الجواب عن إشكالية: كيف يتلائم البلاء مع العدل الإلهي ؟ منذ دقيقة واحدة
الجواب عن إشكالية: كيف يتلائم البلاء مع العدل الإلهي ؟
مقدمة تقتضى ضبط نواحى المنهجية الصحيحة في النظرة إلى الأشياء :
إن النظرة إلى الأشياء تتم على نحوين :
الأول: أن تنظر إلى الشيء بنفسه عازلاً له عن كل محيطه وبيئته ومشهده.
الثاني: أن تنظر إلى الشيء كجزء من لوحة يرتبط بها، ومشهد يحيط به.
فمن باب المثال: لو سألتك عن الأحسن من خطين هما:
المستقيم والأعوج، فما هو الجواب؟
قد تجيب المستقيم هو الأحسن.
ولكن بالله عليك - هل هذا الجواب صحيح ؟! أو كان عليك أن تنظر إلى اللوحة والبيئة والمشهد الذي فيه ذلك الخط، فلو أن ذلك الخط كان حاجباً فوق عين الإنسان، ترى هل حسنه باستقامته أو
باعوجاجه؟
ألم تسمع قول من خاطب حاجب الإنسان.
أيُّها الحاجب المعوج لو كنت جالساً لكنت أعوج
وهكذا لو سألتك:
ما رأيك بقطع يد إنسان، هل هو فعل حسن أو قبيح؟
فهل يصح أن تقول مباشرة: هو قبيح بالتأكيد، أو عليك التريث لتنظر إلى كامل المشهد، فلعل أفعى سامة لدغت تلك اليد، وكان بقاؤها سبباً لوصول السم إلى بقية الجسم، وبالتالي موت صاحبها.
بالله عليك لو أن أم ذلك الملدوغ علمت بالأمر، وتيقنت أن ولدها سيموت إن لم يقطع الطبيب يده، ألا تتوسل إليه أن يقطعها ؟!
وهكذا لو سألتك.
ما رأيك بنظام إشارات السير التي تدعو إلى الوقوف عند الضوء الأحمر، وبالسماح بالسير عند الضوء الأخضر؟
هل يضر بحسنها أنّها كانت سبباً في تأخرك عن اللحاق بالطائرة، وبالتالي عدم السفر ؟!
أنا لا أقول إن قطع اليد ليس فيه سلبية، بل فيه ألم كبير.
وفقدان لعضو أساسي يؤثر على نتاج الإنسان، ويشوه جماله.
ولكن هل من الصحيح أن أعدد سلبيات قطع اليد، فأحكم على وفقدان لعضو اساسي يؤثر على نتاج الإنسان، ويشوه جماله.
ولكن هل من الصحيح أن أعدد سلبيات قطع اليد، فأحكم على قبح قطعها، أو يجب عليّ أن أضع جدولاً فيه السلبيات التي ذكرت، والإيجابيات التي تتمثل بالمحافظة على الحياة، وبالتالي أحكم أيهما أهم الإيجابيات أو السلبيات؟ وعلى ضوء الدراسة أجيب عن السؤال: هل قطع اليد حسن أو قبيح؟
أنا لا أقول: إنّ نظام إشارات السير كله إيجابيات، ولذلك فهو حسن، بل فيه سلبيات قد تكون تأخيراً عن الموعد، وصرفاً أكثر للوقود، ووقوفاً أكثر في حر الشمس، ولكن هل من الصحيح أن اعتمد على هذه السلبيات، فاعتبر أنّ نظام إشارات السير قبيح ؟!
أو عليّ أن أضع جدولاً للسلبيات، وآخر للإيجابيات، فأدرس أيهما أهم، وعلى أساس الدراسة أحكم بالحسن أو بالقبح.
إذاً هناك نوعان من النظرة إلى الأشياء:
النوع الأول: أن تنظر إلى الشيء بنفسه، دون ما يتعلق به من محيطه ومشهده.
النوع الثاني: أن تنظر إليه كجزء من اللوحة والمشهد.
والنوع الأول هو الذي على أساسه سألت الملائكة ربّها بصورة اعتراض على خلق الإنسان: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ) .(البقرة ٣٠)
وقد كان جواب الله تعالى للملائكة بأنها لم تخطئ في المعلومة حول الإنسان، بل إنّ ما أراد الله تعالى أن يوجهها إليه هو تبديل نظرتها من النوع الأول إلى النوع الثاني، بأن تنظر إلى كل اللوحة، حينها سترى إضافة إلى ما علمت به إلى أنوار الأسماء، وستعرف أن المزج في اللوحة بين السواد والبياض سيضفي عليها جمالاً وحسناً.
فحالها كمن يرى في منظاره الضيق سواداً قاتماً ، فيعبس لمنظره، فإذا به حينما يوسع المنظار يرى ذلك السواد خالا على وجه مليح.
عودة إلى السؤال
بعد إيضاح المنهجية نطلّ على المفردات التي يُسأل
عن ملائمتها مع العدل الإلهي كالأمراض وفقد العزيز والفقر وما شاكل.
فإننا سنلقى ال عليه من جدول الإيجابيات والسلبيات.
أما السلبيات فواضحة، فالمرض يسبب ألماً، وقد يسبب إنفاق مال على العلاج والدواء، وتعطيلاً عن العمل الخ.
وفقد العزيز يسبب حزناً عميقاً .
في النفس ، وفقداً للمؤنس، وتعطيلاً عن أمور حياتية، وهكذا ، والفقر قد يؤدي إلى نوع من الشعور بالذل، وقلّة التمتع بالدنيا، والإرهاق في طلب المعيشة، وما إلى ذلك.
إلا أننا إذا نظرنا إلى دائرة الإيجابيات، فإننا نرى أموراً أخرى
من قبيل:
١- المساهمة في بناء الشخصية القوية.
إن البلاء قد يساهم في بناء الشخصية القوية، وهذا ما يظهر جلياً من خلال دراسة الأشخاص المتفوقين بين البشر الذين ساهمت معاناتهم والمصاعب التي واجهوها في حياتهم في صناعة شخصياتهم الفذة.
فالعالم الناجح لا يصبح كذلك - عادة - إلا بعد دراسة مضنية.
والرياضي المتألق لا يصبح كذلك - عادة – إلا بعد تدريب قاس.
حالهما كحال الألماس الذي يتكون من كربون مرَّ بضغوطات عالية.
۲- تصويب المسار
إنَّ البلاء يساعد في تصويب مسار الإنسان في حياته، فموت العزيز، والمرض، وخسارة المال، قد توقظ من يسير في سكرة الحياة دون التفات إلى سلبياتها. وقد ألفت القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في أكثر من آية.
قال تعالى: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ، لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنزِلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرٌ ) (الشورى ٢٧).
وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَنِ أَعْرَضَ وَنَنَا بِجَانِبِهِ، وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيض )(فصلت ٥١) .
٣- التعويض الأخروي
إن البلاء يعقبه تعويض أخروي يريح المعتقد بهعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له. رواه مسلم.
وكتطبيق لذلك التعويض الإلهي الكبير أُعطي هذه الأمثلة التي تعرّضت لها الروايات
أ- سقوط الجنين
-فعن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة، إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهما، فقالوا: يا رسول الله! أو اثنان؟ قال: أو اثنان. قالوا: أو واحد؟ قال: أو واحد. ثم قال: والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته. رواه أحمد
ج _مرض الجسم
عن النبى إنَّ العبدَ إذا سبقتْ له من اللهِ منزلةٌ فلم يبلُغْها بعملٍ ؛ ابتلاه اللهُ في جسدِه أو مالِه أو في ولدِه ، ثم صبر على ذلك حتى يُبلِّغَه المنزلةَ التي سبقتْ له من اللهِ عزَّ وجلَّ .
إن صاحب البلاءات حينما يتأمّل هذه النصوص الدينية سيشعر بمزيج من الألم واللذة كحالة مسافر كان في بلد بعيد، وأراد أن يرجع إلى أهله في لبنان، ورحلته تقتضي أن تحطّ الطائرة في مطار باريس «ترانزيت لينتظر فيه ثلاث ساعات، ثم تقلع بعدها الطائرة. وكان هذا الرجل قد أبلغ أهله . بموعد الطائرة حيث سيكونون في مطار بيروت عند الموعد المحدد. إلا أن طارئاً حدث في مطار
باريس اضطر الراكب أن ينتظر فيه عشر ساعات إضافية، كيف ستكون حالته النفسية؟
لا شكّ أنّ كثيراً من الناس يصيبهم ضيق الصدر والكدر والحزن على ذلك، ولكن لو أنّ هذا المسافر أبلغ بشكل يقيني قبل أن يحدث ذلك الطارئ أنّ كلّ ساعة سيتأخرها في مطار باريس سيعطى له تعويض قيمته ٥٠،٠٠٠ يورو، كيف ستكون حالته حينئذ؟
لا شك أن هذا الإنسان - في أغلب الحالات- ستتغير حالته المعنوية، وهو حينما يفكّر في تأخير كلّ ساعة ومضاعفاته سيغمره شعور بالرضا على التأخير بل الفرح؛ لأن رصيده المالي يزيد
٥٠،٠٠٠ يورو.
ولو أن هذا المسافر أبلغ يقينياً أنه إذا تعرّض في فترة التأخير إلى ضربة كفّ، فإنّه سيعوض عليه ١٠٠،٠٠٠ يورو على كل ضربة. فإذا ضُرب هذا الإنسان، فإنّه سيشعر بالألم، لكنّه حينما يفكّر بزيادة رصيده المالي مئة ألف يورو سيشعر أيضاً باللذة.
بل قد يشعر شعور الأولياء الذين يفهمون البلاء رسالة حب من الله تعالى، كحال ذلك العالم الذي لم يُرزق بولد، فأخذ يدعو الله تعالى طويلاً حتى رزقه بولد ملأ حياته سعادة وسروراً، وتعلق
قلبه به تعلقاً كبيراً، وذات يوم - حينما كان يعظ الناس – جاءه خبر وفاة ولده الوحيد، فأكمل موعظته بدون أن يبدو عليه الحزن
المتوقع، وبعدها طلب من الناس أن يشاركوه في تشييع ولده.
سأله أحدهم : إني أعلم أنك تحب ولدك، فلم لم يبد عليك آثار تلحزن على فقده؟
فأجابه: «حينما جاءني خبر وفاته، خطر في قلبي بأنّ الله تعالى علم أن قلبي تعلق بحب غيره، فتوفاه تعالى حتى لا يسكن قلبي إلا حبه، فرضيت»
إن ما تقدّم يوضح كلمة بعض الأولياء بأن الفرق بين العذاب والعذب ألف لا تُقرأ.
إنَّ التأمل في هذا الوجود حينما تتعلّق النظرة بلوحته الكاملة يدعو إلى تنزيه الحكيم وتسبيحه.
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائمَا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )(آل عمران ١٨)
الجواب عن إشكالية: كيف يتلائم البلاء مع العدل الإلهي ؟
مقدمة تقتضى ضبط نواحى المنهجية الصحيحة في النظرة إلى الأشياء :
إن النظرة إلى الأشياء تتم على نحوين :
الأول: أن تنظر إلى الشيء بنفسه عازلاً له عن كل محيطه وبيئته ومشهده.
الثاني: أن تنظر إلى الشيء كجزء من لوحة يرتبط بها، ومشهد يحيط به.
فمن باب المثال: لو سألتك عن الأحسن من خطين هما:
المستقيم والأعوج، فما هو الجواب؟
قد تجيب المستقيم هو الأحسن.
ولكن بالله عليك - هل هذا الجواب صحيح ؟! أو كان عليك أن تنظر إلى اللوحة والبيئة والمشهد الذي فيه ذلك الخط، فلو أن ذلك الخط كان حاجباً فوق عين الإنسان، ترى هل حسنه باستقامته أو
باعوجاجه؟
ألم تسمع قول من خاطب حاجب الإنسان.
أيُّها الحاجب المعوج لو كنت جالساً لكنت أعوج
وهكذا لو سألتك:
ما رأيك بقطع يد إنسان، هل هو فعل حسن أو قبيح؟
فهل يصح أن تقول مباشرة: هو قبيح بالتأكيد، أو عليك التريث لتنظر إلى كامل المشهد، فلعل أفعى سامة لدغت تلك اليد، وكان بقاؤها سبباً لوصول السم إلى بقية الجسم، وبالتالي موت صاحبها.
بالله عليك لو أن أم ذلك الملدوغ علمت بالأمر، وتيقنت أن ولدها سيموت إن لم يقطع الطبيب يده، ألا تتوسل إليه أن يقطعها ؟!
وهكذا لو سألتك.
ما رأيك بنظام إشارات السير التي تدعو إلى الوقوف عند الضوء الأحمر، وبالسماح بالسير عند الضوء الأخضر؟
هل يضر بحسنها أنّها كانت سبباً في تأخرك عن اللحاق بالطائرة، وبالتالي عدم السفر ؟!
أنا لا أقول إن قطع اليد ليس فيه سلبية، بل فيه ألم كبير.
وفقدان لعضو أساسي يؤثر على نتاج الإنسان، ويشوه جماله.
ولكن هل من الصحيح أن أعدد سلبيات قطع اليد، فأحكم على وفقدان لعضو اساسي يؤثر على نتاج الإنسان، ويشوه جماله.
ولكن هل من الصحيح أن أعدد سلبيات قطع اليد، فأحكم على قبح قطعها، أو يجب عليّ أن أضع جدولاً فيه السلبيات التي ذكرت، والإيجابيات التي تتمثل بالمحافظة على الحياة، وبالتالي أحكم أيهما أهم الإيجابيات أو السلبيات؟ وعلى ضوء الدراسة أجيب عن السؤال: هل قطع اليد حسن أو قبيح؟
أنا لا أقول: إنّ نظام إشارات السير كله إيجابيات، ولذلك فهو حسن، بل فيه سلبيات قد تكون تأخيراً عن الموعد، وصرفاً أكثر للوقود، ووقوفاً أكثر في حر الشمس، ولكن هل من الصحيح أن اعتمد على هذه السلبيات، فاعتبر أنّ نظام إشارات السير قبيح ؟!
أو عليّ أن أضع جدولاً للسلبيات، وآخر للإيجابيات، فأدرس أيهما أهم، وعلى أساس الدراسة أحكم بالحسن أو بالقبح.
إذاً هناك نوعان من النظرة إلى الأشياء:
النوع الأول: أن تنظر إلى الشيء بنفسه، دون ما يتعلق به من محيطه ومشهده.
النوع الثاني: أن تنظر إليه كجزء من اللوحة والمشهد.
والنوع الأول هو الذي على أساسه سألت الملائكة ربّها بصورة اعتراض على خلق الإنسان: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ) .(البقرة ٣٠)
وقد كان جواب الله تعالى للملائكة بأنها لم تخطئ في المعلومة حول الإنسان، بل إنّ ما أراد الله تعالى أن يوجهها إليه هو تبديل نظرتها من النوع الأول إلى النوع الثاني، بأن تنظر إلى كل اللوحة، حينها سترى إضافة إلى ما علمت به إلى أنوار الأسماء، وستعرف أن المزج في اللوحة بين السواد والبياض سيضفي عليها جمالاً وحسناً.
فحالها كمن يرى في منظاره الضيق سواداً قاتماً ، فيعبس لمنظره، فإذا به حينما يوسع المنظار يرى ذلك السواد خالا على وجه مليح.
عودة إلى السؤال
بعد إيضاح المنهجية نطلّ على المفردات التي يُسأل
عن ملائمتها مع العدل الإلهي كالأمراض وفقد العزيز والفقر وما شاكل.
فإننا سنلقى ال عليه من جدول الإيجابيات والسلبيات.
أما السلبيات فواضحة، فالمرض يسبب ألماً، وقد يسبب إنفاق مال على العلاج والدواء، وتعطيلاً عن العمل الخ.
وفقد العزيز يسبب حزناً عميقاً .
في النفس ، وفقداً للمؤنس، وتعطيلاً عن أمور حياتية، وهكذا ، والفقر قد يؤدي إلى نوع من الشعور بالذل، وقلّة التمتع بالدنيا، والإرهاق في طلب المعيشة، وما إلى ذلك.
إلا أننا إذا نظرنا إلى دائرة الإيجابيات، فإننا نرى أموراً أخرى
من قبيل:
١- المساهمة في بناء الشخصية القوية.
إن البلاء قد يساهم في بناء الشخصية القوية، وهذا ما يظهر جلياً من خلال دراسة الأشخاص المتفوقين بين البشر الذين ساهمت معاناتهم والمصاعب التي واجهوها في حياتهم في صناعة شخصياتهم الفذة.
فالعالم الناجح لا يصبح كذلك - عادة - إلا بعد دراسة مضنية.
والرياضي المتألق لا يصبح كذلك - عادة – إلا بعد تدريب قاس.
حالهما كحال الألماس الذي يتكون من كربون مرَّ بضغوطات عالية.
۲- تصويب المسار
إنَّ البلاء يساعد في تصويب مسار الإنسان في حياته، فموت العزيز، والمرض، وخسارة المال، قد توقظ من يسير في سكرة الحياة دون التفات إلى سلبياتها. وقد ألفت القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في أكثر من آية.
قال تعالى: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ، لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنزِلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرٌ ) (الشورى ٢٧).
وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَنِ أَعْرَضَ وَنَنَا بِجَانِبِهِ، وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيض )(فصلت ٥١) .
٣- التعويض الأخروي
إن البلاء يعقبه تعويض أخروي يريح المعتقد بهعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له. رواه مسلم.
وكتطبيق لذلك التعويض الإلهي الكبير أُعطي هذه الأمثلة التي تعرّضت لها الروايات
أ- سقوط الجنين
-فعن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة، إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهما، فقالوا: يا رسول الله! أو اثنان؟ قال: أو اثنان. قالوا: أو واحد؟ قال: أو واحد. ثم قال: والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته. رواه أحمد
ج _مرض الجسم
عن النبى إنَّ العبدَ إذا سبقتْ له من اللهِ منزلةٌ فلم يبلُغْها بعملٍ ؛ ابتلاه اللهُ في جسدِه أو مالِه أو في ولدِه ، ثم صبر على ذلك حتى يُبلِّغَه المنزلةَ التي سبقتْ له من اللهِ عزَّ وجلَّ .
إن صاحب البلاءات حينما يتأمّل هذه النصوص الدينية سيشعر بمزيج من الألم واللذة كحالة مسافر كان في بلد بعيد، وأراد أن يرجع إلى أهله في لبنان، ورحلته تقتضي أن تحطّ الطائرة في مطار باريس «ترانزيت لينتظر فيه ثلاث ساعات، ثم تقلع بعدها الطائرة. وكان هذا الرجل قد أبلغ أهله . بموعد الطائرة حيث سيكونون في مطار بيروت عند الموعد المحدد. إلا أن طارئاً حدث في مطار
باريس اضطر الراكب أن ينتظر فيه عشر ساعات إضافية، كيف ستكون حالته النفسية؟
لا شكّ أنّ كثيراً من الناس يصيبهم ضيق الصدر والكدر والحزن على ذلك، ولكن لو أنّ هذا المسافر أبلغ بشكل يقيني قبل أن يحدث ذلك الطارئ أنّ كلّ ساعة سيتأخرها في مطار باريس سيعطى له تعويض قيمته ٥٠،٠٠٠ يورو، كيف ستكون حالته حينئذ؟
لا شك أن هذا الإنسان - في أغلب الحالات- ستتغير حالته المعنوية، وهو حينما يفكّر في تأخير كلّ ساعة ومضاعفاته سيغمره شعور بالرضا على التأخير بل الفرح؛ لأن رصيده المالي يزيد
٥٠،٠٠٠ يورو.
ولو أن هذا المسافر أبلغ يقينياً أنه إذا تعرّض في فترة التأخير إلى ضربة كفّ، فإنّه سيعوض عليه ١٠٠،٠٠٠ يورو على كل ضربة. فإذا ضُرب هذا الإنسان، فإنّه سيشعر بالألم، لكنّه حينما يفكّر بزيادة رصيده المالي مئة ألف يورو سيشعر أيضاً باللذة.
بل قد يشعر شعور الأولياء الذين يفهمون البلاء رسالة حب من الله تعالى، كحال ذلك العالم الذي لم يُرزق بولد، فأخذ يدعو الله تعالى طويلاً حتى رزقه بولد ملأ حياته سعادة وسروراً، وتعلق
قلبه به تعلقاً كبيراً، وذات يوم - حينما كان يعظ الناس – جاءه خبر وفاة ولده الوحيد، فأكمل موعظته بدون أن يبدو عليه الحزن
المتوقع، وبعدها طلب من الناس أن يشاركوه في تشييع ولده.
سأله أحدهم : إني أعلم أنك تحب ولدك، فلم لم يبد عليك آثار تلحزن على فقده؟
فأجابه: «حينما جاءني خبر وفاته، خطر في قلبي بأنّ الله تعالى علم أن قلبي تعلق بحب غيره، فتوفاه تعالى حتى لا يسكن قلبي إلا حبه، فرضيت»
إن ما تقدّم يوضح كلمة بعض الأولياء بأن الفرق بين العذاب والعذب ألف لا تُقرأ.
إنَّ التأمل في هذا الوجود حينما تتعلّق النظرة بلوحته الكاملة يدعو إلى تنزيه الحكيم وتسبيحه.
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائمَا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )(آل عمران ١٨)