ملخص كتاب تصميم الحياة 2: الوراثة و التطور الكبروى
المبحث الأول: نظرية داروين
فى كتابه اصل الأنواع أسس داروين لنظريته القائمة على عدم وجود خلق للأنواع بل انحدار من أنواع أخرى تحدث فيها متغايرات variants ينتقى منها الانتخاب الطبيعى ما يعطى حامله ميزة فى التكاثر فيمرره للأجيال التالية فتترسخ الصفة فى الجماعة حتى تصبح صفة جديدة للنوع و بتراكم الصفات بهذا الشكل ينشأ نوع جديد. تأثر داروين فى صياغته للنظرية بما يفعله البشر عند تهجينالحيوانات من انتخاب صفات معينة فى الحيوانات التى يتم تزويجها لبعضها فحاول اضفاء هذا الفعل الارادى العاقل على الطبيعة العمياء تحت مسمى الانتخاب الطبيعى متجاهلا أن الطبيعة لا تستطيع التخطيط للمستقبل على عكس الانسان العامل فى التهجين فالطبيعة لا تعرف ان كانت صفة معينة مطلوبة فى المستقبل أم لا بل تلبى احتياجات الكائن الفورية فقط. و استمر التطوريون بعد داروين فى اضفاء القدرات الخارقة على الانتخاب الطبيعى و المتعارضة ما عماه الذى يعترفون به فوصفوه بالقدرة و المهارة و الفن و أنه كالشاعر و النحات و مهندس البرمجيات و صانع الساعات الأعمى. لم يكن داروين أول من لاحظ الانتخاب الطبيعى [كما لم يكن أول من لاحظ تشابه الكائنات] الا أن من قبله كانوا يرونه أداة للحفاظ على الأنواع فى اطار معين من التصميم الذى خلقت به باستئصال الصفات المنحرفة أما داروين فقد منحه قدرة انتاج أنواع جديدة.
لكن فى النهاية لابد للانتخاب الطبيعى من صفات متغايرة ليعمل عليها و قد افترض لامارك قبل داروين أن هذه التغيرات تأتى من تأثيرالبيئة فمثلا استطال عنق الزرافة لأنها تأكل من الأشجار الا أن العلماء الان يعلمون أن بنى الجسم لا تتغير بهذه الطريقة و أن الصفات المكتسبة لا تورث و الا لولد أبناء العدائين أسرع. أتت الداروينية الحديثة بعد ذلك لتقول أن مصدر التغايرات طفرات عشوائية و سيتم مناقشة هذا لاحقا.
تبنى داروين نظرية الوراثة الخالطة و القائمة على أن الذرية يجب أن تحمل صفات وسط بين الأبوين بسبب مزج الصفات [كالسوائل] فمثلا تهجين الورد الأبيض مع الأحمر ينتج ورد وردى و ذرية هذا الورد ستكون وردية الى الأبد و بهذا تفقد الصفات الأصلية. الى جانب كون هذا المفهوم خاطئا علميا و عمليا (حيث يبدو للعين ظهور الأبيض و الأحمر فى أجيال لاحقة) الا أنه مخالف لنظرية داروينذاتها القائمة على ضرورة حفظ الصفة الجديدة لا مزجها و خسارتها و قد تجاهل داروين التعارض بين كلامه فى النظرية و كلامه فى الوراثة لمدة 13 سنة قبل الاعتراف به
المبحث الثانى: الوراثة عند مندل
فى نفس الفترة كان الراهب النمساوى جورج مندل يجرى تجارب على الوراثة و التهجين استنتج منها أن الوراثة خاضعة لجسيمات (سميت لاحقا جينات) مستقلة منفردة لا سوائل قابلة للخلط و يأخذ الكائن نصف جيناته من كل من الأبوين و أنه يمكن أن تختفى صفة لكن الجينة المسئولة عنها ستظل موجودة فى الكائن و ذريته و يمكن أن تظهرالصفة مرة أخرى فى جيل لاحق (الجينة فقط تتنحى لصالح جينة أخرى فلا يتم التعبير عنها أى ترجمتها فى جيل معين لكن قد يتم التعبير عنها فى جيل اخر).
معنى هذا أن ما يفعله المهجنون [و بالتبعية الطبيعة] ليس انتاج صفات جديدة من العدم بل فقط التعبير عن صفات كانت موجودة من قبل لكن كانت متنحية لصالح صفات أخرى. كان هذا الكلام قاتلا لنظرية داروين و لكنه لم يؤخذ بجدية حتى مطلع القرن العشرين بسبب نجاح داروين فى لفت الانتباه لنظريته.
ان تصرف الجينات كجسيمات لا كسوائل دفع الدراونة الجدد الى دمج هذا الأمر لاحقا فى نظريتهم لأنه يفسر كيفية ثبات الصفة حتى تسود فى الجماعة (بدلا من تخفيفها و فقدانها فى نظرية الخلط) الا أن نفس الأمر كان نقمة على الداروينية الجديدة لأنه يثبت أن المتغايرات تظهر من مجموعة صفات محددة سلفا للنوع و لا يتم ضخ أى صفات جديدة من خارج حوض الصفات الأصلى [الحوض الجينى] للكائن و هو ما ينفى تماما فرضيات الداروينية و تطورها الكبروى و شجرة حياتها المفترضة من سلف مشترك دخلت عليه صفات اضافية جديدة.
المبحث الثالث: التنوع الجينى Genetic diversity
اذا حاولنا تطبيق ما سبق شرحه عن الجينات عمليا فنظرنا مثلا الى لون البشرة لوجدنا أن عددا من الجينات الفاتحة و الغامقة تعمل على تحديده و بناءا على توليفة الجينات لدى الفرد يتحدد لون بشرته الا أن كل جين يبقى مستقلا بذاته و يتم ترجمة أو التعبير عن الجين الراجح/السائد dominantبدلا من المتنحى recessiveمع بقاء المتنحى لدى الفرد و امكان توريثه. معنى هذا أن فردين لديهما المجموعة الكاملة من الجينات الفاتحة و الغامقة يمكنهما انتاج ذرية بكل ألوان الجلد الممكنة. يأتى بعد هذا دور الانتخاب الطبيعى ففى منطقة مشمسة حارة سيكون الجلد الغامق ميزة تكاثرية لأنها تساعد فى تحمل الظروفالبيئية بشكل أفضل فتسود توليفة الجينات المنتجة لهذا اللون.
مثل هذا أيضا مثال مناقير الطيور الذى يستخدمه الدراونة فجينات هذه الطيور من البداية احتوت على تشفيرات أطوال مختلفة و فى مناطق يكون الغذاء فيها فى عمق الأرض كان المنقار الطويل ميزة فتكاثرت الطيور التى عبرت عن توليفة الجينات الخاصة بالمنقار الطويل على حساب الأخرى التى لم تستطع الوصول للطعام لأن التوليفة الجينية التى ورثتها كانت توليفة المنقار القصير. لم تنتج صفات جديدة أو جينات جديدة بل فقط تم انتخاب توليفة من بين جينات متنوعة موجودة كلها مسبقا فى الحوض الجينى لتهيئ النوع للتكيف مع ظروف و بيئات مختلفة. ان الكثير من أمثلة تعدد الأشكال polymorphism فى الأنواع و الذى يسميه الدراونة تطور صغروى هو فى الواقع ناتج عن انتخاب توليفات مناسبة من التنوع الجينى الموجود ابتداءا لدى النوع لأنه ملائم لبيئة معينةمن بيئات متعددة صمم الحوض الجينى للكائن ابتداءا للتكيف معها [و من ذلك مثال العث الشهير الذى ادعى الدراونة أنه تطور] و ليس ناتج عن تغيرات جينية جديدة كما يدعى التطور [لاحظ أننا نتحدث عن التطور الصغروى و لم نتحدث عن الكبروى بعد]
المبحث الرابع: الأسس الجزيئية للجينات و التطور
وفقا للداروينية يجب أن تبرز صفات جديدة ليعمل عليها الانتخاب الطبيعى فيستبقيها على حساب الصفات الأخرى فتسود لكن من أين تأتى هذه الصفات؟ الحمض النووى DNA عبارة عن سلسلتان تلتفان على بعضهما-وحدة بناء السلسلة اسمها نيوكليوتايد nucleotides و هى أربع نيوكليوتايدات T-C-G-Aأى أننا نتعامل مع لغة من أربع حروف مكتوبة على السلسلة. تسلسلات هذه الحروف عبارة عن رسائلتحتوى شفرة تصميم البروتينات مثل الكتاب لدى البشر و تماما مثل لغة البشر فان عدد هائل من تسلسلات الحروف الممكنة بلا معنى-فقط نسبة صغيرة من التسلسلات الممكنة هى التى يمكن أن ترمز لبروتين وظيفى.
يزعم الدراونة أن هذه الشفرة لا تحتاج تصميم و لكنه نتيجة طفرات و لتفنيد هذا الكلام دعونا نفهم معنى الطفرة
الطفرات نوعان نقطية (حرفية) تؤدى الى تغير نيكليوتايدات [حروف] و صبغية (كروموزومية) تؤدى الى تضاعف قطعة حمض نووى أو خسارتها أو تغيير مكانها أثناء النسخ.
تشبه الجينة معلومة فى كتاب لذلك فان تغير الحروف يؤدى الى فساد و نقص المعلومات لا زيادتها و اذا حدث كثيرا تكون النتيجة كلاما غامضا بلا معنى. لذلك فان معظم الطفرات النقطية ضارة و القلة الغير ضارة معظمها حيادى بلا تأثير بل ان بعض ما يوصف بالطفرات المفيدة هو فى الواقع ضار فمثلا قد تفسد طفرة بروتينا أو انزيما فى البكتيريا تستهدفه المضادات الحيوية فتنجو البكتيريا من المضاد و لكنها فى الواقع تضررت و صارت أضعف (أى أن هذا تدهور و ليس تطور) و بمجرد زوال المضاد تعود البكتيريا غير المتطفرة للتكاثر على حساب المتطفرة المتدهورة لأنها الأفضل وظيفيا. ان الطفرات النقطية فى الغالبية العظمى من الحالات تكون مدمرة للجينات الوظيفية لهذا يحاول الدراونة التطلع الى الطفرات الصبغية (الكروموسومية) لتبرير التطور الكبروى لأن تكرار الجينة يوفر جينة اضافية يمكن أن تتطفر لتخدم وظيفة جديدة. مشكلة هذه الفرضية أن الجينة الجديدة لكى تتطور لتخدم وظيفة مختلفة بدلا من أن تكون مجرد نسخة مكررة من جينة وظيفة قديمة تحتاج الى طفرات نقطية و هى كما شرحنا نادرة و غالبا مدمرة
For a technical discussion of the difficulties here, see Michael J. Behe and David W. Snoke, “Simulating Evolution by Gene Duplication of Protein Features that Require Multiple Amino Acid Residues,” Protein
Science 13 (2004): 1—14
[الى جانب ذلك يوضح دكتور جيرى برجمان فى كتاب تفنيد أركان الداروينية أن كثيرا مما توهم العلماء قديما أنه جينات مكررة هو فى الواقع وظيفى و تستخدمه الخلية كقالب لتنويع منتجات الجينات الأصلية كالأجسام المضادة و تنويعات بروتين الهيستون و أن هذه الجينات لو كانت مجرد تكرار فعلا لما احتفظ بها الانتخاب الطبيعى لما فى ذلك من اهدار لموارد ملايين الخلايا أثناء النسخ]
المبحث الخامس: الحزمة التكيفية
ان الكائن الحى ليس مجموعة من البنى المستقلة عن بعضها كى يتم تفسير كل بنية بمفردها بتغيرات متراكمة كما يفعل التطور الكبروى و لكن تتطلب قابلية الكائن للقيام بوظيفة ماحزمة تكيفية كاملة و هى مجموعة من البنى التى تنسق فيما بينها و تتكامل لأداء الوظيفة. من الأمثلة الشهيرة على الحزم التكيفية عنق الزرافة فالمسألة ليست بالسطحية التى كان يصورها التطوريون فى الماضى بأن العنق قد استطال خطوة خطوة لتأكل من الأشجار المرتفعة بل يصحبه:
1-قلب قوى كبير لضخ الدم الى ارتفاع أعلى ضد الجاذبية الى الدماغ
2-حساسات ضغط على طول الشرايين لترصد ارتفاع ضغط الدم عندما تنحنى الزرافة لتشرب فتتحد الجاذبية مع قوة ضخ القلب لدفع الدم بقوة مضاعفة الى الدماغ مما قد يمزق الأوعية الدموية. تراقب هذه الحساسات الضغط و ترسل اشارات لتشغيل الاليات الأخرى عند الحاجة كأى نظام مراقبة متطور مصمم بذكاء
3-زيادة فى الألياف العضلية فى جدران الشرايين لزيادة التحكم فى الانقباض و تحويل مجرى الدم لتجاوز الدماغ عند الحاجة
4-صمامات كثيرة فى الأوردة للتحكم فى مسار الدم فى العنق و هى الكائن الوحيد بهذه الصمامات فى العنق
5-شبكة أوعية دموية بين الشرايين و الدماغ لتلقى الضخ القوى و تخفيفه من جهة و الحفاظ على مخزون دموى يتغذى منه الدماغ فى لحظات غلق الصمامات من جهة و هى الكائن الوحيد بهذه الشبكة
6-اعادة هيكلة للجلد و مناطق تخلل الأوعية الدموية للأنسجة لتجنب انفجار الدم بسببب الضغط الشديد فى أوعية القدمين
Furthermore, one study group found that the blood in a giraffe’s legs would be under such pressure that it would force its way out of the capillaries. How was this being prevented? It turned out that the intercellular spaces are filled with fluid, also under pressure — which in turn necessitates the giraffe having a strong, impermeable skin.
Wolf-Ekkehard Lönnig "The Evolution of the Long-Necked Giraffe" (2011) p. 92
كل بنية من هذه البنى المتعددة بمفردها لا يمكن أن تنتج بطفرة واحدة أو اثنتين بل بكثير من الطفرات فما بالك و نحن أمام مجموعة من البنى المتعددة المتكاملة التى تنسق فى العمل مع بعضها حتى تقوم بوظيفة مشتركة-الواحدة من هذه البنى بمفردها بلا معنى بل قد تقتل الزرافة لذا لا يمكن أن تتطور كل بنية بمفردها بمعزل عن الأخريات مما يشير الى تصميم يجمع اليات معقدة متعددة فى جملة وظيفية و هو ما لا يمكن تحقيقه بطفرات عشوائية أو انتخاب طبيعى أعمى يختار الفائدة الفورية اللحظية بدون رؤية لتصميم مستقبلى. ان المثال التطورى الشهير يقول لابد أن شخصا ما سيفوز باليانصيب مهما كانت ضالة الاحتمال لكن ما يبدو هنا أن نفس هذا الشخص يفوز بكل مسابقات اليانصيب و هذا احتمال معدوم. و طبعا لا ننسى أن القصة التطورية عن الضغط الانتخابى زمن الجفاف مطعون فيها أصلا
research has shown that giraffes tend to eat from lower levels, and tall giraffes aren’t more likely to survive drought, when food competition is highest. Another idea is that giraffes evolved longer necks for sexual competition
Nicola Jones, “How the Giraffe Got Its Neck,” Nature, June 2, 2022, internal references removed. For additional evidence against the “necks for sex” hypothesis, see Byriley Black, “Giraffe Necks Not for Sex,” National Geographic, January 15, 2013.
ان أمثلة الحزم التكيفية المتكاملة فى الكائنات كثيرة بل ان بعض الكائنات ظهرت مع حزمها التكيفية كاملة دفعة واحدة فى الانفجار الكامبرى بدون سلف [الظهور الانفجارى/المفاجئ للكائنات فى حد ذاته يدحض فرضية التطور بعيد الأمد من بابها] و تتطلب هذه الحزم ضخ كميات هائلة من المعلومات الجينية الوظيفية الجديدة دفعة واحدة فى الكائن. و صديقتنا الزرافة عند دراسة جيناتها وجد فريق الباحثين أن لديها 70 جين يحتوى على تغيرات مقارنة بأقاربها المفترضين للتمكن من احداث هذه التغيرات و فى المقابل سلفها المشترك مع زميلها الأكاب يفترض أنه من 11 مليون سنة.
Morris Ag aba et al., “Giraffe genome sequence reveals clues to its unique morphology and physiology,” Nature Communications 7 (2016): 11519.
بالنظر الى حسابات معدل الطفرات التى ناقشناها فى أيقونات التطور: ملايين السنين فان هذه الفترة لا تكفى لأى شئ!!!
ان الطفرات الداروينية لا تستطيع توفير هذا التراكم لانتاج صفات و بنى جديدة فضلا عن التنسيق بينها و من الأمثلة العملية التجريبية على هذا العجز لدى الداروينية تجارب ذبابة الفاكهة حيث تم تعريض أجيال عديدة منها للاشعاع لتسريع وتيرة الطفرات و لم تظهر أى بنية جديدة. كل ما حدث كان تغيير فى البنى الموجودة كانتاج أجنحة أكبر أو أصغر أو أكثر أو نمو سيقان مكان قرون الاستشعار. اضافة الى هذا يقول نوربرت واينر أحد مؤسسى نظرية المعلومات "المعلومات ليست مادة أو طاقة" تماما كما أن المعلومة فى كتاب مباينة للحبر و الورق فالمكون المادة كالجينات أو الكتب وسيط لنقل المعلومة أما المعلومة نفسها فمصدرها ذكاء. أضف الى ذلك كله أن الرواية التطورية عن استطالة عنق الزرافة بلا أى دليل أحفورى لدرجة أن وصفها عالم الأحافير التطورى ستيفن جاى جولد نفسه بأنها سخيفة و بلا دليل
Stephen Jay Gould "The Tallest Tale" Natural History (May 1996) p. 21, 56, 57
المبحث السادس: التغير الجينى
برغم أن الطفرات و الانتخاب لا ينتجان معلومة جديدة من أجل تطور الأنواع كما وضحنا لكن دعنا نفترض جدلا أنهما يفعلان فما احتمال حدوث ذلك؟ ان أبسط نوع من الصفات مثل لون جناح فراشة قد يتأثر بخمس أو ست جينات. قدر مختص بيولوجيا الخلية E.J.Ambrose احتمال حدوث خمس طفرات غير ضارة فى فرد ب1 من ألف مليون مليون و هو ما لا يمكن حدوثه فى دورة حياة كائن واحد لما يتطلبه من الزمن.
فاذا فرضنا حدوث هذه الطفرات فى كائنات مختلفة نكون فى حاجة الى صدف كثيرة أخرى مثل عدم تخلص الانتخاب الطبيعى منها [لأن كل طفرة بمفردها بلا قيمة] و أن تجد الكائنات حاملة الطفرات بعضها و تتزاوج و أن يكون هذا التزاوج بالترتيب الصحيح لمراكمة الطفرات بالشكل الصحيح عبر الأجيال و أن تكون لدى كل مرحلة/جيل من هذه الأزواج ميزات تضمن تكاثره على حساب أقرانهحتى يتم جمع الطفرات الخمسة بعد عدة أجيال فى ذرية واحدة و أن تكون هذه الطفرات من النوع الراجع/السائد الذى يتم ترجمته و التعبير عنه و ليس النوع المتنحى الذى يفسح المجال للجينات المنافسة على حساب نفسه. كل هذه الصدف يجب تراكمها جيلا بعد جيل لانتاج 5 أو 6 جينات تدخل لونا جديدا على جناح فراشة فما بالنا ببنية معقدة أو حزمة تكيفية من عدة بنى معقدة متناسقة؟ ان الفرضيات حول أصل الأنواع تتهاوى احتماليا ما لم نقر بوجود عملية توريد مكثفة للمعلومات الجديدة عند نشأة أى نوع.
E. B. Ford, Ecological Genetics (London: Chapman and Hill, 1971)E. J. Ambrose, The Nature and Origin of the Biological World- (New York: Wiley Halsted, 1982), p.120, p.123, p.143
لتجاوز هذا الأمر اخترع التطوريون فرضيات الخيار المشترك Co-option و التطور المشترك Co-evolution و القائمة أيضا على التوسل بالصدف [كالعادة] فالطفرة عندما تحدث تكون 2 فى 1 فهى بالصدفة ستكون خطوة ايجابية نحو البنية النهائية و بالصدفة البحتة أيضا ستكون لها وظيفة مختلفة تماما لا علاقة لها بالبنية النهائية لكنها نافعة لحظيا بشكل وظيفى اخر للكائن الان ليختارها الانتخاب الطبيعى و تتكرر هذه الصدفة المزدوجة السعيدة فى كل الجينات المطلوبة للبنية مرات عديدة حتى نصل للبنية النهائية المطلوبة. و كالعادة لم توضح الداروينية أى مسار تفصيلى حقيقى يفسر اعادة تموضع الجينات لتصنع الاضافات التدريجية و تغير وظائفها فى كل خطوة بل فقط فرضيات بعضها فوق بعض [حقيقة لا أفهم كيف يمتلك هؤلاء القوم الصفاقة الكافية بعد كل هذا للحديث عن ميتافيزيقيا و خرافة فرضيات المصمم مقابل علمية التطور!!!] و فى النهاية نذكر أن كل هذه الفرضيات المستحيلة من حيث الاحتمالات هى فقط محاولة تفسير بنية منفصلة فما بالنا و الكائنات عبارة عن تراتب هيكلى من الأنظمة المتناسقة كل منها يتكون من بنى و أنظمة أخرى متناسقة تتكون بدورها من أخرى و هكذا و يعمل كل هذا بعضه مع بعض لتحقيق وظائف الكائن المختافة المتكاملة.
المبحث السابع: التطور و النماء Evo-Devo
يحاول الدراونة دمج بيولوجيا التطور evolutionary مع بيولوجيا النماء developmental التى تدرس الاليات المسئولة عن نمو الكائن من مرحلة الجنين أثناء الحمل الى النضج. تفترض النظرية أنه اذا تطفرت جينات النماء المسئولة عن تحول الكائن من جنين الى فرد ناضج فان هذا التطفر المبكر فى حياة الكائن قد يؤدى فى النهاية الى فروق ضخمة و تطور كبروى بعدد أقل من الطفرات [الصدف] و فى فترة زمنية أقل الا أن هذه النظرية وصلت الى طريق مسدود حيث بحثت فى الجينات المحفوظة conserved genes الموجودة ضمن نطاق واسع من الكائنات المختلفة مثل الجينات الاستمثالية homeotic و التى تحدد تخصصات الخلايا لصناعة أنسجة مختلفة (مثلا فى الحشرات تحدد أنسجة الساق من أنسجة قرون الاستشعار) و وجدت أنها لا تشرح فروق الكائنات فنفس الجين قد يكون ضالعا فى بنى مختلفة فى كائنات مختلفة كساق الذبابة و دماغ الفأر و عين الانسان. يشبه الأمر مفتاح اشعال المركبات فقد يتشابه بين سيارة و قارب على اختلاف المركبتين. ان جينات النماء متشابهة و مع ذلك تنتج أنسجة و بالتبعية كائنات مختلفة تماما مما ضرب فرضيات الايفوديفو فى مقتل.
Elizabeth Pennisi, “Evo-Devo Enthusiasts Get Down to Details,” Science 298 (1 November 2002): 953. The details that evo-devo enthusiasts are getting down to are microevolutionary changes.
This insightful article makes clear that macroevolution has eluded evo-devo.
ان محاولات تطفير أو حتى تبديل هذه الجينات لم تنتج كائن اخر بل يظل الجنين من نفس النوع و لكنه يتشوه أو يموت من نقص البروتينات المطلوبة له مما يدل على أن برنامج النماء و تخصص الخلايا و الأنسجة ليس جينى فحسب. دليل اخر هو أن الخلايا البالغة تمتلك نفس جينات البويضة الملقحة و مع ذلك تختلف هذه الخلايا باختلاف التخصصات و الأنسجة التى تكونها بين عظام و عضلات و خلايا بصرية و عصبية و غير ذلك و تستخدم أجزاء مختلفة من حمضها النووى وفقا لتخصصها و وظيفتها. هذه الدلالات على أن المسألة ليست جينية فحسب تطعن فى الفرضيات المؤسسة للداروينية الجديدة و التى قامت على أن مصدر كل الأمور هوالبرامج الجينية للكائنات.
حتى فرضية أن جينات النماء و الاستمثال (تخصص الخلايا و الأنسجة) سائدة فى كثير من الكائنات لأنها موروثة من سلف مشترك تتعارض مع فرضيات الداروينية نفسها فالسلف المشترك المزعوم ليس من المفروض امتلاكه لأنسجة متخصصة ابتداءا فماذا يفعل بجينات تخصص الخلايا و تقسمها الى مجموعات أنسجة متباينة و هو لا يمتلك خلايا متخصصة و لا أنسجة مختلفة الوظيفة فهل كانت الطفرات الصدفية و الانتخاب الطبيعى (صانع الساعات) الأعمى يتوقعان أن هذا السلف الكريم سوف يطور يوما ما الحاجة الى خلايا متخصصة و أنسجة متباينة وظيفيا فزوداه بجينات استباقية باعتبار ما سيكون حتى تجد هذه التخصصات الوظيفية المختلفة أنسجتها الخاصة بانتظارها عند تطورها فى المستقبل؟ أم أنه ببساطة التصميم؟
منقول من ملخص كتاب تصميم الحياة - د. ويليام ديمبسكي ود. جوناثان ويلز
تعليق