بسم الله، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحيه أجمعين، وبعد.
فقد جاء في مسند الفاروق لابن كثير رحمه الله: (٨٨١) قال أبو عبيد [في «فضائل القرآن» (ص ٣١٤).] :ثنا هشيم، ثنا مغيرة، عن إبراهيم، عن خَرَشة بن الحُرِّ: أنَّ عمرَ بن الخطاب رأى معه لوحًا مكتوبًا فيه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾. فقال: مَن أَقرأك، أو مَن أملى عليك هذا؟ فقال: أُبَيّ بن كعب. فقال: إنَّ أُبَيًّا كان أقرأنا للمنسوخ، اقرأها: «فامضوا إلى ذكر الله».
قال ابن كثير رحمه الله = إسناد صحيح.
يقول محقق الكتاب ص601:
أخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (١/ ٤٨٢ رقم ٥٥٥٨) في الصلاة، باب السعي إلى الصلاة يوم الجمعة، وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (٢/ ٧١١ - ٧١٢) من طريق هشيم، به.
وله طريق أخرى صحيحة: أخرجها الشافعي في «الأم» (١/ ١٩٦) والدارقطني في «العلل» (٢/ ٢٥٣ - ٢٥٤) وأبو نعيم في «الحلية» (٩/ ٢٩) والبيهقي (٣/ ٢٢٧) والخطيب في «تاريخه» (١٠/ ١٠٢) من طريق ابن عيينة. وعبد الرزاق (٣/ ٢٠٧ رقم ٥٣٤٨) -ومن طريقه: ابن المنذر في «الأوسط» (٤/ ٥٣ رقم ١٧٨٧) - عن معمر وغيره. والطبري في «تفسيره» (٢٨/ ١٠٠) من طريق يونس. ثلاثتهم (ابن عيينة، ومعمر، ويونس) عن الزهري. والطبري في «تفسيره» (٢٨/ ١٠٠) من طريق حنظلة بن أبي سفيان. كلاهما (الزهري، وحنظلة) عن سالم، عن أبيه: أنَّ عمرَ كان يقرأ: «فامضوا إلى ذكر الله».
وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (٣/ ٢٩٣).
وقد علَّقه البخاري في «صحيحه» (٨/ ٦٤١ - فتح) في التفسير، باب سورة الجمعة، بصيغة الجزم، فقال: وقرأ عمر: «فامضوا إلى ذكر الله». فائدة: قال ابن المنذر: وأكثر القرَّاء على القراءة التي في المصاحف: ﴿فاسعوا إلى ذكر الله﴾، وممن كان يقرأ هذه الآية أُبَي بن كعب وعوام القرَّاء، وهُم وإن اختلفوا في قراءة الآية، فلا أحسبهم يختلفون في معناها، لأني لا أحفظ عن أحد منهم أنه قال: معناه السعي على الأقدام والعدو، والدليل على صحة هذا المعنى ثبوت الأخبار عن رسول الله ﷺ أنه نهى عن السعي على الأقدام إلى الصلوات، ودَخَلت الجمعة في جُمَل الصلوات وعمومها.
وبعد هذه المقدمة التي اشتملت على ذكر الرواية وتخريجها والحكم عليها، ننتقل الآن لفهم الرواية.
ما ينبغي أن نعلمه أن وجود قراءات مختلفة للآية الواحدة أمر مسلّم به معروف ومشهور، وهذا ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأحرف السبعة وهو حديث متواتر ولله الحمد.
فوجود رواية تخبرنا بوجود قراءة أخرى مخالفة لرسم المصحف أمر نحن نقر به أصلا ولا إشكال فيه.
لكن المشكلة التي قد تعترض البعض في ظاهر هذا الأثر أن الرجل الذي جاء باللوح المكتوب فيه "فاسعوا" اعترض عليه عمر واستنكر هذه القراءة، ولما أخبره الرجل بأن أبي هو من علمه إياها، رد عمر بما يوحي أن هذه القراءة منسوخة فقال "إن أُبَيًّا أقرؤنا للمنسوخ"، وإذا كانت هذه القراءة منسوخة فكيف تكتب في المصحف ونحن نعلم أن مصحفنا كان على العرضة الأخيرة، والتي تم فيها النسخ والتبديل؟؟
كما أن عمر ظل يقرؤها "فامضوا" إلى أن مات فعن ابنِ عمرَ قال: [ما] سمعتُ عمرَ يقرؤها قطُّ إلا فامضوا إلى ذكرِ اللهِ [يعني قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ.... فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : ابن الأثير | المصدر : شرح مسند الشافعي
الصفحة أو الرقم : 2/183 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
قد يقول قائل: إن قراءة "فاسعوا" لم يكن يعلمها عمر وظن أنها منسوخة لأنه نفسه هو من قال عن أبي أنه لا يدع شيئاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم = صحيح البخاري برقم 4481
لكن روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
فيستبعد أن عمر لم يكن يعلم هذه القراءة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في صلاة الجمعة فكيف لا يسمعها عمر منه ولو لمرة واحدة؟ وهو من أكثر الصحابة ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم!!
وإذا كان ذلك كذلك فقد ذكرنا أن الخلاف في القراءات أمر مسلم به وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يستنكر عمر قراءة "فاسعوا" على الرجل؟؟
والجواب: أن الوجه عندي أن عمر رضي الله عنه قرأها "فامضوا" من باب الإختيار لكونها أظهر في المعنى المراد وإن كانت "فاسعوا" قراءة صحيحة في اعتقاده، فالظاهر أن عمر رضي الله عنه كان على علم بقراءة "فاسعوا" وأنه سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم، لما ذكرناه من قراءة النبي لسورة الجمعة يوم الجمعة ولقول عمر عن أبي أنه لا يدع شيئاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه اختار لنفسه ولهذا الرجل قراءة "فامضوا" لأنها الأظهر في المعنى لئلا يلتبس عليه أو على من يسمعها منه معناها، فيظن أن السعي المذكور في الآية هو العدو والجري.
قال ابن العربي: وَقَرَأَهَا عُمَرُ: «فَامْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ» فِرَارًا عَنْ ظَنِّ الْجَرْيِ وَالِاشْتِدَادِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ.= أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية ٤/٢٤٨
أما قول عمر "إن أُبَيًّا أقرؤنا للمنسوخ" فيحمل على المنسوخ بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في العسب واللخاف والأكتاف وغيرها، على اعتبار أن القراءات لم تكن تكتب كلها وإنما كان يكتب لفظ واحد، وهو الذي جُمع في المصاحف.
وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: ٢٩] أي نأمر بنسخه وإثباته. والنُسخة - بالضم من هذا أي الكتاب الذي انْتُسِخ فيه أي نُقِل الأول إليه ﴿وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ [الأعراف: ١٥٤]-[قال قر ٢/ ٦٢] وبهذا المعنى فالقرآن كله منسوخ من اللوح المحفوظ "." انتهى.
فكأن عمر يقول للرجل أبيّ هذا هو أقرؤنا وأعلمنا بالمنسوخ وهو صاحب علم وفضل، ولكني أحب لك قراءة "فامضوا" لأنه الأظهر في المعنى المراد، وإن كان كل منزل وكل صواب.
والله أعلم.
فقد جاء في مسند الفاروق لابن كثير رحمه الله: (٨٨١) قال أبو عبيد [في «فضائل القرآن» (ص ٣١٤).] :ثنا هشيم، ثنا مغيرة، عن إبراهيم، عن خَرَشة بن الحُرِّ: أنَّ عمرَ بن الخطاب رأى معه لوحًا مكتوبًا فيه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾. فقال: مَن أَقرأك، أو مَن أملى عليك هذا؟ فقال: أُبَيّ بن كعب. فقال: إنَّ أُبَيًّا كان أقرأنا للمنسوخ، اقرأها: «فامضوا إلى ذكر الله».
قال ابن كثير رحمه الله = إسناد صحيح.
يقول محقق الكتاب ص601:
أخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (١/ ٤٨٢ رقم ٥٥٥٨) في الصلاة، باب السعي إلى الصلاة يوم الجمعة، وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (٢/ ٧١١ - ٧١٢) من طريق هشيم، به.
وله طريق أخرى صحيحة: أخرجها الشافعي في «الأم» (١/ ١٩٦) والدارقطني في «العلل» (٢/ ٢٥٣ - ٢٥٤) وأبو نعيم في «الحلية» (٩/ ٢٩) والبيهقي (٣/ ٢٢٧) والخطيب في «تاريخه» (١٠/ ١٠٢) من طريق ابن عيينة. وعبد الرزاق (٣/ ٢٠٧ رقم ٥٣٤٨) -ومن طريقه: ابن المنذر في «الأوسط» (٤/ ٥٣ رقم ١٧٨٧) - عن معمر وغيره. والطبري في «تفسيره» (٢٨/ ١٠٠) من طريق يونس. ثلاثتهم (ابن عيينة، ومعمر، ويونس) عن الزهري. والطبري في «تفسيره» (٢٨/ ١٠٠) من طريق حنظلة بن أبي سفيان. كلاهما (الزهري، وحنظلة) عن سالم، عن أبيه: أنَّ عمرَ كان يقرأ: «فامضوا إلى ذكر الله».
وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (٣/ ٢٩٣).
وقد علَّقه البخاري في «صحيحه» (٨/ ٦٤١ - فتح) في التفسير، باب سورة الجمعة، بصيغة الجزم، فقال: وقرأ عمر: «فامضوا إلى ذكر الله». فائدة: قال ابن المنذر: وأكثر القرَّاء على القراءة التي في المصاحف: ﴿فاسعوا إلى ذكر الله﴾، وممن كان يقرأ هذه الآية أُبَي بن كعب وعوام القرَّاء، وهُم وإن اختلفوا في قراءة الآية، فلا أحسبهم يختلفون في معناها، لأني لا أحفظ عن أحد منهم أنه قال: معناه السعي على الأقدام والعدو، والدليل على صحة هذا المعنى ثبوت الأخبار عن رسول الله ﷺ أنه نهى عن السعي على الأقدام إلى الصلوات، ودَخَلت الجمعة في جُمَل الصلوات وعمومها.
●▬▬▬▬▬●֎۞۩۞֎●▬▬▬▬▬●
وبعد هذه المقدمة التي اشتملت على ذكر الرواية وتخريجها والحكم عليها، ننتقل الآن لفهم الرواية.
ما ينبغي أن نعلمه أن وجود قراءات مختلفة للآية الواحدة أمر مسلّم به معروف ومشهور، وهذا ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأحرف السبعة وهو حديث متواتر ولله الحمد.
فوجود رواية تخبرنا بوجود قراءة أخرى مخالفة لرسم المصحف أمر نحن نقر به أصلا ولا إشكال فيه.
لكن المشكلة التي قد تعترض البعض في ظاهر هذا الأثر أن الرجل الذي جاء باللوح المكتوب فيه "فاسعوا" اعترض عليه عمر واستنكر هذه القراءة، ولما أخبره الرجل بأن أبي هو من علمه إياها، رد عمر بما يوحي أن هذه القراءة منسوخة فقال "إن أُبَيًّا أقرؤنا للمنسوخ"، وإذا كانت هذه القراءة منسوخة فكيف تكتب في المصحف ونحن نعلم أن مصحفنا كان على العرضة الأخيرة، والتي تم فيها النسخ والتبديل؟؟
كما أن عمر ظل يقرؤها "فامضوا" إلى أن مات فعن ابنِ عمرَ قال: [ما] سمعتُ عمرَ يقرؤها قطُّ إلا فامضوا إلى ذكرِ اللهِ [يعني قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ.... فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : ابن الأثير | المصدر : شرح مسند الشافعي
الصفحة أو الرقم : 2/183 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
قد يقول قائل: إن قراءة "فاسعوا" لم يكن يعلمها عمر وظن أنها منسوخة لأنه نفسه هو من قال عن أبي أنه لا يدع شيئاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم = صحيح البخاري برقم 4481
لكن روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
فيستبعد أن عمر لم يكن يعلم هذه القراءة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في صلاة الجمعة فكيف لا يسمعها عمر منه ولو لمرة واحدة؟ وهو من أكثر الصحابة ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم!!
وإذا كان ذلك كذلك فقد ذكرنا أن الخلاف في القراءات أمر مسلم به وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يستنكر عمر قراءة "فاسعوا" على الرجل؟؟
والجواب: أن الوجه عندي أن عمر رضي الله عنه قرأها "فامضوا" من باب الإختيار لكونها أظهر في المعنى المراد وإن كانت "فاسعوا" قراءة صحيحة في اعتقاده، فالظاهر أن عمر رضي الله عنه كان على علم بقراءة "فاسعوا" وأنه سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم، لما ذكرناه من قراءة النبي لسورة الجمعة يوم الجمعة ولقول عمر عن أبي أنه لا يدع شيئاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه اختار لنفسه ولهذا الرجل قراءة "فامضوا" لأنها الأظهر في المعنى لئلا يلتبس عليه أو على من يسمعها منه معناها، فيظن أن السعي المذكور في الآية هو العدو والجري.
قال ابن العربي: وَقَرَأَهَا عُمَرُ: «فَامْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ» فِرَارًا عَنْ ظَنِّ الْجَرْيِ وَالِاشْتِدَادِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ.= أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية ٤/٢٤٨
أما قول عمر "إن أُبَيًّا أقرؤنا للمنسوخ" فيحمل على المنسوخ بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في العسب واللخاف والأكتاف وغيرها، على اعتبار أن القراءات لم تكن تكتب كلها وإنما كان يكتب لفظ واحد، وهو الذي جُمع في المصاحف.
- جاء في المعجم الإشتقاقي المؤصل لمحمد حسن جبل ص2190 " «النَسْخ: أن تحوِّل ما في الخَلِيّة من النحل والعسل في أخرى [المقاييس]. والنسخ: اكتتابك كتابًا عن كتاب حرفًا بحرف.....
وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: ٢٩] أي نأمر بنسخه وإثباته. والنُسخة - بالضم من هذا أي الكتاب الذي انْتُسِخ فيه أي نُقِل الأول إليه ﴿وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ [الأعراف: ١٥٤]-[قال قر ٢/ ٦٢] وبهذا المعنى فالقرآن كله منسوخ من اللوح المحفوظ "." انتهى.
فكأن عمر يقول للرجل أبيّ هذا هو أقرؤنا وأعلمنا بالمنسوخ وهو صاحب علم وفضل، ولكني أحب لك قراءة "فامضوا" لأنه الأظهر في المعنى المراد، وإن كان كل منزل وكل صواب.
والله أعلم.
تعليق