هكذا دخل جيم الإسلام ومعه صديقته البوذية
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
على الرغم من تسارع وتيرة الحياة في الغرب، وكثرة المشاغلº فإن العمل التطوعي هو أساس مهم لرعاية وتشغيل المساجد والمراكز الإسلامية في هذه البلاد، وكثيراً ما تساعد المساجد والمراكز المتقاربة بعضها بعضاً عندما توجد الأعمال التي تستدعي عدداً كبيراً من الرجال لتنفيذها.
وصباح ذات يوم من أيام العطلة الأسبوعية ذهب مجموعة من جماعة مسجدنا لمساعدة الأخوة في مسجد قريب في قطع بعض الأشجار الكبيرة، حيث انطلقنا بعد صلاة الفجر بسيارتي في مشوار يستغرق حوالي ثلاثة أرباع الساعة، وحيث ضمني الطريق مع الأخ "جيم"، فقد كانت فرصة مناسبة لـتزجية الوقت أن أسأله عن كيفية دخوله في الإسلام، فقد كان جديداً على جماعة المسجد.
كان أول ما ذكره أنه نشأ في عائلة نصرانية تحافظ على الشعائر في الكنيسة كل أسبوع: "لقد تعود أبواي أن يدفعا ما مقداره عشرة في المئة من دخلنا للكنيسة لكي نتمكن من الاشتراك فيها وحضور الشعائر، وكان ذلك مرهقاً جداً لميزانيتنا المحدودة.
وبعد فترة قرر والداي أن يغيرا الكنيسة التي نصلي فيها لأن والدي لم تعجبه ممارسات القائمين عليها، ولذا فقد انتقلنا إلى كنيسة أخرى تأخذ فقط ثمانية في المئة من الدخل، وهو ما قبلنا بهº حيث إن أغلب الكنائس تعمل بهذه الطريقة، ولكنني لم أستسغ فكرة أن ندفع ثمن مقاعدنا في الكنيسة عن طريق اشتراك إجباري، ولذا ما إن ملكت زمام أمري حتى توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة بشكل نهائي.
وبعد أن أنهيت الثانوية التحقت بالجامعة، وهناك تعرفت على عدد كبير من الطلاب المسلمين من دول مسلمة مختلفة، وكثيراً ما كنا نتبادل المعلومات عن معتقداتنا وأدياننا بدون حرج".
وقد يكون المفيد هنا ذكر ما للجو الدراسي في الجامعات في الغرب من فوائد للطلاب، ففي هذه البيئة يتسنى للطلاب من مختلف المشارب الالتقاء وتبادل الأفكار في جو صحي يتسم بالصراحة والبساطة، والتزام آداب الحوارº مما يفتقده الكثير منا.
فالطلاب يتبادلون المعلومات والأسئلة والإجابات بحرية، وبعقليات ناضجة في غالب الأحيان، رغم وجود بعض الحالات الشاذة التي تسيء استغلال هذه الحرية المتاحة، وقد استفاد الطلاب المسلمون كثيراً من هذه الأجواء للدعوة، وكسب التعاطف مع كثير من القضايا الإسلامية (سواءً الخاصة أو العامة).
تابع جيم: "وكان من ضمن ما سألتهم عنه أثناء حديثناº ذلك الموضوع الذي كان يضايقني كثيراً من الكنيسة وهو دفع المال مقابل السماح بالصلاة، فسألت أحدهم عما إذا كان يجب أن يدفع المسلم اشتراكاً لكي يصلي في المسجد؟ فكان رده النفي القاطع مع دهشة من سؤالي، وأضاف: "إن الجميع يحق لهم دخول المسجد والصلاة فيه دون تفضيل لأحد".
وقد راقت هذه الفكرة لجيم كثيراً، حيث إنه مما يقتضيه المنطق والعقل أن لا يدفع المرء مالاً لكي يعبد الله، وقادته هذه المعلومة إلى أن يطلب المزيد من المعلومات عن هذا الدين.
"كانت صديقتي التي أقيم في الشقة معها تعتنق البوذية، حيث كانت تماثيل بوذا تملأ أرجاء الشقة دون اهتمام بها، حيث إن كلانا لم يكن متعلقاً بدينه بشدة، وقد لاحظت من أحاديثي معها اهتمامي بالدين والتدين مؤخراً، وكان عيد الكريسميس قريباً حيث يتم فيه عادةً تبادل الهدايا بين الجميع، حتى إن بعضاً ممن هم على أديان أخرى مثل اليهود يتبادلون فيه الهدايا، ونظراً لاهتماماتي الأخيرة فقد اختارت لي صاحبتي كتاباً ذا صبغة فلسفية - كما ظنته - لتهديه لي بمناسبة العيد، وحين أخذته منها وبدأت أقرأ فيه وجدت أنه نسخة من معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية، ومع القراءة تعلقت بهذا الكتاب، ووجدت فيه العديد من الإجابات عن الأسئلة التي في ذهني، كما ظهرت لي أسئلة أخرى عنه أخذت أبحث عن إجابتها من الطلبة المسلمين الذين معي في الجامعة، وكانت جميع إجاباتهم منطقية ومعقولة مما زاد قناعتي بالإسلام، حتى جاءت اللحظة التي قررت فيها الدخول فيه، فاتصلت باتحاد الطلبة المسلمين في الجامعة، ودخلت على أيديهم في الإسلام.
وكان أول ما تعلمته هو الصلاة، حيث بدأت أصلي بعض الصلوات في الجامعة وبعضها في المنزل، ولذا طلبت من صاحبتي أن تزيل التماثيل التي في الشقةº لأني لا أستطيع الصلاة في المكان الذي توجد فيه، ورغم رفضها لذلك إلا أنها أذعنت لطلبي مكرهة، ومع زيادة معرفتي بالإسلام أدركت أنه لا يجوز لي الإقامة مع تلك المرأة.
وحينما ذكرت لها ذلك تضايقت واحتجت قائلة: إنها بذلت كل شيء لترضينيº واستجابت لطلباتي، بينما أنا أتحاشاها وأهملها، فأخبرتها: أني أصبحت مسلماً ولا يجوز لي الإقامة معها بحال، وكانت تعلم أني لا أقول ذلك لأتخلص منها، وإنما هو أمر أنا مقتنع به، عند ذلك سألتني: ما الذي يمكن أن تعمله لكي تبقى معي؟ فأخبرتها أن عليها أن تسلم لكي نستطيع أن نتزوج، وعند ذلك سألتني عن الإسلام فشرحته لها بإيجاز، ورغم عدم إحاطتها وقناعتها الكاملة بالموضوع، إلا أنها استجابت لي، وأسلمت لكي تبقى معي.
وبعد أن تزوجنا وصرنا نتردد على المسجد القريب منا، ومع مضي الوقت لاحظت أنها لا تؤدي الصلاة بانتظام، فذكرت لها ذلك، وأن على المسلم أن يقيم الصلاة في وقتها، ولكن اعتذرت وقالت: إنها تحاول ذلك ولكنها تنسى أحياناً، فزجرتها عن التهاون في الصلاة، وكثرت خلافاتنا بسبب ذلك، وشددت عليها في هذا الأمر، فكان أن أخبرت بعض النساء المسلمات ممن يأتين إلى المسجد، وبعد أن علم إمام المسجد وبعض الأخوة بخلافاتنا، انتخبوا رجلاً وامرأةً عاقلين منهم ليحكموا بيننا، فذكراني أن امرأتي ما زالت حديثة عهد بالإسلام، وأن علي أن لا أغلظ عليها في الأمر والنهي، وأن أترفق بها حتى يتمكن الإسلام من قلبها، وأن اللين والحلم والتدريج يبلغ ما لا يبلغه ضده من الشدة والجفاء، وقد خففت حدتي عليها بسبب ذلك شيئاً ما.
وقد كنت قبل إسلامي أقضي وقتاً مع أقراني من حيّـنا، وكنا عندما نجتمع نتحدث بصخب وإزعاج، فترى الجميع يتحدثون في وقت واحد، دون أن يبدي أحداً اهتماماً بما يقوله الآخرون في مشهد مضحك عندما أتذكره الآن، وعندما زرتهم بعد إسلامي لاحظوا كثرة صمتي، وأني لا أتحدث إلا عندما يصغي الآخرون لي، واستغربوا هذا التغير في تصرفاتي، وبعد عدة زيارات رأيت أنه ليس بإمكاني الاستمرار في زيارة هذه المجموعة، حيث لا أخرج إلا بضياع الوقت سدى دون فائدة، وقررت أن أنقطع عنهم.
كما كانت علاقتي مع والدي صعبة أيضاًº نظراً لأنهما ما زالا متشبثين بالنصرانية، ولم يتقبلا فكرة إسلامي، وشعرت أنه لم يعد بوسعي الإقامة في المكان الذي أنا فيه نتيجة هذه الضغوط، فقررت أن أذهب إلى حيث أجد معونة على تعلم الإسلام والعمل به، فتركت بلدتي حيث أهلي وزملائي وجئت إلى "ديترويت" حيث يسكن زميل لي من أيام الجامعة، وهو أحد النشطاء في منظمة المسلمين الإندونيسيين والماليزيين في أمريكا الشمالية، ورغم أني جئت هنا معدماً إلا أنه أسكنني معه، وتولى مساعدتي في جميع ما أحتاجه، ولذا تراني كثيراً ما آتي إلى المسجد معه".
وقد ساعد الأخوة في جماعة المسجد أخاهم "جيم" فيما يحتاجه، واستقر بسرعة في "ديترويت"، ثم بدأ يبحث عن عمل، ووفق في الحصول على عمل مناسب، ولكنه بعد فترة تركه لأن رئيسه في العمل لم يكن يأذن له بالذهاب لصلاة الجمعة، وربما حدث ذلك لأنه كان جديداً في عمله، حيث إن الكثير من أرباب الأعمال يسمحون لموظفيهم المسلمين بالاستئذان لصلاة الجمعة بزيادة الوقت المخصص لاستراحة الغداء قليلاً.
وقد سألت "جيم" مرة عن حسن تلاوته للقرآن، وهل علمه ذلك زميله "أحمد" الذي أسكنه عنده؟ فأجاب: بأنه إنما تعلم ذلك بواسطة الحاسب الآلي باستخدام القرص المدمج ( CD) الذي يحوي تلاوة للقرآن الكريم.
وجاءني مرة يطلب شراء نسخة من معاني القرآن بالإنجليزية، وعندما سألته عما يريده بها، أخبرني أنه يريد أن يعطيها لأمهº مؤملاً أن يهديها الله للإسلام، فأخبرته أن النسخ الموجودة يمكن أخذها بدون مقابل مادام ذلك للدعوة.
وبينما هو كذلك إذ تعرف على مجموعة من الإخوة من جماعة الدعوة والتبليغ، والحق أنه برغم ما قد يلاحظ على الأخوة في التبليغ من بعض الملاحظات في المنهج والنشاط، إلا أنهم يقومون بجهد مميز في دعوة المسلمين وتذكيرهم بالله، كما كانوا يوفرون بيئة ممتازة للمسلم الجديد يعلمونه فيها.
ثم بعد فترة رحل عنا مع هؤلاء الإخوة ليشاركهم في الدعوة إلى دين الله ضمن رحلاتهم الدعوية، ورغم أنه استقر في مكان آخر إلا أنه كان يزورنا بين الحين والآخر في رحلاته تلك.
أسأل الله أن يفقهه في الدين، وأن يرزقنا وإياه البصيرة، ويتقبل منا جميعاً.