تحميل كتاب مناقضة علم الكيمياء لفرضية التطور
أورخان محمد علي
تعقيد الخلية الحيةأورخان محمد علي
نحن نعلم الآن السبب الكامن وراء فشل العلماء في صنع الخلية الحية، فالخلية معقدة التركيب بشكل مذهل يكاد العقل أن يعجز عن تصوره. وبنيتها المعقدة التركيب تتفوق بآلاف المرات على أعقد الآلات والأجهزة التي صنعها الإنسان حتى الآن (مثل الكومبيوترات العملاقة أو أجهزة إطلاق الصواريخ أو الأقمار الصناعية ...إلخ). ولا تزال البحوث جارية في العديد من مراكز البحوث حولها وتصدر عشرات الكتب كل شهر عن الخلية وهي تحتوي على معلومات جديدة. ففي الخلية العديد من مراكز إنتاج الطاقة، والعديد من المعامل ووسائل الإتصال ومراكز توزيع الغذاء، ووسائل نقل الفضلات وطرحها للخارج، ونواة الخلية تعد الدماغ المنظم للفعاليات الحيوية فيها وغشاء الخلية حساس بشكل كبير ويستطيع التمييز بين المواد المفيدة للخلية والمواد المضرة لها، فيسمح للأولى بالدخول إليها، ويقفل مداخله وثقوبه أمام الثانية.
وهناك فعاليات وتفاعلات معقدة جدا تجري فيها يعجز الإنسان عن مجرد تقليدها، وفيها بنك هائل للمعلومات (هذا البنك موجود في جزيئات D.N.A)، ولو سطرنا هذه المعلومات على الورق لاحتجنا إلى ما يقارب 900 ألف صفحة وهذا يعادل اكثر من أربعين ضعف المعلومات الموجودة في دائرة المعارف البريطانية، وتوجد فيها أيضا جميع البرامج الضرورية لصنع الجزيئات المعقدة لمختلف أنواع البروتينات (مثلًا : برامج لصنع مختلف الإنزيمات التي هي عبارة عن جزيئات معقدة من البروتينات)، وهناك نظم اتصالات مذهلة وسريعة بين الخلايا المختلفة من جهة، ونظم اتصالات داخل الخلية نفسها. وتقوم الخلية بصنع مواد يعجز الإنسان عن صنعها في أرقى مختبراته. ولا نملك هنا وفي هذه العجالة شرح ما في الخلية الواحدة من صور التعقيد، لذا كان على من يريد التفصيل في هذا الموضوع قراءة كتاب حديث حول الخلية.
نرى في الشكل أعلاه مقطعا في خلية وهو يظهر لنا مدى التعقيد الكبير الموجود في الخلية
يقول العالم البيولوجي "مايكل دانتون Michael Dentaen" في كتابه حول نظرية التطور والمشاكل التي تعاني منها والأسئلة التي لا تستطيع الإجابة عليها وعنوانه (التطور: نظرية في مأزق Evolution: A Theory in Crisis):
( لكي نفهم حقيقة الحياة وطبيعتها على النحو الذي كشفت عنها البيولوجيا الجزيئية، علينا أن نقوم بتكبير الخلية ألف مليون مرة حيث سيبلغ نصف قطرها آنذاك 20 كم وتشبه منطادا عملاقا يستطيع تغطية مدينة مثل لندن أو نيويورك. عند ذلك سيظهر أمامنا جسم متسم بالتعقيد والقدرة على التكيف بشكل لا مثيل له. وسنرى على سطح الخلية ملايين الفتحات تشبه الفتحات الجانبية لسفينة فضاء ضخمة تفتح وتنغلق لتسمح بجريان متواصل من المواد دخولًا وخروجًا منها. وإذا تسنى لنا الدخول من إحدى هذه الفتحات فسنجد أنفسنا في عالم من التكنولوجيا المتميزة والمعقدة تعقيدا محيرًا ... تعقيدًا يتعدى طاقتنا الإبداعية نفسها. وهذه حقيقة مضادة لفرضية المصادفة وتتفوق بكل ما في هذه الكلمة من معنى على أي شيء أنتجه عقل الإنسان) (أنظر: ص. 350- 351 من كتابه طبعة: Burnett Books, 1985)
ويقول في موضع آخر من الكتاب وهو يتحدث عن البرامج الجينية للكائنات الحية العليا (المكونة من ما يقارب ألف مليون معلومة، والمكافئة لتتابع حروف ألف مجلد في مكتبة صغيرة والموجودة بشكل مشفر مكون من آلاف مؤلفة من الرموز التلغرافية المعقدة التي توجه وتحدد وتأمر بالنمو، وكذلك قيامها بتكوين بلايين وبلايين من الخلايا في شكل كائن حي معقد... إن القول بأن هذه البرامج الجينية قد تكونت بعمليات عشوائية بحتة يعد إهانة للعقل. ولكن تعتبر هذه الفكرة بالنسبة للداروينيين مقبولة دون أي ذرة شك) (نفس المصدر والصفحة).
ومع أن عالم الرياضيات والفلك البريطاني "سير فريد هويل" كان من العلماء الملحدين أو اللأدريين، إلا أن بحوث الاحتمالات التي أجراها مشاركة مع عالم الرياضيات الهندي الأصل "جاندرا ويكراماسينكا Chandra Wickramasinghe" حول ظهور الحياة، قادته للقول: (لابد من خالق There Must be A God) وقال في مقابلة نشرتها مجلة (الطبيعة Nature) في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1981: (إن احتمال ظهور الحياة عن طريق المصادفات يشبه في استحالته تكون طائرة بوينغ من طراز 747 نتيجة مرور عاصفة على محل قطع غيار) (انظر: Hoyle on Evolution: Nature, vol. 294 November 12, 1981, p.105).
ولا يقف أمر الاستحالة في وضع التراكيب المعقدة للخلية وبنسبها الصحيحة والآلاف من أجزائها معاً، فهذا لا يكفي إذ يوجد وراء كل هذه الاستحالة استحالة أخرى وهي لغز الحياة نفسها، فما الفرق بين خلية ماتت قبل دقيقة وخلية من جنسها لا تزال حية؟ إن التراكيب والأجزاء والمراكز... الخ كلها موجودة وبالشكل نفسه وبالنسب نفسها في كلتا الخليتين. ومع ذلك لا يستطيع العلماء نفخ الحياة في خلية ماتت قبل دقيقة وجعلها تمارس وظائفها السابقة. والفرق بين الخليتين هو وجود سر أو لغز الحياة في الخلية الثانية وعدم وجودها في الأولى، وهو فرق كبير جدا ولكنه ليس فرقاً مادياً. إذن فهناك درجات عديدة من إستحالات متتابعة الواحدة منها تلو الأخرى.
البروتينات
بعد أن ظهرت استحالة صنع خلية حية واحدة في المختبر ، توجه علماء التطور لهدف أصغر وأقل، وهو صنع جزيئات من البروتينات التي تشكل وحدات بناء الخلية الحية.
جزيئة بروتين
والبروتينات جزيئات عملاقة تتكون من وحدات أصغر وهي الأحماض الأمينية التي يوجد منها عشرون حامضاً مختلفاً. أي أن جزيئات البروتينات تشبه كلمات تتكون من عشرين حرفاً مختلفاً، وتتكرر بعض أنواع هذه الأحماض الأمينية عند تشكيل جزيئة بروتين ما مثلما قد تتكرر بعض الحروف في الكلمة الواحدة. فكما إن ترتبت الأحرف بشكل خاطئ، أو كان هناك نقص في حرف من الحروف لا تتشكل الكلمة المفيدة المطلوبة، كذلك فإن ترتيب الأحماض الأمينية ليس ترتيباً عشوائياً، بل يجب أن يكون في نسق معين، ولو أصاب أي خلل هذا النسق، أو لو نقص حامض أميني واحد فإن الناتج يكون جزيئة بروتين عديمة الفائدة، أو جزيئة ضارة.وقد يرد سؤال على الخاطر: هل يمكن أن تنشأ جزيئة واحدة فقط من البروتين مصادفة؟ لقد قلنا باستحالة ظهور الخلية الحية عن طريق المصادفات العشوائية، ولكن ألا يمكن أن تظهر جزيئة واحدة من البروتين والآلاف منها موجودة في الخلية الواحدة) عن طريق المصادفات؟
لقد قام علماء الرياضيات باستخدام قوانين الاحتمالات lawes Probability's للإجابة على هذا السؤال، وكانت النتيجة استحالة ظهور جزيئة واحدة من البروتين عن طريق المصادفات العشوائية.
وإليك بعض التفاصيل حول هذا الموضوع:
إن رميت بقطعة نقد في الهواء فهناك احتمال بنسبة النصف (أي (50%) لظهور وجه الكتابة في القطعة والنصف (أي 50%) لظهور الوجه الآخر. وإذا رميت بالنرد فهناك احتمال بنسبة السدس (1/6 ) لظهور أي رقم من الأرقام الستة الموجودة عليه. وإذا كان هناك كيس فيه قطع تحمل كل منها رقماً اعتباراً من 1 حتى 100، فإن مددت يدك إلى هذا الكيس وسحبت رقماً من هذه الأرقام بشكل عشوائي فإن احتمال ظهور أي رقم تريده (مثلاً رقم 20، أو 50) هو بنسبة(1/100). ولو كان عدد الأرقام ألفاً لكانت نسبة احتمال ظهور أي رقم مطلوب بسحب عشوائي هي (1/1000). أي كلما زاد عدد البدائل قلت وصغرت نسبة ظهور أي بديل معين.
فهل يمكن أن تنشأ البروتينات عن طريق المصادفات ضمن شريط طويل من الزمن باستعمال علم الرياضيات وحسابات الاحتمالات الرياضية؟
للإجابة على هذا السؤال سنقتبس بضع صفحات من كتاب (دارون ونظرية التطور). يقول الكاتب في فصل (البروتينات هل يمكن أن تنشأ مصادفة؟) ما يأتي: (تعالوا بنا نلعب لعبة الاحتمالات مع أنصار نظرية التطور الذين يدعون أن الحياة نشأت وتطورت قبل مليارات السنين بفعل عوامل الحرارة والرطوبة والأشعة الكونية والأشعة فوق البنفسجية. لن نتناول في هذه اللعبة التركيب المعقد جدا لجسم كائن حي ولن نتناول حتى تركيب خلية واحدة، بل سنسعى إلى حساب احتمال نشوء البروتين - هذه المادة الضرورية جدا حتى لأبسط الكائنات الحية بعامل المصادفة. قبل البدء بهذه اللعبة سنكون أسخياء جدا مع التطوريين، وسنتفضل عليهم ونتساهل بقبول نقاط لا يمكن أن يقبلها أحد. وأكثر النقاط الأربع عشرة التي قبلناها مقدما وأدرجناها لا يقبلها العقل،وتشكل محالات في حد ذاتها. ولكننا مع هذا سنعتبرها موجودة مصادفة قبل أن نبدأ باللعبة، وذلك لنرى إلى أي مدى تستطيع نظرية التطور السير رغم قبول كل هذه النقاط المستحيلة:
1- لنفرض أن الغلاف الجوي للأرض كان في البداية كما يصوره التطوريون تماما.
2- لنفرض أن الأنواع العشرين للحوامض الأمينية التي تشكل وحدات البناء للبروتينات قد وجدت مصادفة وبالنسب المطلوبة نفسها.
3- لنفرض أن جميع هذه الأحماض الأمينية قد شكلت من النوع الأعسر المستعمل في البروتينات سنشرح هذا الموضوع فيما بعد.
4- كما قلنا سابقا فإن أبسط كائن حي يحتاج إلى (239) نوعا من البروتين لكي يعيش. وهذه البروتينات يجب أن تحتوي في المتوسط على (445) وحدة من وحدات الأحماض الأمينية. ولتيسير الحساب لنخفض هذا الرقم ولنقل أن جزيئة البروتين تحتوي على (400) حامض أميني.
5- لنفرض أن جميع ما على الكرة الأرضية - في اليابسة وفي الماء وفي الهواء من ذرات الكربون والنتروجين والأكسجين والهيدروجين والكبريت وهي العناصر الداخلة في تركيب الأحماض الأمينية - استعملت واستخدمت في صنع الأحماض الأمينية وإنتاجها.
6- ولنفرض أن هذه الأحماض الأمينية المتكونة قد صنفت حسب مجموعات معلومة ، وأن الأحماض الأمينية الموجودة في كل مجموعة موجودة بالعدد وبالنسبة المطلوبة لعمل البروتين.
7- لنفرض أن هذه المجموعات مصانة من التأثير المميت للأشعة فوق البنفسجية. (يدعي التطوريون أن الأحماض الأمينية تكونت بواسطة الأشعة فوق البنفسجية الآتية من الشمس. والغريب أن هذه الأشعة هي في الحقيقة أشعة مميتة للحياة التي يتصور التطوريون أنها نشأت بواسطتها. فالادعاء السائد هو أن الغلاف الجوي البدائي الذي كان يحيط بالكرة الأرضية كان خاليا من الأوزون، لذا فإن هذه الأشعة كانت تستطيع الوصول إلى سطح الأرض. وعندما ظهرت الأحياء وبدأت بإنتاج الأكسجين تكونت طبقة الأوزون التي بدأت بامتصاص هذه الأشعة وحماية الحياة وتستمر النظرية فتقول أن الحياة البدائية ظهرت أول الأمر في الماء، وبذلك تخلصت من التأثير المميت لهذه الأشعة. غير أن هذه الحماية لا تتم إلا إذا كانت هذه الأحياء تعيش على عمق لا يقل عن عشرة أمتار عن سطح الماء. بينما لا تملك هذه الأحياء البدائية ( كالبكتريا الموجودة في مثل هذا العمق قابلية توليد الأكسجين. لذا لا نجد في نظرية التطور جوابا مقنعا حول كيفية نشوء الأكسجين ولكن مع هذا سنفرض أن الأكسجين كان موجودا لكي نستمر في اللعبة).
8- سنفرض أن هذه الأحماض الأمينية تتحد مع بعضها البعض بصورة أوتوماتيكية (هذا محال أيضا لأن الاتحاد لا يمكن أن يتم إلا بصرف طاقة معينة).
9- سنفرض أن هناك إمكانية استبدال واحدة في كل سلسلة من هذه السلاسل المنتجة.
10- سنفرض أن سلسلة البروتين تتكون بسرعة كبيرة جدا بحيث أن سلسلة واحدة تتكون في جزء من 30 مليار جزء من الثانية الواحدة. ( هذه السرعة تبلغ 150 مليون x مليار ضعف السرعة التي يتم فيها صنع البروتين في جسم الأحياء).
11- سنفرض أن المجموعات المختلفة للأحماض الأمينية موجودة كل منها على حدة، وأن أي سلسلة غير مناسبة وغير مفيدة تتكون في أي مجموعة تنحل من نفسها وتتشكل بدلا عنها سلسلة أخرى في الحال. وأن هذه العمليات تجري في سرعة رهيبة لا يصدقها العقل بحيث تتكون في كل ثانية 30 مليار سلسلة. ( وهذا يعني 10 24 سلسلة في السنة أي مليون x مليون x مليون x مليون سلسلة).
12 سنفرض توفر الشروط المثالية للمصادفات وعدم وجود أي تدخل خارجي وعدم ظهور أي مانع أو عائق. ونتيجة للاتحادات غير المتناهية التي تحدث فسنفرض أننا عندما نحصل على سلسلة غير مناسبة فإن عملية الاتحاد تقف حالا. كما أن السلسلة تبقى صالحة دون تغير أو تبدل.
13- سنفرض أننا عندما نحصل على 239 نوعا من البروتينات بالنوع والعدد الضروري لأبسط كائن حي خيالي، فإن هذه الأنواع ستتحد مع بعضها بالشكل الذي يحتاجه كيان هذا الحي بشكل أوتوماتيكي.
14 سنفرض في حساباتنا هذه أن عمر الأرض يبلغ 5 مليارات سنة وعمر الكون 15 مليار سنة.
في النقاط الواردة أعلاه والتي قبلناها تساهلا وتكرما على الداروينيين افترضنا أن ذرات جميع مكونات الأرض في البر والبحر والجو من الكربون والنتروجين والأكسجين والهيدروجين والكبريت قد خصصت ووظفت لإنتاج الأحماض الأمينية فقط وأنها بدأت بعمليات الاتحاد تحت أفضل الشروط وتوزعت بأفضل النسب إلى المجموعات الخاصة.
حسب هذه الافتراضات فإن جميع الذرات الموجودة في الأرض تستطيع تشكيل مجموعات يبلغ عندها 1041 مجموعات أي مائة ألف x مليار x مليار x مليار x مليار مجموعة). ولنتذكر الفقرة 11 من سلسلة التسهيلات والافتراضات التي قبلناها، فقد قبلنا أن كل مجموعة من مجموعات الأحماض الأمينية تستطيع عمل 1024 (أي ترليون مرة تريليون) من السلاسل المختلفة سنويا وذلك بافتراض عملها بسرعة خارقة ورهيبة لا يتصورها العقل، فإذا شملنا ذلك كل مجموعات الأحماض الأمينية وبطاقتها القصوى فإننا سنحصل على 1065 سلسلة مختلفة (أي مائة ألف x تريليون x تريليون x تريليون x تريليون سلسلة).
ولتقدم خطوة أخرى، ولنفرض أن هذه العملية بدأت اعتبارا من بدء خلق الأرض وأنها استمرت إلى يومنا هذا، أي استمرت مدة 5 مليارات سنة فتكون قد حصلنا على 1075 سلسلة مختلفة من الأحماض الأمينية ( أي ألف x تريليون x تريليون x تريليون x تريليون x تريليون سلسلة). أي الرقم واحد وأمامه 75 صفراء وهذا يبدو لنا رقما هائلا جدا ليس كذلك؟.
سوف نرى معا أنه ليس بالرقم الهائل، فهو رقم متواضع بجانب الرقم الناتج من حساب عدد الاحتمالات الموجودة لتكوين السلاسل الأمينية من اتحاد 20 نوعا من هذه الأحماض.
وفي النقطة الرابعة من قائمة التساهلات والفرضيات التي قبلناها تجد أننا قبلنا اعتبار البروتين المتوسط من ناحية التعقيد متكونا من 400 حامض أميني، وقلنا أننا ستجري حساباتنا على هذا الأساس. ومع أن هذا الرقم رقم متواضع إلا أن عدد الاحتمالات الناتجة منه، أي عدد المجموعات المختلفة التي يمكن أن ينتج من الاتحادات المختلفة بين هذا العدد من الأحماض عدد كبير جدا لا يستطيع العقل تصوره.
من أجل حساب السلاسل المتكونة كل واحدة منها من 400 حامض أميني باستخدام 20 نوعا من الأحماض الأمينية علينا أن نرفع العدد 2 إلى القوة 400، وهذا يعني رقم واحد وأمامه 520 صغرا( أي 10520) والآن فالسؤال الوارد هو: كم سلسلة صالحة يمكن أن نحصل عليها من هذا الرقم الهائل؟
تتعذر الإجابة العامة والدقيقة على هذا السؤال، ولكننا نستطيع أن نكون فكرة عن الموضوع إذا أخذنا بنظر الاعتبار تجربة قريبة منه. ففي " مركز بحوث الاحتمالات البيولوجية في الولايات المتحدة الأمريكية أجريت تجربة مماثلة لهذا ولكن على الحروف الأبجدية. في هذه التجربة سحبت 30 ألف سحبة من الحروف الأبجدية الإنكليزية البالغ عددها 26 حرفا، وحسبت الكلمات التي تقود أي معنى من السحب العشوائي، وكانت النتيجة كما يلي:
الكلمات التي لها معنى والمتكونة من حرفين: عدد 4890 كلمة.
الكلمات التي لها معنى والمتكونة من ثلاثة حروف عدد 1113 كلمة.
الكلمات التي لها معنى والمتكونة من أربعة حروف عدد 139 كلمة.
الكلمات التي لها معنى والمتكونة من خمسة حروفة عدد 17 كلمة
الكلمات التي لها معنى والمتكونة من سنة حروف: عدد 3 كلمات.
الكلمات التي لها معنى والمتكونة من سبعة حروف : كلمة واحدة فقط
استنتج الباحثون من هذه التجربة ما يأتي: ان احتمال ظهور كلمة ذات معنى من التراص العشوائي للحروف يبدأ بالنقصان والهبوط إلى نسبة الربع أو الخمس كلما أضيف حرف آخر إلى الكلمة، وهذا يعني أن احتمال تراص 400 حرف بشكل عشوائي لتكوين جملة ذات معنى يتراوح بين 4:1 400 إلى 5:1 500.
فإذا أجرينا التجربة على الأحماض الأمينية آخذين عشرين حرفا أمينيا ( اي عشرين حامضا أمينيا) وأخذنا الاحتمال الأقل لكان الناتج هو احتمال واحد إلى 4400 ( وهذا يساوي 1: 10 240). وهذا الرقم هائل إلى درجة أننا تضطر إلى تكرار ذكر الترليون عشرين مرة لقراءته أي لكي تحصل بطريق المصادقة على حزينة صالحة للبروتين فإن علينا أن ننتظر تشكيل سلاسل الأحماض الأمينية ( ذات 400 حامض أميني) برقم هائل يحتوي على ماتين وأربعين صفر!
ولكن نبقى مدينين للداروينيين بحساب بسيط، ففي الفقرة رقم 9 قلنا بأننا سنفرض وستقبل وجود إمكانية استبدال واحدة في كل سلسلة من هذه السلاسل المنتجة، اي بمعنى أخر أننا قبلنا نسبة من إمكانية إصلاح الخطأ، فإذا طرحنا هذه من حساباتنا فإن هذا يعني تقليل أربعة أصفار من الرقم المذكور أعلاه، ويبقى الرقم محتويا على 236 صفر!
لنلخص الحسابات التي أجريناها حتى الآن بما يأتي:
1- أن عدد سلاسل الأحماض الأمينية الممكن إنتاجها باستخدام جميع الذرات الموجودة في الأرض وتخصيصها لصنع الأحماض الأمينية اعتبارا من بداية خلق الأرض وحتى الآن هو 1075 سلسلة أي خمسة وسبعون صفرا أمام الرقم واحد).
2- يمكن تشكيل 10520 سلسلة مختلفة من الأحماض الأمينية تحتوي كل سلسلة منها على 400 حامض أميني، وذلك باستخدام 20 نوعا مختلفا من هذه الأحماض (أي خمسمائة وعشرين صفرا أمام الرقم واحد)
3- ان احتمال حصولنا من هذه الاتحادات العشوائية على جزيئة بروتين صالحة هو بنسية 1 إلى 10236
فإذا وضعنا هذه الحسابات أمامنا وأردنا أن نستخرج عند البروتينات التي يمكن استحصاله من 1075 سلسلة من السلاسل الموجودة لدينا كان علينا أن نجري عملية تقسيم بسيطة ، إذ نقسم 1075 على 10236 والناتج هو 10 -161
وهذا يعني ببساطة أن ملايين الترليونات من الأحماض الأمينية وخلال 5 مليارات من السنين لم تستطع أن تعطينا جزيئة واحدة من البروتين، وأن احتمال ظهور جزيئة واحدة من البروتين ليس واحدا في المائة ولا واحدا في الألف ولا واحدا في المليون بل هي واحد إلى مائة ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون .!!! . وبتعبير آخر يجب أن يزداد عمر كرتنا الأرضية بعدد هذه الترليونات المذكورة لكي يكون هناك احتمال ظهور جزيئة واحدة من البروتين عن طريق المصادفة!!).
وهكذا يتبين لنا أنه مع استعمالنا لجميع الذرات الموجودة على الأرض واعتبارا من بداية خلق الأرض فإن احتمال حصولنا على جزيئة واحدة من البروتين عن طريق المصادفة هو بنسبة (1: 10 161). ولكن المسألة لا تنتهي هنا، ذلك لأننا سبق وأن ذكرنا أن أبسط كائن حي - خيالي - يحتاج ل 239 عدد من البروتين، وكل بروتين من هذه البروتينات يحتاج في تكونه إلى نفس العمليات المذكورة أعلاه. إذن فما هو مدى إمكانية أو نسبة احتمال تكون هذه البروتينات (أي 238 نوعا من البروتين) عن طريق المصادفات؟
إن نسبة احتمال ظهور النوع الثاني من البروتين عن طريق المصادفة . أيضا واحد من 10 520 ( كما هي في النوع الأول). ولكن هذا النوع الثاني يمكن أن يكون أي نوع من الأنواع الـ 238. لذا فالاحتمال هنا هو بنسبة 238 من 10 520 ، أما البروتين الثالث فاحتمال تكونه هو بنسبة 237 إلى 10 520 والرابع 236 إلى 10 520، والخامس هو 235 إلى 52010 . ....وهكذا.
إذن فاحتمال ظهور كل هذه الأنواع عن طريق المصادفات هو ناتج ضرب هذه النسب ببعضها. وكنا قد قبلنا قابلية تصحيح خطأ واحد في كل سلسلة تظهر للوجود ، والآن نتساهل أكثر ونعتبر أن أي سلسلة من ضمن ترليون سلسلة مختلفة صالحة للبروتين. وهكذا نكون قد أجرينا " تنزيلات " كبيرة في الحساب. ومع ذلك فإن الناتج الذي سنحصل عليه - بعد كل -التنزيلات لنسبة احتمال ظهور 238 من البروتين عن طريق المصادفات هو (1: 11954010). أي الرقم واحد مقسوما على رقم هائل يكتب بوضع 119540 صفرا(مائة وتسعة عشر ألفا وخمسمائة وأربعون صفرا) أمام الرقم واحد. فإذا أضفنا لهذا الرقم نسبة احتمال ظهور البروتين الأول والبالغة واحدا إلى 10236 فإن عدد الأصفار يصعد إلى 119776. وهذا رقم هائل إلى درجة أنه يتطلب أضعاف عمر الكون بأضعاف يعجز حتى خيالنا عن مجرد تصورها).
لاستكمال القراءة قم بتحميل الكتاب
من المرفقات
من المرفقات