كلمته على لساني" (2صم 23:2)
بل أن الروح القدس قد يوضع على لسان الكاتب عبارات قد لا يدرك الكاتب معانيها فعندما كتب أشعياء عن ولادة العذراء و المولود منها هو إنسان و إله في نفس الوقت من كان يدرك هذا؟!!! وعندما تنبأ أشعياء عن خراب بابل سيدة الممالك و خراب صور سيدة البحار وكل منهما لن تعمر ثانية من كان يتصور هذا؟؟؟
4- النظرية الجزئية: وهي تقسم ما جاء بالأسفار المقدسة إلي نوعين :
الأول يشمل كلمات الله المباشرة مثل وصايا العشر وحديث الله للأنبياء وهذه موحى بها .
أما كلمات الكاتب نفسه في وصف مكان أو حدث أو إلقاء تعليم فهي غير موحى بها و هي نظريه مرفوضة فمعلمنا بولس يقول عن كل ما ورد في أسفار العهد القديم أنها أقوال الله ولهذا فإنه يقول عن اليهود "أنهم استؤمنوا على أقوال الله " (رو3:2)
وحتى لا تتساءل : هل أقوال الأشرار و الشياطين و السلامات التي وردت في الكتاب هي أجزاء من ضمن الموحي بها ؟ أقول أن دور الوحي هنا قاصر على الأمر بتدوين مثل هذه الأقوال التي قيلت بالفعل أما الكلمات الخاطئة والشريرة التي في تلك الأقوال فهي تنسب لأصحابها بعيدة كل البعد عن أقوال الله .. بمعنى أنه تسجيل تلك الكلمات كان بوحي من الله للكاتب أما الكلمات ذاتها فليست وحيا.
5- النظرية الروحية: وتنص علي أن الوحي قاصر علي الأمور الروحية في الكتاب المقدس، أما الأمور التاريخية والجغرافية والعلمية فهي تحتمل الخطأ وأصحاب النظرية قالوا بأن قصة أيوب البار وقصة يونان النبي (يونس) في بطن الحوت ودانيال في جب الأسود كلها قصص خيالية رمزية القصد منها أخذ التعليم الروحي كصبر وطاعة أيوب لإرادة الله .
6- الوحي في المسيحية:
1- يختار الله بعض القديسين ويحرك قلوبهم للكتابة أو يأمرهم مباشرة كما قال الرب لموسى "أكتب هذا التذكار...." (خر17:14) وكما قال لارميا : "خذ لنفسك درج سفر و اكتب فيه كل الكلام الذي كلمتك به ...." (ار 36:2)
2- يترك الله للكاتب حرية اختيار الألفاظ و الأسلوب و الكلمات فلذلك نجد داود النبي يكتب بلغه الراعي و سليمان بلغه الحكيم و بولس بلغه الفيلسوف و يظهر في كتابات كل كتبة الأسفار التباين بين أسلوبهم الراجع إلى وجود فرصة للكاتب أن يصيغ بأسلوبه.
3- يكون الكاتب أثناء الكتابة تحت هيمنه و سيطرة روح الله الذي يحفظه و يعصمه من الخطأ أثناء الكتابة.
4- يكشف روح الله للكاتب ما خفي عنه مثلما كشف لموسى عن أيام الخليقة.
5- الوحي لا يتقيد بلغه معينه إنما يستخدم اللغة التي كان يستخدمها الشعب .
أصل كلمة (وحي) في المسيحية:
"كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، 17 لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ." (2 تيموثاوس 3: 16)
فإن الكلمة اليونانية التي يستعملها العهد الجديد للدلالة علي مفهوم "موحي به" هي θεόπνευστος
theh-op'-nyoo-stos.. والتي تشمل مقطعين theos أي الله ، و peneu أي نفس أو نسمة أو روح .. ولذلك جاء تعريف هذه الكلمة في قاموس Strong Greek هكذا:
وقد تـُرجمت بذلك إلي اللاتينية inspiratio وهي أيضاً تتكون من مقطعين in = بالداخل ، spiratio = نفس – نسمة ..
فيكون المعني اللغوي للوحي الإلهي في المفهوم الإيماني المسيحي هو نفخة / نسمة من الله ،فيسيطر روح الله القدس على الكاتب عقله و فكره و روحه و كل نفسه فيصيغ ما يعلنه له الروح القدس بأسلوبه ويكتبه.. فالروح القدس لا يلغى شخصية الكاتب ولا يلغى أسلوبه.
فإذا قلنا إنّ الأسفار المقدسة في العهدين القديم والجديد هي كلام الله، أو أسفار إلهية موحى بها من الله، أو منزلة من عند الله، لا نريد بذلك أنّ الله أنزلها آية آية، وكلمة كلمة، وحرفاً حرفاً، فكتبها الكاتب كما سمعها من فم الله أو ملائكته بحروفها الأصلية. لكننا نريد أنّ الله قصد أن يُبلغ البشر شيئاً من أسراره حرّك باطنياً كاتباً يختاره فيبعثه على كتابة السفر المقصود، ثم يمده بتأييده الخاص ونعمته الممتازة، ويلهمه اختيار الحوادث والظروف والأعمال والأقوال التي شاء سبحانه كتابتها لفائدة عباده، وكان له رقيباً ومرشداً، وعصمه من الخطأ في نقلها وتسطيرها، فلا ينقل إلا ما ألهمه الله إيّاه، فيكون الرسول إذ ذاك ككاتب مطيع، في حوزة الكاتب الأسمى، وطوع إرادته.
والآن وبعد أن أوضحت لحضرتك مفهوم الوحي باختصار في المفهوم الإيماني المسيحي.. أستطيع أن أقول لحضرتك أنه عندما يكتب القديس بولس الرسول بالوحي رسالة للمؤمنين في مدينة ما، أو رسالة لتلميذه تيموثاوس.. فطالما أن القديس بولس يكتب ويعبر بأسلوبه وتعبيراته ومشاعره وأحاسيسه (الوحي في المفهوم المسيحي) وليس يدون ما يملي عليه بالحرف (النظرية الميكانيكية للوحي) فلا مانع من أن يكتب سلامات وتحيات لمن يرسل له رسالته في مقدمة الرسالة أو في خاتمتها.. فلو كان الوحي قاصراً علي النظرية الميكانيكية التي في ذهنك، لصح موقفك برفضك للعبارات الشخصية داخل الرسالة.. ولكن طالما الوحي هو إلهام فكري وأيضاً حفظ للكاتب من الزلل عند التدوين دون التدخل في التملية والتلقين الحرفي ودون إلغاء شخصية الكاتب.. فتكون تلك العبارات (السلامات والتحيات والتعبير عن الفرح أو الحزن وغيرها من العبارات الشخصية الخاصة بكاتب الرسالة) كلها مقبولة لدينا ومن ضمن ما كتب بالوحي الإلهي..
أذكر عبارات سريعة مما أوردته حضرتك عن الوحي قبل أن ابدأ تعليقي: قلت حضرتك..
(.. عندما يقوم الموحى إليه بذكر ما جاءه بالوحي، فهو أمامه أن يذكره بنفس لفظه (بالحرف واللفظ).. )
(فأي نص أمامنا له عدة احتمالات , ومن يجداحتمال سادس فليخبرني به :
1- النص نقل حرفياً من الله تعالى .
2- المعنى من الله تعالى , والتعبير منالكاتب.
3- النص يجمعبين الحرف والمعنى , أي يتشكل من الإحتمالين السابقين.
4- النص من أقوال الكاتب ( أو غيره ) بدون أيوحي .
5- النص يجمع بينأقوال الكاتب وأقوال الوحي , أي يتشكل من الاحتمالينالسابقين( .
التعليق
هذا هو سبب اختلاط الأمر عليك يا أستاذ ياسر جبر، فأنت تربيت من صغرك ونـُقش في ذهنك – كما الكثيرين – مفهوم الوحي كما هو في الدين الإسلامي فقط ، رافضاً أن يكون للوحي صورة أخري غيرها..
فأضيف لعلم حضرتك أن مفهوم الوحي لدي العقائد والديانات المختلفة له خمسة نظريات بالإضافة لمفهومه في المسيحية:
1- النظرية الطبيعية: وهي تعبر عن نوع من الإلهام الطبيعي كما يـُلهم الشاعر في نظم قصائده وأعاره، وكما يُلهم الكاتب في كتاباته ورواياته وأدبه.. ونحن المسيحيين نرفض هذه النظرية لأنها تتجاهل عمل الروح القدس.. " تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ."(2بط 1: 21).
2- النظرية الميكانيكية: وهي عكس النظرية الطبيعية تماماً، فهي تنظر للوحي علي أنه يـُملي علي الكاتب ما يكتبه، كلمة كلمة وحرف حرف، وهذه هي التي تعرفها أنت جيداً يا أستاذ ياسر جبر، وتظن أنها الصورة الوحيدة الفريدة للوحي الإلهي.. وهذه النظرية نرفضها ولا نقبلها عندنا لأنها تتجاهل الجانب البشري فيتحول الكاتب إلي آلة صماء أو إنساناً آلياً يكتب ما يُملي عليه وبذلك تُلغي كلية شخصية الكاتب وثقافته ومشاعره..
3- النظرية الموضوعية: وهي تنص علي أن الوحي يـُوحي للكاتب بالموضوع وأفكاره فقط، ويُترك للكاتب حرية التعبير عن هذه الأفكار كما يشاء بدون أدنى تدخل من الوحي وهذه النظرية تعتبر قاصرة . لأن روح الله يوحي للإنسان بالموضوع و الأفكار ولكنه أيضا يحفظه ويعصمه من الخطأ فلا يسمح له أبدا بتدوين أيه فكرة صحيحة بتعبيرات و كلمات خاطئة ولذلك يقول داود النبي :"روح الرب تكلم بي و كلمته على لساني" (2صم 23:2)
بل أن الروح القدس قد يوضع على لسان الكاتب عبارات قد لا يدرك الكاتب معانيها فعندما كتب أشعياء عن ولادة العذراء و المولود منها هو إنسان و إله في نفس الوقت من كان يدرك هذا؟!!! وعندما تنبأ أشعياء عن خراب بابل سيدة الممالك و خراب صور سيدة البحار وكل منهما لن تعمر ثانية من كان يتصور هذا؟؟؟
4- النظرية الجزئية: وهي تقسم ما جاء بالأسفار المقدسة إلي نوعين :
الأول يشمل كلمات الله المباشرة مثل وصايا العشر وحديث الله للأنبياء وهذه موحى بها .
أما كلمات الكاتب نفسه في وصف مكان أو حدث أو إلقاء تعليم فهي غير موحى بها و هي نظريه مرفوضة فمعلمنا بولس يقول عن كل ما ورد في أسفار العهد القديم أنها أقوال الله ولهذا فإنه يقول عن اليهود "أنهم استؤمنوا على أقوال الله " (رو3:2)
وحتى لا تتساءل : هل أقوال الأشرار و الشياطين و السلامات التي وردت في الكتاب هي أجزاء من ضمن الموحي بها ؟ أقول أن دور الوحي هنا قاصر على الأمر بتدوين مثل هذه الأقوال التي قيلت بالفعل أما الكلمات الخاطئة والشريرة التي في تلك الأقوال فهي تنسب لأصحابها بعيدة كل البعد عن أقوال الله .. بمعنى أنه تسجيل تلك الكلمات كان بوحي من الله للكاتب أما الكلمات ذاتها فليست وحيا.
5- النظرية الروحية: وتنص علي أن الوحي قاصر علي الأمور الروحية في الكتاب المقدس، أما الأمور التاريخية والجغرافية والعلمية فهي تحتمل الخطأ وأصحاب النظرية قالوا بأن قصة أيوب البار وقصة يونان النبي (يونس) في بطن الحوت ودانيال في جب الأسود كلها قصص خيالية رمزية القصد منها أخذ التعليم الروحي كصبر وطاعة أيوب لإرادة الله .
6- الوحي في المسيحية:
1- يختار الله بعض القديسين ويحرك قلوبهم للكتابة أو يأمرهم مباشرة كما قال الرب لموسى "أكتب هذا التذكار...." (خر17:14) وكما قال لارميا : "خذ لنفسك درج سفر و اكتب فيه كل الكلام الذي كلمتك به ...." (ار 36:2)
2- يترك الله للكاتب حرية اختيار الألفاظ و الأسلوب و الكلمات فلذلك نجد داود النبي يكتب بلغه الراعي و سليمان بلغه الحكيم و بولس بلغه الفيلسوف و يظهر في كتابات كل كتبة الأسفار التباين بين أسلوبهم الراجع إلى وجود فرصة للكاتب أن يصيغ بأسلوبه.
3- يكون الكاتب أثناء الكتابة تحت هيمنه و سيطرة روح الله الذي يحفظه و يعصمه من الخطأ أثناء الكتابة.
4- يكشف روح الله للكاتب ما خفي عنه مثلما كشف لموسى عن أيام الخليقة.
5- الوحي لا يتقيد بلغه معينه إنما يستخدم اللغة التي كان يستخدمها الشعب .
أصل كلمة (وحي) في المسيحية:
"كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، 17 لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ." (2 تيموثاوس 3: 16)
فإن الكلمة اليونانية التي يستعملها العهد الجديد للدلالة علي مفهوم "موحي به" هي θεόπνευστος
theh-op'-nyoo-stos.. والتي تشمل مقطعين theos أي الله ، و peneu أي نفس أو نسمة أو روح .. ولذلك جاء تعريف هذه الكلمة في قاموس Strong Greek هكذا:
divinely breathed in: - given by inspiration of God.
وقد تـُرجمت بذلك إلي اللاتينية inspiratio وهي أيضاً تتكون من مقطعين in = بالداخل ، spiratio = نفس – نسمة ..
فيكون المعني اللغوي للوحي الإلهي في المفهوم الإيماني المسيحي هو نفخة / نسمة من الله ،فيسيطر روح الله القدس على الكاتب عقله و فكره و روحه و كل نفسه فيصيغ ما يعلنه له الروح القدس بأسلوبه ويكتبه.. فالروح القدس لا يلغى شخصية الكاتب ولا يلغى أسلوبه.
يقول احد الدارسين :
فإذا قلنا إنّ الأسفار المقدسة في العهدين القديم والجديد هي كلام الله، أو أسفار إلهية موحى بها من الله، أو منزلة من عند الله، لا نريد بذلك أنّ الله أنزلها آية آية، وكلمة كلمة، وحرفاً حرفاً، فكتبها الكاتب كما سمعها من فم الله أو ملائكته بحروفها الأصلية. لكننا نريد أنّ الله قصد أن يُبلغ البشر شيئاً من أسراره حرّك باطنياً كاتباً يختاره فيبعثه على كتابة السفر المقصود، ثم يمده بتأييده الخاص ونعمته الممتازة، ويلهمه اختيار الحوادث والظروف والأعمال والأقوال التي شاء سبحانه كتابتها لفائدة عباده، وكان له رقيباً ومرشداً، وعصمه من الخطأ في نقلها وتسطيرها، فلا ينقل إلا ما ألهمه الله إيّاه، فيكون الرسول إذ ذاك ككاتب مطيع، في حوزة الكاتب الأسمى، وطوع إرادته.
والآن وبعد أن أوضحت لحضرتك مفهوم الوحي باختصار في المفهوم الإيماني المسيحي.. أستطيع أن أقول لحضرتك أنه عندما يكتب القديس بولس الرسول بالوحي رسالة للمؤمنين في مدينة ما، أو رسالة لتلميذه تيموثاوس.. فطالما أن القديس بولس يكتب ويعبر بأسلوبه وتعبيراته ومشاعره وأحاسيسه (الوحي في المفهوم المسيحي) وليس يدون ما يملي عليه بالحرف (النظرية الميكانيكية للوحي) فلا مانع من أن يكتب سلامات وتحيات لمن يرسل له رسالته في مقدمة الرسالة أو في خاتمتها.. فلو كان الوحي قاصراً علي النظرية الميكانيكية التي في ذهنك، لصح موقفك برفضك للعبارات الشخصية داخل الرسالة.. ولكن طالما الوحي هو إلهام فكري وأيضاً حفظ للكاتب من الزلل عند التدوين دون التدخل في التملية والتلقين الحرفي ودون إلغاء شخصية الكاتب.. فتكون تلك العبارات (السلامات والتحيات والتعبير عن الفرح أو الحزن وغيرها من العبارات الشخصية الخاصة بكاتب الرسالة) كلها مقبولة لدينا ومن ضمن ما كتب بالوحي الإلهي..
تعليق