هل اسلم المسيحيون في مصر والشام بسبب الجزية؟ من اكثر الشبهات التي يكررها المنصرون هي ان المسيحيون في مصر والشام قد اسلموا هربا من الجزية وهي محاولة فاشلة لتبرير ترك اهل الشام ومصر للمسيحيه واعتناقهم للاسلام ولكن السؤال هنا هل هذا الادعاء صحيح؟
الاجابة هي لا فقد نقل لنا المؤرخون المسيحيون الذين عاصروا الفتح الاسلامي موقف اهل البلاد من الفتح الاسلامي ووضحوا لنا ان الفتح الاسلامي كان مرحبا به وان المسيحيون قد تركوا المسيحيه واعتنقوا الاسلام طواعية دون اكراه
يقول يوحنا النقيوسي وهو معاصر لفتح العرب لمصر:
"عندما وصل هؤلاء المسلمون مع المسيحيون الذين جحدوا عقيدة المسيحية" (١)
ويتابع قائلا:
"والان كثير من المصريين الذين كانوا مسيحيين كذبة، انكروا العقيدة المقدسة الأرثوذكسيّة والمعمودية الحية، وساروا في عقيدة الاسلام" (٢)
كما ان من لم يعتنقوا الاسلام وظلوا علي المسيحية كانوا يرحبون بالفتح الاسلامي ويتعانون معه فقد قال يوحنا النقيوسي:
"وكان بين اهل الوجه البحري خصومة شديدة وانقسموا قسمين: قسم انضم الي تيودور، وقسما انضم الي المسلمين" (٣)
"وفي العشرين من شهر مسكرم قاك تيدور مع كل الجنود والرؤساء وسار الي جزيرة قبرص، وترك مدينة الاسكندريه، ومن ثم دخل عمرو رئيس المسلمين دون تعب مدينة الاسكندريه واستقبله اهل المدينة بتعظيم" (٤)
ولم يكن هذا موقف الشعب فقط بل ان البابا بينامين نفسه رحب بالفتح العربي لمصر بسبب ما لاقاه من اهانة واضطهاد علي يد الرومان فقد ظل هاربا في الصحراء13عام حتي جاء الفتح الاسلامي فرجع الي سابق مكانته يقول يوحنا النقيوسي:
"ودخل الانبا بينامين بطريرك المصريين مدينة الاسكندريه بعد هربه من الروم 13عام وسار الي كنائسه وزارها كلها وكان كل الناس يقولون : هذا النفي وانتصار الاسلام كان سبب ظلم هرقل الملك وبسبب اضطهاد الارثوذكسيين على يد البابا كيرس ، وهلك الروم لهذا السبب ، وساد المسلمون مصر ." (٥)
كما ان يوحنا النقيوسي اكد علي تسامح الصحابي عمرو بن العاص قائلا: "وكان عمرو يـقـوى كل يوم في عمله ، ويأخذ الضرائب التي حددوها ، ولم بأخذ شيئا من مال الكنائس ، ولم يرتكب شيئا ما ، سلبا أو نهبا ، وحافظ عليها طوال الأيام" (٦)
ولم يكن هذا حال مصر فقط بل سائر كان حال سائر البلاد التي دخلها المسلمون فمثلا عند دخول المسلمون للشام واحكام سيطرتهم عليها لم يفرضوا الاسلام علي اهلها بالقوه كما انهم لم يهدموا كنيسه واحدة يقول مايكل فيليب بن: "لن تترك الغزوات طبقات دمار من النوع المرتبط بغزوات أكثر تدميرا. بدلا من ذلك، تشهد الأدلة المنقوشة شغلا مستمرا في الكنائس وحتى إنشاءات جديدة طوال هذه الفترة"(٧) كما ان البطريرك ايشوعياب الثالث وهو معاصر للفتح الاسلامي للشام كان يوبخ المطران شمعون مطران ريواردايشر بسبب ان رعايا المطران شمعون كانوا يعتنقون الاسلام علي الرغم من تسامح المسلمون وسماحهم لهم بالحفاظ علي دينهم (٨)
واكد علي نفس الامر الراهب يوحنا الفينيقي المعروف باسم يوحنا بن الفنكي في كتابه النقاط الرئيسية حيث قال:" في كل عام كان غزاتهم يذهبون إلى البلدان والجزر البعيدة ويعودون بأسري من كل شعب تحت السماء، لكنهم طالبوا فقط من الجميع الخراج وسمحوا لكل واحد بالبقاء على أي دين يشاء،"(٩)وبذلك يتضح لنا ان المسلمون لم يفرضوا الاسلام بالقوه بل المسيحيون هم من اعتنقوا الاسلام عن قناعة ورضا لا رهبة وخوف من سيف او غيره كما ان لنا الحق ان نسأل عن حال المسيحيون قبل الفتح هل كانوا في يتمتعون بخيرات بلادهم ويعيشون في رخاء ونعيم كما يدعي البعض؟
الحقيقة هي ان المسيحيون قبل دخول الفتح الإسلامي كانوا يرزحون تحت نير الاحتلال الروماني الذي كان يفرض عليهم ضرائب ثقيله وفوق ذلك يضطدهم بسبب الخلافات العقائديه فالرومان كانوا يؤمنون بطبيعتين للمسيح اما المصريين يؤمنون ان للمسيح طبيعه واحده وهذا ما يفسر اضطهاد الرونان للبابا الارثوذكسي بينيامين وتخبرنا كتب التاريخ ان المصريون كانوا يريدون التخلص من الاحتلال الروماني بأي شكل فقد ساعد الاقباط جيش عمرو بن العاص منذ اول لحظه له في مصر دون ان يعرفوا اي شئ عن عقيدة المسلمين او صفاتهم وطبائعهم لان تغيير الحكام كان يعني القليل بالنسبه اليهم، الا ان اي تغيير يطرأ علي ذلك التعصب البيزنطي كان في عيونهم علي الارجح تغييرا نحو الافضل فقد اسهم هذا السخط الذي عم ارجاء البلاد في الانتصار السهل الذي احرزه العرب، حيث كانت اول ردود الافعال لاستيلاء العرب علي مدينة الفرما، بأن قام البطريرك بينيامين بتوجيه النصح للاقباط بأن يدعموا عمرو بن العاص وجيشه (١٠) وبالفعل قاموا بدعم المسلمين وساعدوهم في النقل والامدادات بسبب ما رأوه من اخلاق الفاتحيين وتسامحهم فالمسلمون كما امرهم دينهم لم يضطهدوا اهل البلاد المفتوحه ولم يدمروا كنائسهم ودور عبادتهم وهذا من قاله المؤرخون المسيحيون انفسهم يقول ادوارد لين بول: "فمنذ استسلام المدينة المشروط لم يكن من المسموح السلب أو أخذ الغنائم. ويسجل يوحنا النقيوسي أن عمرو قد جبي الضرائب المتفق عليها، ورغم ذلك لم يأخذ شيئا من الكنائس، ولـم ينزل بها أي أذى من أعمال سـلب أو غنيمـة، بـل على العكس قام بحمايتها في كل مكان" (١١)
واما بالنسبة لموضوع احراق عمرو ابن العاص لمكتبة الاسكندريه فهي مجرد اسطورة حيث ان المؤرخ الوحيد الذي عاصر الفتح الاسلامي وهو يوحنا النقيوسي لم يذكر هذه الاسطورة يقول ادوارد لين بول: ". أما عن قصة تدمير مكتبة الإسكندريةوتوزيع الكتب لإشعال النيران في أربعة آلاف حمام عـام، لـم يـتـم العثور عليهـا في أي مـن المصـادر المبكرة، فضلا عن أنها ليست مذكورة من قبل أي كاتب يوناني، ولم يذكرها يوحنا النقيوسي، أو ابن عبد الحكم أو الطبري، فهي تظهر لأول مرة في القرن الثالث عشر، أي بعد ستمائة عام بعد الحدث المزعوم في أعمال عبد المطيف وابي الفرج، إنهـا بلا ريب متناقضة مع رواية يوحنا النقيوسي عن سياسة الحماية التي اتبعهـا عمرو، ولربما كان أصل القصة يرجع إلى تدمير كتب عابدي النار خلال الفتح العربي لأرض فارس" (١٢)كما ان الباحثين الغربيين المنصفين رفضوا فكرة قيام عمرو بن العاص بتدمير المكتبه مثل المستشرق والمؤرخ الفرد بتلر الذي قام بالرد علي هذه الاسطوره وفضح زيفها (١٣)وبذلك نكون قد وضحنا ان اخلاق المسلمين الفاتحين كانت من العوامل المهمه التي ادت الي دخول المسيحيون في الاسلام وناتي لنقطه مهمه للغايه وهي:
الفرق بين الجزيه وضرائب الرومان:
ما يغفل عنه المتعصبون الذين يكررون موضوع الجزية ويصورونها علي انها مبلغ ضخم للغايه هو ان المسيحيون قبل الفتح العربي كانوا يدفعون ضرائب ضخمه للغايه للرومان يقول :الفريد إيديرشيم:
("نظام الضرائب الروماني) كان منظما قاسيا لا رحمة فيه ولا يعتد بأي شئ اعتدادا ما ،فكانت ولايات الامبراطوريه الرومانيه عامة وما كان تابعا لهم من فلسطين خاضعه لنوعين من الضرائب العظيمه ،ضرائب الدخل وضريبة الارض والممتلكات والدخول التي لا تدخل تحت ضريبة الارض كانت تدخل تحت الدخل ..
وكانت ضريبة الدخل تشمل ضريبة الدخل وضريبة الرؤوس التي كانت تعرض علي كل الأشخاص عبدا كان او حرا حتي سن الخامسة والستين وكانت المرأه خاضعه لها من سن الثانية عشرة والرجال من سن الرابعة عشرة،وكانت ضريبة الأراضي الزراعية بقدر عشر الحبوب وخمس الخمر والفاكهة تدفع نصفها عينا ويحسب النصف الثاني نقدا ،وفضلا عن ذلك كانت هناك ضرائب ومكوس علي الصادرات والورادات تفرض على الطرق العامه الكبري وفي الموانئ ،وكانت هناك رسوم القناطر وضرائب الطرق ،وعلي كل ما يباع ويشتري في المدن وهذه الضرائب التي كانت تسمى الضرائب النظاميه لم يدخل في عدادها التبرعات الاجباريه والاعانات الإجبارية لحساب الوالي الروماني وعائلته ولبلاطه في قيصيري"(١٤) ويتابع قائلا: "(تبلغ قيمة الضرائب)اتنين ونصف في المائة من قيمة البضائع او خمسه في المائه او الي ١٢.٥في المائة على الكماليات "(١٥)
قلت: ان نظام الضرائب الروماني نظام مجحف للغايه ويختلف عن الجزية في عدة نقاط الجزيه كانت مبلغ زهيد وهما ديناران فقط سنويا علي كل من يستطيع حمل السلاح من الذكور فقط فلا تؤخذ الجزية من الاطفال او النساء او الشيوخ اما الضرائب الرومانيه فهي تؤخذ من الرجال والنساء علي حد سواء وقيمتها تختلف بكثير فالرومان كان ينقصهم فقط ان يفرضوا ضريبه علي الهواء فقد فرضوا ضرائب علي الطرق والقناطر والصادرات والواردات وكل ما يباع ويشتري من طعام وشراب والافدح من ذلك ان من لا يجد ما يدفعه للرومان بسبب الفقر والحاجة فكان مصيره هو السجن او يتم اخذ زوجته وبناته و اولاده كعبيد وسبايا! تقول سناء المصري:" ان ظلمات السجن كائنه بانتظار من لا يدفع " وتكمل قائلة: "الكثير من حكايات زوجات وبنات الفلاحين المصريين من اراضيهم وبيوتهم بسبب عجز الرجال عن اداء الضرائب وتراكم الديون او بسبب الاضطهاد الديني لهم بصفتهم اقباط مؤمنين بمذهب كنيسة الاسكندرية او غيرها من اسباب المظالم الكثيرة المحيطة بالفلاحين المصريين تحت قيود الحكم البيزنطي" (١٦)
قلت: ان الفرق بين الجزية كمثل الفرق بين الارض والسماء فمن لم يكن يستطع اداء الجزية بسبب الفقر كانت تسقط عنه الجزية كما انها مبلغ ضئيل للغايه مقارنة بضرائب الرومان يقول مونتسكيو:
لقد ادت تلك الضرائب المفرطه الي السهولة العجيبه التي وجدها المسلمون في فتوحهم،فقد أوجدت الشعوب نفسها خاضعه لضريبة بسيطه تُدفع وتجبي بسهوله بدلا من سلسلة تلك المظالم نفسها التي كان تصورها القياصره بشحهم الدقيق، وقد رأت الشعوب انها تكون اسعد حالا بالخضوع لامه غير متمدنه مما لحكومه فاسده تعاني فيها جميع محاذير حرية عادات لا تكون لديها وجميع ما في العبوديه الحاضره من المكاره "(١٧)
قلت: بذلك يتضح لنا ان القول بأن المسيحيون تركوا المسيحيه واعتنقوا الاسلام هروبا من دفع الجزية مجرد اكذوبة متهافته لا يوجد عليها ادلة قاطعه والحق هو انهم تركوا المسيحيه واعتنقوا الاسلام دون ضغط او ترهيب كما اكد الباحث المسيحي سليمان شفيق قائلا: ان العرب المسلمون الفاتحون لم يمارسوا اي ضغوط تذكر لتحويل الاقباط الي الاسلام.(١٨)
(١)تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي صفحه 197
(٢)المرجع السابق صفحه 222
(٣)المرجع السابق صفحه 207
(٤)المرجع السابق صفحه219
(٥)المرجع السابق صفحه 220
(٦)المرجع السابق صفحه 220
(٧) مايكل فيليب بن، حين التقي المسيحيون بالمسلمين لاول مرة ص17
(٨)المرجع السابق ص53
(٩)المرجع السابق صفحه 122
(١٠)ستانلي لين بول، تاريخ مصر في العصور الوسطي ص38،37،36
(١١)المرجع السابق صفحه 57
(١٢)المرجع السابق صفحه 57
(١٣)الفرد بتلر فتح العرب لمصر صفحه 418الي 442
(١٤)الفريد إيديرشيم،صور عن الحياة الاجتماعية اليهودية في ايام المسيح صفحه٥١--٥٣
(١٥)المرجع السابق صفحه 52
(١٦)سناء المصري، هوامش الفتح العربي لمصر صفحه 11
(١٧)مونتسكيو روح الشرائع صفحه ٤٠٠
(١٨)سليمان شفيق، الاقباط بين الحرمان الكنسي والوطني ص35
الاجابة هي لا فقد نقل لنا المؤرخون المسيحيون الذين عاصروا الفتح الاسلامي موقف اهل البلاد من الفتح الاسلامي ووضحوا لنا ان الفتح الاسلامي كان مرحبا به وان المسيحيون قد تركوا المسيحيه واعتنقوا الاسلام طواعية دون اكراه
يقول يوحنا النقيوسي وهو معاصر لفتح العرب لمصر:
"عندما وصل هؤلاء المسلمون مع المسيحيون الذين جحدوا عقيدة المسيحية" (١)
ويتابع قائلا:
"والان كثير من المصريين الذين كانوا مسيحيين كذبة، انكروا العقيدة المقدسة الأرثوذكسيّة والمعمودية الحية، وساروا في عقيدة الاسلام" (٢)
كما ان من لم يعتنقوا الاسلام وظلوا علي المسيحية كانوا يرحبون بالفتح الاسلامي ويتعانون معه فقد قال يوحنا النقيوسي:
"وكان بين اهل الوجه البحري خصومة شديدة وانقسموا قسمين: قسم انضم الي تيودور، وقسما انضم الي المسلمين" (٣)
"وفي العشرين من شهر مسكرم قاك تيدور مع كل الجنود والرؤساء وسار الي جزيرة قبرص، وترك مدينة الاسكندريه، ومن ثم دخل عمرو رئيس المسلمين دون تعب مدينة الاسكندريه واستقبله اهل المدينة بتعظيم" (٤)
ولم يكن هذا موقف الشعب فقط بل ان البابا بينامين نفسه رحب بالفتح العربي لمصر بسبب ما لاقاه من اهانة واضطهاد علي يد الرومان فقد ظل هاربا في الصحراء13عام حتي جاء الفتح الاسلامي فرجع الي سابق مكانته يقول يوحنا النقيوسي:
"ودخل الانبا بينامين بطريرك المصريين مدينة الاسكندريه بعد هربه من الروم 13عام وسار الي كنائسه وزارها كلها وكان كل الناس يقولون : هذا النفي وانتصار الاسلام كان سبب ظلم هرقل الملك وبسبب اضطهاد الارثوذكسيين على يد البابا كيرس ، وهلك الروم لهذا السبب ، وساد المسلمون مصر ." (٥)
كما ان يوحنا النقيوسي اكد علي تسامح الصحابي عمرو بن العاص قائلا: "وكان عمرو يـقـوى كل يوم في عمله ، ويأخذ الضرائب التي حددوها ، ولم بأخذ شيئا من مال الكنائس ، ولم يرتكب شيئا ما ، سلبا أو نهبا ، وحافظ عليها طوال الأيام" (٦)
ولم يكن هذا حال مصر فقط بل سائر كان حال سائر البلاد التي دخلها المسلمون فمثلا عند دخول المسلمون للشام واحكام سيطرتهم عليها لم يفرضوا الاسلام علي اهلها بالقوه كما انهم لم يهدموا كنيسه واحدة يقول مايكل فيليب بن: "لن تترك الغزوات طبقات دمار من النوع المرتبط بغزوات أكثر تدميرا. بدلا من ذلك، تشهد الأدلة المنقوشة شغلا مستمرا في الكنائس وحتى إنشاءات جديدة طوال هذه الفترة"(٧) كما ان البطريرك ايشوعياب الثالث وهو معاصر للفتح الاسلامي للشام كان يوبخ المطران شمعون مطران ريواردايشر بسبب ان رعايا المطران شمعون كانوا يعتنقون الاسلام علي الرغم من تسامح المسلمون وسماحهم لهم بالحفاظ علي دينهم (٨)
واكد علي نفس الامر الراهب يوحنا الفينيقي المعروف باسم يوحنا بن الفنكي في كتابه النقاط الرئيسية حيث قال:" في كل عام كان غزاتهم يذهبون إلى البلدان والجزر البعيدة ويعودون بأسري من كل شعب تحت السماء، لكنهم طالبوا فقط من الجميع الخراج وسمحوا لكل واحد بالبقاء على أي دين يشاء،"(٩)وبذلك يتضح لنا ان المسلمون لم يفرضوا الاسلام بالقوه بل المسيحيون هم من اعتنقوا الاسلام عن قناعة ورضا لا رهبة وخوف من سيف او غيره كما ان لنا الحق ان نسأل عن حال المسيحيون قبل الفتح هل كانوا في يتمتعون بخيرات بلادهم ويعيشون في رخاء ونعيم كما يدعي البعض؟
الحقيقة هي ان المسيحيون قبل دخول الفتح الإسلامي كانوا يرزحون تحت نير الاحتلال الروماني الذي كان يفرض عليهم ضرائب ثقيله وفوق ذلك يضطدهم بسبب الخلافات العقائديه فالرومان كانوا يؤمنون بطبيعتين للمسيح اما المصريين يؤمنون ان للمسيح طبيعه واحده وهذا ما يفسر اضطهاد الرونان للبابا الارثوذكسي بينيامين وتخبرنا كتب التاريخ ان المصريون كانوا يريدون التخلص من الاحتلال الروماني بأي شكل فقد ساعد الاقباط جيش عمرو بن العاص منذ اول لحظه له في مصر دون ان يعرفوا اي شئ عن عقيدة المسلمين او صفاتهم وطبائعهم لان تغيير الحكام كان يعني القليل بالنسبه اليهم، الا ان اي تغيير يطرأ علي ذلك التعصب البيزنطي كان في عيونهم علي الارجح تغييرا نحو الافضل فقد اسهم هذا السخط الذي عم ارجاء البلاد في الانتصار السهل الذي احرزه العرب، حيث كانت اول ردود الافعال لاستيلاء العرب علي مدينة الفرما، بأن قام البطريرك بينيامين بتوجيه النصح للاقباط بأن يدعموا عمرو بن العاص وجيشه (١٠) وبالفعل قاموا بدعم المسلمين وساعدوهم في النقل والامدادات بسبب ما رأوه من اخلاق الفاتحيين وتسامحهم فالمسلمون كما امرهم دينهم لم يضطهدوا اهل البلاد المفتوحه ولم يدمروا كنائسهم ودور عبادتهم وهذا من قاله المؤرخون المسيحيون انفسهم يقول ادوارد لين بول: "فمنذ استسلام المدينة المشروط لم يكن من المسموح السلب أو أخذ الغنائم. ويسجل يوحنا النقيوسي أن عمرو قد جبي الضرائب المتفق عليها، ورغم ذلك لم يأخذ شيئا من الكنائس، ولـم ينزل بها أي أذى من أعمال سـلب أو غنيمـة، بـل على العكس قام بحمايتها في كل مكان" (١١)
واما بالنسبة لموضوع احراق عمرو ابن العاص لمكتبة الاسكندريه فهي مجرد اسطورة حيث ان المؤرخ الوحيد الذي عاصر الفتح الاسلامي وهو يوحنا النقيوسي لم يذكر هذه الاسطورة يقول ادوارد لين بول: ". أما عن قصة تدمير مكتبة الإسكندريةوتوزيع الكتب لإشعال النيران في أربعة آلاف حمام عـام، لـم يـتـم العثور عليهـا في أي مـن المصـادر المبكرة، فضلا عن أنها ليست مذكورة من قبل أي كاتب يوناني، ولم يذكرها يوحنا النقيوسي، أو ابن عبد الحكم أو الطبري، فهي تظهر لأول مرة في القرن الثالث عشر، أي بعد ستمائة عام بعد الحدث المزعوم في أعمال عبد المطيف وابي الفرج، إنهـا بلا ريب متناقضة مع رواية يوحنا النقيوسي عن سياسة الحماية التي اتبعهـا عمرو، ولربما كان أصل القصة يرجع إلى تدمير كتب عابدي النار خلال الفتح العربي لأرض فارس" (١٢)كما ان الباحثين الغربيين المنصفين رفضوا فكرة قيام عمرو بن العاص بتدمير المكتبه مثل المستشرق والمؤرخ الفرد بتلر الذي قام بالرد علي هذه الاسطوره وفضح زيفها (١٣)وبذلك نكون قد وضحنا ان اخلاق المسلمين الفاتحين كانت من العوامل المهمه التي ادت الي دخول المسيحيون في الاسلام وناتي لنقطه مهمه للغايه وهي:
الفرق بين الجزيه وضرائب الرومان:
ما يغفل عنه المتعصبون الذين يكررون موضوع الجزية ويصورونها علي انها مبلغ ضخم للغايه هو ان المسيحيون قبل الفتح العربي كانوا يدفعون ضرائب ضخمه للغايه للرومان يقول :الفريد إيديرشيم:
("نظام الضرائب الروماني) كان منظما قاسيا لا رحمة فيه ولا يعتد بأي شئ اعتدادا ما ،فكانت ولايات الامبراطوريه الرومانيه عامة وما كان تابعا لهم من فلسطين خاضعه لنوعين من الضرائب العظيمه ،ضرائب الدخل وضريبة الارض والممتلكات والدخول التي لا تدخل تحت ضريبة الارض كانت تدخل تحت الدخل ..
وكانت ضريبة الدخل تشمل ضريبة الدخل وضريبة الرؤوس التي كانت تعرض علي كل الأشخاص عبدا كان او حرا حتي سن الخامسة والستين وكانت المرأه خاضعه لها من سن الثانية عشرة والرجال من سن الرابعة عشرة،وكانت ضريبة الأراضي الزراعية بقدر عشر الحبوب وخمس الخمر والفاكهة تدفع نصفها عينا ويحسب النصف الثاني نقدا ،وفضلا عن ذلك كانت هناك ضرائب ومكوس علي الصادرات والورادات تفرض على الطرق العامه الكبري وفي الموانئ ،وكانت هناك رسوم القناطر وضرائب الطرق ،وعلي كل ما يباع ويشتري في المدن وهذه الضرائب التي كانت تسمى الضرائب النظاميه لم يدخل في عدادها التبرعات الاجباريه والاعانات الإجبارية لحساب الوالي الروماني وعائلته ولبلاطه في قيصيري"(١٤) ويتابع قائلا: "(تبلغ قيمة الضرائب)اتنين ونصف في المائة من قيمة البضائع او خمسه في المائه او الي ١٢.٥في المائة على الكماليات "(١٥)
قلت: ان نظام الضرائب الروماني نظام مجحف للغايه ويختلف عن الجزية في عدة نقاط الجزيه كانت مبلغ زهيد وهما ديناران فقط سنويا علي كل من يستطيع حمل السلاح من الذكور فقط فلا تؤخذ الجزية من الاطفال او النساء او الشيوخ اما الضرائب الرومانيه فهي تؤخذ من الرجال والنساء علي حد سواء وقيمتها تختلف بكثير فالرومان كان ينقصهم فقط ان يفرضوا ضريبه علي الهواء فقد فرضوا ضرائب علي الطرق والقناطر والصادرات والواردات وكل ما يباع ويشتري من طعام وشراب والافدح من ذلك ان من لا يجد ما يدفعه للرومان بسبب الفقر والحاجة فكان مصيره هو السجن او يتم اخذ زوجته وبناته و اولاده كعبيد وسبايا! تقول سناء المصري:" ان ظلمات السجن كائنه بانتظار من لا يدفع " وتكمل قائلة: "الكثير من حكايات زوجات وبنات الفلاحين المصريين من اراضيهم وبيوتهم بسبب عجز الرجال عن اداء الضرائب وتراكم الديون او بسبب الاضطهاد الديني لهم بصفتهم اقباط مؤمنين بمذهب كنيسة الاسكندرية او غيرها من اسباب المظالم الكثيرة المحيطة بالفلاحين المصريين تحت قيود الحكم البيزنطي" (١٦)
قلت: ان الفرق بين الجزية كمثل الفرق بين الارض والسماء فمن لم يكن يستطع اداء الجزية بسبب الفقر كانت تسقط عنه الجزية كما انها مبلغ ضئيل للغايه مقارنة بضرائب الرومان يقول مونتسكيو:
لقد ادت تلك الضرائب المفرطه الي السهولة العجيبه التي وجدها المسلمون في فتوحهم،فقد أوجدت الشعوب نفسها خاضعه لضريبة بسيطه تُدفع وتجبي بسهوله بدلا من سلسلة تلك المظالم نفسها التي كان تصورها القياصره بشحهم الدقيق، وقد رأت الشعوب انها تكون اسعد حالا بالخضوع لامه غير متمدنه مما لحكومه فاسده تعاني فيها جميع محاذير حرية عادات لا تكون لديها وجميع ما في العبوديه الحاضره من المكاره "(١٧)
قلت: بذلك يتضح لنا ان القول بأن المسيحيون تركوا المسيحيه واعتنقوا الاسلام هروبا من دفع الجزية مجرد اكذوبة متهافته لا يوجد عليها ادلة قاطعه والحق هو انهم تركوا المسيحيه واعتنقوا الاسلام دون ضغط او ترهيب كما اكد الباحث المسيحي سليمان شفيق قائلا: ان العرب المسلمون الفاتحون لم يمارسوا اي ضغوط تذكر لتحويل الاقباط الي الاسلام.(١٨)
(١)تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي صفحه 197
(٢)المرجع السابق صفحه 222
(٣)المرجع السابق صفحه 207
(٤)المرجع السابق صفحه219
(٥)المرجع السابق صفحه 220
(٦)المرجع السابق صفحه 220
(٧) مايكل فيليب بن، حين التقي المسيحيون بالمسلمين لاول مرة ص17
(٨)المرجع السابق ص53
(٩)المرجع السابق صفحه 122
(١٠)ستانلي لين بول، تاريخ مصر في العصور الوسطي ص38،37،36
(١١)المرجع السابق صفحه 57
(١٢)المرجع السابق صفحه 57
(١٣)الفرد بتلر فتح العرب لمصر صفحه 418الي 442
(١٤)الفريد إيديرشيم،صور عن الحياة الاجتماعية اليهودية في ايام المسيح صفحه٥١--٥٣
(١٥)المرجع السابق صفحه 52
(١٦)سناء المصري، هوامش الفتح العربي لمصر صفحه 11
(١٧)مونتسكيو روح الشرائع صفحه ٤٠٠
(١٨)سليمان شفيق، الاقباط بين الحرمان الكنسي والوطني ص35