مسند الربيع بن حبيب الإباضي - دراسة نقدية
د. سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز آل حميد
د. سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز آل حميد
٢٤٨ مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد (٤٧) رجب ١٤٣٠هـ
ملخص البحث
الإباضية إحدى الفرق الإسلامية التي كانت تعتمد في استدلالها من السنة على كتب الحديث المعروفة عند أهل السنة، ولم يكن يُعرف لهم كتاب في الحديث إلا في القرون المتأخرة؛ حين ظهر لهم كتاب الجامع الصحيح؛ مسند الربيع بن حبيب" الذي يقولون: إنه أصح الكتب بعد القرآن.
ولكن هذا الكتاب لايصح؛ لعدة أسباب، منها:
(1) أنه ليس له أصل خَطِي يوثق به.
(2) جهالة مرتبه الوارجلاني، وليس للكتاب إسناد إلى الوارجلاني، ولا بين الوارجلاني والربيع بن حبيب.
(3) جهالة الربيع بن حبيب، وشيخه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة.
(4) الانقطاع بين أبي عبيدة وجابر بن زيد؛ لعدم الدليل على تتلمذ أبي عبيدة على جابر بن زید.
(5) وجود الانقطاع والانقطاع الشديد في كثير من أسانيد الكتاب العليا؛ من الربيع فمن فوقه.
(6) لم يظهر الكتاب في عصر الرواية والنقد، ولم يستدل الإباضية القدامى بأحاديثه فيما يعتقدونه مما يخالفون فيه غيرهم.
(7) اعتذر متأخر و الإباضية عن عدم ظهور الكتاب لعلماء الحديث؛ بالخوف من بطش الحكومات، فاعتُرِض عليه بوجود فرصة لظهوره وقت قيام الدولة الرستمية الإباضية التي حكمت أكثر من ثلاثين ومئة سنة.
(8) تفرَّد هذا الكتاب بأحاديث تضمنت أحكامًا شرعية تحتاجها الأمة، ويحرص على معرفتها علماء الحديث، فلو كانت مروية آنذاك لما غابت معرفتها عن علماء الحديث، بالإضافة لعدد آخر من الأحاديث المعارضة لأحاديث صحيحة، والله أعلم.
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور سيئات أعمالنا، أنفسنا، ومن من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فقد عاشت الأمة الإسلامية طيلة القرون الماضية وليس بينها خلاف في ، (۱) أن أصح الكتب بعد كتاب الله: "صحيح الإمام البخاري"، و "صحيح الإمام مسلم ابن الحجاج " ولا يُعرف هناك خلاف في هذا، حتى بين الطوائف المخالفة لأهل السنة، اللهم إلا الشيعة فلهم كتب وأصول يرجعون إليها سنغض الطرف عنها، لأنها ليست من مقاصد هذا البحث وإنما المقصود النص على أن باقي الفرق لم تُخالف في أن "الصحيحين" لا يُقدَّم عليهما كتاب غير كتاب الله تعالى.
ولكن ظهر في السنوات الأخيرة كتاب بعنوان مسند الربيع بن حبيب"، وهو من كتب الإباضية (٢) ، وقد ذُكر في مقدمته أنه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، فهو مُقدّم عندهم على "صحيحي البخاري ومسلم". وقد كان أول لقاء لي مع هذا المسند" عام ۱٤۰۱ هـ في معرض الكتاب المقام بجامعة الملك سعود، وعندما رأيته فرحت به فرحًا عظيمًا، وطرت به كل مطار، وأعجبت بتلك الديباجة على غلافه وفي مقدمته؛ فهو كتاب مسند، وأسانيده عالية، وأصح الكتب بعد كتاب الله- كما ذكر في مقدمته- ولم أكن أعرف عنه شيئًا سوى ما هو مسطور عليه. فاطلعت عليه، وقرأت بعض ما كُتب حوله، فوجدت أمورًا تستدعي البحث حقيقة هذا "المسند"؛ من حيث صحة نسبته إلى مُرَتِّبه، ثم إلى مؤلّفه، ومعرفة حال مُرتبه ومؤلّفه عند أئمة الجرح والتعديل والنظر في أسانيد أحاديثه ومتونها؛ للوصول إلى نتيجة صحيحة تثبت صحة تلك الدعوى أو تنفيها.
ووجدت للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي أحد علماء الإباضية- كتابًا بعنوان (۳) مكانته "الإمام الربيع بن حبيب، و مسنده ، وهو دراسة توثيقية من وجهة نظره لـ "مسند الربيع بن حبيب، ودفاع عنه، وجواب عن اعتراضات أبداها الشيخ ( ناصر الدين الألباني) ، والشيخ (بكر أبو زيد) - رحمهما الله- والأخ (مشهور بن حسن)، على هذا "المسند". وسبقني إلى نقد هذا "المسند" الدكتور خليل ملا خاطر في كتابة له هذا في الصدد لم تنشر - حسب علمي - اطلعت عليها وأفدت منها ، كما أفدت أيضًا مما كتبه الدكتور أبو لبابة الطاهر حسين في مذكرة له بعنوان "مناهج المحدثين"، كانت مرجعا لطلاب كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)، وهذان المؤلفان أجود ما وقفت عليه مما كتب عن هذا "المسند". كما نقد هذا "المسند" أيضًا الدكتور صابر طعيمة في كتابه (الإباضية عقيدة ومذهبًا)، والدكتور محمد عبد الفتاح عليان في كتابه "نشأة الحركة الإباضية"(١٠). وتمتاز هذه الدراسة التي أقوم بها من الدراسات السابقة بشمولية النقد لجوانب كثيرة لم تتعرض لها تلك الدراسات؛ كالتعريف بالربيع بن حبيب، وشيخه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة، والتعريف بـ"مسند الربيع"، والتوسع في نقده.
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا البحث خالصا لوجهه، وأن ينفع به، وأن يجنبنا الهوى، ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه: سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد