النقد النصي وأثره في الوحي والعصمة - أيمن تركي
من الطبيعي ان قوة الثوابت الإيمانية في أي عقيدة سواء أكانت الإسلامية أو المسيحية أو حتى اليهودية تنبع من مدي رسوخ تلك الثوابت وقوة تحملها في مواجهة النقد المباشر لها.
ومن احد أهم الثوابت في التاريخ المسيحي عبر عصوره هي المفاهيم الأصولية لـ ( الوحي ) و ( العصمة )
فالعهد الجديد لم يكن في حقيقته عملية تدوين حفاظاً علي التقليد الشفهي المنتشر وقتها لأن أبسط قواعد الحفظ هي الحصر قدر الإمكان أو ما يطلق عليه ( الأرشفة ) وهو الأمر المنفي علي لسان الإنجيل الرابع حيث يقول: (( وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ. ))[1]
وفي موضع اخر يقول: (( وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ. ))[2]
قبل ان يطرح ان السبب الأساسي في الكتابة هو: (( وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ. ))[3] ، وهو الأمر الذي ينفي منهجية الأرشفة لأن ( الحفظ ) لن يكون وقتها مؤسساً لفكر أو مفهوم من المفترض انه راسخ أصلاً في التقليد الشفهي المنقول عنه أصلا التقليد المكتوب ، ولذا فليس من الغرابة أن نجد ذلك ( الحفظ ) المزعوم غائباً عن أغراض كتابه العهد الجديد عند صاحب كتاب مرشد الطالبين في باب (فلا بد ان يكون كتب لأغراض مهمة)[4]، بل يؤكد ذلك العالم ( هارم هولندير ) قائلاً : (( حفظ التقليد الشفهي لم يكن هو المهمة الرئيسية للكتابة ))[5]
من ذلك بدا واضحاً ان الكنيسة كانت في الحقيقة بحاجة ماسة لإضفاء روح ( القدسية ) حول التقليد الشفهي الذي تؤمن به من خلال تحويله الي تقليد مكتوب منسوباً الي أتباع المسيح المباشرين ، وهكذا بدأت الخطوة الأولي لقدسية ( الحرف ) المكتوب من خلال فكرة إلصاق عملية تدوين الكتاب بإلهام ( الروح القدس ) والتي تعتمد فيها الكنيسة علي نصين يعتبرا من أوضح وأشهر الأدلة بزعمها علي ( إثبات ) وجود الوحي في الكتاب المقدس وهما:
النص الأولي:
تيموثاوس الثانية 3/16 (( كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ )) – الفاندايك -
فعلي الرغم من سوء الترجمة والتي تفترض أن ( كل ) الكتاب هو موحي به فضلاً عن أن فصل المقطعين ( الله و نافع ) له مدلول أخر في فهم كل مقطع علي حده ، فالأول هو إشارة إلي تدوين الكتاب بإيحاء من الله أو بدقة معناها اليوناني ( تنفس الله - qeopneustoV) ثم يكون المقطع الثاني إنما هو مفسراً علي المقطع الأول وبذلك يكون المعني هو أن كل الكتاب موحي به من الله ولهذا فهو نافع للتعليم والتوبيخ وإلا فما هو الذي يصلح للتعليم والتوبيخ غير كتب أوحي بها الله عز وجل لعباده ؟!
لكن المعني الحقيقي للمقطع يأتي من الترجمة الصحيحة لمقدمته ( كل الكتاب ) والتي جاءت في المخطوطات اليونانية ( باسا جرافي -πασα γραφη ) والتي تعني ( كل كتاب ) بدون ان يسبق (جرافي – ( γραφη أداة تعريف وبنفس الإسلوب فإن فاصلة المقطعين (και ) بها مشكلة نقدية بين الحذف[6] أو الإثبات ، فيكون المعني : ( كل كتاب موحي به من الله نافع للتعليم والتوبيخ .... ) ، وبذلك تكون الجملة كمقطع واحد مفسره علي العدد الذي قبلها فيكون كلام القديس بولس علي هذا النحو:
15وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. 16كُلُّ كتاب ( من تلك الكتب التي تعرفها منذ طفولتك ) هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، (و) َنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، 17لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ.[7]
وهو بتلك الإشارة إلى ( طفولة ) تيموثاوس ينافي ضمنية إشارته الي الأناجيل بشكل واضح نظراً لأنها لم تكن قد كتبت بعد وقت تلك الشهادة من القديس بولس،[8] وهو الأمر الذي يجعل إحتواء لفظ ( كتاب ) لكتابات العهد الجديد امر صعب الحدوث إن لم يكن مستحيلاً بالقطع ، ويشهد بذلك نيافة الأنبا بيشوى ( سكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية بمصر ) قائلاً:
((مقصود بعبارة "الكتب المقدسة" (عدد 15) هنا العهد القديم لأنه فى وقت طفولية القديس تيموثاوس لم تكن أناجيل العهد الجديد والرسائل قد كُتبت بعد..))[9] وهي نفس شهادة الكاتب فادي الكسندر عن مقصود القديس بولس بتلك الكتب الموحي بها في مقاله ( التحريف والعصمة في ضوء النقد النصي )[10] قائلاً : (( لا يُمكن ان تكون سوي كتب العهد القديم ، و بالتالي فإن كلام بولس في هذا النص ليس سوي عن كتب العهد القديم. )) ، إلا أن إلصاقية ( الوحي ) بكتب العهد القديم في صورتها ( الحالية ) ليس بتلك الدرجة من القوة التي يجزم بها أصحاب هذا القول فتجدر الإشارة هنا إلي أن العهد القديم بأسفاره الموجودة حالياً لم يكن متفق عليها بصورة قاطعة خلال تلك الفترة التي يُشير إليها القديس بولس في رسالته إلي تيموثاوس ، فيقول رهبان دير الأنبا مقار في كتابهم ( العهد القديم كما عرفته كنيسة الأسكندرية ) :
(( لم تكن أسفار العهد القديم محددة بصفة قاطعة قبل مجمع يمنيا سنة 90م ، بل كان هناك نوع من <المرونة> في مدي قبول هذه الأسفار واعتبارها إلهية. ))[11]، ووفقاً لذلك يقول العالم ( جيمس بار ) :
(( من المستحيل المعرفة علي وجه الدقة أي الكتب التي تتضمنها إشارة الكاتب في ( كل كتاب ) بتيموثاوس الثانية 3/16 ))[12] ، وهو الأمر الذي جعل علماء المسيحية أنفسهم يقرون بأن النص لا يقدم أيضاً أي دلالة علي ( الوحي المقدس ) بالعهد القديم ولا نمطه ولا حتى حدود تلك الكتب أو الشريعة اليهودية بها[13]وهو بذلك يبدو كنص عديم القيمة أو الفائدة في إثبات حالة الوحي المقدس بالكتاب المقدس سواء بعهديه القديم أو الجديد.
النص الثاني:
رسالة بطرس الثانية 1/21 : ( لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. )
وهو النص الذي يقع في دلالته بصورة اقوي من النص الأول ففيه يقول القمص ( عبد المسيح بسيط ابو الخير ) تحت عنوان (الوحي الإلهي في الكتاب المقدس ):
(( وقد وردت كلمة " مسوقين " في اليونانية " feromenoi - feromenoi - فيرومينوى " وتعنى " محمولين ، أو مسوقين " ، من الفعل " fero - phero - فيرو " والذي يعنى " يحمل ، أو يسوق " وتؤكد في قوله " تكلم أناس الله القديسون مسوقين (محمولين) من الروح القدس "[14] أن الروح القدس كان يحملهم ويسوقهم ويتكلم على لسانهم وينطق بأفواههم ب " كلمة الله " . ))
إلا ان الحقيقة ان النص أبعد ما يكون عن إثبات وجود ( وحي ) بجوهرة الحقيقي في كتابات العهد الجديد ، ففي البداية تجدر الإشارة الي رؤية علماء النقد في قانونية رسالة بطرس الثانية والتي يلخصها لنا العالم ( ريتشارد بكهام ) في قوله: (( علماء العهد الجديد حالياً يميلون بشكل جماعي تقريباً الي الخيار بان رسالة بطرس الثانية هي رسالة زائفة ))[15] ، ذلك الإجماع لم يكن وليداً للصدفة أو للتعصب وإنما كان بناءاً علي المعطيات التاريخيه الداخلية والخارجية للرسالة ، ومن هنا فإن الفهم الصحيح لهذا النص هو وضعه في السياق التاريخي لمفهوم ( الوحي ) في الكتابات الآبائية الأولي .
يقول القديس ( بطرس )[16] في السياق التام لتلك الكلمات ما نصه – ترجمة الفاندايك - :
(( 19 وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ، 20 عَالِمِينَ هذَا أولاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. 21 لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. ))[17]
ولكي نفهم تلك الأعداد يجب ان نستحضر أولاً مدلولات بعض الكلمات بها وهي:
1- ما المقصود بـ ( عندنا الكلمة النبوية ) في العدد 19 ؟
2- ما المقصود بـ ( التفسير الخاص ) والمبنية علي ( نبوة الكتاب ) في العدد 20 ؟
3- ما المقصود بـ ( اناس الله القديسون ) في العدد 21 ؟
ملاحظات حول السؤال الأول:
من الأمور المُسلم بها عند كثير من علماء الكتاب المقدس ان الإنجيل بحسب القديس مرقس هو أول وأقدم الأناجيل تدويناً[18] في حين الإنجيل بحسب القديس يوحنا هو أخر الأناجيل تدويناً ويعود الي عام 100م[19] ، فإذا وضعنا في الاعتبار شهادة دائرة المعارف الكتابية المنقولة عن التقليد الكنسي والقائلة باستشهاد القديس بطرس عام 67م[20] ، فإن النتيجة تظهر بما لا يقبل الشك من أن المقصود بلفظة ( الكلمة النبوية ) لا يمكن ان يكون المقصود بها كتابات العهد الجديد لأنها لم تكن قد دونت بعد بشكل كامل خصوصاً إذا اعتمدنا تقليد من وصفه البعض بأبو التقليد الكنسي[21] وهو القديس ايريناؤس ق2 القائل بأن إنجيل القديس مرقس قد دون بعد أن أستشهد كلا القديسين ( بطرس ) و ( بولس )!![22]
بلا شك أن الإشارة في ( الكلمة النبوية ) تتعلق بالعهد القديم بشكل رئيسي وليست بالعهد الجديد علي الإطلاق فوفقاً لهذا المعني فإن القديس بطرس كما أشار رهبان دير الانبا مقار كان يعتبر ( النبوة ) اثبت من شهادة الذين رأوا وسمعوا[23] وهو ما ينصرف بشكل صحيح ومباشر علي نبوات العهد القديم وليس علي الإنجيليين ممن شاهد المسيح وعاش معه.
ملاحظات حول السؤال الثاني:
هل كان كاتب رسالة بطرس الثانية يقصد أن تفسير النبوات هي العملية التي يساق فيها ( أناس الله ) بإلهام الروح القدس بإعتبار ان الكلمة المقدسة في إعلانها الذاتي لم تأتي من مشيئة إنسان وبالتالي فلكي يفهم الإنسان ذلك الإعلان النبوي يحتاج الي إلهام خاص من الروح القدس ؟؟
هناك خط رفيع يُظهر حقيقة ذلك الأمر في كتاب الأب متي المسكين والمُسمي ( الباراكليت ) من مجموعة ( الروح القدس الرب المحي ) ج2 في باب ( حلول بالكلمة ) حيث يقول :
(( تفسير الكلمة حالة حلول لا تقل عن النطق بها )) و أيضاً (( وإستخلاص العقيدة من نصوص الإنجيل عمل إلهامي لا يقل عن وضع الإنجيل نفسه. لأن في كليهما يبلغ العقل الي مواجهة الحق ))
لكن الامر ليس بتلك البساطة من حيث إعتبار التفاسير الآبائية والكنسية للكتاب المقدس هي أيضاً علي نفس درجة من التقديس للنص المُفسر نفسه !![24]
ملاحظات حول السؤال الثالث:
هل المقصود بـ ( اناس الله القديسون ) تشمل المفسرين أيضاً كما في ملاحظات السؤال الثاني ؟!
وهل أشار كاتب رسالة بطرس الثانية الي الإنجيلين ورسائل بولس علي ان أصحابها أناس قديسين ؟!
قد يبدو الامر واضحاً من الملاحظات علي السؤال الأول فالأناجيل لم تكن قد دونت أصلاً أو علي أقل تقدير لم تكن قد دونت بشكل كامل قبل وفاة بطرس عام 67م .
إذاً مقولة رسالة بطرس الثانية لا يمكن ان تفيد في مسألة ( الوحي التدويني ) نظراً لأن الكتب لم تكن قد دونت بعد في شكلها الكامل ، وهو ما يعني إذاً ان المقصود بـ ( أناس الله القديسين ) ليسوا هم كتبة العهد الجديد بل أناس أخرين يصلح عليهم أيضاً لقب ( القديسين ) ، ولهذا فقد طرحت لجنة النت بابيل[25] هذه النتيجة كتفسير ثاني لهذا النص إذا لم تكن مُحددة علي كتبة الأناجيل وهو الامر الذي رأينا صعوبة وقوعه ، فتكون الإشارة الي النبوات ( الشفهية ) كنبوة ( حنة ) ببشارة لوقا 2/36 هي من إحدي المعنيين بذلك اللفظ في نص رسالة بطرس الثانية.
النظريات المسيحية المتضاربة في تعريف الوحي:
من الأمور البديهية عند أي عاقل ان الفشل في إثبات ( مفهوم ) معين يعني ببساطة الفشل أيضاً في تحديد معايير ذلك المفهوم الغير ثابت أصلاً.
ويمكن إثبات ذلك من خلال رسم مُثلث توضيحي للعلاقة بين الوحي والعصمة والنص الأصلي المفقود:
ومن الشكل يمكننا ان نتبين وجود علاقة ( مركزية ) بين الوحي وبين العصمة من ناحية وبين ( النص المتاح ) سواء أكان النقدي أو المُستلم من ناحية أخري تلك الرؤوس الثلاثة تؤثر بشكل ديناميكي في التعريف والوصول بشكل كبير الي الجوهر الحقيقي لتعاليم النص ( الأصلي ) المفقود.
ولذا فإن اختلاف النظريات الكنيسة في هوية ( الوحي ) وكيفيته لها أثرها الكبير أيضاً سواء علي ( العصمة ) بشكل كامل أو علي النص ( المُتاح ) المُختار بشكل مباشر .
فكما رأينا فيما سبق من صعوبة تمرير نصي رسالة بولس الي تيموثاوس ورسالة بطرس الثانية كدليل مباشر علي وجود ( الوحي التدويني ) في كتابات العهد الجديد ، فليس من المفاجأة أو من الغرابة ان نجد الدكتور/ جوني عواد ( كلية اللاهوت للشرق الادني – بيروت ) يقول في مقاله ( كيفية الوحي وطبيعة الكتاب المقدس ) ما نصه:
(( بالرغم من أهمية النصين المذكورين اعلاه ، والأضواء التي يُلقيانها علي فهم يسوع والرسل الأوائل للعد القديم ، غير أنهما لا يقولا الكثير عن كيفية الوحي. )).[26]
فالأمر ليس منصرفاً فقط كما يتخيل البعض علي ( مجرد ) إثباتيه وجود ما يُسمي ( وحي ) بل أن الأمر في حقيقته ينصرف بشكل أكبر نحو ( كيفية ) ذلك الوحي وهو الأمر الذي يقف فيه التاريخ الكنسي عاجزاً بشكل كامل عن تقديم أي معلومات حول تلك الكيفية .
لكن تلك الكلمات البسيطة من الدكتور ( جوني ) تعكس في جوهرها صراعاً كبيراً بين رجال الكنيسة في تعريف ما يُسمي بـ( الوحي ) والذي يمكن ان نختصره في ثلاثة نظريات متضاربة لا يمكن الجمع بينها بحال من الأحوال:
1- النظرية الأولي ( نظرية الوحي الحرفي )
2- النظرية الثانية ( نظرية الوحي الضمني )
3- النظرية الثالثة ( نظرية الوحي العام )
النظرية الأولي:
وهي الأشهر والأوسع في الكنيسة الشرقية خصوصاً وذلك بسبب صعوبة تقبل فكرة الإلهامية الضمنية بدون التوفيق للإلفاظ الملائمة لذلك المضمون المطلوب الإعلان عنه ولهذا يقول القس ( شنودة ماهر إسحق )[27] في كتابه : ( الكتاب المقدس اسلوب تفسيره السليم وفقا لفكر الاباء القويم ) ما نصه:
(( وعلاوة علي ذلك فإنه من الصعب أن نفكر في الفكرة بعيداً عن الكلمات. فالأفكار هي في الكلمات، ولا يمكن أن تُدرك وتنتقل إلا عن طريق الكلمات وحدها. والفصل بينهما أمر لا يتصوره العقل .
ولذلك فإنه لا يمكن أن يكون هناك وحي بالأفكار إلا إذا كانت في نفس الوقت متضمنة في الكلمات، التي عن طريقها يتم التعبير عن الأفكار. فلا بد إذن أن تكون الكلمات نفسها موحي بها ، لا الافكار وحدها . ))[28]
وفي موضع أخر من نفس المرجع يؤكد نفس النظرية قائلاً:
(( فالوحي يمتد ليشمل الكلمات ولا يقتصر علي مجرد الأفكار والتصورات.))[29]
وبنفس المعني حول أهمية الحرفية في الوحي يخبرنا القس ( بسام مدني ) قائلاً:
(( فالأفكار والكلمات تتصل إلى هكذا درجة بحيث أن كل تغيير في الكلمات يؤدي إلى تغيير مماثل في الأفكار .......... وهكذا أيضًا لا يكتفي الروح القدس بأن يقول إلى كاتبه اكتب بهذا المعنى ، بل إنه يقود الكتبة بشكل تكون فيه الكلمات أيضًا من الله .))[30[
وهو نفس الأمر الذي نادي به القمص ( عبد المسيح بسيط أبو الخير ) قائلاً:
(( وفى كل الأحوال فقد دون كل حرف وكل كلمة وكل فقرة تحت إرشاد وعناية وتوجيه ووحى الروح القدس الذى أرشد الإنجيليين لاختيار ما دونوه ودفعهم للكتابة وحفظهم وعلمهم وذكرهم، ))[31]
ويؤيد ذلك صاحب كتاب ( مرشد الطالبين ) في توضيحه للوحي المقدس قائلاً:
(( ومعني الوحي بها من الله هو تحريك روحه القدوس اليها بما يفوق الطبيعة وعلي هذا يقال ان الأنبياء الأولين تكلموا بوحي الهي . فالوحي الي الكاتبين الأطهار يتضمن : أولاً ان الله حرك عزائمهم الي تلك الكتابة . ثانيا أنه ساعدهم بالهام خاص في معرفة ما لم يكونوا يعرفونه قبلاً . ثالثاً انه ارشدهم الي استحضار الالفاظ الموافقة الدالة علي مقاصدهم. رابعاً انه هداهم في جميع الامور حتي كتبوها بحسب مشيئته تعالي ))[32]
وأخيراً يؤكد القس ( رضا عدلي ) ذلك قائلاً:
(( إن مئات العبارات مثل "قال الله" "يقول الرب" "هكذا يقول الرب" تؤكد صدق عقيدة الوحي اللفظي. أنا أعرف أن الله أكبر من أن يُحصر في لغة! لكن ألم يكتب الله بإصبعه علي لوحي الشريعة ؟ ))[33]
ثم يختم ذلك مهاجماً من ينكرون عقيدة الوحي اللفظي واصفاً إياهم:
(( إن الذين لا يؤمنون بالوحي اللفظي يؤمنون بإله أخرس !!! )).[34]
ويؤكد ذلك العالم الإنجليزي جيمس باكير مشدداً علي أهمية الحرف بالنسبة لحقيقة التعاليم:
(( لو كانت الكلمات ليست بالكلية إلهية فهذا يعني انه توجد تعاليم ليست بالكلية إلهية ))[35]
وكما هو ظاهر من أقوال أصحاب تلك النظرية فإن العلاقة بين رؤوس المثلث كما سبق وان أشرنا قبلاً ، تتمثل في العلاقة الأولي بين ( الوحي ) و ( العصمة ) والتي يمكن فهمها بشكل كامل من خلال القس ( شنودة ماهر إسحق ) القائل:
(( لا يكفي فقط أن نقرر بأن الكتاب موحي به وله سلطان ، وإنما لا بد ان نعترف أيضاً بأنه منزه عن الخطأ ومعصوم. ونعني بذلك أنه بدون أخطاء في مخطوطاته الأصلية. فهو منزه عن الخطأ في كل ما يؤكده، سواء كانت هذه أموراً تاريخية أو علمية أو أخلاقية أو عقائدية. والتنزه عن الخطأ يمتد إلي الكتاب كله، ولا يقتصر علي تعاليم معينة في الكتاب .)) [36]
وهو نفس المؤكد من قبل العميد وليام آيتشهورست قائلاً:
(( كلمة " كامل " كانت تستخدم بشكل عام من قبل الإنجليين في وصف رؤيتهم للوحي ، وهي تستخدم في التعبير عن فكرة ان الكتاب المقدس مُلهم في كل أجزاءه ليست فقط الأجزاء المذهبية وإنما أيضاً الجغرافية والتاريخية والتأريخية ))[37]
وهي الكلمات التي تشير الي العلاقة التماثلية بين ( الوحي ) و ( العصمة ) ، فكما ان الوحي لفظي فإن العصمة يجب ان تكون أيضاً بالمقابل حرفية إذ لا يعقل ان يكون الوحي للفظ يمكن ان يضيع أو يكون غير معصوماً من التحريف والتعديل !!
ومن تلك الشاهدات السابقة فإنه يمكننا إعادة رسم الشكل السابق ليتناسب مع معطيات النظرية الأولي كما يلي:
وبذلك يمكننا كما يمكن للقارئ ان يكتشف ببساطة أن القاعدة الحقيقية لإثبات صحة تلك النظرية من عدم صحتها مرتكزة علي مدي ثبات النص المُتاح نفسه والمشار اليه في الشكل السابق بعلامات الإستفهام للدلالة علي عدم وضوح تلك النظرية في مسألة تحديد النص الذي يمكن أن يبني عليه مبدأ العصمة الحرفية بشكل رئيسي أهو النص المُستلم أم هو النص النقدي.
بشكل منفصل فإن علماء النقد الغربي لا يرون منهجية الكنيسة الشرقية في تهميش إختلافات النص المُستلم والنص النقدي لذا فإن إحد المدافعين عن ( نص الأغلبية )[38] وهو العالم ( بيكرينج ) يوضح تفاصيل الإختلافات بين النص المُستلم والنص النقدي قائلاً:
((النص المُستلم وجد انه يختلف عن النص الأصلي - يقصد نص الأغلبيه - فيما يقرب الألف موضع ، معظمهم إختلافات طفيفه للغاية، في حين وُجد النص النقدي يختلف عن النص الاصلي فيما يقرب الخمسة الآلاف موضع، العديد منها إختلافات خطيرة))[39]
إلا إن علماء الكنيسة الشرقية دون علماء الغرب تحديداً بدا وكأنهم قادرين علي الاستعاضة الكاملة عن تلك العلامات الاستفهامية وذلك من خلال التهميش الكامل لأي فارق بين النصين ( المُستلم / النقدي ).
يعطينا القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير فكرة عامة عن ذلك الخلط المُتعمد بين النصين قائلاً:
(( وهكذا تبرهن لنا أننا نملك كل الوثائق والأدله التى تؤكد أن كلمة الله فى أسفاره المقدسة لم تحرف ولم تبدل ولم يفقد منها كلمة واحده أو حرف واحد )).[40]
النقدي النصي وأثره في عدم صحة النظرية الأولي:
علي الرغم من شهرة تلك النظرية الساحقة بين مسيحي الشرق بشكل خاص إلا أنها أكثر النظريات التي لم تعد تلقي أي مُدافع غربي كما أشار القس ( كامدين كوبرين ):
(( كان الرجال عديمو الإحترام عندما أكدوا ان الله يجب أن يُعلن الحقائق ( الإيحاء ) وفقاً لطريقة واحده. يجب أن يكون وحياً معصوماً ، عصمة الإستلام ، التسجيل ، الحفظ ، النقل ، النسخ ، الترجمة ، التفسير. لا أحد يؤمن بذلك الأن. )).[41]
تلك الكلمات التي قد يكون لها واقع غير عادي علي القارئ المسيحي البسيط إلا أنها تحمل إشارة واضحة إلي ان فكرة ( العصمة الحرفية ) هي فكرة ( مقدوحة ) عند علماء المسيحية في الكنيسة الغربية منذ ما يزيد عن قرن من الزمان.[42]
إلا أن أصولية تلك الحقيقة من الإقرار بعدم العصمة الحرفية للكتاب المقدس إنما هي مبنية علي نتائج عالم النقد وخصوصاً الشق المُتعلق منها بما يُسمي بالنقد ( النصي )[43] ، ويشهد التاريخ النقدي للنص المقدس عبر العصور الكنيسة القديمة والحديثة بأن النقد النصي لم يكن أصلاً وليداً لدرء مشاكل التضارب بين قراءات المخطوطات المختلفة بشكل كامل ، فرغم ان جذور النقد تعود في أصولها للقرن الأول الميلادي نفسه[44] إلا أن أول أشارة صريحة لمدي إضطراب ( الحرف ) المقدس كانت سريعة للغايه وذلك من خلال القديس أوريجانوس ق2 عندما اشار الي التنوع الرهيب بين المخطوطات في عصره قائلاً:
(( الاختلاف بين المخطوطات قد صار عظيماً ، إما من خلال إهمال بعض النساخ أو من خلال الجرأة الإنحرافيه لآخرين ، أو من خلال إهمال فحص ما قاموا بنسخه ، أو في خلال عمليه الفحص قاموا بالإضافة أو الحذف كما شاءوا ))[45]، فمع الأخذ في الإعتبار بأن ( كل ) المخطوطات التي تحدث عنها القديس أوريجانوس تعد الأن في حكم المفقودة ولذا فإننا لا نملك دليلاً من الأصل يفيد بأن القديس أوريجانوس نفسه أخذ علي عاتقة مبدأ الفصل بين كافة المخطوطات المتضاربة للوصول الي النص الأصلي المفقود ، وهو ما يظهر بشكل جلي في تعامله مع مشكلة رسالة العبرانيين 2/9 حيث إعتبر القديس أوريجانوس انه لا توجد أهمية لتحديد القراءة الصحيحة من الفاسدة بالنص نظراً لأن كلاهما يحملان الطابع الروحي المطلوب[46], وهو الأمر الذي جعل العالم النقدي الشهير ( بروس متزجر ) يصف مهمة أوريجانوس : (( بقدر ما هو معروف فإن أوريجانوس ما حاول أن يُعد نسخه رسمية من العهد الجديد ))[47] ، وهي النتيجة نفسها التي أشار اليها العالم ( نورتون ) من خلال تحليله لبعض القراءات التي أشار إليها أوريجانوس مضمناً إياها في تفاسيره وتعليقاته علي نص العهد الجديد في كتابه ( أدلة أصالة الأناجيل )[48] ، خصوصاً إذا أخذنا في الإعتبار أيضاً ان القديس أوريجانوس ما كان يؤمن أصلاً بالعصمة الحرفية!![49]
ومروراً بالقديس جيروم ق4 صاحب الترجمة اللاتينية الشهيرة التي تُسمي بـ ( الفولجاتا )[50]، والتي وضعها للحد من الفساد الذي لحق بالترجمات اللاتينية من عبث النساخ وأخطاءهم موضحاً قيمة ( نصها ) قائلاً: (( العهد الجديد لقد إستعدت الشكل الموثوق[51] من الأصل اليوناني ))[52]، إلا أن هذا القول ربما لم يقنع ناسخو المخطوطات اللاتينية بالكنيسة الغربية بالشكل الكافي الأمر الذي جعلهم يواصلون النسخ والترجمة من المخطوطات اليونانية إلي اللاتينية مهملين وجود الفولجاتا طوال ما يزيد عن عشرة قرون أخري !![53]
بل أن الأمر لم يقتصر الأمر فقط علي مجرد الإقتناع لدي الناسخ وإنما إمتد أيضاً الي تأثيرهم المباشر أيضاً علي نص الفولجاتا نفسه ، الأمر الذي لم تسلم فيه أفضل مخطوطات الفولجاتا من فساد الترجمات اللاتينية[54]، وهو الأمر الذي جعل نص الفولجاتا نفسه من النصوص الفاسدة التي تحتاج الي الوسائل نقدية في محاولة لإسترجاع نصها السليم ، رغم ان الثروة المسيحية في مخطوطات الفولجاتا تفوق بكثير ثروتها من المخطوطات اليونانية نفسها والتي تُعد لغة النص الأصلي !![55]
لعل الأمر يبدو مشوشاً قليلاً في الكنيسة الأولي خصوصاً من ناحية النقد النصي ، فلم يكن هناك قواعد ولا وسائل نقدية واضحة ولا وسائل التكنولوجيا المتوافره حالياً ولا حتي مفهوم أو شكل لنص واحد ( مُستلم ) متعارف عليه بين قديسي الكنائس الواحدة[56] أو الكنائس المختلفة[57] ، بل أن الآباء أنفسهم كانوا كمن يشار إليهم في بعض المواضع النقدية بالإتهام الصريح بالتدخل في النص المقدس لتحريفه[58] ، وهو الأمر الذي جعل علماء النقد في الكنيسة الحديثة يهملون وبشكل واضح شهادات الأباء النقدية علي صحة قراءة من عدمها[59] ، رغم انهم يقدمون تاريخ لمرحلة حاسمة ليس فقط في تاريخ النص المقدس بل في تاريخ المسيحية كلها [60]، إلا أن الكنيسة الحديثة ومع دخول النقد حيز الدراسات الأكاديمية للنص المقدس بها ، فقد بدا واضحاً ان ( الحرف ) المقدس دخل مرحلة الموت إيمانياً وكنسياً فمع عام 1707م صدرت واحده من أهم النسخ اليونانية الهامة في تاريخ النقد النصي وقدسية ( الحرف ) ألا وهي نسخه عالم جامعة أكسفورد ( جون ميل ) الذي كان أول من أشار الي حقيقة الإختلاف الرهيب بين مخطوطات العهد الجديد في زمنه والذي وصل بها الي ما يقرب الثلاثون ألف إختلاف تضمنتها هوامش نسخته التي قامت علي النص اليوناني المطبوع لـ ( ستيفانوس ) الصادر في عام 1550م ، ورغم أن ( ميل ) لم يقم بأي تعديل فعلي علي نص ( ستيفانوس ) وأكتفي فقط بتوضيح مواضع الإختلاف بين نصه وبين نص ما يقرب من المائة مخطوط التي كانت بحوزته في هوامش نسخته ورغم أنه ما أدرج من القراءات المختلفة إلا ما رأه هاماً[61] ، إلا انه في الحقيقة أعطي الإشارة القوية الي أن الحرف ( المقدس ) ليس مستقراً لحد الإيمان العميق بأنها الكلمات الحقيقة الفعلية التي أوحي بها لكاتبها الأصلي وهو ما أثار مخاوف الكثيرين ممن تبنوا منهجية أهمية النص المقدس في تقرير الإيمان !![62]
لم تكن هذه المخاوف سوي بداية للمرحلة الأخطر في تاريخ النص المقدس ألا وهي مرحلة النص النقدي الكامل وهو النص الذي سطر النهاية الحاسمة لمرحلة ما يُعرف بـ ( النص المُستلم - Textus Receptus [63]([64]، ففي الفترة 1842-1850م ظهر الي الوجود نص يوناني جديد للعالم الألماني ( كارل لاتشمان )[65] ، ذلك النص الذي كتب الشهادة الأولي للنص اليوناني المُعتمد بشكل كامل علي الوسائل النقدية ومخطوطات العهد الجديد القديمة ، لم يكن في حقيقته أو غايته الرئيسية يهدف الي تقديم نص أصلي يوضع بين يدي القارئ ، بل أن ( لاتشمان ) نفسه كان يعتبر الوصول للنص الأصلي المفقود أمراً مستحيلاً.[66]
وهو ما يجعلنا نتصور المرحلة الأولي للنقد النصي في الكنيسة الحديثة والتي يمكن توضيحها بأن النص النقدي في تلك الفترة ما كان يهدف أصلاً الي الوصول الي النص المفقود !!
ومع توالي إكتشافات المخطوطات وتطوير العلماء لوسائل النقد النصي دخل النص النقدي الي مرحلته التاليه والتي لا تقل أهمية ولا إثارة عن سابقتها ألا وهي مرحلة العالمين : ( ويستكوت وهورت [67]) ، ففي عام 1881 قام العالمين الإنجليزيين - بعد عمل ودراسة لمده 28 عاماً - بإصدار نسختهما الأولي من النص اليوناني ، تلك النسخة لم يكن أصحابها معنيين بشكل رئيسي في تجميع المخطوطات بل عمدا الي تطوير أساليب النقد الموجودة مسبقاً من خلال علماء سابقين أمثال ( جون كريسباخ[68] و كارل لاتشمان )[69]، ورغم ان نص ويستكوت وهورت يُعد من أشهر النصوص النقدية علي مستوي العالم وأساليبهم النقدية تعامل بإحترام بالغ في الأوساط النقدية الحالية إلا أنه مع ذلك قد لا يكون الأمر غريباً إذا وجدنا ان نتاج تلك المرحلة أيضاً من الفكر النقدي في الكنيسة لم يكن الهدف منه إستعادة النص الأصلي المفقود ، فالواقع ان ويستكوت وهورت لم يعمدا أيضاً الي تقديم نص يوناني أصلي نظراً لأنهما علي حد وصف العالم زان هودجيس (( بدءاً فإن ويستكوت وهورت لم يريدا بوضوح إلزام أنفسهما بعصمة الأصول )) [70] وهو ما يعني انهما ما ألزما أنفسهم من الأساس بعصمة النص المقدس من الخطأ في أصوله المفقودة !!
تلك النظرية – عدم قدسية الحرف في النصوص النقدية – لم تكن مبنية في تلك الفترة علي ضعف الوسائل المتاحة لعلماء النقد خلال تلك الفترة الزمينة فحتي مع توالي إكتشاف البرديات القديمة والتي عادت بجزء بسيط من النص المقدس لأواخر القرن الثاني[71] إلا أنها لم تقدم الكثير من الدعم للنص النقدي علي عكس ما قدمته في إسقاط نظرية الإستقرار الحرفي للنص المقدس خلال القرون الأولي ، فمن خلال الإختلافات بين تلك البرديات بضعها البعض من جهة ومع المخطوطات اللاحقة من ناحية أخري وبين المخطوطات وبعضها البعض أيضاً ، والتي رغم تطور العلوم ودخول الكمبيوتر مجالات العلوم النقدية لا يزال علماء المسيحية حتي عصرنا الحالي يحاولون ( استنتاج ) قيمة مناسبة لكمية تلك الإختلافات واضعين أرقام عشوائية بين ربع مليون إختلاف أو حتي ربعمائة ألف إختلاف فمن الواضح أنه حتي تلك اللحظات لا يملك أحد وسيلة جيدة لحصر تلك الاختلافات[72]، لكن أكثر ما يثير الإهتمام هو أنه قد أصبح الأن بمقدور العلماء ولو بصورة شبة جيدة من الدراسة الواقعية لمقولة القديس أوريجانوس التي سبق الإشارة اليها خلال القرن الثاني والثالث من خلال البرديات المكتشفة والتي عاد بها العلماء لتلك القرون المبكرة جداً مثل البرديات P66 و P52 و P90 و P75 ، لكن تلك الدراسات لم تأتي بالجديد بل علي النقيض تماماً أثبتت صحة مقالة ( أرويجانوس ) من إنتشار الفساد بشكل واسع بين مخطوطات تلك الفترة حيث لم يكن الإهتمام الشاغل للنساخ في تلك الفترة هو الحفاظ علي ( قدسية ) الحرف الذي ينسخونه بقدر ما بدا واضحاً من أن غايتهم الأولي هي الإهتمام بالرسالة التي يريدون أن يصلوا بها للقارئ ، عالم المخطوطات والدراسات الآبائية ( جوردون دي في ) يصور لنا تلك الفترة قائلاً:
(( غالباً اذا أخذ <النساخ>*[73] العديد من - الحريات / الإمتيازات [74]- في نسخ نصوصهم ، فإنهم يقومون بعمل ذلك <التغيير>* في أكثر الحالات في محاولة ( المساعدة ) ، هم كانوا أكثر إهتماماً بجعل رساله النص المقدس أكثر وضوحاً من النقل السليم للمخطوطات ))[75]
تلك الحالة التي كانت عليها عملية النسخ في القرنين الأول والثاني قد يكون أبسط وصف لما أصاب العلماء من جراءها أنها ( مخيبة ) للأمال بشكل كبير وخصوصاً لتلك التي إنعقدت علي انه بالرجوع الي المخطوطات الأقدم فإنه من الطبيعي أن نسبة الأخطاء ستقل بشكل كبير عما هي عليه الأن وهو ما يجعلها في مرتبة الثقة المطلقة[76]، لكن الواقع أنه حتي مع إكتشافات البرديات القديمة التي هي في ذاتها لا تصل للأصل المفقود بل هي عملية نسخ عن نسخ عن نسخ،[77] فإنه لا يمكننا الجزم بالصحة المطلقة للنص الذي بها ، بل أن الإختلافات الشديدة بين مخطوطات وكتابات تلك القرون المبكرة جعلت العلماء يقرون بأن النص المقدس لم يكن بتلك الحالة التي عليه الأن بل كان شديد المرونة والتحريف ، العالم ( روبرت شيدنجير ) يصف لنا تلك الحالة التي كان عليها النص المقدس خلال القرن الأول والثاني قائلاً:
(( عمل هؤلاء الباحثين يؤكد نقطة أن نص العهد الجديد كان سائلاً بشكل ملحوظ ، خصوصاً خلال القرن الأول والثاني من وجوده المُعترف به عموماً ، هذا الامر لم يأتي كمفاجأة ، العديد من الباحثين لاحظوا ان النص السائل كان متوقعاً نظراً للرؤية المذهبية واللاهوتيه السائلة في القرنين الأول والثاني ))[78]
تلك الطبيعة السائلة كان لها التأثير الأبلغ في عملية النسخ خلال تلك القرون تحديداً وهو الأمر الذي جعل كافة علماء النقد يطبقون بأن الأغلبية العظمي من الإختلافات بين المخطوطات تعود في حقيقتها الي تلك الحقبة الزمنية.[79]
لكن الأمر قد بدا صعباً للغايه في تقبل فكرة السقوط الرأسي من النص المُستلم الثابت الي النص النقدي المحدود بزمنية المخطوطات المتاحه جعل البعض يفكرون في بعض العبارات المطاطية للتخفيف قليلاً من حده ذلك السقوط ، فيعطي لنا صاحب مقالة ( التحريف والعصمة في ضوء النقد النصي ) ما يتوهمه قاعدة علمية مفادها: (( نص العهد الجديد متوافر في المصادر المتوافرة للعهد الجديد ))[80]
والحقيقة ان تلك القاعده لها خلفية مبنية علي قاعدة قديمة تعد الأن شبة مهجورة - إن لم تكن كذلك فعلاً - بين علماء النقد ألا وهي قاعدة ( نص الأغلبية ) مع بعض التعديلات في جوهرها ، تلك القاعده لا تهتم بالزمن ولا بتصنيف العائلات ولا بنمطها وإنما تهتم بالكم فقط ، فالقراءة التي تفوق مخطوطاتها علي مخطوطات القراءة الأخري هي القراءة الأصح حتي ولو كانت مخطوطاتها تعود الي زمن متأخر عن مخطوطات القراءة الأخري بقرون وذلك من باب ان الخطأ الذي قد يتخيل وقوعه علي ناسخ أو إثنين أو حتي عشرة لا يتخيل بالتبعية وقوع ألف ناسخ أخر في نفس الخطأ[81]، لكن تلك القاعدة المُحورة لم تكن من المسلمات العلمية كما زعم صاحبنا بل الحقيقة ان مدي مصداقيتها من عدمه يعود الي قرون ماضية من الصراع النقدي بين العلماء فيقول الناقد البريطاني ( صموئيل ترجليز ) :
(( أشعر بأني في الحقيقة أضع نص العهد الجديد في خطر ، إذا تبنيت سلطة نص الأغلبية من المخطوطات عند الإختلاف مع تلك المخطوطات التي كانت تقرأ في القرن الثالث من المسيحيين ))[82]
وذلك لأن المخطوطات التي تنتمي لنمط معين من النص كمخطوطات النص البيزنطي وهو النمط الذي يندرج تحته ما يزيد عن 90% من المخطوطات الحاليه لم يكن قبل القرن الرابع هو نص الأغلبيه بل كانت هناك مخطوطات كثيره أخري تنتمي لأنماط أخري مختلفه كالنص السكندري والنص الغربي ، فليس هناك من ميزة أو دلالة احتجاجية علي عدد المخطوطات المتوافر بين أيدينا الأن ، فما يعرف الأن بنص الأغلبيه كان يعرف قديماً بنص الأقلية !![83]
ولعل الموضع مناسباً الأن لطرح مثالين ليتبين للقارئ أن علماء النقد لا يتبعون منهجية ( المصدر المتاح ) ولا منهجية ( نص الأغلبيه ) وأول هذين المثالين : رسالة القديس بولس لكورنثوس الأولي 20:6
حيث قراءة ترجمة الفاندايك الشعبية:
(( 20 لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَِ للهِ. ))
إلا أن القارئ قد يفاجئ بأن ما خط بالأحمر قد تم حذفه من كل الترجمات العربية الأخري[84] !!
لكن المُدهش في تلك الحالة النقدية ليس إسقاطة من كافة الترجمات العربية علي أنها إضافة دخيلة علي النص المقدس وإنما في كمية المخطوطات اليونانية التي إتبعها علماء النقد في تقرير عدم أصالة تلك الإضافة ، فبالاستعانة بسلسلة الدراسات الإحصائية[85] لعائلة النقد الشهيرة ( ألاند ) ووفقاً للحالة رقم 14 فإنه يمكننا الوقوف علي عدد المخطوطات اليونانية الداعمة لكل قراءة ( الحذف / الإضافة ) كما يلي:
- عدد المخطوطات الداعمة للفقرة هي 563
- عدد المخطوطات التي تحذف الفقرة هي 23
- عدد المخطوطات التي تحوي الفقرة مع إختلاف في القراءات هي 18
وبتمرير قاعدة ( نص الأغلبيه ) فإن الخطأ أو الإهمال الذي يمكن تخيل وقوع أصحاب الـ (23 مخطوط يوناني ) لا يمكن تخيل وقوع ما يزيد عن ( 563 مخطوط يوناني ) فيه !!
لكن الغريب أن علماء النقد الذين لا يعرفون تلك القاعده يقرون بأن الخطأ فعلاً قد ينصرف علي المخطوطات مهما كثر عددها ، في حين قد يكون النص الأقرب للصواب هو المتضمن في عدد المخطوطات الأقل ( في حالتنا السابقة تمثل نسبة 4% فقط من إجمالي المخطوطات اليونانية !! ) فيقول عالم المخطوطات الشهير ( بروس متزجر ) في تعليقاته :
(( تلك الكلمات تفسيريه ولا يوجد إدعاء لكونها أصليه بشكل واضح: 1- من الشهادة الحاسمة لأقدم وأفضل الشهود الداعمة للقراءة الأقصر .....، 2- من طبيعة الإضافة نفسها .... ))[86]
وهو الأمر الذي أسترعي البعض الي محاولة تطوير تلك النظرية حول أصولية ( نص الأغلبية ) من خلال النظر الي المجموع الكلي للمخطوطات والمصادر بغض النظر عن الجانب الذي سيحسم النقد مدي صحة النص الذي به [87]، ففي حالتنا السابقة تلك النظرية سوف يكون معناها ان النص قد وجد ( بغض النظر ) عن كونه في الجانب الأقل أو الجانب الأكثر ، ففي النهاية هو ( وُجد ) فعلاً مع إهمال الأقلية أو الأكثرية .!!
لكن أصحاب تلك النظرية أهملوا عن عمد ملحوظ أهم نقطة يمكنها هدم تلك النظرية من جذورها ألا وهي :
مدي نسبة تلك المخطوطات التي تحوي القراءة الأقرب للأصل المفقود أو بمعني أدق العلاقة بين نسبة المخطوطات المحتوية للقراءة الأصح مع توافرها من الأصل !!
فإذا كنا في مثالنا السابق نتحدث عن 23 مخطوط يوناني من وسط ما يزيد عن 500 مخطوط يوناني فإن علماء النقد النصي قد يقدمون لنا ما هو أسوء من ذلك من خلال تقديم أمثله تصل فيها القراءة الأقرب للصواب الي مخطوط يوناني واحد فقط بمقابل ما يزيد عن 1600 مخطوط !!
لعل أحد أهم وأشهر تلك الحالات هي مرقس 41:1 حيث يقول النص وفقاً لترجمة الفاندايك:
(( فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ لَهُ:«أُرِيدُ، فَاطْهُرْ!». ))
إلا انه بدلاً من قراءة ( فتحنن - splagcnisqei,j ) فإننا نجد أن إحدي المخطوطات القديمة وهي المخطوط ( بيزا Beaza ) والتي تعود للقرن الخامس تقرأ ( فغضب - ovrgisqei,j )
ورغم ان الدعم[88] لقراءة ( غضب يسوع ) يعتبر ضعيفاً للغاية إن لم يصح أن نقول انه لا يكاد يذكر من جهة عدد المخطوطات مقارنة مع دعم المخطوطات لقراءة ( فتحنن يسوع )[89] إلا ان بعض العلماء لم يترددوا في الإعتراف بصعوبة التفضيل بين القراءتين[90] في حين ذهبت الأغلبية الساحقة من علماء النقد النصي إلي ان قراءة ( غضب يسوع ) هي القراءة الأصعب والأصح في هذا الموضع[91] ، وفي الوقت الذي ذهب فيه العالم الألماني ( هينريش جريفين ) الي سرد القائمة الطويلة التي تحوي أسماء العلماء ممن سبقوا أو شاركوا العالم ( إيهرمان بارت ) في إختيار قراءة ( غضب يسوع ) كقراءة أصليه[92] ، ذهب أحدهم الي الطعن بعلم ( إيهرمان بارت ) معتبراً إياها حالة نقدية تافهة[93] متسائلاً في سذاجه يحسد عليها :
(( السؤال الذي يطرح نفسه هو ، كيف لناقد يعتبر نفسه من أكبر نُقاد النص في العالم أن يُؤيد قراءة بهذه الشكل ؟! هل هو إستخفاف بالعقول مثلاً ؟! ))[94]
الأمر المتعلق بدراستنا هنا ليس تقرير القراءة الصحيحة من القراءة الفاسدة وإنما هو تقديم البراهين الداله علي ان النص المُقدم من قبل علماء النقد النصي قد يُبني في ادلته الخارجية علي مخطوط يوناني واحد فقط متوافر خلال العشرة قرون الأولي ، وهو ما يعني ان النص الصحيح قد يرتبط في ( كميته ) بأدني نسبة في عدد المخطوطات - في حالتنا السابقة تصل الي ما هو أقل من نسبة الـ 1 % من إجمالي المخطوطات اليونانية - ، وهو ما يبرز مشكلة الحلول الغير متكاملة التي تقدمها نظرية ( كفاية المصادر ) ، فالنظرية مقامة في الأصل علي وقوع القراءة بين طرفين من المخطوطات بدون أن تهتم بتحديد النسبة المطلوب ان تتوافر كحد أدني في أي طرف من الطرفين وهو الأمر الذي جعلها ( ختامية ) الناتج فقط بدون التعويل عليها في الخطوات النقدية الموصله الي النتائج الختامية وهو الأمر الذي دفع بعض علماء النقد الي إلزامية المُعلق النصي بضرورة توافر مخطوط واحد علي الأقل في الحالات النقدية المُختلف حولها[95].
ففي حالتنا السابقة يبرز السؤال الأكثر صعوبة ألا وهو ماذا كان يعلم القارئ المسيحي عن تلك القراءة في المخطوطات اليونانية قبل إكتشاف المخطوط ( بيزا ) بالتأكيد لا احد يعرف شيئاً ، وبالتاكيد هو نفس الحال عن الكثير من القراءات الأصلية التي أحتوتها العشرات من المخطوطات التي فقدت خلال القرون الأربعة الأولي ، فبكل بساطة نحن لا نملك أي وسيلة علمية أو شبة علمية للوثوق بأن كل المخطوطات المتوافرة خلال القرون الأربعة الأولي تقدم كل القراءات في المخطوطات علي المستوي العالمي ، فبإقرار العلماء ان الإختلافات النصية بين المخطوطات تعود الي الفترة التي تغيب فيها المخطوطات عن أعيننا كما أشار العالم ( فريديك جرانت ) قائلاً:
(( تلك الحقبة التاريخية من الفترة المبكرة في عملية نقل النص المكتوب تغيب عن أعيننا بشكل كامل ، ولا شك انها إستمرت مع ما قد وقع قبلاً ، الكثير من الحرية مورست في معالجة النص خلال تلك الفترة أكثر مما سُمح به منذ ان أصبحت الكتابات قانونية - مقدسة - ))[96]
وهو ما يُظهر أن علم النقد لا يقوم أصلاً علي مجرد المقارنة بين قراءات بين طرفين متعارضين ، بل الحقيقة ان النقد لا يقوم فقط إلا وفقاً للمصادر المتاحه بين يديه فقط ، وبذلك لا تصلح نظرية ( كفاية المصادر ) كحل لمفهوم عصمة الحرف بين قراءات معروفة في المخطوطات المتاحة ، نظراً لأن تلك القراءات لم تُحصي أصلاً بشكل كامل قديماً خلال القرون الأولي وفقاً لضياع الأغلبية الساحقة من تلك المخطوطات والتي يقدرها العلماء بآلاف المخطوطات[97] خلال القرن الثاني فقط ، رغم ان ما بين ايدينا من قصاصات تعود للقرن الثاني لا تتجاوز أصابع اليد ، وهو ما يعني انه لا يمكن الجزم بحال من الأحوال بأن النص النقدي أو حتي المُستلم يقدمان الصورة المطابقة للصورة الأصلية للنص المفقود نظراً لأن المخطوطات التي قد تحتوي علي القراءة الأصلية قد تكون بالكامل ضائعة أو لم تُكتشف بعد ، ذلك الامر لم يكن بالغريب علي علماء النقد ولم يغيب عن الإعتبار في تعريفهم لمهام النقد النصي فيقول ( فريديك جرانت ) معرفاً ذلك الهدف :
(( مهمة الناقد النصي اليوم هي مثل ما وضع ( لاتشمان ) نفسه ، الإندفاع خلفاً لمدة قرنين وأكثر من 380م الي منتصف القرن الثاني ، وهي مهمة معقدة جداً وصعبه ))[98]
مع تذكير القارئ بأن موقف ( لاتشمان ) لم يكن موقف الباحث عن النص الأصلي المفقود بل هو موقف الباحث عن النص وفقاً للمدي الذي تمد به المخطوطات أبصارنا وما بعد ذلك فمن المستحيل الجزم بصحته.[99]
تلك الإستحالة جعلت أصحاب نظرية الوحي الحرفي واللفظي في موقف لا يحسدون عليه فما هي العبرة من وحي لفظي ستضيع ألفاظه الموحي بها وبالتالي فما هي القيمة التي يقدمها الله عزوجل للبشرية من خلال الإيحاء بكلمات لم تلبت ان ضاعت في غضون سنوات معدودة ؟! بل أي عصمة لفظية تلك التي تبني علي ( حرف ) مفقود لا نعلم عنه شيئاً[100]
وهو ما يعني ان البند الثالث المؤثر في شكل المثلث للنص الأصلي والمتمثل في النص المتاح لا يقدم أي دلالة علي صدق نظرية الوحي الحرفي أو اللفظي بل علي النقيض تماماً فمع عدم الإمكانية من الوصول الي ذلك النص الضائع بشكل كامل بات واضحاً ان فكرة الوحي اللفظي لكلمات ضائعة عند الجل الأعظم من علماء النقد النصي هي فكرة ساذجة في زمننا الحالي للحد الذي يصل بأحدهم الي وصفها بأنها المواجهة بين علماء النقد وأمم كاملة تؤمن بالعصمة الحرفية.[101]
في مواجهة ذلك لم يكن أمام علماء النقد النصي سوي اللجوء الى طرح نقدي جذري يتمثل في الرفض التام لفكرة البحث عن الكلمات الأصلية للنص المفقود والإكتفاء بنقل الإستقرار من خانة الحرف الي خانة ( المضمون ) بعد ان بات في حكم المستحيل معرفة ما قاله يسوع بالحرف.[102]
وبهذا يمكننا أن نختم الحديث حول النظرية الأولي ومدي تأثير النقد النصي عليها من خلال إقتباس مقوله للعالم ( يوحنا بروجان ): (( لذا ، فليس هناك معني للحديث عن سلطة الكتاب المقدس أو عصمة الأصول ، لأن الأصول الحقيقية لا يمكن إستعادتها ))[103]
النظرية الثانية:
هي أعقد النظريات الثلاث وأشدها خطورة علي عصمة الكتاب المقدس وموثوقية نصه ، ألا وهي النظرية النقدية للوحي من خلال ( الفكرة والمضمون والمصادر الإزائية ) ، وهي النظرية الطاغية الإنتشار في الوسط الغربي وبشكل طفيف للغاية لا يكاد يذكر في الوسط الشرقي ، نظراً لأن تلك النظرية لا تبني في أصلها الا علي أنقاض النظرية الأولي ( الوحي اللفظي ) ، فعلي النقيض تماماً من النظرية الأولي فأصحاب تلك النظرية لا يؤمنوا بقدسيه الحرف ولا يعيرون أي إهتمام للكلمات مكتفين بأن المضمون هو المعصوم حتي ولو كنا لا نعلم ماذا كُتب أصلاً ..!!
ويذهب اصحاب تلك النظرية الي ابعد من مجرد توضيح ( رؤية ) نقدية لمفهومي الوحي والعصمة وذلك من خلال نعت من يؤمن بالوحي أو العصمة الحرفية بأنهم عبدة أوثان ، فيقول صاحب المدخل :
(( وقد يظن البعض أنهم يكرمون الكتاب بقولهم أن كل كلمة فيه هي من الله. التكريم هنا ليس بالطبع ليس للحرف فإن تكريم الحرف نوع من عبادة الأصنام، وكما هو معروف فالحرف يقتل والروح يبني، فالحرف ضد الروح.))[104]
ويوضح ذلك البروفيسور ( وليام بينيت ) قائلاً: (( ليست هناك اي طريقة لإثبات ان كل عدد في كل كتاب من الكتاب المقدس مُلهم في حرفية إحساسه ))[105] ، وهو القول الذي يظهر تلك النظرية كنتاج نقدي طبيعي للتغلب علي المشاكل النقدية الخطيرة التي تحيق بالنظرية الأولي ( العصمة الحرفية ) ، وذلك من خلال تخطي تلك المشاكل بإعتبار انها لا تمس الجزء الأهم والأخطر في المسيحية الا وهو العقيدة ، يقول العالم ( فريديك كينيون ): (( يجب ان نؤمن بأنه لن يسمح لكلمته بأن تُفسد بشكل خطير ، أو أن أي جزء ضروري منها لإنقاذ البشرية يُفقد أو يُخفي ، لكن الإختلافات بين طبيعة النصوص المختلفة وليس بين العقائد ، لا توجد نقطة أساسية في العقيدة تعتمد علي قراءة مشكوك بها ، والحقائق المسيحية عبر عنها بكل تأكيد في نص ويستكوت وهورت كما عبر عنها أيضاً في نص ستيفانوس ))[106]
لكن أهم ما يُلاحظ في ميكانيكية تلك النظرية هي اللجوء الي تهميش أي حالة نقدية لا تتعلق بالعقيدة أو لا تؤثر بشكل مباشر عليها فمثلاً وفقاً لأصحاب تلك النظرية فلا غضاضة من الإعتراف بعدم أصالة النبوة في خاتمة ( متي 35:27 ) وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ:«اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً».
وإعتبارها زائفة من وضع أحدهم بغض النظر عن تأثير ذلك علي عصمة الكتاب المقدس نظراً لأن الرسالة من إثبات تلك النبوة ثابت حتي ولو كان في بشارة يوحنا وليس في بشارة متي !![107]
وبالإختلاف عن النظرية الأولي فإن تلك النظرية لا تعترف بالنص المُستلم كقياس في إثبات صحتها وإنما إعتمادها الكلي علي النص النقدي فقط وهو ما يجعلنا نعيد صياغه العلاقة وفقا للشكل التالي:
النقدي النصي وأثره في عدم صحة النظرية الثانية:
تُعتبر المشكلة الحقيقية في أثار تلك النظرية علي عصمة النص المقدس لا تتمثل بشكل رئيسي في حذفها لنصوصاً كانت مقدسة لقرون طويلة[108] بل في الناتج الحقيقي لتلك النظرية والذي قد يصيب الكثيرون بالدهشة إذا علموا انه لا ينزع فقط العصمة الحرفية عن النص المقدس وإنما ينزع العصمة التدوينية لكتبة النص المقدس أنفسهم .!
فخلافاً لما ينادي به البعض[109]فالشاهد التاريخي الأصلي لتلك النظرية يعود في جذورة الي أن عصر الكنيسة الأولي لم يكن يدعم تلك الفكرة بشكلها الحالي وإنما من خلال إيمان الكنيسة بأن الكتاب المقدس لا يُفهم إلا من خلال فكرة ( الكتاب صنع للرجال وليس الرجال للكتاب )[110]
تلك الفكرة القديمة كان من ضمن بنودها الاساسية عدم عصمة كتبة الإنجليين أنفسهم !!
فالقديس ( أوريجانوس ) والذي سبق ان أشرنا الي انه لم يؤمن بالعصمة الحرفية وإنما بعصمة المضمون فقط ، كان من اشهر المدافعين عن تلك الفكرة وذلك من خلال مقولته الشهيرة في وصف عمل الإنجليين:
((كانوا يتكلمون عن شيء حصل في مكان ما وكأنه حصل في مكان آخر وعن أمر حدث في زمن ما وكما لو أنه حدث في وقت آخر ويدخلون بعض التغيرات في الكلمة التي نطق بها يسوع فعلاً. كان قصدهم قول الحقيقة بوجهيها المادي والروحي، وفي حال استحالة ذلك كانوا يفضلون قول الوجه الروحي. والحق يقال بان الحقيقة الروحية كانت تنتقل أحيانا بما يسمى الكذب المادي ))
وهو الفعل الذي فسره صاحب كتاب ( المسيح في الأناجيل والكنيسة والنقد الكتابي الحديث ) بالقول:
)) ولان هاجس الإنجيليين كان دائماً إيضاح معنى بعض الأحداث وربط كل شيء بالظهور الإلهي في المسيح يسوع وفي شرح معانيه وليس معرفة زمان ومكان الحدث، فقد عمد الإنجيليون في بعض الأحيان إلى التضحية بالتسلسل الزمني. لقد كتب أوريجانس انه لا يجب إدانة بعض الإنجيليين حتى ولو عدلوا بعض الأشياء ))[111]
قد تعطينا تلك المقولة فكرة مبسطة عن رؤية الكنيسة الأولي لمفهوم العصمة الحرفية للنص المقدس والتي هي وفقاً للقديس ( أوريجانوس ) تعني "أخطاءاً عديدة ، وبيانات مستحيلة ، وعناصر خيالية"[112]
لكن القديس ( أوريجانوس ) لم يكن الوحيد الذي يمكن أن يشار إليه في فكرة عدم عصمة الإنجليين أنفسهم بين الكتابات الأباء القديمة ، إذ علي الجانب الأخر فإن حلقة الوصل بين الكنيسة الشرقية والغربية ألا وهو القديس ( جيروم ) كان يؤمن بنفس الفكرة بل كان يعتبر بأن - روح النص - دائماً صحيح حتي ولو اخطأ الإنجيلي في إختيار الكلمات التي يريد بها توضيح تلك الفكرة ، من هنا فالقديس ( جيروم ) لم يكن يري اي غضاضة أو إتهام بالإدانة الي مرقس البشير إذا اعتبر قراءة ( فِي أَيَّامِ أَبِيَأَثَارَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ ) بإنجيل مرقس 2/26 ما هي إلا كلمات خاطئة من مرقس البشير الذي لم يهتم بالدقة التاريخية في اختيار كلماته بقدر ما إهتم بالفكرة التي يريد إيصالها ..!![113]
تلك الرؤية الأبائية من عدم الإهتمام بالدقة في إختيار الألفاظ من قبل الإنجليين تعني وبكل بساطة انه لا عصمة لألفاظ النص المقدس لانه لم يوحي بها من الأصل وهي قابلة للإعتبارات التصويبية بإعتبارها خطأ صريح من قبل المخطوطات الأصلية بقلم الإنجليين أنفسهم ، وهو ما يعني ان نظريتنا الثانية والمعنية بالإهتمام الضمني للألفاظ بعيداً عن صحة اللفظ نفسه من عدمه إنما هي الحقيقة تعود في جذورها الي تخطئه كتابات الرسل نفسها من الناحية الحرفية ..!!
علماء النقد النصي لا يختلفون من قريب أو بعيد عن تأييد تلك الفكرة بشكل كبير للغايه ، فنجد مثلاً العالم ( كارل بارث ) يعطينا النظرة النقدية لتلك الفكرة قائلاً: (( خطأ وعدم عصمة البشر إستخدمت من قبل الله للتعبير عن الإنجيل ))[114]
ولا يختلف الحال كثيراً عند البروفيسور بجامعة شيكاجو ( كامدين كوبرين ) حيث يقول:
(( النقاد لم يدمروا الكتاب المقدس عندما فقط أثبتوا بشرية كتبة الكتاب المقدس ، وأن الوحي لم يعصمهم من الوهن البشري . ))[115]
ويؤكد العالم ( هيلموت كوستير ) ذلك قائلاً: ( كانوا أحراراً في التعديل والتغيير وفقاً للحاجات الحالية )[116]
النقد النصي يعطينا هنا مثالاً جيداً للدلالة علي عدم إيمان علماء النقد بعصمة الإنجليين أنفسهم ألا وهي الحاله النقدية بإنجيل متي 13/35 حيث يقول النص وفقاً لترجمة الفاندايك:
((لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ:«سَأَفْتَحُ بِأَمْثَال فَمِي، وَأَنْطِقُ بِمَكْتُومَاتٍ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ». ))
إلا أنه بدلاً من قراءة ( النبي ) فإننا نجد قراءة ( إشعياء ) في بعض المخطوطات والكتابات القديمة[117]
وهي القراءة التي تعد خطأ بشكل فاضح نظراً لأن الإقتباس هو من سفر المزامير 77/2 ولا وجود له علي الإطلاق في سفر إشعياء ، ومع عدم تخيل تلك الحماقة التي قد تصيب الناسخ حتي يقحم إسم (إشعياء) في نبوءة خاطئة فقد عمد بعض علماء النقد المشاهير أمثال تشندروف ونستل وزاهن الي إعتبارها القراءة الأصلية في حين أضافها ويستكوت وهورت في هامش نسختهم[118]، لا شك إذاً عند علماء النقد بأن الإنجيلي نفسه هو المخطئ في تحديد مصدر إقتباسه وهو الأمر الذي يتعارض بشكل كامل مع ( فكرة ) عصمة الأصول المفقودة.
قد يفيدنا هنا إضافة حاله نقدية نصية أخري إعترف فيها العلماء بعدم عصمة الإنجليين بل إعتبار كتاباتهم وثائق بشرية خالصه قد تحمل كل الملامح البشرية من عدم القدرة علي التفرقة بين الخطأ والصواب ، حالتنا المشار إليها هنا هي ( متي7/1-8 ) حيث يقول النص وفقاً لترجمة الفاندايك:
(وَأَبِيَّا وَلَدَ آسَا. 8 وَآسَا وَلَدَ يَهُوشَافَاطَ.)
إلا انه بدلاً من ( آسا ) فإن علماء النقد يفضلون قراءة ( آساف )[119]، لكن المشكلة الحقيقية هنا لا تتمثل فقط في الإختلاف بين الشخصيتين ( آسا ) و ( آساف ) وإنما في تعليق العالم بروس متزجر علي إختيار اللجنة من خلال قوله:
(( الإنجيلي ربما اتخذ شجرة الأنساب من مادة مُشتقة ، ليس من العهد القديم مباشرة ، لكن من قوائم أنساب لاحقة والتي وقع فيها خطأ التهجي ، اللجنة لم تري سبباً لإختيار ما يبدو أنه عملية تصحيح من الناسخ لنص " متي " ))[120]
وهو الأمر الذي يشهد له ماسماه الأب الفاضل سيداروس اليسوعي نوعاً من الإجماع لدي علماء المسيحية في كتابه " تكوين الأناجيل " والقائل فيه عن نظرية الوحي في ضوء إيمان علماء النقد:
(( من الصعب البت في موضوع مصادر الأناجيل الإزائية بصفة قاطعة وأكيدة ، ولكن النظرية الثالثة تنال اليوم نوعاً من الإجماع ( وهي تدمج مكتسبات الأولي والثانية وتتحاشي عيوبهما ) ، إلي ان تظهر نظرية أخري تفرض نفسها أكثر مما هي الحالة في أيامنا ))[121]
تلك النظريات والتي تعرف الوحي المقدس من خلال أقوال علماء المسيحية علي أنها عملية نقل أدبي من خلال مصادر متاحه ( كإعتماد لوقا ومتي علي مرقس ) أو من خلال مصادر غير متاحه كما يُسمي بالمصدرQ )[122] ) ، وهو ما يعني ان الوحي عند كتبة الأناجيل ما هو إلا عبارة عن مواد وثائقية متاحه يتم الإقتباس منها[123] !!
ونظراً لأن تلك الوثائق بشرية وتحتمل الخطأ والصواب فليس هناك من عصمة لدي الإنجيليين لتمييز صحه المصدر الذي ينقل منه من خطأه ، وبذلك لم تقتصر مهام علماء النقد أمثال تريجليز وتشندروف ونستل ولاتشمان وويستكوت وهورت وغيرهم علي مجرد فصل القراءة الأقرب للصواب من القراءة الفاسدة وإنما كانت محصلة تلك المهام هي كما أشار العالم ( جيورجي سالمون ) قائلاً:
(( لكن بشكل أكثر تقززاً للطبيعة المحافظة في عدد من الحالات فإن هؤلاء المحررين نسبوا إلي كتبة الأناجيل أنفسهم خطأ البيانات التي إعتبرها أسلافهم حماقات نساخ ))[124]
وبشكل أكثر عمقاً فإن تلك الرؤية الفكرية لا تقتصر دورها فقط علي إثبات عدم عصمة الأصول المفقودة وإنما أيضاً عدم عصمة النسخ عن تلك الأصول وهو أمر طبيعي خصوصاً مع عدم عصمة الأصول !! ، فتحت بند ( الإضافات اللاهوتية المُتعمده ) والمقصود بها التحريفات التي قام النساخ بها في مخطوطاتهم ، فإننا نجد أشهر وأهم نص لاهوتي يستشهد به في كل الكتب الكنسية[125] للدلالة علي وحده وألوهية الأقانيم الثلاثة ألا وهو نص رسالة يوحنا الأولي 5/7-8 : (( فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ. وَالَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي الأَرْضِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الرُّوحُ، وَالْمَاءُ، وَالدَّمُ. وَالثَّلاَثَةُ هُمْ فِي الْوَاحِدِ. ))
وهو النص المعروف عند علماء النقد بإسم ( فاصلة يوحنا ) ولا خلاف عند العلماء سواء أكانوا من اصحاب العصمة حرفية أو العصمة الفكرية في ان النص مزيف وغير اصلي فتقول دائرة المعارف الكتابية تحت بند ( إختلافات مقصودة ) ما نصه :
(( وقد حدثت أحيانا بعض الإضافات لتدعيم فكر لا هوتي ، كما حدث في إضافة عبارة " والذين يشهدون في السماء هم ثلاثة 1 يو5/7 " حيث إن هذه العبارة لا توجد في اي مخطوطة يونانية ترجع الي ما قبل القرن الخامس عشر ، ولعل هذه العبارة جاءت أصلاً في تعليق هامشي في مخطوطة لا تيني ، وليس كإضافة مقصودة الي نص الكتاب المقدس ثم أدخلها أحد النساخ في صلب النص ))[126]
ويقول الدكتور يوسف رياض في كتابة ( وحي الكتاب المقدس ) ص66 ما نصه :
(( إضافة الحواشي المكتوبة كتعليق علي جانب الصفحة كأنها من ضمن المتن : وهو علي ما يبدو سبب في إضافة بعض الاجزاء التي لم ترد في أقد النسخ وأدقها مثل عبارة " السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح " في رومية 8/1 وأيضاً عبارة " الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة " الواردة في 1 يوحنا5/7 ))
قد لا تكون العبرة كما ذهب صاحب (الفاصلة اليوحنأوية: دراسة و تحقيق! ) من إثبات عدم صحة النص[127] وعدم تأثيرها اللاهوتي أيضاً ولكن العبرة بدلالة وقوعها وإنتشارها ومدي الإحاطة بتلك النوعية من التغييرات وبالتالي تأثيرها المباشر في عصمة ( الفكرة ) للنص المقدس.
العالم الألماني ( يوحنا فان إيخ ) يعطينا مثالاً واضحاً عن مدي تأثير مثل تلك النصوص المزيفة علي عصمة النص المقدس ونظرية ( المضمون ) من خلال قوله :
(( إذا كانت سلطة النص المقدس في ذلك الموضع متهالكة ، فهل يمكن لأي عدد أخر أن يكون خالياً من الشك في خطئه ))[128]
لم يكن ( فان إيخ ) هو الوحيد الذي يري بأن في عدم صحه ( فاصلة يوحنا ) وغيرها الكثير من الحالات النقدية مثل 1 تيمو3/16 تأثير واضح في عدم عصمة النص المقدس بشكل عام فالدكتور ( كينت كلارك ) في مقاله ( النص الأصلي ام النص القانوني ؟ ) نجده أيضاً يصف تلك النظرية قائلاً : (( ببساطة غير قابلة للدفاع عنها ))[129]
وليس فقط من ناحيه التأثير الروحي ولكنها أيضاً من ناحيه التأثير التطبيقي علي النص نفسه ، وفي ذلك يخبرنا عالم النقد النصي الشهير ( برنارد وايز ) بأن عدم الإيمان بالعصمة الحرفية من النساخ الأوائل كان هو الدافع لكل أنواع الفساد الذي لحق بالنص المقدس في المخطوطات:
(( نقاوة النص الأصلي أُفسدت منذ البداية من خلال النسخ التي شُوهت بسهولة بكل أنواع الإهمال والإجراءات الاعتباطية ، في غياب كامل للسيطرة الرسمية ، منذ أن كان الإهتمام بالتمسك الحرفي في تلك الفترة مجهولاً بشكل كامل ))[130]
إذاً لا شك وكما هو واضح فإن علم النقد قد هدم مفهوم الوحي بشكل مصدري عند أصحاب النظرية الثانية القائلين بعصمة الفكرة والمضمون بعيداً عن عصمة الحرف ، والتي وفقاً لنتائج علوم النقد فإن تلك العصمة ليست مُنتفيه فقط علي المخطوطات المنسوخه عن الأصول وإنما علي المخطوطات الأصلية المفقوده نفسهاً من خلال إعتبار كتبة الإناجيل أنفسهم بشر يعتريهم في التدوين نفس ما يعتري النساخ العاديين من الأخطاء !!
ويمكن ان نجمل ما سبق بإختصار شديد بنقل إعتراف بروفيسور علم اللاهوت ( جيمس بورلاند ) عن نتائج علم النقد النصي في مقابلة نظرية العصمة المفقوده في الأصول والفروع من خلال والقائل:
(( بكلمات أخري، علم النص السائد يمكن أن يُستخدم وهو يُستخدم في إنكار عصمة الكتابات الأصلية ))[131]
النظرية الثالثة:
تعد تلك النظرية من أغرب النظريات لمفهوم الوحي وأسوءها من ناحية القبول علي مستوي الكنيسة الشرقيه نظراً لأنها مبنية بشكل أساسي علي نتائج الجانب النصي من علم النقد مع محاولة مد مرحلة تواصل مع الجانب الأخر والذي يُسمي ( النقد الأعلي )[132] ، وهو الشق النقدي الذي يمكن ان نوصفه ببساطة بأنه العلم الذي يبحث في أصولية نسبة الأناجيل والرسائل الي أصحابها..!
فكما ذكرنا في بداية مقالنا من قول العالم ( ريتشارد بكهام ) والمتعلق بإجماع أغلبية علماء النقد علي عدم صحة نسبة رسالة بطرس الثانية الي ( بطرس ) الرسول[133]، فإن تلك النظرية حاول فيها أصحابها بلورة المفهوم المناسب للوحي المقدس حتي لا يتعارض مع نتائج ذلك الجانب من علم النقد.
الدكتور ( جوني عواد ) يشرح لنا تلك النظرية قائلاً:
(( إن من يقرأ الكتابات اليوحنية ( إنجيل يوحنا ، والرسائل الثلاث ، وحتي كتاب الرؤيا ) ، يصعب عليه القبول أن يوحنا بن زبدي ، أو فرداً واحداً ، يقف وراء تلك الكتابات المتنوعة. لكن من المحتمل القول إن هذه الكتابات نتاج أشخاص أو جماعات جاهدت في سبيل العيش بأمانة للتراث المترافق مع كرازة يوحنا للإيمان – أفراد وجماعات أعادت بدورها تفسير وصياغة ذاك التراث في ضوء ظروف جديدة. هذا أيضاً ينطبق علي الرسائل الراعوية ( 1و2 تيموثاوس وتيطس ) وعلاقتها باسم الرسول بولس ))[134]
فحتي ولو لم يكن القديس بطرس هو صاحب الرسالة الثانية والمدرجة تحت إسمه في الكتاب المقدس فبالتأكيد هي وفقاً لأصحاب تلك النظرية من تدوين شخص مُلهم ايضاً حتي ولو كنا لا نعلم عنه شيئاً ..!
من ذلك الشرح يمكننا ان نستنتج ببساطة أن تلك النظرية لا ترتبط بالمفهوم النصي وإنما بمفهومها الشامل ككتاب وأصولية الوحي به ، والتي عٌبر عنها بأنها عملية أعادة تفسير وصياغه للتراث الشفهي والذي إحتل الفكر الكنسي في الفترة المظلمة من تاريخ النص المقدس المكتوب بها [135]، لكن تلك النظرية أيضاً تخبرنا بأن تلك العملية حتي ولو شارك فيها أكثر من شخص فهى في حقيقتها عملية إلهامية تشمل كل الأفراد الداخلين في إنتاجها والخروج بها الي الشكل الذي نراه ككتاب مقدس.[136]
وبشكل أكثر دقة يمكننا ان نعيد توضيح تلك السطور السابقة من خلال الإستعانة بما نقله المؤرخ الكنسي القديس ( يوسابيوس ) عن القديس ( ديونسيوس ) في تاريخه والذي أشار الي تلك النظرية قائلاً:
(( لأجل هذا لا أنكر أنه يُدعي يوحنا وإن هذا السفر من كتابه شخص يُدعي يوحنا ، وأوافق أيضاً أنه من تصنيف رجل قديس مُلهم بالروح القدس ، ولكنني لا أصدق بأنه هو الرسول ابن زبدي ، أخ يعقوب كاتب إنجيل يوحنا والرسالة الجامعة ))[137]
سواء جهلنا الكاتب الحقيقي أو عرفنا هويته فهو بالتأكيد مُلهم والسفر مُلهم !!
لعل أكثر ما يثير الإستغراب هو كيفية المعرفة اليقينية بإلهامية الكاتب مع الجهل بعينة ؟!!
بصورة أخري فإن تلك النظرية كانت من الأسباب المباشرة في إنتشار الفساد خلال النص المقدس في القرون الأولي ، وهي الفترة التي كان الكتبة والنساخ يعتقدون بإرشادية ( إلهامية ) الروح القدس لهم فيما يخطونه بأيديهم.
فالمفاهيم التي ترسخها تلك النظرية هي أن الوحي عملية إلهام شاملة لا تتوقف عند شخص بعينه بل يمكن ان نقول انها تشمل كل شعب الكنيسة كهنة وقساوسة بل وحتي النساخ أنفسهم !!
بالتأكيد تلك النظرية لم تنشئ من فراغ وإنما بناءاً علي معطيات من داخل الكتاب المقدس وخارجه
فمن داخل الكتاب المقدس فإننا نجد في رسالة القديس بولس الي رومية 16/22 وفقاً لترجمة الفاندايك: ((22أَنَا تَرْتِيُوسُ كَاتِبُ هذِهِ الرِّسَالَةِ، أُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ. )) ، فإذا كان لا مشكل عند البعض في الزعم بأن القديس بولس مُلهماً فبالتأكيد لا مشاكل أيضاً في أن يحشر شخص يُدعي ( ترتيوس ) سلاماته الي عامة القراء ، فوفقاً لنظريتنا الثالثة فهذا الشخص هو أيضاً يتمتع بروح النبوة والإلهام مثله في ذلك تماماً كالقديس بولس..!
اما من خارج الكتاب المقدس فالتاريخ الكنسي القديم يشهد علي ان منهجية الوحي ( العام ) كان سائدا خلال القرن الأول وذلك من خلال كتابات آباء الكنيسة الأولي فنجد مثلا القديس اكلمنضس الروماني ق1 يقول في رسالته الأولي الي كورنثوس 63/2 ما نصه:
(( إنكم تبعثون فينا الفرح والسعادة، إذا أطعتم نصيحتنا التي نكتبها لكم بالروح القدس، ))[138]
وهو الإقتباس الذي يظهر فيه بوضوح معني كلمة الوحي بمفهومها العام في القرن الأول المسيحي ، وهو ما يؤكده أيضاً القديس أغناطيوس الأنطاكي في رسالته الي فلادلفيا قائلاً:
(( فأنى اشهد لله ان اللحم لم يكشف لى ذلك , ان الروح يقول لا تفعلوا شيئا بدون الاسقف و احتفظوا بأجسادكم كهياكل الله , ))[139]
العالم ( ارنيست كولويل ) يصور لنا تلك النظرية في الفكر الكنسي خلال القرنين الأول والثاني من خلال تشبية نص العهد الجديد بمجموعه من الفساتين تلك الفساتين أبليت ومزقت ووضعت في سلة للنفايات ، وهذه العملية إنتهت في القرن الثاني ، قبل ان يأتي المسيحيين ويعاودوا البحث في تلك السلة لعمل لحاف مرقع من المادة التي في السلة وعندما كانوا يفتقدون جزءاً كانوا يجدونه في مكان أخر وإذا وجدوا ان القطعة قد شوهت فإنهم كانوا يهذبونها لكي تكون ملائمة ، البعض كان يصنع لحافاً ضيقاً ، البعض كان يصنعه مربعاً ، البعض كان يكره اللون الأخضر ولا يريد إستخدام أي مادة تحوي ذلك اللون ، البعض الأخر فضل الأحمر ، لكن معظم المادة قد تم إخراجها من السلة ، وفي القرن الرابع بعض من تلك الألحفة تم تمزيقها وإعادتها مرة أخري الي سلة النفايات وتم إعادة تصنيع ألحفة جديده وذلك من خلال مادة جديدة ، ومن ثم أصبحت تلك الألحفة شعبية وتم نسخها علي نطاق واسع.[140]
من ذلك التصور السابق لـ ( كولويل ) فإن عالم النقد ( ديفيد باركر ) يدعم تلك النظرية من خلال الحث علي النظر الي النص المقدس ليس علي انه مجرد نصاً جامداً له أصول منقوله عن الرسل أو التلاميذ وإنما علي كونه ( نصاً حياً – Living Text ) ، اي نصاً متطوراً وفق الاحتياجات المسيحية الأولي ، فالنص المقدس خلال القرون الأولي وفقاً لـ ( باركر ) ماهو إلا عملية تكوين مستمر[141]، تلك العملية كانت وفقاً لأصحاب نظريتنا مساقة من الروح القدس ، فعن ذلك يخبرنا دكتور ( جوني عواد ):
(( أسأل أيضاً : ألم يكن تفسير التراث وإعادة صياغته في ضوء ظروف جديدة ومعطيات جديدة تعبيراً عن أمانة جماعات الإيمان كي تعيش في ضوء الحدث الإلهي ؟ ألم يكن روح، ونفس، ووحي الله حاضراً في إعادة التفسير للتراث الشاهد للحدث؟ باعتقادي نعم.))[142]
إذاً نظريتنا الثالثة ما هي إلا نتاج نقدي أخر للتغلب علي المشاكل التي لا تستطيع النظريات الأخري ان تحلها في مواجه النقد الموجهه لها ، فأصحاب تلك النظرية لا يبحثون عن الأصول لأنه لا قيمة لها نظراً لأنه قد تم إعادة صياغتها مرة تلو الأخري بحيث أصبحت الأصول هي أخر نتاج تلك العملية، وذلك من خلال إعتبار عملية التدوين خلال القرون الأولي ما هي إلا مرحلة لاحقة أخري من مرحلة التدوين الأصلي للتغلب علي الظروف الطارئة مع التذكير بأنها مرحلة تمت بمباركة الروح القدس !![143]
النتيجة:
ماهو الوحي وطبيعته في المسيحية ؟ وما هي أركان العصمة المرتبطة بتلك الطبيعية ؟
أسئله لا يجب علي القارئ ان يبحث عن إجابات نموذجية لها في الفكر الكنسي ، فمع التأثير النقدي المشار اليه مع كل نظرية موضوعه لمفهوم الوحي في الكتاب المقدس فقد بدا واضحاً أن الوصول لتعريف محدد للوحي أو العصمة هو من الأمور الغير ممكنة في المسيحية لأن الكنيسة الأولي لم تهتم اصلاً بتبيان تلك الطبيعة ، فيقول رهبان دير الأنبار مقار في ذلك:
(( وإنه لأمر يستحق التنويه أن الكنيسة الأولي بآبائها القديسين العظام ، لن تضع صيغة نهائية بالنسبة لطبيعة الوحي في الكتاب المقدس ، ولكن الرأي المسيحي السائد بصفة عامة كان راضياً عن التمييز بين الشخصية الإنسانية لكُتاب الأسفار المقدسة وبين التأثير الإلهي الواقع عليهم ....))[144]
في حين ذهب أصحاب دائرة المعارف الكتابية إلي إعتبار الجهل بتلك الطبيعة معجزة من المعجزات:
(( والطبيعة الدقيقة للوحي لا يمكن تحديدها ، فهي سر من أسرار الله، أو معجزة من معجزاته، لا يعلم دقائقها إلا الله نفسه ))[145]
وبذلك فإن المسيحية تسقط رأساً تبعاً لسقوط الوحي والعصمة بناءاً علي مقالة العالم وليام آيتشهورست: (( صحة الإيمان المسيحي تقف أو تسقط مع نظرية العصمة ))[146] ، وذلك لأن العجز المسيحي في إثبات ماهية الوحي ما هو في الحقيقة إلا التأثير المباشر لنتائج النقد علي عصمة الكتاب المقدس ، فمن خلال إعتراف علماء النص بعدم وجود عصمة للرسل أنفسهم فهذا يعني ببساطه عدم وجود إلهام أو وحي من أي نوع بالكتاب المقدس لأنه وكما قال دكتور إدوارد يونج عن حقيقة العصمة :
(( كتاب مقدس غير معصوم هو كتاب مقدس غير مُلهم ، كتاب مقدس مُلهم هو كتاب مقدس معصوم ))[147]
وهو يدور في حقيقة جوهرة الي العجز في الوصول الي النص الأصلي المفقود والإكتفاء بالوصول لما تقتضية المصادر المتاح أو ما يسميه العلماء بالنص الأولي ، وهو الأمر يجعلنا نتوقف كثيراً في قبول الكتاب المقدس ككتاب إلهي رباني خصوصاً مع جهلنا بكل أركانه من أسماء كاتبيه وكيفية كتابتهم له وزمن كتابتهم بل وحتي كيفية وحية أو عصمته...!
وكم صدق الله العظيم حين قال:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِهِۦٓ ۗ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ
[1] يوحنا 25:21 – الفاندايك -
[2] يوحنا 30:20 – الفاندايك -
[3] يوحنا 31:20 – الفاندايك -
[4] مرشد الطالبين الي الكتاب المقدس الثمين – الفصل الخامس – ص12
[5] The Words of Jesus: From Oral Traditions to Written Record in Paul and Q - Harm W. Hollander P356
[6] يراجع تعليقات متزجر النصية ص580 أو تعليقات تشندروف النصية ج2 ص876-877
[7] تيموثاوس الثانية 3/15-16-17
[8] The Making of the New Testament - Edgar Johnson p380
[9] سلسلة محاضرات تبسيط الإيمان - إنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة – نسخة الكترونية
[10] التحريف والعصمة في ضوء النقد النصي ص15 – نسخة الكترونية-
[11] العهد القديم كما عرفتة كنيسة الأسكندرية – دار مجلة مرقس ط1 – الفصل السادس – ص84
[12] James Barr; Clarendon Press, 1983 p25. Holy Scripture: Canon, Authority, Criticism
[13] p200 Comparative Translation: 2 Timothy 3:16. A Study in Modernizing the English Bible
[14] نسخة الكترونية
[15]-,p469 PSEUDO-APOSTOLIC LETTERS – Richard Bauckham - JBL 107/3 1988
[16] بإعتبار القائلين بصحة نسبة تلك الرسالة إليه
[17] رسالة بطرس الثانية 1/19-20-21
[18] دليل إلي قراءة الكتاب المقدس – الأب اسطفان شرينتييه – ط5 ص125
[19] مقدمة إنجيل يوحنا – متي المسكين ص54
[20] دائرة المعارف الكتابية – حرف ب – بطرس الرسول- المجلد الثاني ص153
[21] المدخل الي علم النقد النصي – فادي الكسندر – ص19
[22] الإنجيل بحسب القديس مرقس – الأب متي المسكين – ص33
[23] فكرة عامة عن الكتاب المقدس – عدة مقالات من مجلة مرقس – ط2003 ص61
[24] بدع حديثة – البابا شنودة الثالث – ص188
[25] NetBible – www.bible.org -
[26] بحوث بيبلية – ترجمات الكتاب المقدس في الشرق – الناشر الأب ايوب شهوان – ص225
[27] أستاذ العهد القديم واللاهوت بالكلية الإكليريكية وأستاذ اللغة القبطية بمعهد اللغة القبطية بالقاهرة .
[28] الكتاب المقدس اسلوب تفسيره السليم وفقا لفكر الاباء القويم – شنودة ماهر ( إميل ماهر سابقاً ) ط1 ص45
[29] نفس المرجع ص49
[30] وحي الكتاب المقدس – القس بسام مدني - مطبوعات ساعة الإصلاح ص9-10
[31] الإنجيل كيف كتب وكيف وصل إلينا؟ - القمص عبد المسيح بسيط ابو الخير – ط1 ( نسخة الكترونية )
[32] مرشد الطالبين الي الكتاب المقدس الثمين – الفصل الرابع – ص10
[33] مقدمات أسفار الكتاب المقدس – القس رضا عدلي – ص53-54
[34] نفس المرجع ص54
[35] . J. I. Packer, Fundamentalism and the Word of God. 1958), p. 90
[36] الكتاب المقدس اسلوب تفسيره السليم وفقا لفكر الاباء القويم – شنودة ماهر ( إميل ماهر سابقاً ) ط1 ص43
[37] William R. Eichhorst, The Issue of Biblical Inerrancy in Definition and Defense, V10, p. 10
[38] Majority Text
[39] Pickering, The Identity of the New Testament Text, p. 177.
[40] الوحي الإلهي وإستحالة تحريف الكتاب المقدس ص140
[41] What the Bible Is and What It Is Not - Camden M. Cobern p1
[42] مقالة ( كامدين ) قامت مطبعة جامعة شيكاغو بنشرها لأول مرة في عام 1901.
[43] Textual Criticism
[44] نقد العهد الجديد ، تاريخه ، نتيجته ص2
[45] Commentary on Matthew 15.14
[46] The Text of the New Testament: Its Transmission, Corruption, and Restoration 2005 – Bruce Metzger p200
[47] Explicit References in the Works of Origen to Variant Readings -Bruce Metzger- p90
[48] P44 Andrews Norton - The evidences of the genuineness of the Gospels
[49] Origen And The Inerrancy Of Scripture - Michael W. Holmes
[50] The Text of the New Testament: Its Transmission, Corruption, and Restoration 1968 – Bruce Metzger p76
[51] أو الجدير بالإعتماد والقبول - authoritative ( المورد – 1987 ص 75 )
[52] 71:5 Letters of St. Jerome To Lucinius
[53] الجدير بالملاحظة ان كل مخطوطات الترجمات اللاتينية المكتشفة حتي زمننا هذا تعود كلها بداية من القرن الرابع - زمن كتابة الفولجاتا - وحتي القرن الخامس عشر ، لمزيد من التفاصيل يراجع: The Text of the New Testament – Kurt & Barbara Aland 2nd p186
[54]Edward A. Hutton, Francis C. Burkitt ,p15 - An Atlas of Textual Criticism 1911
[55] تقدر مخطوطات الفولجاتا بما يزيد عن 8000 مخطوط ، يراجع : New Testament and Criticism - George E. Ladd ,p59
[56] Joseph M. Levine - Erasmus and the Problem of the Johannine Comma 1997, p583
[57] The Text of the New Testament: Its Transmission, Corruption, and Restoration 1968 – Bruce Metzger p201
[58] التفسير الحديث للكتاب المقدس – إنجيل متي – ص174
[59] The Multivalence of the Term "Original Text" in New Testament Textual Criticism - Eldon Jay Epp p261
[60] تراجع شهادة القديس " أغسطين " في تحريف قصة المرأة الزانية بإنجيل يوحنا وهي الشهادة التي لم تعد تلقي أي ثقل أكاديمي في التعليقات النقدية الحديثة والقديمة خصوصاً ممن يعتبر قصة المرأة الزانية غير أصليه : تعليقات تشندروف ج1 ص826-830 ، تعليقات متزجر النقدية ص187-189
[61] Methodological Developments in the Analysis and Classification of New Testament Documentary Evidence – Ehrman Bart p24
[62] Misquoting Jesus: The Story Behind Who Changed the Bible and Why - Ehrman Bart - p102
[63] هو مصطلح للأخوين ألزفير في مقدمة طبعتهما الثانية ( 1633م ) للنص المقدس باليونانية قائلين:
(( لذا انت الأن – عزيزي القارئ – تملك النص المستلم من الجميع ، الذي فيه لم نُغير أو نُفسد شيئاً ))
[64] Helmut Koester - Introduction to the New Testament, p38
[65] Karl Lachmann ( 1793 – 1851 )
[66] The Text of the New Testament: Its Transmission, Corruption, and Restoration 1968 – Bruce Metzger p124
[67] ( 1828 – 1892 ) B.F. Westcott ( 1825 – 1901 ) , F.J.A. Hort
[68] Johann Jakob Griesbach
[69] The Text of the New Testament: Its Transmission, Corruption, and Restoration 1968 – Bruce Metzger p129
[70] p29 Zane C. Hodges, Rationalism and Contemporary New Testament Textual Criticism
[71] يراجع مقال ( بردية 66 أقدم الشهود علي تحريف النص المقدس )
[72] Misquoting Jesus: The Story Behind Who Changed the Bible and Why - Ehrman Bart – p89
[73] تلك الكلمات قبل النجمة مضافة لتوضيح سياق الكلام بما قبله
[74] – معني Liberties(أ) حرية / خِيار / امتياز (ب) انتهاك للقواعد أو الأصول (ج) تحريف للحقيقة - المورد : منير البعلبكي ص526
[75] Studies in the Theory and Method of New Testament Textual Criticism – Eldon J. Epp, Gordon D. Fee
[76] الكتاب المقدس يتحدي نُقاده والقائلين بتحريفه – القمص عبد المسيح أبو الخير – ص170و173
[77] Misquoting Jesus: The Story Behind Who Changed the Bible and Why - Ehrman Bart – p10
[78] Must the Greek Text Always Be Preferred? p465 - Robert F. Shedinger
[79] لمزيد من الإطلاع علي إعترافات علماء النقد بهذا الصدد يراجع:
-A. H. McNeile - An Introduction to the Study of the New Testament p374 -
- New Testament Textual Criticism: The Case for Maurice A. Robinson : Byzantine Priority, p31
- Ernest Cadman Colwell - Biblical Criticism: Lower and Higher, p7
[80] فادي الكسندر – التحريف والعصمة في ضوء النقد النصي ص6
[81] للمزيد حول العلماء ممن يفضلون قراءة نص الأغلبيه يراجع: Michael W. Holmes: ‘Majority Text Debate’ p18
[82] p138 Greek New Testament The An Account Of The Printed Text Of
[83] Michael W. Holmes: ‘Majority Text Debate’ p17
[84] كالترجمة الكاثوليكية واليسوعية والمتشركة والبولسية وغيرهم
[85] Text und Textwert der griechischen Handschriften des neuen Testaments
[86] A Textual Commentary On The Greek New Testament 2nd p488
[87] مقالة ( السالكين حسب النقد ) فادي الكسندر ، ص1
[88] لا يوجد أي دعم يوناني لتلك القراءة إلا من خلال المخطوط بيزا ومخطوط أخر يعود للقرن الحادي عشر !!
[89] Wieland Willker - An Online Textual Commentary on the Greek Gospels Fifth edition
[90] يراجع : تعليقات علماء نسخة النت بايبل - ت74 إنجيل مرقس - NetNible
[91] Peter M. Head - Christology and Textual Transmission p122
[92] Heinrich Greeven - TC Mark 2005 p120-121
[93] لعل هذا يوضح الفارق بين رؤية علماء النقد الغربي للحالات النقدية وبين متنطعي النقد في عالمنا العربي أو من ينسبون أنفسهم عنوه الي علماء النقد النصي والحقيقة انه لا حظ لهم فيه ولا نصيب اللهم إلا من بعض الكتب التي قرؤوها !!
[94] فادي الكسندر – مدخل الي علم النقد النصي ص441-447
[95] Inerrancy and the Text of the New Testament - Daniel B. Wallace p8
[96] Frederick C. Grant - Where Form Criticism and Textual Criticism Overlap p14
[97] The Identity of the New Testament Text II - Wilbur N. Pickering
[98] Frederick C. Grant - Where Form Criticism and Textual Criticism Overlap p12
[99] The Text of the New Testament: Its Transmission, Corruption, and Restoration 1968 – Bruce Metzger p124
[100] Misquoting Jesus: The Story Behind Who Changed the Bible and Why - Ehrman Bart – p11
[101] فادي الكسندر – مدخل الي علم النقد النصي – ص234
[102] D. C. Parker, The Living Text of the Gospels - Cambridge, 1997
[103] Can I Have Your Autograph? – John J. Brojan – p97
[104] فادي الكسندر – مدخل الي علم النقد النصي – ص7
[105] William H. Bennett, The Apologetic Value Of Modern Criticism p430
[106] Frederic G. Kenyon, Handbook of the Textual Criticism of the New Testament , p.271.
[107] فادي الكسندر – مدخل الي علم النقد النصي – ص542
[108] Some thoughts on the textual criticism of the New Testament, p8
[109] التحريف والعصمة في ضوء النقد النصي - فادي الكسندر- ص7
[110] Léon Vaganay p92 - An Introduction to New Testament Textual Criticism
[111] الكتاب متوافر علي إحدي المواقع المسيحية
http://web.orthodoxonline.org/library/theology/tgioc/part4.htm
[112] Origen And The Inerrancy Of Scripture - Michael W. Holmes p1
[113] Patristic Interpretation of Mark 2:26 - Craig a. Evans p185
[114] Church dogmatics - Karl Barth p533
[115] What the Bible Is and What It Is Not - Camden M. Cobern p108
Written Gospels or Oral Tradition? Helmut Koester JBL v.113 N.2 P295 [116]
[117] يراجع NA27 p35 , UBS4 p50
[118] Textual Commentary on the Greek Gospels - Wieland Willker, v1 p215
[119] يراجع NA27 p1 , UBS4 p1
[120] A Textual Commentary on the Greek New Testament p1
[121] تكوين الأناجيل – الأب سيداروس اليسوعي – دار المشرق بيروت ص33
[122] نفس المرجع ص33
[123] What the Bible Is and What It Is Not - Camden M. Cobern p111
[124] G. Salmon, Some Thoughts on the Textual Criticism of the New Testament p26
[125] يراجع: لاهوت المسيح – البابا شنودة ص8 ، السيد المسيح هل هو الله ؟ - مرقس عزيز ص83
[126] دائرة المعارف الكتابية ج3 - حرف الخاء – مخطوطات العهد الجديد ص294،295
[127] الفاصلة اليوحنأوية: دراسة و تحقيق! - فادي الكسندر -
[128] Erasmus and the Problem of the Johannine Comma - Joseph M. Levine p585
[129] Original Text or Canonical Text? – Kent Clarke p295
[130] A Manual of Introduction to the New Testament – Bernhard Weiss p421
[131] Re-Examining New Testament Textual-Critical Principles And Practices Used To Negate Inerrancy p502
[132] Higher Criticism
[133]-,p469 PSEUDO-APOSTOLIC LETTERS – Richard Bauckham - JBL 107/3 1988
[134] بحوث بيبلية – ترجمات الكتاب المقدس في الشرق – الناشر الأب ايوب شهوان – ص229
[135] نفس المرجع ص227
[136] نفس المرجع ص230
[137] تاريخ الكنيسة - يوسابيوس القيصري- 7:25:7 ص330
[138]htttp://web.orthodoxonline.org/library/saints/St.Clement_of_Rome/Rome_to_Conernthos/part_5.htm
[139] رسالة فلادلفيا الفصل السابع الفقرات 2،1
[140] Biblical Criticism: Lower and Higher JBL v.67 n.1 p10-11 - Ernest Cadman Colwell
[141] Must the Greek Text Always Be Preferred? JBL v.123 n.3 p465 - Robert F. Shedinger
[142] بحوث بيبلية – ترجمات الكتاب المقدس في الشرق – الناشر الأب ايوب شهوان – ص229-230
[143] نفس المرجع ص231
[144] فكرة عامة عن الكتاب المقدس – عدة مقالات من مجلة مرقس – ط2003 ص12
[145] دائرة المعارف الكتابية ج6 ص326
The Issue of Biblical Inerrancy in Definition and Defense, V10. p.4 [146]
[147] Edward J. Young, Thy Word is Truth. p. 109