مصطلحات إسلامية متعلقة بعلم النفس
1) النفس الموسوسة:هي النفس التي توسوس لصاحبها بالأفكار السلبية التي تثير القلق والاضطراب في داخل الإنسان. هذه الوساوس تأتي من مخاوف داخلية تتعلق بالمستقبل أو بالماضي أو بالذات. تتسم النفس الموسوسة بعدم الاستقرار وصعوبة الوصول إلى الطمأنينة والسكينة، حيث تكون مشغولة دائماً بأفكار وتخيلات تثير القلق وتشتت الانتباه.
يتجلى مفهوم النفس الموسوسة في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" (ق: 16). في هذه الآية، يؤكد الله عز وجل على علمه التام بما يدور في داخل الإنسان من وساوس وأفكار خفية، وأنه أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، مما يعني أن الله هو الأعلم بحقيقة ما يجول في نفس الإنسان من خواطر وأفكار.
تجعل النفس الموسوسة الإنسان في حالة دائمة من الشك والقلق، وقد تؤدي إلى اضطرابات نفسية إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح. يُنصح بمواجهة الوساوس بالتوكل على الله، والإكثار من الذكر والدعاء، والتفكر في آيات الله والتأمل في قدرته وعظمته، لتجد النفس الطمأنينة والسكينة في قربها من الله والاعتماد عليه.
2) النفس الُمسوِّلَة: ذُكرت النفس المسولة في القرآن الحكيم عدة مرات وهي تشير إلى النفس التي تزين لصاحبها ارتكاب الذنوب وتبرر له أفعاله الخاطئة وهي التي تخلق الأعذار وتسوغ الخطايا لصاحبها. هذه الآيات أدناه تشير إلى كيفية تسويغ النفس المسولة لأصحابها الأفعال السيئة وتبريرها لهم، مما يجعلهم يستمرون في الخطأ دون الشعور بالندم أو التراجع.
3) النفس المُطوِعة:ذُكرت هذه النفس في القرآن الكريم مرة واحدة في قوله تعالى: "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (المائدة: 30).
في هذه الآية، يُظهِر الله كيف أن نفس قابيل، ابن آدم، طاوعته وسوَّلت له قتل أخيه هابيل، مما أدى إلى ارتكابه أول جريمة قتل في تاريخ البشرية. يعكس هذا السلوك خضوع النفس لإغراءات الشر وانقيادها وراء الأفكار السلبية التي تقودها إلى الهلاك والخسران. يعكس هذا النموذج أهمية التحكم في النفس والسيطرة على الشهوات والرغبات السيئة، والسعي نحو الطاعة لله والابتعاد عن الوساوس النفسية. تختلف هذه النفس عن النفس المسولة من حيث أنها تحتاج إلى جهد أو مشقة على عكس النفس المسولة . وطاوع له إذا انقاد، وإذا مضى في أمرك فقد أطاعك، وإذا وافقك فقد طاوعك… وتقول: أنا طوع يدك أي منقاد لك. فالمطاوعة هي الموافقة والانقياد والاستجابة.
4) النفس الأمارة بالسوء: هي التي تأمر الإنسان وترغبه في القيام بالأعمال السيئة والشريرة. ويلاحظ أن هذه النفس أمارة بالسوء وليس فقط آمرة حيث أنها تأمر الإنسان بشكل متكرر بالقيام بالأعمال السيئة. ذكرت في القرآن الكريم في سورة يوسف الآية 53: "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَارَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ". تعكس هذه الآية الطبيعة المتأصلة في النفس البشرية التي تميل إلى الشر إلا إذا تم تحصينها برحمة الله ومغفرته. تعتبر النفس الأمارة بالسوء تحديًا دائمًا للإنسان، حيث يجب عليه مجاهدة هذه النزعات الشريرة والسيطرة عليها من خلال التقوى والإيمان والعمل الصالح.
5) النفس المفرّطة: هي النفس التي تفرط في أداء واجباتها وتقصّر في حقوق الله وحقوق الآخرين. تتسم هذه النفس بعدم الاكتراث لأوامر الله ونواهيه، والانغماس في الملذات والشهوات دون مبالاة بالنتائج المترتبة على ذلك. في القرآن الكريم، يتم تحذير المؤمنين من عواقب التفريط والإهمال، كما في قوله تعالى:
"أَن تَقُولَ نَفْسٌۭ يَـٰحَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِى جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ" (الزمر: 56)
6) النفس الهمامة: هي النفس التي تملأها الهموم والقلق وسوء الظن بالله تعالى، والتي تؤثر عليها الأفكار السلبية بشكل مستمر. ورد ذكر هذه النفس في القرآن الكريم في قوله تعالى: "... يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ..." (آل عمران: 154). تعكس الآية كيف أن النفس الهمامة تميل إلى الظنون السلبية والقلق، خاصة في أوقات الشدة.
7) النفس اللوامة: هي النفس التي تلوم صاحبها على أخطائه وتقصيره، والتي تسعى دائمًا إلى تصحيح مسارها وتحقيق التوبة والرجوع إلى الله. ورد ذكر هذه النفس في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ" (القيامة: 2). تشير الآية إلى أن هذه النفس لها دور مهم في توجيه الإنسان نحو الخير وتذكيره بضرورة التوبة والاستغفار.
8) النفس المبسلة:هي النفس التي تُحبس وتُمنع من النجاة والخلاص بسبب ما اقترفت من ذنوب ومعاصي، وتواجه عقوبات الله نتيجة لأفعالها السيئة. ورد ذكر هذه النفس في القرآن الكريم في قوله تعالى: "...وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ..." (الأنعام: 70). تعني كلمة "تُبْسَلَ" في الآية أن النفس تُحبس وتُعاقب بسبب أعمالها السيئة، ولا تجد من ينقذها من عذاب الله أو يشفع لها. توضح الآية أن هذه النفس تواجه مصيرها الحتمي نتيجة لأفعالها، وتشير إلى أهمية الإيمان والعمل الصالح كسبيل للنجاة من عذاب الله والابتعاد عن مصير النفس المبسلة.
9) النفس الشحيحة:هي النفس التي تتسم بالبخل والشح، والتي تسيطر عليها حب الدنيا والتملك والاحتفاظ بما لديها دون إنفاقه في سبيل الله. ورد ذكر هذه النفس في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ..." (النساء: 128)، وفي قوله: "وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (التغابن: 16). تعكس الآيتان أن النفس الشحيحة تحتاج إلى جهد كبير للتغلب على صفة البخل، وأن الفلاح يكون لمن ينجح في ذلك.
10) النفس المطمئنة (وتقسم إلى النفس الراضية والنفس المرضية):
النفس المطمئنة هي النفس التي حققت السكينة والرضا بفضل إيمانها العميق وثقتها في الله. تتصف هذه النفس بالرضا بما قسمه الله، والاستسلام لأمره، والشعور بالأمان الداخلي الذي ينبع من اليقين بالله وحبه. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه النفس في قوله تعالى:
"يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً" (الفجر: 27-28)
النفس المطمئنة هي النفس التي وصلت إلى حالة من السلام الداخلي والرضا بفضل إيمانها العميق وثقتها في الله. القرآن الكريم يدعو إلى تحقيق هذه الحالة من خلال الذكر والدعاء، المواظبة على العبادة، والتفكر في آيات الله، والتحلي بالصبر والشكر. هذه النفس هي التي ترجع إلى ربها راضية مرضية، حائزة على رضى الله ونعيمه الأبدي.
11) النفس المُلهَمة : النفس الملهمة هي النفس التي تستقبل الإلهام والتوجيه من الله، وتتصف بالإبداع والابتكار. هذه النفس تستمد قوتها وأفكارها من الفطرة السليمة والهداية الربانية. هي نفس مطمئنة تستشعر التوجيه الرباني في قراراتها وأفعالها.
قال الله تعالى في سورة الشمس: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا" (الآيات 7-8). تشير هذه الآية إلى أن الله قد ألهم الإنسان الطريقين، طريق الفجور وطريق التقوى، مما يبرز دور الإلهام في توجيه النفس.
12) النفس البصيرة: هي النفس التي تتمتع بقدرة عالية على الإدراك والفهم العميق والنوراني للأمور، والتمييز بين الحق والباطل. إنها النفس التي تستطيع رؤية الأمور بوضوح ومعرفة العواقب والأهداف بشكل حكيم. هذه النفس تستفيد من تجاربها وتتعلم من أخطائها، وتتحلى بالبصيرة النافذة التي تمكنها من اتخاذ القرارات الصائبة.
قال الله تعالى في سورة القيامة: "بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ" (الآية 14). تشير هذه الآية إلى أن الإنسان في قرارة نفسه يعرف الحق ويستطيع تمييزه، ولكن قد يعميه الهوى والضلال عن اتباعه. القرآن والسنة كأحد مصادر العلاج النفسي
يحقق منهج الإسلام أركان الصحة النفسية في بناء شخصية المسلم بتنمية هذه الصفات الأساسية:
1- قوة الصلة بالله: وهي أمر أساسي في بناء المسلم في المراحل الأولى من عمره حتى تكون حياته خالية من القلق والاضطرابات النفسية. وتتم تقوية الصلة بالله بالتوبة النصوح من الذنوب والإكثار من ذكره عز وجل وتدبر كتابه واتباع أوامره واجتناب نواهيه. يقول تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى). (طه 124) وكذلك قوله (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) وكذلك {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب } (الرعد : 28 ) وأيضاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) وأيضاً (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ). بالإضافة إلى قوله تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)، وأيضاً (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء)، وكذلك(يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين).
2- توافق المسلم مع نفسه: حيث انفرد الإسلام بأن جعل سن التكليف هو سن البلوغ للمسلم وهذه السن تأتي في الغالب مبكرة عن سن الرشد الاجتماعي الذي تقرره النظم الوضعية وبذلك يبدأ المسلم حياته العملية وهو يحمل رصيداً مناسباً من الأسس النفسية السليمة التي تمكنه من التحكم والسيطرة على نزعاته وغرائزه وتمنحه درجة عالية من الرضا عن نفسه بفضل الإيمان والتربية الدينية الصحيحة التي توقظ ضميره وتقوي صلته بالله.
3- توافق المسلم مع الآخرين: الحياة بين المسلم والأخرين حياة تعاون على البر والتقوى، والتسامح هو الطريق الذي يزيد المودة بينهم ويبعد البغضاء، وكظم الغيظ والعفو عن الناس دليل على تقوى الله وقوة التوازن النفسي: (“وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيم”)، (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)) (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)) (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ...)
4- الأكل الصحي وعدم الإسراف في الأكل: اعتنى الإسلام بالنظام الغذائي الذي يؤمن للجسم نمواً سليماً ومتكاملاً، والتغذية في الإسلام تقوم على نظام يعتمد الاعتدال في الطعام والشراب، ويتجنب الإسراف، قال تعالى: (كلوا من طيبات ما رزقناكم) و(وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).
5- تقوية الجسم عن طريق الرياضة اليومية:لقول النبي : [المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير]. وقال أيضا: [وإن لجسد عليك حقا] واستعاذته اليومية من العجز والكسل. الرياضات التي تقوي الجسم كلها مشروعة، وقد روي في بعض الأحاديث المأثورة حق الولد على والده أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي، وجاء عن عمر "علِّموا أولادكم السباحة والرماية، ومروهم فليثبوا على ظهور الخيل وثباً"
6- المبادرة والمسارعة إلى عمل الأعمال الصالحة وعدم المماطلة والتسويفاتباعاً لقوله تعالى ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ وأيضًا {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وأيضاً { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} وأيضاً {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} وقوله {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا} وقول النبي {بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا} وقوله (اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك).
7- الصبر عند الشدائد: يربي الإسلام في المؤمن روح الصبر عند البلاء عندما يتذكر قوله تعالى: “وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ” وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له”.
8- المرونة في مواجهة الواقع والحرص على ما ينفع (فقه الآن): وهي من أهم مايحصن الإنسان من القلق أو الاضطراب حين يتدبر قوله تعالى: “وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ” وقوله تعالى ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا ﴾، فمِنْ هنا نستشعر قيمةَ اللحظة التي نعيشها الآن، وقول النبي (احرص على ما ينفعك). وقوله (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل))، فحتى في أشدِّ اللحظات التي ينسى فيها الإنسان أنه موجود يحثنا النبي على استغلال اللحظة الراهنة، والفسيلة هنا هي كل حركة خير يمتد صداها للآخر فتعود عليك بالنفْع، والقاسم المشترك بين الفسيلة وغيرها من الأعمال هو اللحظة الآنية.
9- التفاؤل وعدم اليأس والاستعانة بالله والاستعاذة من العجز والكسل والهم والحزن: فالمؤمن متفائل دائما لا يتطرق اليأس إلى نفسه فقد قال تعالى:(وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون) ويطمئن الله المؤمنين بأنه دائماً معهم، إذا سألوه فإنه قريب منهم ويجيبهم إذا دعوه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، ودعاء النبي (ألا أعلمُكَ كلامًا إذا قلتَه أذهَب اللهُ تعالى همَّكَ وقضى عنكَ دَينَكَ ؟ قُلْ إذا أصبَحتَ وإذا أمسَيتَ ؛ اللهم إني أعوذُ بكَ منَ الهمِّ والحزَنِ، وأعوذُ بكَ منَ العجزِ والكسلِ، وأعوذُ بكَ منَ الجُبنِ والبخلِ ؛ وأعوذُ بكَ مِن غلبةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ)وهذه قمة الأمن النفسي للإنسان.
10- التسديد والمقاربة والمواظبة على مجاهدة النفس وتزكيتها والسعي يومياً حتى ولو بأقل القليل اتباعاً لقوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وكذلك قول النبي (لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا)،وأيضاً قوله (أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها و إن قَلَّ)، وقوله (إنَّ هذا الدِّينَ يُسرٌ ولنْ يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلَّا غلَبه فسدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا).
11- الأخذ بالأسباب وعدم التحسر على ما فات اتباعاً لقوله تعالى (لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) وتجنب كلمات الندم مثل "لو"، وقول واعتقاد "قدّر الله وما شاء فعل" اتباعاً لقول النبي "وإن أصابَك شيءٌ فلا تقلْ : لو أني فعلتُ لكانَ كذا وكذا ، ولكن قلْ قدَّرَ اللهُ وما شاءَ فعلَ فإن لو تفتحُ عملَ الشيطانِ".
12- الثبات والتوازن الانفعالي: الإيمان بالله يشيع في القلب الطمأنينة والثبات والاتزان ويقي المسلم من عوامل القلق والخوف والاضطراب قال تعالى:” يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ “ “فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ “ “هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ”.
- فقه النفس: هو الفهم القوي والاستبصار والتبصر بالنفس،
- والفقه لغة: الفهم، والفقيه: هو الذي صار الفقه له سجية،
- وفقيه النفس: شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكلام،
- وفقه النفس في أمر ما هو: الصفة الممكن حصولها بالرياضة والممارسة حتى يكون الفقه سجية لفقيه النفس وملكة في نفسه، يستطيع من خلالها إدراك المعلومات من غير كلفة.
- تزكية النفس: التزكية تهدف إلى استنقاذ النفس من خيبة الفجور قصد الوصول بها إلى بر النجاة وفلاح التقوى، بعيدا عن التدسية والتغطية والانحراف والضلال المتأتين عن اتباع الهوى والإعراض عن الوحي.
- جهاد/مجاهدة النفس: جهاد النفس من أفضل أنواع الجهاد، قال تعالى:( وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ )[العنكبوت 6]
- وأيضاً "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين [العنكبوت:69]".
- "ويحصل هذا الجهاد الأكبر بمنع النفس عن المعاصي، وبمنعها من الشبهات، وبمنعها من الإكثار من الشهوات المباحة لتتوفر لها في الآخرة".
- تسويل النفس: معناه «التزيين» وقد يأتي بمعنى «الترغيب» وقد يأتي بمعنى «الوسوسة» كما في بعض التفاسير.
- وقد استخدم هذا المصطلح عدة مرات في القرآن في إشارة إلى أنه حين يغلب الهوى على نفس الإنسان،
- فإنه يتخيل أن أقبح الجنايات أمر مقبول، كما لو كان ذلك إبعاد الأخ أو حتى قتله،
- وهذه تعتبر أحد المخادعات النفسية، بحيث يجعل الميل المفرط والرغبة الجامحة لأمر ما ـ وخاصّة مع اقترانهما بالرذائل الأخلاقية ـ غشاوة على إِحساس الإِنسان، فتنقلب عنده الحقائق وتتغير صورها.
- مطاوعة النفس: هي الموافقة والانقياد والاستجابة،
- ومنه قوله تعالى ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٣٠﴾ [المائدة:30]
- أي تابعته وشجعته وأعانته وأجابته. وتختلف عن التسويل من ناحية أنها تحتاج إلى جهد وبذل أكبر.
- فقه الآن أو فقه اللحظة: هو الانشغال بالحاضر وعدم التفكير المفرط بالماضي أو بالمستقبل.
- الفطرة: تعني «الخِلْقة» التي خلق الله سبحانه عليها نفس الإنسان وتتجلى في قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًۭا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
- الصبغة: هي الصفات المكتسبة التتي تتصف بها النفس عند اتباع دين الله الحنيف وتتجلى في قوله تعالى: (صِبْغَةَ ٱللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةًۭ ۖ وَنَحْنُ لَهُۥ عَـٰبِدُونَ).
- البصيرة: البصيرة هي الفطنة، وهي نور يقذفه الله في القلب، يفرّق ما بين الحق والباطل، والخير والشرّ.
- الأمانة: هي الإرادة الحُرَّة التي عرضها الله على الإنسان وحملها الإنسان وتتجلى في قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).
- الربانية: هي أحد المصطلحات الإسلامية القرآنية التي قل استخدامها في العصر الحديث والرباني هو: العالم العامل المعلم المتمسك بدين الله وطاعته، البصير في سياسة الناس وقد الربانية في قوله تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا۟ عِبَادًۭا لِّى مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُوا۟ رَبَّـٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ).
1) النفس الموسوسة:هي النفس التي توسوس لصاحبها بالأفكار السلبية التي تثير القلق والاضطراب في داخل الإنسان. هذه الوساوس تأتي من مخاوف داخلية تتعلق بالمستقبل أو بالماضي أو بالذات. تتسم النفس الموسوسة بعدم الاستقرار وصعوبة الوصول إلى الطمأنينة والسكينة، حيث تكون مشغولة دائماً بأفكار وتخيلات تثير القلق وتشتت الانتباه.
يتجلى مفهوم النفس الموسوسة في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" (ق: 16). في هذه الآية، يؤكد الله عز وجل على علمه التام بما يدور في داخل الإنسان من وساوس وأفكار خفية، وأنه أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، مما يعني أن الله هو الأعلم بحقيقة ما يجول في نفس الإنسان من خواطر وأفكار.
تجعل النفس الموسوسة الإنسان في حالة دائمة من الشك والقلق، وقد تؤدي إلى اضطرابات نفسية إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح. يُنصح بمواجهة الوساوس بالتوكل على الله، والإكثار من الذكر والدعاء، والتفكر في آيات الله والتأمل في قدرته وعظمته، لتجد النفس الطمأنينة والسكينة في قربها من الله والاعتماد عليه.
2) النفس الُمسوِّلَة: ذُكرت النفس المسولة في القرآن الحكيم عدة مرات وهي تشير إلى النفس التي تزين لصاحبها ارتكاب الذنوب وتبرر له أفعاله الخاطئة وهي التي تخلق الأعذار وتسوغ الخطايا لصاحبها. هذه الآيات أدناه تشير إلى كيفية تسويغ النفس المسولة لأصحابها الأفعال السيئة وتبريرها لهم، مما يجعلهم يستمرون في الخطأ دون الشعور بالندم أو التراجع.
- وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْم أنفسكم ۖأمرا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَاتَصِفُونَ ﴿١٨ يوسف﴾
- قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴿٨٣ يوسف﴾
- قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِالرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴿٩٦ طه﴾
3) النفس المُطوِعة:ذُكرت هذه النفس في القرآن الكريم مرة واحدة في قوله تعالى: "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (المائدة: 30).
في هذه الآية، يُظهِر الله كيف أن نفس قابيل، ابن آدم، طاوعته وسوَّلت له قتل أخيه هابيل، مما أدى إلى ارتكابه أول جريمة قتل في تاريخ البشرية. يعكس هذا السلوك خضوع النفس لإغراءات الشر وانقيادها وراء الأفكار السلبية التي تقودها إلى الهلاك والخسران. يعكس هذا النموذج أهمية التحكم في النفس والسيطرة على الشهوات والرغبات السيئة، والسعي نحو الطاعة لله والابتعاد عن الوساوس النفسية. تختلف هذه النفس عن النفس المسولة من حيث أنها تحتاج إلى جهد أو مشقة على عكس النفس المسولة . وطاوع له إذا انقاد، وإذا مضى في أمرك فقد أطاعك، وإذا وافقك فقد طاوعك… وتقول: أنا طوع يدك أي منقاد لك. فالمطاوعة هي الموافقة والانقياد والاستجابة.
4) النفس الأمارة بالسوء: هي التي تأمر الإنسان وترغبه في القيام بالأعمال السيئة والشريرة. ويلاحظ أن هذه النفس أمارة بالسوء وليس فقط آمرة حيث أنها تأمر الإنسان بشكل متكرر بالقيام بالأعمال السيئة. ذكرت في القرآن الكريم في سورة يوسف الآية 53: "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَارَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ". تعكس هذه الآية الطبيعة المتأصلة في النفس البشرية التي تميل إلى الشر إلا إذا تم تحصينها برحمة الله ومغفرته. تعتبر النفس الأمارة بالسوء تحديًا دائمًا للإنسان، حيث يجب عليه مجاهدة هذه النزعات الشريرة والسيطرة عليها من خلال التقوى والإيمان والعمل الصالح.
5) النفس المفرّطة: هي النفس التي تفرط في أداء واجباتها وتقصّر في حقوق الله وحقوق الآخرين. تتسم هذه النفس بعدم الاكتراث لأوامر الله ونواهيه، والانغماس في الملذات والشهوات دون مبالاة بالنتائج المترتبة على ذلك. في القرآن الكريم، يتم تحذير المؤمنين من عواقب التفريط والإهمال، كما في قوله تعالى:
"أَن تَقُولَ نَفْسٌۭ يَـٰحَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِى جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ" (الزمر: 56)
6) النفس الهمامة: هي النفس التي تملأها الهموم والقلق وسوء الظن بالله تعالى، والتي تؤثر عليها الأفكار السلبية بشكل مستمر. ورد ذكر هذه النفس في القرآن الكريم في قوله تعالى: "... يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ..." (آل عمران: 154). تعكس الآية كيف أن النفس الهمامة تميل إلى الظنون السلبية والقلق، خاصة في أوقات الشدة.
7) النفس اللوامة: هي النفس التي تلوم صاحبها على أخطائه وتقصيره، والتي تسعى دائمًا إلى تصحيح مسارها وتحقيق التوبة والرجوع إلى الله. ورد ذكر هذه النفس في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ" (القيامة: 2). تشير الآية إلى أن هذه النفس لها دور مهم في توجيه الإنسان نحو الخير وتذكيره بضرورة التوبة والاستغفار.
8) النفس المبسلة:هي النفس التي تُحبس وتُمنع من النجاة والخلاص بسبب ما اقترفت من ذنوب ومعاصي، وتواجه عقوبات الله نتيجة لأفعالها السيئة. ورد ذكر هذه النفس في القرآن الكريم في قوله تعالى: "...وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ..." (الأنعام: 70). تعني كلمة "تُبْسَلَ" في الآية أن النفس تُحبس وتُعاقب بسبب أعمالها السيئة، ولا تجد من ينقذها من عذاب الله أو يشفع لها. توضح الآية أن هذه النفس تواجه مصيرها الحتمي نتيجة لأفعالها، وتشير إلى أهمية الإيمان والعمل الصالح كسبيل للنجاة من عذاب الله والابتعاد عن مصير النفس المبسلة.
9) النفس الشحيحة:هي النفس التي تتسم بالبخل والشح، والتي تسيطر عليها حب الدنيا والتملك والاحتفاظ بما لديها دون إنفاقه في سبيل الله. ورد ذكر هذه النفس في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ..." (النساء: 128)، وفي قوله: "وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (التغابن: 16). تعكس الآيتان أن النفس الشحيحة تحتاج إلى جهد كبير للتغلب على صفة البخل، وأن الفلاح يكون لمن ينجح في ذلك.
- وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ﴿١٢٨ النساء﴾
- وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٦ التغابن﴾
10) النفس المطمئنة (وتقسم إلى النفس الراضية والنفس المرضية):
النفس المطمئنة هي النفس التي حققت السكينة والرضا بفضل إيمانها العميق وثقتها في الله. تتصف هذه النفس بالرضا بما قسمه الله، والاستسلام لأمره، والشعور بالأمان الداخلي الذي ينبع من اليقين بالله وحبه. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه النفس في قوله تعالى:
"يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً" (الفجر: 27-28)
النفس المطمئنة هي النفس التي وصلت إلى حالة من السلام الداخلي والرضا بفضل إيمانها العميق وثقتها في الله. القرآن الكريم يدعو إلى تحقيق هذه الحالة من خلال الذكر والدعاء، المواظبة على العبادة، والتفكر في آيات الله، والتحلي بالصبر والشكر. هذه النفس هي التي ترجع إلى ربها راضية مرضية، حائزة على رضى الله ونعيمه الأبدي.
11) النفس المُلهَمة : النفس الملهمة هي النفس التي تستقبل الإلهام والتوجيه من الله، وتتصف بالإبداع والابتكار. هذه النفس تستمد قوتها وأفكارها من الفطرة السليمة والهداية الربانية. هي نفس مطمئنة تستشعر التوجيه الرباني في قراراتها وأفعالها.
قال الله تعالى في سورة الشمس: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا" (الآيات 7-8). تشير هذه الآية إلى أن الله قد ألهم الإنسان الطريقين، طريق الفجور وطريق التقوى، مما يبرز دور الإلهام في توجيه النفس.
12) النفس البصيرة: هي النفس التي تتمتع بقدرة عالية على الإدراك والفهم العميق والنوراني للأمور، والتمييز بين الحق والباطل. إنها النفس التي تستطيع رؤية الأمور بوضوح ومعرفة العواقب والأهداف بشكل حكيم. هذه النفس تستفيد من تجاربها وتتعلم من أخطائها، وتتحلى بالبصيرة النافذة التي تمكنها من اتخاذ القرارات الصائبة.
قال الله تعالى في سورة القيامة: "بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ" (الآية 14). تشير هذه الآية إلى أن الإنسان في قرارة نفسه يعرف الحق ويستطيع تمييزه، ولكن قد يعميه الهوى والضلال عن اتباعه. القرآن والسنة كأحد مصادر العلاج النفسي
يحقق منهج الإسلام أركان الصحة النفسية في بناء شخصية المسلم بتنمية هذه الصفات الأساسية:
1- قوة الصلة بالله: وهي أمر أساسي في بناء المسلم في المراحل الأولى من عمره حتى تكون حياته خالية من القلق والاضطرابات النفسية. وتتم تقوية الصلة بالله بالتوبة النصوح من الذنوب والإكثار من ذكره عز وجل وتدبر كتابه واتباع أوامره واجتناب نواهيه. يقول تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى). (طه 124) وكذلك قوله (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) وكذلك {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب } (الرعد : 28 ) وأيضاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) وأيضاً (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ). بالإضافة إلى قوله تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)، وأيضاً (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء)، وكذلك(يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين).
2- توافق المسلم مع نفسه: حيث انفرد الإسلام بأن جعل سن التكليف هو سن البلوغ للمسلم وهذه السن تأتي في الغالب مبكرة عن سن الرشد الاجتماعي الذي تقرره النظم الوضعية وبذلك يبدأ المسلم حياته العملية وهو يحمل رصيداً مناسباً من الأسس النفسية السليمة التي تمكنه من التحكم والسيطرة على نزعاته وغرائزه وتمنحه درجة عالية من الرضا عن نفسه بفضل الإيمان والتربية الدينية الصحيحة التي توقظ ضميره وتقوي صلته بالله.
3- توافق المسلم مع الآخرين: الحياة بين المسلم والأخرين حياة تعاون على البر والتقوى، والتسامح هو الطريق الذي يزيد المودة بينهم ويبعد البغضاء، وكظم الغيظ والعفو عن الناس دليل على تقوى الله وقوة التوازن النفسي: (“وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيم”)، (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)) (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)) (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ...)
4- الأكل الصحي وعدم الإسراف في الأكل: اعتنى الإسلام بالنظام الغذائي الذي يؤمن للجسم نمواً سليماً ومتكاملاً، والتغذية في الإسلام تقوم على نظام يعتمد الاعتدال في الطعام والشراب، ويتجنب الإسراف، قال تعالى: (كلوا من طيبات ما رزقناكم) و(وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).
5- تقوية الجسم عن طريق الرياضة اليومية:لقول النبي : [المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير]. وقال أيضا: [وإن لجسد عليك حقا] واستعاذته اليومية من العجز والكسل. الرياضات التي تقوي الجسم كلها مشروعة، وقد روي في بعض الأحاديث المأثورة حق الولد على والده أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي، وجاء عن عمر "علِّموا أولادكم السباحة والرماية، ومروهم فليثبوا على ظهور الخيل وثباً"
6- المبادرة والمسارعة إلى عمل الأعمال الصالحة وعدم المماطلة والتسويفاتباعاً لقوله تعالى ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ وأيضًا {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وأيضاً { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} وأيضاً {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} وقوله {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا} وقول النبي {بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا} وقوله (اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك).
7- الصبر عند الشدائد: يربي الإسلام في المؤمن روح الصبر عند البلاء عندما يتذكر قوله تعالى: “وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ” وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له”.
8- المرونة في مواجهة الواقع والحرص على ما ينفع (فقه الآن): وهي من أهم مايحصن الإنسان من القلق أو الاضطراب حين يتدبر قوله تعالى: “وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ” وقوله تعالى ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا ﴾، فمِنْ هنا نستشعر قيمةَ اللحظة التي نعيشها الآن، وقول النبي (احرص على ما ينفعك). وقوله (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل))، فحتى في أشدِّ اللحظات التي ينسى فيها الإنسان أنه موجود يحثنا النبي على استغلال اللحظة الراهنة، والفسيلة هنا هي كل حركة خير يمتد صداها للآخر فتعود عليك بالنفْع، والقاسم المشترك بين الفسيلة وغيرها من الأعمال هو اللحظة الآنية.
9- التفاؤل وعدم اليأس والاستعانة بالله والاستعاذة من العجز والكسل والهم والحزن: فالمؤمن متفائل دائما لا يتطرق اليأس إلى نفسه فقد قال تعالى:(وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون) ويطمئن الله المؤمنين بأنه دائماً معهم، إذا سألوه فإنه قريب منهم ويجيبهم إذا دعوه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، ودعاء النبي (ألا أعلمُكَ كلامًا إذا قلتَه أذهَب اللهُ تعالى همَّكَ وقضى عنكَ دَينَكَ ؟ قُلْ إذا أصبَحتَ وإذا أمسَيتَ ؛ اللهم إني أعوذُ بكَ منَ الهمِّ والحزَنِ، وأعوذُ بكَ منَ العجزِ والكسلِ، وأعوذُ بكَ منَ الجُبنِ والبخلِ ؛ وأعوذُ بكَ مِن غلبةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ)وهذه قمة الأمن النفسي للإنسان.
10- التسديد والمقاربة والمواظبة على مجاهدة النفس وتزكيتها والسعي يومياً حتى ولو بأقل القليل اتباعاً لقوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وكذلك قول النبي (لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا)،وأيضاً قوله (أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها و إن قَلَّ)، وقوله (إنَّ هذا الدِّينَ يُسرٌ ولنْ يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلَّا غلَبه فسدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا).
11- الأخذ بالأسباب وعدم التحسر على ما فات اتباعاً لقوله تعالى (لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) وتجنب كلمات الندم مثل "لو"، وقول واعتقاد "قدّر الله وما شاء فعل" اتباعاً لقول النبي "وإن أصابَك شيءٌ فلا تقلْ : لو أني فعلتُ لكانَ كذا وكذا ، ولكن قلْ قدَّرَ اللهُ وما شاءَ فعلَ فإن لو تفتحُ عملَ الشيطانِ".
12- الثبات والتوازن الانفعالي: الإيمان بالله يشيع في القلب الطمأنينة والثبات والاتزان ويقي المسلم من عوامل القلق والخوف والاضطراب قال تعالى:” يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ “ “فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ “ “هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ”.