أقنعوني بالحجاب! المجيب د. لطف الله بن عبد العظيم خوجه
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /لباس المرأة التاريخ 5/6/1429هـ
السؤال أنا فتاة من بلاد الغرب، أحببت شاباً وهو يحبني، وهو يؤمن بالله، وكذا جميع أهله جميعهم مؤمنون بالله، ولكوني أحبه فقد اعتنقت الدين الإسلامي طواعية، ولكنني لا أقوى على الالتزام بالحجاب، فقد عشت واحداً وعشرين عاماً ولم أكن أرتديه، وهذا ما يتعبني ويؤرقني كثيرًا. فلماذا لم تشرع الديانات الأخرى مثل ما شرعه الدين الإسلامي من أحكام كثيرة، أليس الحب حرية؟! أليس الله يأمل أن يتواجد الحب والعاطفة حتى تعم وتنتشر بين الأهل والأقارب؟ إذاً لِمَ شرع مثل هذه المفاهيم، فإذا لم تكن مسلماً لم تستطع أن تتزوج بمسلمة. أعتقد أن الله يريد الخير لنا وللناس جميعا، فلماذا مثل هذا الإجبار الذي يفرضه الدين الإسلامي على الأفراد؟! فلماذا لا تتفكروا قليلاً؟ إذا استمرّ الوضع على هذا الحال انظروا كم عدد المتحابين الذين ستفرقهم مثل هذه المفاهيم، وفي كثير من الأحايين أشعر بأن كثيراً من البراهين والحجج الرئيسة في الدين الإسلامي ليس هناك طريق لفهمها. فالإنسان هو الحياة، وشرائع الأديان هي الموت، فلماذا لا يمكننا تغيير مثل هذه الحياة والمفاهيم؟!
الجواب الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نصوص كتابية في الحجاب:
- في سفر التكوين، الأصحاح الرابع والعشرون، عدد (64): "وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا؟، فقال العبد: هو سيدي. فأخذت البرقع وتغطت".
- وفي سفر التكوين، الأصحاح الثامن والثلاثين، عدد 14:" فخلعت عنها ثياب ترملها، وتغطت ببرقع، وتلففت"، وفي عدد 15: "لأنها كانت قد غطت وجهها".
- وفي نشيد الإنشاد الأصحاح الرابع، عدد 1: "ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت جميلة عيناك حمامتان من تحت نقابك".
- وفي الأصحاح الثالث من سفر أشعيا آية 18: "ينزع السيد ذلك اليوم زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة الحلق والأساور والبراقع والعصائب". يفعل ذلك عقوبة بنساء بني إسرائيل.
- وفي رسالة بولس إلى تيطس، الأصحاح الثاني، آية (4، 5، 6): "أن يكن محبات لرجالهن، ويحببن أولادهن، متعقلات عفيفات، ملازمات بيوتهن، صالحات خاضعات لرجالهن، لكي لا يُجَدَّف على كلمة الله".
- وفي القرآن في قصة موسى عليه السلام، في سورة القصص، مع المرأتين اللتين سقاهما من ماء مدين:
O "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما.."؛ أي تجلسان في ناحية حتى يسقي الرجال، ثم يسقيان.
o "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء"، وقد روي أنها كانت تمشي، تدله على الطريق، هو أمامها، وهي خلفه، تشير إليه بالحجر ترمي به.
حجاب المرأة ليس شرعا مخصوصا بشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل عام لكل بني آدم منذ وجدوا، وفي الشرائع السماوية كلها، ويستدل عليه كما يلي:
بأدلة نصية، كما تقدم ذكره من نصوص: التوراة، والرسائل الملحقة بالأناجيل، يؤمن بها النصارى، والقرآن. وهي صريحة وواضحة:
فنص التوراة ذكر أن المرأة في عهد إبراهيم عليه السلام وما بعده كانت تغطي وجهها: "فأخذت البرقع وتغطت". وكان يسمى كذلك نقابا.
ونص رسالة بولس: الأمر بملازمة النساء بيوتهن، وهذا أعظم الحجاب، وهو القرار في البيوت، لا تخرج إلا لحاجة.
ونص القرآن أن المرأة جاءت على استحياء، وهذا فعل المتحجبات ليس السافرات، وفي الأقوال المروية مشيها خلفه بأمر موسى عليه السلام، وهذا نادر الحدوث في مجتمع سافر، شائع الحدوث في مجتمع متحجب.. وقد ساق ابن جرير في التفسير (18/218) بسنده إلى عمر بن الخطاب أنه قال في قوله: "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء"، قال: "مستترة بكم درعها، أو بكم قميصها".
وساق بسنده كذلك إلى أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: "ليست بسلفع من النساء (قليلة الحياء) خراجة ولاجة. واضعة ثوبها على وجهها". ورواه عمر بن الخطاب كذلك.
وقبله انزواؤها وأختها، وحبسهما الغنم، وصبرهما عن السقي حتى يصدر الرعاء، وعدم مزاحمتهما الرجال في سقي الماء، وهذا صنيع هو أليق بالمحجبات منه بالسافرات.
* * *
وهناك دليل آخر عقلي فطري، مكون من مقدمتين ونتيجة:
- المقدمة الأولى: أن الشرائع أتت بحفظ الخلق والعرض.
- المقدمة الثانية: من أعظم ما يحفظ به الخلق والعرض الحجاب.
- النتيجة: الشرائع أتت بالحجاب.
فأما المقدمة الأولى فلا جدال فيها، فلا تحتاج إلى استدلال إذن، فهي عقيدة يقينية عند كل من آمن بالله واليوم الآخر والنبيين، لا يمكن إلا أن يظن بالله خيرا؛ أنه أراد حفظ ما ينفع الناس، ومن ذلك الأخلاق والأعراض، وأي فساد أعظم من تضييعهما، فما كان الله تعالى ليفعل ذلك بالناس.
أما الثانية، فقد ذكر فيها أن الحجاب من أعظم الوسائل في حفظ العرض والخلق، وليس الوحيد، فهناك كذلك من وسائل الحفظ: التربية، والتعليم، والتوعية، والعقوبة.
وإثبات أنه وسيلة مبني على إثبات حالة فطرية ونزعة غريزية في الإنسان، هي: ميله إلى الجنس الآخر ميلا قويا. إن ثبتت هذه الغريزة فقد ثبت كون الحجاب حافظا للخلق والعرض. ويتوصل إلى هذا الإثبات بالطريق التالية:
الغريزة الجنسية متعلقة بالبدن، تزيد بزيادة المساحة المكشوفة منه، وتقل بقلة المساحة المشكوفة، والحجاب يغطي جميع البدن، فهو إذن يساعد بكفاءة بالغة على تسكين الغريزة الجنسية؛ لأن العين إذا لم تجد ما تنظر إليه من بدن المرأة، انصرفت إلى أشياء أخرى، فينشغل القلب بما أرسل إليه العين، أما إذا كانت العين تنظر، فإنها ترسل إلى القلب ما رأت من بدن المرأة وما فيه من حسن، فينشغل القلب، ويرد عليه ما يثير الهوى ويحرك الشهوة، فقد يتحرك لتسكينه بما يتفق، ولو من طريق الزنا، وهذا هو ما يحدث كثيرا في المجتمعات التي تسفر فيها المرأة، فيضيع الخلق والعرض، كما هو معروف.
فثبت بذلك: أن الحجاب من أعظم ما يحفظ به الخلق والعرض.
* * *
الشرائع السماوية من يهودية ونصرانية وإسلام وغيرها، كلها تضمنت الحجاب؛ ذلك لأن الشرائع جميعها متفقة في أصول العقائد، والمعاملات، والعبادات، والأخلاق، والحجاب من أصول الأخلاق، فكما حرم الشرك في سائرها، وكذلك الربا، وكلها فيها أمر بالصلاة، كذلك كلها فيها تحريم الزنا، وأمر بالحجاب، وهو تميز المرأة عن الرجال، وتباعدها عنهم، وتغطيتها لبدنها حتى الوجه من ذلك.
وإذا كانت الديانات الوضعية خالية من ذلك، فذلك لأنها من وضع البشر، وحينئذ فلا يقال: لم خليت من الأمر بالحجاب... لاختلاف مصدر التشريع، هذا من عند الله، وهذا من عند غير الله، قال تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا".
فالإسلام إذن لم يتفرد من بين سائر الشرائع بالحجاب، كما أن بعض البلاد كالسعودية لم تتفرد بحجاب الوجه من دون سائر البلاد، بل هو حكم عام على الجميع، عمل به كثير من النساء على مر الزمان، واختلاف المكان، وتعدد الشرائع.
* * *
في هذه الدنيا حقائق مهمة سوى الحرية، منها العبودية لله تعالى وحده، وهو حقيقة الحقائق، فحرية الإنسان تملي عليه أن يفعل ما يهوى ويشاء، والعلمانية تبيح له ذلك، بشرط ألا يؤذي أحدا، لكن العبودية لله تعالى تزيد شرطا آخر هو: أن يقف بحريته عند أمر الله تعالى؛ إيجابه ونهيه وإذنه، وإلا كان خارجا عن طاعة الله تعالى، عاصيا.
وتزوج المرأة المسلمة من غير المسلم، أو المسلم من مشركة، تجاوز في الحدود، ومناقضة للعبودية التي تمنع من ذلك، فالحرية الشخصية تبيح، لكن العبودية تمنع، وواجبات العبودية مقدمة على بنود الحرية؛ ذلك لأن العبودية هي الطاعة لله تعالى، والله تعالى لا يأمر عبدا بما فيه ضرره في المحصلة الأخيرة، بل يكتب له العاقبة الحسنى، ولو بعد حين، وفي الآخرة عاقبته لا شك خير..
وأما الحرية فهي طاعة النفس وهواها، والنفس أمارة بالسوء، وقد يسوقها الشيطان، فتملي على الإنسان ما يضره في المحصلة النهائية الأخيرة، فلا يأمن عاقبة السوء بسببها، ولو بدا الأمر في أوله جميلا؛ لذا كان من العقل تقديم العبودية على الحرية، طلبا للسلامة في الدنيا والآخرة.
والمسلمة إذا تزوجت بكافر، تقديما للحرية على العبودية، فذلك يفتح عليها بابا لغيره، بترك الإسلام إلى دين الزوج؛ فحرية كتلك تقود إلى حرية كهذه، فمن قَبِلَ أولاً أن يخالف مقتضى بالعبودية بالإقدام على زواج محرم، انصياعا لداعي الهوى المسمى بالحرية، لا يأمن أن يتابع الانصياع حتى يهون عليه تغير الإسلام بالكلية، بسبب حب عارم وغرام لازم، وكم في المحبين ممن هم على استعداد لقتل أنفسهم لأجل معشوقيهم.
ذلك وجه.. ووجه آخر: أن العبودية لله تعالى إذا قدمت على الحرية الشخصية، فذلك يحقق علو الإسلام المأمور به شرعا، قال تعالى: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه".
ذلك لأن ديانات البشر إما وضعية، وهذه لا يصح أن تقارن بالمنزلة السماوية، أو أصلها سماوي لكنها محرفة، وهذه لا يجوز أن تقارن أو تساوى بدين كامل محفوظ من التبديل والتغيير والتحريف.
أما إذا قدمت الحرية الشخصية، فذلك يعني مخالفة الأمر الإلهي بإعلاء دين على الإسلام، بالانصياع لأوامره، وهذا هو العلو.
* * *
إن براهين الإسلام كالشمس، وعجز الإنسان عن فهمها، إما لقصور فيه، أو لقصور في المسؤول عنها، ودليل برهانه: عجز كافة الديانات عن مغالبته بالحجة، وما يلقاه من الانتشار الواسع
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /لباس المرأة التاريخ 5/6/1429هـ
السؤال أنا فتاة من بلاد الغرب، أحببت شاباً وهو يحبني، وهو يؤمن بالله، وكذا جميع أهله جميعهم مؤمنون بالله، ولكوني أحبه فقد اعتنقت الدين الإسلامي طواعية، ولكنني لا أقوى على الالتزام بالحجاب، فقد عشت واحداً وعشرين عاماً ولم أكن أرتديه، وهذا ما يتعبني ويؤرقني كثيرًا. فلماذا لم تشرع الديانات الأخرى مثل ما شرعه الدين الإسلامي من أحكام كثيرة، أليس الحب حرية؟! أليس الله يأمل أن يتواجد الحب والعاطفة حتى تعم وتنتشر بين الأهل والأقارب؟ إذاً لِمَ شرع مثل هذه المفاهيم، فإذا لم تكن مسلماً لم تستطع أن تتزوج بمسلمة. أعتقد أن الله يريد الخير لنا وللناس جميعا، فلماذا مثل هذا الإجبار الذي يفرضه الدين الإسلامي على الأفراد؟! فلماذا لا تتفكروا قليلاً؟ إذا استمرّ الوضع على هذا الحال انظروا كم عدد المتحابين الذين ستفرقهم مثل هذه المفاهيم، وفي كثير من الأحايين أشعر بأن كثيراً من البراهين والحجج الرئيسة في الدين الإسلامي ليس هناك طريق لفهمها. فالإنسان هو الحياة، وشرائع الأديان هي الموت، فلماذا لا يمكننا تغيير مثل هذه الحياة والمفاهيم؟!
الجواب الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نصوص كتابية في الحجاب:
- في سفر التكوين، الأصحاح الرابع والعشرون، عدد (64): "وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا؟، فقال العبد: هو سيدي. فأخذت البرقع وتغطت".
- وفي سفر التكوين، الأصحاح الثامن والثلاثين، عدد 14:" فخلعت عنها ثياب ترملها، وتغطت ببرقع، وتلففت"، وفي عدد 15: "لأنها كانت قد غطت وجهها".
- وفي نشيد الإنشاد الأصحاح الرابع، عدد 1: "ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت جميلة عيناك حمامتان من تحت نقابك".
- وفي الأصحاح الثالث من سفر أشعيا آية 18: "ينزع السيد ذلك اليوم زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة الحلق والأساور والبراقع والعصائب". يفعل ذلك عقوبة بنساء بني إسرائيل.
- وفي رسالة بولس إلى تيطس، الأصحاح الثاني، آية (4، 5، 6): "أن يكن محبات لرجالهن، ويحببن أولادهن، متعقلات عفيفات، ملازمات بيوتهن، صالحات خاضعات لرجالهن، لكي لا يُجَدَّف على كلمة الله".
- وفي القرآن في قصة موسى عليه السلام، في سورة القصص، مع المرأتين اللتين سقاهما من ماء مدين:
O "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما.."؛ أي تجلسان في ناحية حتى يسقي الرجال، ثم يسقيان.
o "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء"، وقد روي أنها كانت تمشي، تدله على الطريق، هو أمامها، وهي خلفه، تشير إليه بالحجر ترمي به.
حجاب المرأة ليس شرعا مخصوصا بشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل عام لكل بني آدم منذ وجدوا، وفي الشرائع السماوية كلها، ويستدل عليه كما يلي:
بأدلة نصية، كما تقدم ذكره من نصوص: التوراة، والرسائل الملحقة بالأناجيل، يؤمن بها النصارى، والقرآن. وهي صريحة وواضحة:
فنص التوراة ذكر أن المرأة في عهد إبراهيم عليه السلام وما بعده كانت تغطي وجهها: "فأخذت البرقع وتغطت". وكان يسمى كذلك نقابا.
ونص رسالة بولس: الأمر بملازمة النساء بيوتهن، وهذا أعظم الحجاب، وهو القرار في البيوت، لا تخرج إلا لحاجة.
ونص القرآن أن المرأة جاءت على استحياء، وهذا فعل المتحجبات ليس السافرات، وفي الأقوال المروية مشيها خلفه بأمر موسى عليه السلام، وهذا نادر الحدوث في مجتمع سافر، شائع الحدوث في مجتمع متحجب.. وقد ساق ابن جرير في التفسير (18/218) بسنده إلى عمر بن الخطاب أنه قال في قوله: "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء"، قال: "مستترة بكم درعها، أو بكم قميصها".
وساق بسنده كذلك إلى أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: "ليست بسلفع من النساء (قليلة الحياء) خراجة ولاجة. واضعة ثوبها على وجهها". ورواه عمر بن الخطاب كذلك.
وقبله انزواؤها وأختها، وحبسهما الغنم، وصبرهما عن السقي حتى يصدر الرعاء، وعدم مزاحمتهما الرجال في سقي الماء، وهذا صنيع هو أليق بالمحجبات منه بالسافرات.
* * *
وهناك دليل آخر عقلي فطري، مكون من مقدمتين ونتيجة:
- المقدمة الأولى: أن الشرائع أتت بحفظ الخلق والعرض.
- المقدمة الثانية: من أعظم ما يحفظ به الخلق والعرض الحجاب.
- النتيجة: الشرائع أتت بالحجاب.
فأما المقدمة الأولى فلا جدال فيها، فلا تحتاج إلى استدلال إذن، فهي عقيدة يقينية عند كل من آمن بالله واليوم الآخر والنبيين، لا يمكن إلا أن يظن بالله خيرا؛ أنه أراد حفظ ما ينفع الناس، ومن ذلك الأخلاق والأعراض، وأي فساد أعظم من تضييعهما، فما كان الله تعالى ليفعل ذلك بالناس.
أما الثانية، فقد ذكر فيها أن الحجاب من أعظم الوسائل في حفظ العرض والخلق، وليس الوحيد، فهناك كذلك من وسائل الحفظ: التربية، والتعليم، والتوعية، والعقوبة.
وإثبات أنه وسيلة مبني على إثبات حالة فطرية ونزعة غريزية في الإنسان، هي: ميله إلى الجنس الآخر ميلا قويا. إن ثبتت هذه الغريزة فقد ثبت كون الحجاب حافظا للخلق والعرض. ويتوصل إلى هذا الإثبات بالطريق التالية:
الغريزة الجنسية متعلقة بالبدن، تزيد بزيادة المساحة المكشوفة منه، وتقل بقلة المساحة المشكوفة، والحجاب يغطي جميع البدن، فهو إذن يساعد بكفاءة بالغة على تسكين الغريزة الجنسية؛ لأن العين إذا لم تجد ما تنظر إليه من بدن المرأة، انصرفت إلى أشياء أخرى، فينشغل القلب بما أرسل إليه العين، أما إذا كانت العين تنظر، فإنها ترسل إلى القلب ما رأت من بدن المرأة وما فيه من حسن، فينشغل القلب، ويرد عليه ما يثير الهوى ويحرك الشهوة، فقد يتحرك لتسكينه بما يتفق، ولو من طريق الزنا، وهذا هو ما يحدث كثيرا في المجتمعات التي تسفر فيها المرأة، فيضيع الخلق والعرض، كما هو معروف.
فثبت بذلك: أن الحجاب من أعظم ما يحفظ به الخلق والعرض.
* * *
الشرائع السماوية من يهودية ونصرانية وإسلام وغيرها، كلها تضمنت الحجاب؛ ذلك لأن الشرائع جميعها متفقة في أصول العقائد، والمعاملات، والعبادات، والأخلاق، والحجاب من أصول الأخلاق، فكما حرم الشرك في سائرها، وكذلك الربا، وكلها فيها أمر بالصلاة، كذلك كلها فيها تحريم الزنا، وأمر بالحجاب، وهو تميز المرأة عن الرجال، وتباعدها عنهم، وتغطيتها لبدنها حتى الوجه من ذلك.
وإذا كانت الديانات الوضعية خالية من ذلك، فذلك لأنها من وضع البشر، وحينئذ فلا يقال: لم خليت من الأمر بالحجاب... لاختلاف مصدر التشريع، هذا من عند الله، وهذا من عند غير الله، قال تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا".
فالإسلام إذن لم يتفرد من بين سائر الشرائع بالحجاب، كما أن بعض البلاد كالسعودية لم تتفرد بحجاب الوجه من دون سائر البلاد، بل هو حكم عام على الجميع، عمل به كثير من النساء على مر الزمان، واختلاف المكان، وتعدد الشرائع.
* * *
في هذه الدنيا حقائق مهمة سوى الحرية، منها العبودية لله تعالى وحده، وهو حقيقة الحقائق، فحرية الإنسان تملي عليه أن يفعل ما يهوى ويشاء، والعلمانية تبيح له ذلك، بشرط ألا يؤذي أحدا، لكن العبودية لله تعالى تزيد شرطا آخر هو: أن يقف بحريته عند أمر الله تعالى؛ إيجابه ونهيه وإذنه، وإلا كان خارجا عن طاعة الله تعالى، عاصيا.
وتزوج المرأة المسلمة من غير المسلم، أو المسلم من مشركة، تجاوز في الحدود، ومناقضة للعبودية التي تمنع من ذلك، فالحرية الشخصية تبيح، لكن العبودية تمنع، وواجبات العبودية مقدمة على بنود الحرية؛ ذلك لأن العبودية هي الطاعة لله تعالى، والله تعالى لا يأمر عبدا بما فيه ضرره في المحصلة الأخيرة، بل يكتب له العاقبة الحسنى، ولو بعد حين، وفي الآخرة عاقبته لا شك خير..
وأما الحرية فهي طاعة النفس وهواها، والنفس أمارة بالسوء، وقد يسوقها الشيطان، فتملي على الإنسان ما يضره في المحصلة النهائية الأخيرة، فلا يأمن عاقبة السوء بسببها، ولو بدا الأمر في أوله جميلا؛ لذا كان من العقل تقديم العبودية على الحرية، طلبا للسلامة في الدنيا والآخرة.
والمسلمة إذا تزوجت بكافر، تقديما للحرية على العبودية، فذلك يفتح عليها بابا لغيره، بترك الإسلام إلى دين الزوج؛ فحرية كتلك تقود إلى حرية كهذه، فمن قَبِلَ أولاً أن يخالف مقتضى بالعبودية بالإقدام على زواج محرم، انصياعا لداعي الهوى المسمى بالحرية، لا يأمن أن يتابع الانصياع حتى يهون عليه تغير الإسلام بالكلية، بسبب حب عارم وغرام لازم، وكم في المحبين ممن هم على استعداد لقتل أنفسهم لأجل معشوقيهم.
ذلك وجه.. ووجه آخر: أن العبودية لله تعالى إذا قدمت على الحرية الشخصية، فذلك يحقق علو الإسلام المأمور به شرعا، قال تعالى: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه".
ذلك لأن ديانات البشر إما وضعية، وهذه لا يصح أن تقارن بالمنزلة السماوية، أو أصلها سماوي لكنها محرفة، وهذه لا يجوز أن تقارن أو تساوى بدين كامل محفوظ من التبديل والتغيير والتحريف.
أما إذا قدمت الحرية الشخصية، فذلك يعني مخالفة الأمر الإلهي بإعلاء دين على الإسلام، بالانصياع لأوامره، وهذا هو العلو.
* * *
إن براهين الإسلام كالشمس، وعجز الإنسان عن فهمها، إما لقصور فيه، أو لقصور في المسؤول عنها، ودليل برهانه: عجز كافة الديانات عن مغالبته بالحجة، وما يلقاه من الانتشار الواسع
تعليق