تقديم:
الحمد لله مالك الملك، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، إنّه على كل شيء قدير.
والصلاة والسلام على البشير النذير، نبي المرحمة والملحمة، المبعوث رحمة للعالمين، ونذيراً للبشر أجمعين، والمقيم لخير أمة أخرجت للنّاس في الأولين والآخرين.
وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..
مدخل:
ففي الوقت الذي بدأ المسلمون فيه طريق العودة إلى دينهم، والتمسك بعقيدتهم، والعمل للعيش في ظل كتاب ربهم، وسنة نبيهم، في هذا الوقت اشتدت الحملة ضد الإسلام والمسلمين من داخل العالم الإسلامي، ومن خارجه للحيلولة بين المسلمين وما يريدون، ولقطع الطريق على أبناء الأمة، أن يعيشوا كما يحبون مسلمين مؤمنين أعزة في أوطانهم وديارهم.
وحتى يكون شباب الأمة الإسلامية على علم بأبعاد المؤامرة على دينهم وعقيدتهم، عليهم أن يعرفوا طريق الخلاص من هذه المؤامرة وكيف يواجهونها وكيف ستكون العاقبة إن شاء الله تعالى ومن أجل ذلك أحببنا أن نكتب هذا التعريف.
لماذا الهجوم على الإسلام الآن؟
وما كادت تسقط آخر خلافة إسلامية، وتقسم أراضي الإسلام بين الدول الصليبية الكافرة، حتى انطلقت الألسن من كل اتجاه قائلة إنّ سبب ضعف المسلمين يكمن في الإسلام الذي أقعدهم عن طلب العلم والنهضة، وكبلهم في التخلف والجهل، وتحت هذه المقالات الفاجرة نشأت الحكومات التي استبدلت شريعة الله بشرائع الكفار، ونظام التعليم الإسلامي بنظام التعليم الغربي، وبدأت أجهزة الإعلام تغرس عقائد القومية، واللادينية "الإلحاد" (انظر كتابنا الإلحاد)، والوطنية الإقليمية مكان العقيدة الإسلامية.. ولكن لم يمض وقت طويل حتى اكتشف المسلمون أنفسهم زيف هذه الدعاوى. فقد تحطمت دعوة القومية وصارت هباءً منثورا بعد أول مواجهة مع اليهود، وخلفت أحقاداً يتعذر تجاوزها، وتحولت دعوة الوطنية الإقليمية إلى مسخ مشوه بعد التحقق أنّ أية دولة من الدول العربية الإسلامية لا يمكن لها أن تعيش وتبقى وحدها. وانتهى الإلحاد بنهاية بائسة حيث بدأ أهله يبحثون في الفلسفات القديمة والأديان الخرافية عن ملجأ لهم من اللهيب والظلمة الكفر والضياع الذي خلفته المادية الإلحادية، واكتشف المسلمون أخيراً أنّهم دون عقيدتهم وإسلامهم قطيع تائه، بل قطعان تائهة، وأنّه لا حياة لهم ولا عز ولا نصر إلاّ بالدين الذي أعزهم الله به، وانتصروا في ظلاله وتحب لوائه على مدى ثلاثة عشر قرناً من الزمان.
وابتدأت طلائع الشباب المثقفين والمتعلمين منهم خاصة تعود إلى الدين، وتشق طريقها في الحياة وفق تعاليمه وتحت ظلاله، وهنا جن جنون أعداء الله الذين بذلوا النفس والنفيس في سبيل سلخ هذه الأمة عن دينها، فكيف تكون النهاية هكذا؟ كيف ينقلب النّاس إلى الإسلام من جديد وقد ظنوا أنّ المسلمين قد فارقوا الإسلام إلى الأبد، وأنّه لا عودة لهذا الدين من جديد وأنّ قضيته لن يكون لها وجود، وأنّ دولته لن تعقد لها راية، ولن يرفع لها لواء.. وهنا تنادى أعداء الله في شرق الأرض وغربها أن اغدوا لشن الغارة من جديد على الإسلام وأهله وحُولُوا بين أبنائه والعودة إليه.
من الذي يحارب الإسلام الآن؟
والذين يحملون اليوم لواء الحرب على الإسلام أصناف عديدة جداً، رغم تباينهم واختلافهم في أنفسهم إلاّ أنّهم اجتمعوا حول هذا الهدف المشترك والغاية الواحدة وأهم هذه الأصناف اليوم ما يلي:
1- الشيوعيون وأشياعهم وفروخهم:
وذلك أنّ العقيدة الشيوعية تقوم أساساً على جحد الأديان والكفر برسالات السماء. بل الكفر بكل الغيب، وجعل الحياة الدنيا هي الغاية ونهاية المطاف، وتسليم الحكم لسلطة الحزب، وجعل إله الآلهة، ومُشرع القوانين، ومرجع كل خلاف هو "كارل ماركس ولينين"، اللذان قالا في زعم الشيوعيين الكلمة الأخيرة في كل شيء، في الاقتصاد والحياة، والأخلاق والفن والأديان والحكم والسياسة والتاريخ والماضي والمستقبل والطبيعة، وما وراء الطبيعة.. إلخ. فجعلوا إلههم المطاع وسيدهم غير المنازع الذي أحاط علماً بكل شيء وعرف كل ما في الكون هو اليهودي الحاقد "كارل ماركس" والشيوعي الحاقد "لينين".. والبشر بعد ذلك ما هم إلاّ أتباع مقلدون لا يجوز لهم نقد هذين الإلهين ولا تجاوز شيء ممّا قالوه.
ولما كانت النصرانية هي دين الغالبية العظمى في أوروبا وأمريكا قد أفلست وباعت كنائسها، أو أبقتها للذكرى والتاريخ، وكانت اليهودية، ديناً منغلقاً وقفاً على أولاد إسرائيل فقط وليست ديناً للتبشير والدعوة.. وكانت الأديان الوثنية الأخرى أدياناً للاستهلاك المحلي، وللتسلية واللعب، ومن أجل ذلك لم يبق أمام الشيوعية من عقيدة تستطيع أن تنافحها بل أن تهزمها وفي عقر دارها في روسيا غير الإسلام العقيدة العلمية النقية الخالصة، التي جاءت بثورة على كل ظلم وفساد وجهل، وخرافة، وشرك وجحود ونكران.. من أجل ذلك صب الشيوعيون في كل مكان جام غضبهم على هذه العقيدة وأهلها وابتدأوا حربها بكل سبيل، فها هي عساكرهم تغزو أفغانستان لتحطيم عقيدة أهله، والحيلولة دون قيام حكم إسلامي ينشر الإسلام في آسيا ويخلص مسلمي روسيا من بطش وظلم الشيوعيين الكفرة وهؤلاء الشيوعيون الذين غرروا بالشعوب الإسلامية هناك عندما قاموا بثورتهم الشيوعية وقام المسلمون معهم تخلصاً من ظلم القياصرة فكان جزاؤهم بعد ذلك القتل والإبادة، وتحريم الإسلام عليهم وقطع الصلة بينهم وبين الإسلام، فلا مسجد يرفع فيه آذان، ولا مصحف يسمح بتداوله وطبعه. وهاهي روسيا تنقلب ضد الشعب الأريتري المسلم وتحارب ثورته وتمد أعداءه، وهاهي تسرق ثورة الشعب المسلم في جنوب الفلبين وتصنع العملاء لها في الوطن الإسلامي، هؤلاء العملاء الذين ما أن يتسلموا حكم دولة من الدول إلاّ ويعيثوا في الأرض الفساد من أول يوم بل من أول ساعة، ففي السودان ما إن تسلم عميل لهم الحكم حتى بدأ يقتل من يعرف الصلاة من الضباط، وحتى خرجت مظاهراتهم لتقول: لا إسلام بعد اليوم.. وفي مصر ما إن تحول عميل من الأمريكان إليهم، حتى زرعوا أرض مصر بالفساد فاستعار نحواً من خمسين ألف داعية روسي للإلحاد تحت مسمى الخبراء، وابتدأ قتل المسلمين وتعذيبهم وتشريدهم وتشتيت شملهم، وابتدأ تطبيق اشتراكيتهم الفاسدة، التي أفسدت البلاد والعباد، وفي أندونيسيا ما إن تسلم بعض العملاء دفة الحكم حتى قتلوا كل ضابط يصلي وألقوهم جميعاً في بئر واحد وفتحوا المجاري عليهم وذلك بعد ساعات فقط من قيام انقلابهم المشئوم.. وشرح هذا يطول، وهؤلاء هم عملاؤهم الذين لم يتسلموا سلطة والذين يسمون أنفسهم بالشيوعيين تارة واليساريين أخرى، والديمقراطيين ثالثة، لا عمل لهم إلاّ حرب الإسلام، ولا هدف لهم إلاّ محاولة القضاء عليه، وهاهي أيديهم لا تكون إلاّ مع أعداء الإسلام، يزعمون محاربة أمريكا وهم وإيّاها جبهة واحدة ضد الدين، ويرفعون شعار الديمقراطية وهم أعدى أعداء حرية الرأي والكلمة، وينادون بالوطنية وهم دائماً مع روسيا ضد مصالح أوطانهم، ويرفعون شعار القومية وهم دائماً مع أعداء قوميتهم وخاصة العرب منهم، هؤلاء هم العدو الأول للمسلمين في بلاد الإسلام.
2- اليهود وأذنابهم:
زرع اليهود أنفسهم في أرض فلسطين بعد غياب عن هذه الأرض لنحو من ثلاثة آلاف سنة، وقد علموا علم اليقين أنّه لا بقاء لهم إلاّ مع فرقة العالم الإسلامي، وضياعه وشتاته، فهم لم يستطيعوا أبدا إنشاء وطن لهم في فلسطين عندما كان المسلمون أمة واحدة أو شبه واحدة، ولكن لما تفرق المسلمون شيعاً وأحزاباً وأوطاناً وزالت خلافتهم الإسلامية، ووقعوا تحت حكم الكفار من الإنجليز والفرنسيين استطاع اليهود إنشاء وطنهم في فلسطين.
واليهود اليوم يعلمون علماً لا يتطرق إليه شك أنّه في الوقت الذي تقوم بأرض الإسلام دولة قوية، ووحدة بين أوطانه فإنّه لا بقاء لهم، ولذلك فهم يعملون بكل ما أوتوا من قوة لتشتيت هذه الأمة وضياعها، وإبقاء دولها فقيرة عاجزة مكبلة بالديون والفقر والتخلف، مرتبطة مرهونة بالاستعمار الشرقي والغربي، ويعلم اليهود بل كل عدو للمسلمين أنّ سر قوة المسلمين إنّما هو عقيدتهم وإسلامهم فهو الذي يستطيع أن يجمع شتاتهم، ويوحد دولهم، ويبعث العزة والحمية في نفوسهم، ويؤجج العداوة الدائمة لهم، وذلك لما في القرآن والسنة من لعنهم وسبهم وعداوتهم، وبما في التاريخ الإسلامي من التعريف بغدرهم ومكرهم ودهائهم.. ومن أجل ذلك كله يعادي اليهود الإسلام والمسلمين، ولما كان إظهارهم لهذه العداوة، قد ينقلب عليهم بنتائج عكسية حين يتحمس المسلمون لدينهم، فإنّ اليهود قد فضلوا أن يحاربوا الإسلام عن طريق عملاء لهم من أبناء المسلمين أنفسهم.
ولذلك عملوا في كل التاريخ على تكوين ما اصطلح على تسميته بالفرق الباطنية التي ترجع معظمها إلى مؤسسين من اليهود نشروا الفكرة وتركوها تنمو في أوساط المسلمين، وهم أيضاً الذين نشروا العقيدة الشيوعية أول ما جاءت إلى البلاد العربية ثم تركوها تنموا في أوسط المسلمين، وهم اليوم وراء تشجيع كل نحلة وطائفة وفرقة يمكن أن تمزق الجسد الإسلامي، ولهذا فهم اليوم وراء الباطنيين والدروز والأحزاب الشيوعية، والطوائف على اختلاف أنواعها، وهم اليوم خلف كل دعوات التحلل من الإسلام والميوعة عن طريق منظماتهم العالمية السرية والعلنية كالماسونية والأندية المختلفة، وهم اليوم وراء ترويج الفواحش والمخدرات، والتعري، وكل ما يمكن أن يسلخ المسلم عن دينه وهم اليوم وراء تشجيع المنظمات النسائية اللادينية، وثورات العمال والشباب، وقد استطاع اليهود الدخول إلى كل ذلك عن طريق المنظمات الرهيبة التابعة لهم والتي أسسوها على مدى ثلاثة آلاف سنة، وعن طريق أجهزة الإعلام التي امتلكوا أكثرها وعن طريق أماكن الثقافة والفكر المتخصصة وخاصة في البيوت الاستشارية وعن طريق أساتذة الجامعات في أمريكا وأوروبا.
إنّ نصيحة واحدة من بيت من هذه البيوت لحاكم واحد من حكام المسلمين تقول له: احذر الجماعات الإسلامية الفلانية لأنّ فيها خطراً على حكمك وسلطانك، وهذه النصيحة التي قد لا تتعدى بضع ورقات من بيت من البيوت الاستشارية التابعة لليهود كافية لأن ينظم هذا الحاكم حملة شعواء لحرب الإسلام في بلده، خاصة إذا اقترنت هذه النصيحة بكيفية حرب هذه الجماعات وأنّها يجب أن تكون بكذا وكذا وكذا.. إلخ. وإنّ مقالاً واحداً يكتب في صحيفة سيارة كالتايم، والنيوزويك والتايمز.. يطبع منه ملايين بشتى اللغات يحذر فيه كاتب المقال حكومة ما من خطر إسلامي، كاف جداً لتجنيد كل إمكانيات هذا البد لحرب الإسلام بل إنّ الحملة الشعواء الآن التي يشترك فيها العالم أجمع تقريباً ضد الإسلام على امتداد الكرة الأرضية قد كانت بفعل بعض المقالات المتناثرة في عدد من هذه الصحف السيارة التي باتت تحذر من الخطر الإسلامي المرتقب وهكذا استطاع اليهود رغم قلتهم العددية أن يكون لهم أبلغ الأثر في حرب الإسلام، وذلك بالرغم من عدم ظهورهم العلني السافر.
3- أمريكا وعملاؤها وأذنابها:
أمريكا مارد عملاق وأخطبوط بألف ذراع قد تمكن اليهود من عقله وتغلغلوا في احشائه ومصوا دماءه لصالحهم، وركبوا هذا الثور المجنون وجعلوه ينطح من أجل مصالحهم وإن حطم أنفه وجبهته، ما دام أنّه ينطح أعداء اليهود، ويقتل أعداء اليهود، وقد استخدم اليهود مقدرات أمريكا في صالحهم دائماً، فالأموال الأمريكية هي التي تحمي الاقتصاد اليهودي، وتمده، والسلاح الأمريكي هو الذي يحمي الصهاينة، والسياسة الأمريكية هي التي تفرض حمايتها لليهود، وفي مقابل ذلك يبيع اليهود للأمريكيين الوهم بأنّهم حراس مصالحهم في العالم الإسلامي وأنّهم السد الذي يمنع عنهم الشيوعية التي يخافونها، وتبيعهم أسرار الدول العربية المستباحة، ويسهلون لهم الوصول إلى ثروات العالم الإسلامي المنهوبة بما لليهود من خبرة في السمسرة والتضليل وإفساد الدول العربية المستباحة، ويسهلون لهم الوصول إلى ثروات العالم الإسلامي المنهوبة بما لليهود من خبرة في السمسرة والتضليل وإفساد الذمم والرشاوي. هذا ما يبيعه اليهود لأمريكا في مقابل مص دمائهم، والركوب فوق ظهورهم وتسخيرهم في مصالحهم، ومن أعظم ما يستخدم فيه اليهود أمريكا هو ضري الإسلام ومحاربته والتضييق عليه.
فأمريكا هي التي توعز إلى عملائها في العالم الإسلامي بضرب الإسلام، والخروج منه إلى حريتهم الزائفة، وأمريكا هي التي لا تفتأ تحذر عملاءها ممّن تسميهم المتطرفين المسلمين، وهي التي تقدم نصائحها لأذنابها. بل إنّ أمريكا هذه القوة العمياء هي التي تمول كثيراً من الأحزاب الشيوعية في العالم الإسلامي وذلك بهدف ضرب الإسلام، وذلك أنّها تعتقد أنّ ديمقراطية الغرب لا تستطيع أن تقف أمام المد الإسلامي ولذلك تستعين بالعقيدة الشيوعية والعملاء الشيوعيين لضرب الإسلام والمسلمين. وهكذا تظل أمريكا حصاناً مزدوجاً يركبه اليهود ويركبون عليه أيضاً عملاؤهم وأفراخهم، فبالأموال الأمريكية يحارب اليهود الإسلام وينشرون الشيوعية ويمكنون اليهود في بلاد المسلمين.
وهكذا يعمل لأمريكا في بلاد المسلمين خليط عجيب متناقض شكلاً ولكنّه يتفق هدفاً ومضموناً. فمن يساري متشدق بالشيوعية، إلى منحل لا ديني، إلى امرأة حاقدة على كل استقامة وعفة، إلى حاكم جبان رعديد عدو لأمته ودينه، كل هؤلاء يجتمعون لحرب الإسلام والنيل منه. وهم أشتات وأخلاط ومذاهب.
4- أهل المصالح التافهة والرغبات الصغيرة:
الصنف الرابع من الأصناف التي تحارب الإسلام من أبناء الإسلام هو كل جاهل غبي يجهل تاريخ أمته ودينه، ممّن يقدم مصالحه الصغيرة التافهة على مصلحة أمته.. فقد يرى في الإسلام مانعا لكسبه للمال عن طريق الربا والحرام، ولاستمتاعه بالزنا والفجور، ولرياسته وتسلطه، ولشهواته، وأهوائه، من أجل ذلك يرى في الإسلام عدواً وحاجزاً أمام شهواته.
ومن هذا الصنف أيضاً أناس عميت أبصارهم، ونقل لهم الإسلام مشوهاً ممسوخاً فظنوه فقط سيفاً يقطع الأيدي والرقاب، وسوطاً يجلد الظهور، أو ظنوه ركونا إلى الجهل والتخلف، قعوداً عن العلم والعمل، أو حسبوا الإسلام طريقاً إلى الفرقة والشتات، وسبيلاً إلى الخراب وسفك الدماء.
وممّا ساعد على وجود هذا الصنف الجاهل وجود بعض النماذج الإسلامية الجاهلة، والحاقدة التي ضربت للإسلام أبشع الأمثلة وصورته بأقبح الصور، ولما كان هذا الصنف الجاهل يجهل حقيقة الإسلام، وتاريخه فإنّه ظن أنّ الإسلام هو هذا الذي يراه من هذه النماذج الهشة، والحاقدة، والجاهلة.
وهذا الصنف الرابع هو أكثر الأصناف اليوم وجوداً، وهم ليسوا بالضرورة عملاء مباشرين للشيوعيين، أو اليهود أو الأمريكيين في حربهم للإسلام، بل كثيراً ما تكون منطلقاتهم في حرب الدين منطلقات خاصة، وتحركات فردية وقناعات ذاتية، ولكنهم بالضرورة أيضا دُمى يحركها أعداء الإسلام، وقنابل موقوتة يفجرونها وقتما يشاؤون، وثيران تنطح بمجرد التحدي أو التحريض.
ولا شك أنّ من هذا الصنف أيضاً منافقون حاقدون يحاربون الإسلام كراهية وبغضاً، وعن علم أكيد بأنّه دين الحق وسبيل العز والنصر، ولكنهم كما قال الله في أسلافهم: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [سورة البقرة: 18].
المستقبل للإسلام:
بالرغم من كل ما قدمناه عن أعداء الدين المحدثين وحملتهم الجديدة عليه، إلاّ أنّ سعيهم إلى ضلال وتدبيرهم إلى تباب، والعاقبة للمتقين، والنصر للموحدين. والدليل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } [سورة غافر: 51].
وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} [سورة الفتح: 28].
وقوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} [سورة الأنفال: 59].
وإذا كانت هذه آيات عامة تبشر دائماً بنصر الدين، وعساكر الموحدين فإنّ السُنة الشريفة جاءت بالأخبار التفصيلية بأنّ الإسلام باق إلى آخر الدنيا، وأنّه لا تزال طائفة من أمة رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم قائمة بأمر الله إلى أن يقاتل آخرهم الدجال. وأنّه لو اجتمع كل من في الأرض جميعاً على أهل الإسلام ما كان لهم أن يستأصلوا شأفة المسلمين ويستبيحوا بيضتهم، وأنّ كسرى وقيصر ستنفق كنوزهما في سبيل الله، وأنّه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وأنّ مدينة هرقل "القسطنطينة" تفتح قبل "روما" وأنّ اليهود يقتلون آخر الزمان بأيدي المسلمين حتى إنّ الشجر والحجر لينادي المسلم قائلاً: "يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي ورائي فاقتله"!!
وأنّ عيسى بن مريم ينزل في دمشق على عساكر المسلمين وقد صفت للصلاة، وإمام المسلمين منهم، ويصلي عيسى بن مريم وراءه تكرمة لهذه الأمة، وأنّ الدجال الذي يدعي الألوهية والربوبية في آخر الزمان لا يتصدى له في الأرض إلاّ أهل الإسلام، وأنّه يُقتل بحربة عيسى بن مريم، وأنّ عيسى بن مريم ينزل ليحكم بشريعة القرآن فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، وينادي بصلاة أهل الإسلام، ويعبد الله على منهج محمد بن عبدالله، ولا شك أنّ خبر الرسول صلى الله عليه وسلم كله صدق فما أخبر عن شيء ممّا مضى وكان كذباً، وما أخبر عن شيء ممّا يجيء إلاّ وجاء كما أخبر به، ألم يخبر بهلاك كسرى وقيصر وإنفاق كنوزهما في سبيل الله وقد كان.. ممّا كان يُعد حُلماً بعيد المنال.
ألم يخبرنا بفتح القسطنطينية؟ وقد كان هذا عند المكذبين ضرباً من خيال وقد كان الأمر كما أخبر؟ والله ليقعن الأمر كما أخبر به الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، وقد بدأت بحمد الله تباشير ذلك.
أ- فهذه الصحوة الدينية في كل مكان، وهذا التوجه نحو الإسلام في كل صوب بداية الغيث وأول العودة، ولعل أبرز ما في هذه العودة إلى الإسلام من العبر والعظات، أنّ المتعلمين والمثقفين هم أول النّاس مُسارعة إلى الرجوع للدين، ممّا يدلك على أنّ العودة عودة علمية سليمة، وأنّها ليست عودة للجاهلين، ولا تقليداً للآباء والسابقين.
ب- وهذه حضارة الغرب والشرق يظهر إفلاسها وخرابها، وضنك أهلها، وشقاءهم بها، لقد عزلوا أنفسهم عن إلههم ومولاهم وخالقهم ـ ظنوا ـ فكانت النتيجة الحتمية جرياً وراء السراب وضياعاً للهدف والغاية، وظلمة النفوس والقلوب، وفراغاً يملأ الحياة، وتفريغاً للحياة من كل معنى شريف، وبل من كل معنى أصلاً.
ج- وهذه إرهاصات بزوغ شمس الإسلام نراها كل يوم رأي العين، ويعلمها البصير بتاريخ الأمم والشعوب، فقد يسر الله من الأحداث ما تخلصت به الأمة من أعظم طواغيتها، وأشد عُتاتها، بل هاهي الطواغيت تسقط طاغوتاً إثر طاغوت، وهذه البقية تعيش ما بقي لها من عُمر خائفة مذعورة يحيط بها الحراس من كل جانب، ولا ترى نور الشمس إلاّ تحت الحراب والمدافع والدبابات، بل تعيش ملعونة مرجومة، بل مفضوحة مكشوفة.. وهاهي دعوات الباطل التي جرى النّاس وراءها يوماً ما تنكشف للجميع على أنّها سراب خادع، وبريق زائل.. هاهي دعوات القومية، والإشتراكية، والانفتاحية، والحرية، وادعاء الرقي الكاذب، والإقليمية، يظهر للجميع خواؤها وتفاهتها.. وهذا هو نور الإسلام يشع من جديد تراه كل يوم هذه الوجوه المضيئة من شبابنا المؤمن وفتياتنا المؤمنات.
د- وهاهي أحداث العالم، ومجريات الأمور يوجهها خالق السموات والأرض، ومن بيده الملك كله، ومن يقلب الليل والنهار، لتخرج من جديد خير أمة أخرجت للنّاس بلباس جديد، وتاريخ جديد.
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة آل عمران: 26-27].
أليست كل هذه إرهاصات لقيام أمة الإسلام من جديد؟
بلى والله إنّها لكذلك!! واسألوا السيرة والتاريخ؟
المصدر اسلام اون لاين
تعليق