( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : 2]
سيتم سرد أحد اسباب نزول سورة البقرة (الآيات الأولى)
وتلك القصة تتناسب مع التأويل المتعلق بالحروف المقطعة في اول سورة البقرة وانها رموز لليهود ليتأكدوا ان القرآن ايضا من عند الله
ولقد جعل الله كلمة آلم مجموعها 71 وعند قراءة اية 71 في نفس السورة ستجد ان تنفيذ اليهود توصية موسى بذبح البقرة ادى لمعرفة الحق
{ ذلك الكتاب } ،
القصة التي من اسبابها نزلت سورة البقرة : وذلك أن كعب بن الأشرف وكعب بن أُسيد لما دعاهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ،
قالا : ما أنزل الله كتابا من بعد موسى ، تكذيبا به ،
فأنزل الله عز وجل في قولهما : { آلم * ذلك الكتاب }
بمعنى هذا الكتاب الذي كفرت به اليهود ، { لا ريب فيه } ،
يعني لا شك فيه أنه من الله جاء ، وهو أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ،
ثم قال : هذا القرآن { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } أي بياناً لهم من الضلالة للمتقين الذين يتقون الشرك والكبائر والفواحش .
فهذا القرآن بيان لهم من الضلالة ، وبيان لهم من الشبهات ، وبيان الحلال من الحرام .
فإن قيل : فيه بيان لجميع الناس ، فكيف أضاف إلى المتقين خاصة ؟
قيل له : لأن المتقين هم الذين ينتفعون بالبيان ، ويعملون به
فإذا كانوا هم الذين ينتفعون ، صار في الحقيقة حاصل البيان لهم
واعلم أنّ التقوى أصله وقى من وقيت ، فجعلت الواو تاء ، كالتكلان فأصله وكلان من وكلت ، والتخمة أصلها وخمة من وخم معدته إذا لم يستمرئ .
واختلف العلماء في معنى التقوى وحقيقة المتقي ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جماع التقوى في قول الله تعالى : { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ . . . } الآية " [ النحل : 90 ] .
قال ابن عباس : المتقي الذي يتقي الشرك والكبائر والفواحش .
وقال عمر بن الخطاب لكعب الأحبار : حدِّثني عن التقوى ،
فقال : هل أخذت طريقاً ذا شوك ؟ قال : نعم ، وقال : فما عملت فيه ؟ قال : حذرت وتشمّرت ، فقال كعب : ذلك التقوى
والهدى بمعنى الرشد والبيان .
وأما المتقون مأخوذ من الاتقاء والتقوى . وأصله الحجز بين شيئين ،
ومنه يقال : اتقى بترسه ، أي : جعله حاجزا بين نفسه وبين ما قصد به من المكروه .
وفي الخبر «كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم » ( في صحيح مسلم ) .
أي : " اشتدت الحرب " جعلناه حاجزا بيننا وبين العدو .
فكأن المتقى يجعل امتثال أمر الله والاجتناب عن نهيه
حاجزا بينه وبين العذاب فيتحرز بطاعة الله عن عقوبة الله .
وحقيقة الريبة : قلق النفس واضطرابها . ومنه ما روى الحسن بن علي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
« دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإن الشك ريبة ، وإنّ الصدق طمأنينة »
ما الفرق بين دلالة كلمة الكتاب والقرآن؟
وما دلالة استخدام ذلك الكتاب في الآية (الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) البقرة
ولم تأت هذا الكتاب أو هذا القرآن أو ذلك القرآن؟
د. فاضل السامرائي:
كلمة قرآن هي في الأصل في اللغة مصدر الفعل قرأ مثل غفران وعدوان.
مثل آية :(فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ {١٨} القيامة )
ثم استعملت كلمة قرآن علماً للكتاب الذي أُنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - (القرآن) .
أماالكتاب فهي من الكتابة
(((( وأحياناً يسمى كتاباً لأن الكتاب متعلق بالخط،)))))
(((((وأحياناً يطلق عليه الكتاب وإن لم يُخطّ))))))
(أُنزل الكِتاب) (((لم يُنزّل مكتوباً))) ((( وإنما أُنزل مقروءاً))))
ولكنه (((((كان مكتوباً في اللوح المحفوظ )))))))
قبل أن ينزّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
هذا من ناحية اللغة
أما من ناحية الاستعمال فيلاحظ أنه
عندما يبدأ بالكتاب
ستجد أنه يتردد في السورة ذكر الكتاب أكثر بكثير
مما يتردد ذكر القرآن أو قد لا تُذكر كلمة القرآن مطلقاً في السورة .
ونأخذ بعض الأمثلة :
في سورة البقرة بدأت السورة بالكتاب(ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {٢} )
وذكر الكتاب في سورة البقرة ٤٧ مرة
والقرآن مرة واحدة في آية الصيام (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)
وفي سورة آل عمران بدأت السورة بالكتاب
(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {٣})
ولقد ورد الكتاب ٣٣ مرة في السورة
ولم ترد كلمة القرآن ولا مرة في السورة كلها.
أما عندما يبدأ بالقرآن
يتردد في السورة ذكر كلمة القرآن أكثر مما يتردد ذكر الكتاب
أو قد لا يُذكرالكتاب مطلقاً في السورة
ونأخذ بعض الأمثلة :
في سورة طه:بدأ السورة بالقرآن(مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى {٢} )
ووردالقرآن فيها ٣ مرات
والكتاب مرة واحدة .
في سورة ق بدأ بالقرآن (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ {١} )
وورد ٣ مرات في السورة
بينما ورد الكتاب مرة واحدة .
أما إذا اجتمع القرآن والكتاب
فإنهما سيترددان في السورة بشكل متساو تقريباً
ونأخذ بعض الأمثلة :
في سورة صتساوى ذكرالقرآن والكتاب.
في سورة الحجر بدأ (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ {١}) ورد ذكر القرآن ٣ مرات والكتاب مرتين.
في سورة النمل بدأ (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ {١} ) ورد ذكر القرآن ٣ مرات والكتاب أربع مرات.
دلالة استخدام اسم الإشارة ذلكالكتاب بدلا من هذا الكتاب ؟
وأسماء الإشارة عندما تُستعمل تستعمل لغايتها
فاسم الإشارة في الأصل هو (ذا) لوحدها
ولكن يدخله الهاء للتنبيه كأنما يقدم عليه شيئاً ينبّه فقال (هذا) .
وأحياناً تدخل عليه الكاف الذي يشير إلى البُعد فيقول (ذاك)
وقد تدخل عليه اللام التي تشير إلى البُعد المُفرِط (ذلك) للبعيد جداً
فإذا أشار الله إلى الكتاب الذي في اللوح المحفوظ قال (ذلك)
معناه الكتاب الذي في اللوح المحفوظ
والذي لا يمسه إلا المطهّرون من الملائكة .
و استخدام اسم الإشارة(ذلك) للكتاب
هذا نوع من تشريف للكتاب
بأنه لم يُشر إليه بإشارة القريب
وإنما أراد أن يعظّمه.
وأما استخدام هذا مع القرآن أشار إليه بلفظ (هذا)
لأنه لما أراد ما بين أيدي الناس فيشير إليه إشارة القريب
كقوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) هو بين أيديهم.
فالقرآن والكتاب واحد وهو الآيات التي أنزلها الله عز وجل على محمد- صلى الله عليه وسلم - لكن عندما يقول الكتاب كأنه إشارة إلى هذا المدوّن وهو نفسه المقروء.
الكتاب مسطّراً في اللوح المحفوظ
ثم نزل مقروءاً
ثم قرأه الرسول - صلى الله عليه وسلم -
ثم سُطِّر.
إذن :
(ذلك) الكتاب لا ريب فيه)
هنا إشارة إلى علوه وبُعد رتبته وبُعده عن الريبوأنه بعيد المنال لا يستطيع أن يُؤتىَ بمثله
(ذلك) دلالة على البعيد والله تعالى قال في نفس السورة
(وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ
وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣)
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ (٢٤ ) )
هذا الأمر بعيد عن المنال أن يؤتى بمثله.
إذن (ذلك) الكتاب إشارة إلى بعده وعلو مرتبته لمن أراد أن يشكك فيه أو يأتي بمثله .
لكن لما قال (ذلك) الكتاب
(المقصد : أن الكتاب تم خطه في مكان عال عند اللوح المحفوظ
ومعناه أنه كتاب عالي بعيد
لا يستطاع أن يؤتى بمثله وفوق أن يشكك فيه أحد . )
استعمال كلمة هذا مع القرآن :هذا اسم إشارة للقريب
و(الخالق بحكمته وبيانه) يقول (هذا) للقرآن لكن في مواطن
(إِنَّ هَذَاالقرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (٩) الإسراء)
عندما قال يهدي للتي هي أقوم فيجب أن يكون القرآن قريباً حتى نهتدي به
ثم إنه لم يذكر القرآن إلا بـ (هذا)ولا يذكر القرآن بإسم الاشارة (ذلك)
كلما يشير إلى القرآن يشير بـ (هذا)
لأن القرآن من القراءة وهو مصدر فعل قرأ
وكلمة قرآن أصلاً مصدر، قرأ له مصدرين قراءة وقرآناً.
لما تقرأ تقرأ القريب إذن هذا هو القرآن.
بينما الكتاب بعيد ليس قراءة وإنما قد يكون في مكان آخر
ولأن أصل القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ فيسمى كتاباً.
هناك فرق بين الكتاب والقرآن فالكتاب فيه بُعد مُتصوّر
أما القرآن فيكون قريباً حتى يُقرأ.
حتى في كلمة الكتاب عندما يقول هذا يوضح إنه كتاب قريب
فيوضح أنه تم نزول الكتاب المكتوب في اللوح المحفوظ للسماء الدنيا
فيقول أنزلنا (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ (٩٢) الأنعام).
وكونه بعيد أن يُؤتى بمثله لأنه في السورة نفسه قال (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا)
والريب أدنى درجات الشك والشك أقوى من الريب
والريب كأنه أول درجات الشك.
هذا الكتاب بذاته يخلو من أي ذرة من ذرات الشك فإذن هو يخلو من الريب.
وعند المقارنة بين بداية سورة لقمان وبداية سورة البقرة ؟
في سورة لقمان أشار إلى الآيات القرآنيه التي في الكتاب (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ)
ولم يشر إلى الكتاب كما في البقرة (ذلك الكتاب)
لو لاحظنا
في سورة لقمان تردد كثير من الآيات السمعية والكونية ، مثلاً قال
(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا (٧ ) )
الآيات الكونية خلق السماوات بغير عمد، إلقاء الرواسي وإخراج النبات
وسمّاها آيات (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢ ) ) .
وفي لقمان كلمة الآيات أكثر من الكتابة.
وفي لقمان ذكر الكتاب مرتين والآيات خمس مرات،
بينما كلمة الكتاب ومشتقات الكتابة في البقرة أكثر من الآيات
في البقرة مشتقات الكتاب والكتابة ٤٧ مرة والآيات ٢١ مرة
هذه سمة تعبيرية أن التي بدأت بالكتاب ذكر فيها الكتاب أكثر والتي بدأ فيها بالآيات ذكر فيها الآيات أكثر.
نلاحظ أيضاً أن هنالك أمر: قال في لقمان (الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) تم وصف الكتاب بأنه كتاب حكيم
أما في البقرة لم يصف الكتاب.
ما معنى الحكيم؟ الحكيم قد يكون من الحكمة أو من الحكم أو استواؤها (الحكمة و الحُكم )
وعدم وجود الخلل فيها وهذا من باب التوسع في المعنى.
لو أراد تعالى معنى محدداً لخصّص.
في سورة البقرة ما وصف الكتاب لأن السورة فيها اتجاه آخر.
قال الحكيم ثم قال هدى ورحمة،
وصف الكتاب بالحكيم هو مناسب لما ورد في سورة لقمان من الحكمة (آتينا لقمان الحكمة ) وذكر الحِكَم،
في سورة لقمان أكثر من مرة فكلمة حكيم مناسبة لجو السورة تبدأ (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ (١٢ ) ) وذكر الحكمة .
و في سورة البقرة قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (٢) البقرة ).
(لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) متناسب مع (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (٢٣) البقرة )
في سورة البقرة وربنا وصف أن الله تعالى عزيز حكيم
في البقرة قال (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) ثم قال
(وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣)
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ (٢٤ ) )
اتقوا النار مقابل المتقين فإذن هناك مناسبة بين هدى للمتقين وكلمة التقوى ترددت كثيراً في البقرة .
فإذن (لاَ رَيْبَ فِيهِ) متناسب مع قوله (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ)
وكذلك المتقين واتقوا الله.
في البقرة قال فقط (هدى للمتقين) . وفي لقمان قال (هدى ورحمة للمحسنين)
أولاً ما الفرق بين المتقي والمحسن؟
المتقي هو الذي يحفظ نفسه يتقي الأشياء، المُحسِن يحسن إلى نفسه وإلى غيره (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (٨٣) البقرة )
التقوى تقتصر على النفس، أما الإحسان يتعدى التقوى إلى نفسه وإلى غيره. إذن الإحسان لا يقتصر على النفس
لذلك يعتبر الإحسان إلى الآخرين من الرحمة فلما رحموا المحسنين الآخرين وتعدى إحسانهم إلى غيرهم فرحموا الآخرين ربنا يزيد الرحمة ،
أما التقوى للنفس وهؤلاء إحسان للنفس وإلى الآخرين والإحسان إلى الآخرين هي الرحمة
فلما زادوا هم زادهم الله والجزاء من جنس العمل، حتى في الآخرة زاد لهم الجزاء قال تعالى
في الآخرة (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (٢٦) يونس) وهذه رحمة ،
فكما زاد الجزاء لهم في الآخرة زاد لهم في الدنيا،
(هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) في سورة البقرة و (هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ) في سورة لقمان .
ولو لاحظنا أن هذه الأوصاف هدى ورحمة للمحسنين هي مناسبة لما ورد في عموم السورة وما شاع في جو السورة ،
قال هدى ورحمة وإحسان، لو لاحظنا مظاهر الهدى المذكورة في سورة لقمان قال (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ (١٥ ) )
الذي يسلك السبيل يبتغي العودة لله هذه الهداية ، هذا هدى، جو الهداية في سورة لقمان شائع.
والرحمة لما ذكر قوله تعالى (أن تميد بكم) هذا من الرحمة ،
ولما ذكر تسخير ما في السماوات والأرض وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة ، (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (٢٠ ) )
هل هناك أعظم من هذه الرحمة ؟
ومن مظاهر الإحسان أيضا إيتاء الزكاة وفي الوصية بالوالدين والإحسان إليهما،
إذن جو السورة كلها شائع فيه الهدى والرحمة والإحسان
وهذه ليست في البقرة وإنما سورة البقرة ذكرت أموراً أخرى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (٣ ) )
(والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤ ) )
في سورة البقرة وصف كثير ثم انتهى (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥ ) )
أما في لقمان فاختصر (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) .
في لقمان كرر كلمة (هم) في البقرة لم يكررها (وبالآخرة هم يوقنون) .
الإيمان أعمّ من الإحسان ولا يمكن للإنسان أن يكون متقياً حتى يكون مؤمناً وورود كلمة المتقين، المؤمنين، المحسنين والمسلمين يعود إلى سياق الآيات في كل سورة .
سيتم سرد أحد اسباب نزول سورة البقرة (الآيات الأولى)
وتلك القصة تتناسب مع التأويل المتعلق بالحروف المقطعة في اول سورة البقرة وانها رموز لليهود ليتأكدوا ان القرآن ايضا من عند الله
ولقد جعل الله كلمة آلم مجموعها 71 وعند قراءة اية 71 في نفس السورة ستجد ان تنفيذ اليهود توصية موسى بذبح البقرة ادى لمعرفة الحق
{ ذلك الكتاب } ،
القصة التي من اسبابها نزلت سورة البقرة : وذلك أن كعب بن الأشرف وكعب بن أُسيد لما دعاهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ،
قالا : ما أنزل الله كتابا من بعد موسى ، تكذيبا به ،
فأنزل الله عز وجل في قولهما : { آلم * ذلك الكتاب }
بمعنى هذا الكتاب الذي كفرت به اليهود ، { لا ريب فيه } ،
يعني لا شك فيه أنه من الله جاء ، وهو أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ،
ثم قال : هذا القرآن { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } أي بياناً لهم من الضلالة للمتقين الذين يتقون الشرك والكبائر والفواحش .
فهذا القرآن بيان لهم من الضلالة ، وبيان لهم من الشبهات ، وبيان الحلال من الحرام .
فإن قيل : فيه بيان لجميع الناس ، فكيف أضاف إلى المتقين خاصة ؟
قيل له : لأن المتقين هم الذين ينتفعون بالبيان ، ويعملون به
فإذا كانوا هم الذين ينتفعون ، صار في الحقيقة حاصل البيان لهم
واعلم أنّ التقوى أصله وقى من وقيت ، فجعلت الواو تاء ، كالتكلان فأصله وكلان من وكلت ، والتخمة أصلها وخمة من وخم معدته إذا لم يستمرئ .
واختلف العلماء في معنى التقوى وحقيقة المتقي ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جماع التقوى في قول الله تعالى : { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ . . . } الآية " [ النحل : 90 ] .
قال ابن عباس : المتقي الذي يتقي الشرك والكبائر والفواحش .
وقال عمر بن الخطاب لكعب الأحبار : حدِّثني عن التقوى ،
فقال : هل أخذت طريقاً ذا شوك ؟ قال : نعم ، وقال : فما عملت فيه ؟ قال : حذرت وتشمّرت ، فقال كعب : ذلك التقوى
والهدى بمعنى الرشد والبيان .
وأما المتقون مأخوذ من الاتقاء والتقوى . وأصله الحجز بين شيئين ،
ومنه يقال : اتقى بترسه ، أي : جعله حاجزا بين نفسه وبين ما قصد به من المكروه .
وفي الخبر «كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم » ( في صحيح مسلم ) .
أي : " اشتدت الحرب " جعلناه حاجزا بيننا وبين العدو .
فكأن المتقى يجعل امتثال أمر الله والاجتناب عن نهيه
حاجزا بينه وبين العذاب فيتحرز بطاعة الله عن عقوبة الله .
وحقيقة الريبة : قلق النفس واضطرابها . ومنه ما روى الحسن بن علي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
« دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإن الشك ريبة ، وإنّ الصدق طمأنينة »
ما الفرق بين دلالة كلمة الكتاب والقرآن؟
وما دلالة استخدام ذلك الكتاب في الآية (الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) البقرة
ولم تأت هذا الكتاب أو هذا القرآن أو ذلك القرآن؟
د. فاضل السامرائي:
كلمة قرآن هي في الأصل في اللغة مصدر الفعل قرأ مثل غفران وعدوان.
مثل آية :(فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ {١٨} القيامة )
ثم استعملت كلمة قرآن علماً للكتاب الذي أُنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - (القرآن) .
أماالكتاب فهي من الكتابة
(((( وأحياناً يسمى كتاباً لأن الكتاب متعلق بالخط،)))))
(((((وأحياناً يطلق عليه الكتاب وإن لم يُخطّ))))))
(أُنزل الكِتاب) (((لم يُنزّل مكتوباً))) ((( وإنما أُنزل مقروءاً))))
ولكنه (((((كان مكتوباً في اللوح المحفوظ )))))))
قبل أن ينزّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
هذا من ناحية اللغة
أما من ناحية الاستعمال فيلاحظ أنه
عندما يبدأ بالكتاب
ستجد أنه يتردد في السورة ذكر الكتاب أكثر بكثير
مما يتردد ذكر القرآن أو قد لا تُذكر كلمة القرآن مطلقاً في السورة .
ونأخذ بعض الأمثلة :
في سورة البقرة بدأت السورة بالكتاب(ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {٢} )
وذكر الكتاب في سورة البقرة ٤٧ مرة
والقرآن مرة واحدة في آية الصيام (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)
وفي سورة آل عمران بدأت السورة بالكتاب
(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {٣})
ولقد ورد الكتاب ٣٣ مرة في السورة
ولم ترد كلمة القرآن ولا مرة في السورة كلها.
أما عندما يبدأ بالقرآن
يتردد في السورة ذكر كلمة القرآن أكثر مما يتردد ذكر الكتاب
أو قد لا يُذكرالكتاب مطلقاً في السورة
ونأخذ بعض الأمثلة :
في سورة طه:بدأ السورة بالقرآن(مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى {٢} )
ووردالقرآن فيها ٣ مرات
والكتاب مرة واحدة .
في سورة ق بدأ بالقرآن (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ {١} )
وورد ٣ مرات في السورة
بينما ورد الكتاب مرة واحدة .
أما إذا اجتمع القرآن والكتاب
فإنهما سيترددان في السورة بشكل متساو تقريباً
ونأخذ بعض الأمثلة :
في سورة صتساوى ذكرالقرآن والكتاب.
في سورة الحجر بدأ (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ {١}) ورد ذكر القرآن ٣ مرات والكتاب مرتين.
في سورة النمل بدأ (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ {١} ) ورد ذكر القرآن ٣ مرات والكتاب أربع مرات.
دلالة استخدام اسم الإشارة ذلكالكتاب بدلا من هذا الكتاب ؟
وأسماء الإشارة عندما تُستعمل تستعمل لغايتها
فاسم الإشارة في الأصل هو (ذا) لوحدها
ولكن يدخله الهاء للتنبيه كأنما يقدم عليه شيئاً ينبّه فقال (هذا) .
وأحياناً تدخل عليه الكاف الذي يشير إلى البُعد فيقول (ذاك)
وقد تدخل عليه اللام التي تشير إلى البُعد المُفرِط (ذلك) للبعيد جداً
فإذا أشار الله إلى الكتاب الذي في اللوح المحفوظ قال (ذلك)
معناه الكتاب الذي في اللوح المحفوظ
والذي لا يمسه إلا المطهّرون من الملائكة .
و استخدام اسم الإشارة(ذلك) للكتاب
هذا نوع من تشريف للكتاب
بأنه لم يُشر إليه بإشارة القريب
وإنما أراد أن يعظّمه.
وأما استخدام هذا مع القرآن أشار إليه بلفظ (هذا)
لأنه لما أراد ما بين أيدي الناس فيشير إليه إشارة القريب
كقوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) هو بين أيديهم.
فالقرآن والكتاب واحد وهو الآيات التي أنزلها الله عز وجل على محمد- صلى الله عليه وسلم - لكن عندما يقول الكتاب كأنه إشارة إلى هذا المدوّن وهو نفسه المقروء.
الكتاب مسطّراً في اللوح المحفوظ
ثم نزل مقروءاً
ثم قرأه الرسول - صلى الله عليه وسلم -
ثم سُطِّر.
إذن :
(ذلك) الكتاب لا ريب فيه)
هنا إشارة إلى علوه وبُعد رتبته وبُعده عن الريبوأنه بعيد المنال لا يستطيع أن يُؤتىَ بمثله
(ذلك) دلالة على البعيد والله تعالى قال في نفس السورة
(وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ
وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣)
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ (٢٤ ) )
هذا الأمر بعيد عن المنال أن يؤتى بمثله.
إذن (ذلك) الكتاب إشارة إلى بعده وعلو مرتبته لمن أراد أن يشكك فيه أو يأتي بمثله .
لكن لما قال (ذلك) الكتاب
(المقصد : أن الكتاب تم خطه في مكان عال عند اللوح المحفوظ
ومعناه أنه كتاب عالي بعيد
لا يستطاع أن يؤتى بمثله وفوق أن يشكك فيه أحد . )
استعمال كلمة هذا مع القرآن :هذا اسم إشارة للقريب
و(الخالق بحكمته وبيانه) يقول (هذا) للقرآن لكن في مواطن
(إِنَّ هَذَاالقرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (٩) الإسراء)
عندما قال يهدي للتي هي أقوم فيجب أن يكون القرآن قريباً حتى نهتدي به
ثم إنه لم يذكر القرآن إلا بـ (هذا)ولا يذكر القرآن بإسم الاشارة (ذلك)
كلما يشير إلى القرآن يشير بـ (هذا)
لأن القرآن من القراءة وهو مصدر فعل قرأ
وكلمة قرآن أصلاً مصدر، قرأ له مصدرين قراءة وقرآناً.
لما تقرأ تقرأ القريب إذن هذا هو القرآن.
بينما الكتاب بعيد ليس قراءة وإنما قد يكون في مكان آخر
ولأن أصل القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ فيسمى كتاباً.
هناك فرق بين الكتاب والقرآن فالكتاب فيه بُعد مُتصوّر
أما القرآن فيكون قريباً حتى يُقرأ.
حتى في كلمة الكتاب عندما يقول هذا يوضح إنه كتاب قريب
فيوضح أنه تم نزول الكتاب المكتوب في اللوح المحفوظ للسماء الدنيا
فيقول أنزلنا (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ (٩٢) الأنعام).
وكونه بعيد أن يُؤتى بمثله لأنه في السورة نفسه قال (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا)
والريب أدنى درجات الشك والشك أقوى من الريب
والريب كأنه أول درجات الشك.
هذا الكتاب بذاته يخلو من أي ذرة من ذرات الشك فإذن هو يخلو من الريب.
وعند المقارنة بين بداية سورة لقمان وبداية سورة البقرة ؟
في سورة لقمان أشار إلى الآيات القرآنيه التي في الكتاب (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ)
ولم يشر إلى الكتاب كما في البقرة (ذلك الكتاب)
لو لاحظنا
في سورة لقمان تردد كثير من الآيات السمعية والكونية ، مثلاً قال
(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا (٧ ) )
الآيات الكونية خلق السماوات بغير عمد، إلقاء الرواسي وإخراج النبات
وسمّاها آيات (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢ ) ) .
وفي لقمان كلمة الآيات أكثر من الكتابة.
وفي لقمان ذكر الكتاب مرتين والآيات خمس مرات،
بينما كلمة الكتاب ومشتقات الكتابة في البقرة أكثر من الآيات
في البقرة مشتقات الكتاب والكتابة ٤٧ مرة والآيات ٢١ مرة
هذه سمة تعبيرية أن التي بدأت بالكتاب ذكر فيها الكتاب أكثر والتي بدأ فيها بالآيات ذكر فيها الآيات أكثر.
نلاحظ أيضاً أن هنالك أمر: قال في لقمان (الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) تم وصف الكتاب بأنه كتاب حكيم
أما في البقرة لم يصف الكتاب.
ما معنى الحكيم؟ الحكيم قد يكون من الحكمة أو من الحكم أو استواؤها (الحكمة و الحُكم )
وعدم وجود الخلل فيها وهذا من باب التوسع في المعنى.
لو أراد تعالى معنى محدداً لخصّص.
في سورة البقرة ما وصف الكتاب لأن السورة فيها اتجاه آخر.
قال الحكيم ثم قال هدى ورحمة،
وصف الكتاب بالحكيم هو مناسب لما ورد في سورة لقمان من الحكمة (آتينا لقمان الحكمة ) وذكر الحِكَم،
في سورة لقمان أكثر من مرة فكلمة حكيم مناسبة لجو السورة تبدأ (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ (١٢ ) ) وذكر الحكمة .
و في سورة البقرة قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (٢) البقرة ).
(لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) متناسب مع (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (٢٣) البقرة )
في سورة البقرة وربنا وصف أن الله تعالى عزيز حكيم
في البقرة قال (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) ثم قال
(وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣)
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ (٢٤ ) )
اتقوا النار مقابل المتقين فإذن هناك مناسبة بين هدى للمتقين وكلمة التقوى ترددت كثيراً في البقرة .
فإذن (لاَ رَيْبَ فِيهِ) متناسب مع قوله (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ)
وكذلك المتقين واتقوا الله.
في البقرة قال فقط (هدى للمتقين) . وفي لقمان قال (هدى ورحمة للمحسنين)
أولاً ما الفرق بين المتقي والمحسن؟
المتقي هو الذي يحفظ نفسه يتقي الأشياء، المُحسِن يحسن إلى نفسه وإلى غيره (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (٨٣) البقرة )
التقوى تقتصر على النفس، أما الإحسان يتعدى التقوى إلى نفسه وإلى غيره. إذن الإحسان لا يقتصر على النفس
لذلك يعتبر الإحسان إلى الآخرين من الرحمة فلما رحموا المحسنين الآخرين وتعدى إحسانهم إلى غيرهم فرحموا الآخرين ربنا يزيد الرحمة ،
أما التقوى للنفس وهؤلاء إحسان للنفس وإلى الآخرين والإحسان إلى الآخرين هي الرحمة
فلما زادوا هم زادهم الله والجزاء من جنس العمل، حتى في الآخرة زاد لهم الجزاء قال تعالى
في الآخرة (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (٢٦) يونس) وهذه رحمة ،
فكما زاد الجزاء لهم في الآخرة زاد لهم في الدنيا،
(هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) في سورة البقرة و (هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ) في سورة لقمان .
ولو لاحظنا أن هذه الأوصاف هدى ورحمة للمحسنين هي مناسبة لما ورد في عموم السورة وما شاع في جو السورة ،
قال هدى ورحمة وإحسان، لو لاحظنا مظاهر الهدى المذكورة في سورة لقمان قال (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ (١٥ ) )
الذي يسلك السبيل يبتغي العودة لله هذه الهداية ، هذا هدى، جو الهداية في سورة لقمان شائع.
والرحمة لما ذكر قوله تعالى (أن تميد بكم) هذا من الرحمة ،
ولما ذكر تسخير ما في السماوات والأرض وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة ، (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (٢٠ ) )
هل هناك أعظم من هذه الرحمة ؟
ومن مظاهر الإحسان أيضا إيتاء الزكاة وفي الوصية بالوالدين والإحسان إليهما،
إذن جو السورة كلها شائع فيه الهدى والرحمة والإحسان
وهذه ليست في البقرة وإنما سورة البقرة ذكرت أموراً أخرى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (٣ ) )
(والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤ ) )
في سورة البقرة وصف كثير ثم انتهى (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥ ) )
أما في لقمان فاختصر (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) .
في لقمان كرر كلمة (هم) في البقرة لم يكررها (وبالآخرة هم يوقنون) .
الإيمان أعمّ من الإحسان ولا يمكن للإنسان أن يكون متقياً حتى يكون مؤمناً وورود كلمة المتقين، المؤمنين، المحسنين والمسلمين يعود إلى سياق الآيات في كل سورة .