السؤال عن الواح موسى ، بالرغم من ان التفاسير معظمها يصب على نقطه ان الامر(وامر قومك ياخذوا باحسنها) كان موجها لموسى ، لكني بالنظر للايه اجدها اقرب الى ان يكون الامر (فخذها بقوة وامر قومك ياخذوا باحسنها) موجها الى النبي محمد ، وعلى ذلك فهي النقطه التي بسببها لم يتم رسم النبي او الصحابه ، لان في الالواح يمنع التصوير ، في اماكن اخرى يحدد ان التصاوير هي للانسان والحيوان (حسب ما قرات وعلمي ليس بكامل ولا محيط)
الجواب:
بسم الله، القصص في الآيات من سورة الأعراف من الآية 103 إلى الآية 157، هي قصة موسى صلى الله عليه وسلم، ثم وجه الله تعالى الخطاب لنبيه صلى الله عليه وسلم في الآيات 158-159، ثم اكمل سبحانه الحديث عن موسى وقومه في الآيات من 160 إلى 171. الآية التي تسأل عنها هي الآية 145، وهي لا تُأوّل بمعزلٍ عن ما قبلها وما بعدها. فحتى يتضح المراد من الخطاب فإننا نقرأ الآيات في سياقها من أول قوله تعالى لموسى : (قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
فالله يأمر موسى في الآية 144 بأن يأخذ ما آتاه من كلام الله ورسالته. ثم في الآية التي تليها، يُخبر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن هذا الذي آتى موسى وأمر موسى بأن يأخذه وهو: موعظة وتفصيل كل شيء قد كتبه الله في الألواح التي ألقاها على موسىى، فالأمر بالأخذ كان لنبي الله موسى كما هو واضح جلي من الآية 144، ولذا فالآية 145 هي مقول القول، هو بيان لهذا الأخذ المطلوب من موسى صلى الله عليه وسلم وقومه، فيقول له سبحانه: (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا) إذن هذه الآية هي مقول القول، وهي الحديث عن الألواح وما فيها من الموعظة والتفصيل، والألواح لم تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرينة السياق تقتضي أن يكون الحوار لموسى صلى الله عليه وسلم.
لذا أجمع المفسرون على ذلك، وليس معظمهم كما قلت، بل كلهم مجمعون على هذا. (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ) وهو مقول القول أي وقلنا لموسىى خذها بقوة أي بعزم وجد وذلك بالعمل بحلالها وحرامها فعلاً وتركاً. ولا يُقال أن الامر بأخذ ما فيها موجه للنبي صلى الله عليه وسلم بدون دليل من السياق أو قرينة، لأن الآيات تتحدث عن الالواح، والألواح نزلت على موسى صلى الله عليه وسلم، ولأن الأمر بالأخذ في الآية السابقة موجه لموسى، كذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي ما هو أعظم من الألواح وهو القرآن الكريم فيغنيه عن كتب السابقين وما فيها. فكل هذه القرائن دالة على أن الأمر لنبي الله موسى، حكاية من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وبالتالي فليس لك أن تبني عليها أي نتيجة قبل أن تثبت أولًا صحة ما وصلت إليه بالدليل والقرائن.
أما لماذا لم يتم رسم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلا يحتاج الأمر إلى أن تتعسف تأويل الآية حتى تستخرج منها حكم حرمة التصاوير والتماثيل، لأن هذا هو حكم الله لكل أنبيائه، بل هو حكم الله قبل موسى وقبل الألواح، وفي القرآن الكريم من قصص إبراهيم عليه السلام في تحطيم الأصنام ما هو معروف، وقد ورد أنّ رسولنا الأعظم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حطّم الأصنام التي كانت في جوف الكعبة، والتي كانت على الصفا والمروة.
وحرمة التصاوير والتماثيل هو مما تواتر عن رسول الله. فالصور التي لها ظل وهي المصنوعة من جبس، أو نحاسٍ، أو حجر أو غير ذلك هذه هي (التماثيل)، أما الصور التي ليس لها ظل، وهي المرسومة على الورق، أو المنقوشة على الجدار، أو المصوَّرة على البساط والوسادة ونحوها فهي ما نسميها (الصور) . فكل تمثال صورة، وليس كل صورة تمثالاً. وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة ذلك ولعن المصور كما جاء عن أبي جحيفة قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وثمن الدم ونهى عن الواشمة والموشومة وآكل الربا وموكله ولعن المصور . رواه البخاري ( 1980 ) .وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون ). رواه البخاري ( 5606 ) ومسلم ( 2109 ) ومن حديث ابن عباس، قال صلى الله عليه وسلم: ( من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ) رواه مسلم (5541 ). ومثله كذلك ما جاء في الحديث: عن سعيد بن أبي الحسن قال كنت عند ابن عباس إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعته يقول من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح . رواه البخاري ( 2112 ) ومسلم ( 2110 ) .وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم . رواه البخاري ( 5607 ) ومسلم ( 2108 ). وكذلك عن أبي طلحة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل " . رواه البخاري ( 3053 ) ومسلم ( 2106 ) وجاء في الحديث عن عائشة أم المؤمنين أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) . رواه البخاري ( 417 ) ومسلم ( 528 ) . وجاء عنها كذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أصْحَابَ هذِه الصُّوَرِ يَومَ القِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فيُقَالُ لهمْ: أحْيُوا ما خَلَقْتُمْ، وقالَ: إنَّ البَيْتَ الَّذي فيه الصُّوَرُ لا تَدْخُلُهُ المَلَائِكَةُ) رواه البخاري ( 2105 ).
والحكمة من تحريم ذلك أنها ذريعة للشرك وعبادتها من دون الله، وقد نعى القرآن الكريم على التماثيل وشنع على من كان يعكف عليها {مَا هذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: ٥٢] وندّد بمن يتخذ الأصنام والأوثان آلاهة {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}، وقد جاء في الحديث عن ابن عباس : «صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود: كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع: كانت لهذيل، وأما يغوث: فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ، وأما يعوق: فكانت لهمدان، وأما نسر: فكانت لحمير، لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، وتنسخ العلم عبدت». رواه البخاري (4920)
فنحن عرفنا حكم تحريم الصور والتماثيل بوحي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وهي الحكمة التي أنزلها الله على رسوله. والحكمة هي الحديث، سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)، فالكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة، وقد أمر الله أمهات المؤمنين بذكر آيات الكتاب والحكمة، فمايز بينهما، فقال تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34). فالسنة كالقرآن وحي الله، وهي بيان للقرآن وتفصيل لأمر الله ونهيه، كما قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)، فالذكر في الآية هو القرآن الكريم، نزله الله على رسوله، وقد أمر الله النبي بأن يبين القرآن، فكيف يبينه؟ بيان القرآن هو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يبينه بكلامه صلى الله عليه وسلم. وقد جاء في الحديث، قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ألا ولا لقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم، فعليهم أن يقروهم ، فإن لم يقروهم، فلهم أن يعقبوهم بمثل قراهم) رواه أحمد في مسنده (17174)
والكتاب والحكمة (القرآن والسنة) هي التي نقلها أصحاب رسول الله، رضي الله عنهم، ولسنا بحاجة للألواح حتى نأخذ منها الأحكام، وسنة رسول الله هي أعظم من الألواح فهي وحي الله كما الألواح وهي من أمر الله على لسان نبيه للبشرية جمعاء، فالسنة وحي ثاني أوحاه الله إليه عليه الصلاة والسلام، وهو يعبر عن ذلك بأحاديثه التي بينها للأمة، قولا وفعلا وتقريرا ، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ومثل قوله ﷺ: لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول ومثل قوله ﷺ: الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر إلى غير هذا. فأحاديثه ﷺ وحي ثاني غير وحي القرآن. ويدخل في الوحي الثاني الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم : الأحاديث القدسية التي يرويها الرسول عن ربه عز وجل ، فهي وحي من الله ، ومن كلامه سبحانه ، ولكن ليس لها حكم القرآن، مثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل : (يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تَظَالموا، يا عبادي، كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه فاستهدوني أَهْدَكِم، يا عبادي، كلكم جائِعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عارٍ إلا من كسوتُه فاسْتَكْسُوني أَكْسُكُم، يا عبادي، إنكم تُخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوبَ جميعًا فاستغفروني أغفرْ لكم، ياعبادي، إنكم لن تَبلغوا ضَرِّي فتَضُرُّونِي ولن تَبْلُغوا نَفْعِي فتَنْفَعُوني، يا عبادي، لو أن أولَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أتْقَى قلبِ رجلٍ واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أوَّلَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أفْجَرِ قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صَعِيدٍ واحد فسألوني فأعطيت كلَّ واحدٍ مسألتَه ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخل البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحْصِيها لكم ثم أُوَفِّيكُم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)
والله تعالى أعلى وأعلم.
الجواب:
بسم الله، القصص في الآيات من سورة الأعراف من الآية 103 إلى الآية 157، هي قصة موسى صلى الله عليه وسلم، ثم وجه الله تعالى الخطاب لنبيه صلى الله عليه وسلم في الآيات 158-159، ثم اكمل سبحانه الحديث عن موسى وقومه في الآيات من 160 إلى 171. الآية التي تسأل عنها هي الآية 145، وهي لا تُأوّل بمعزلٍ عن ما قبلها وما بعدها. فحتى يتضح المراد من الخطاب فإننا نقرأ الآيات في سياقها من أول قوله تعالى لموسى : (قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
فالله يأمر موسى في الآية 144 بأن يأخذ ما آتاه من كلام الله ورسالته. ثم في الآية التي تليها، يُخبر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن هذا الذي آتى موسى وأمر موسى بأن يأخذه وهو: موعظة وتفصيل كل شيء قد كتبه الله في الألواح التي ألقاها على موسىى، فالأمر بالأخذ كان لنبي الله موسى كما هو واضح جلي من الآية 144، ولذا فالآية 145 هي مقول القول، هو بيان لهذا الأخذ المطلوب من موسى صلى الله عليه وسلم وقومه، فيقول له سبحانه: (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا) إذن هذه الآية هي مقول القول، وهي الحديث عن الألواح وما فيها من الموعظة والتفصيل، والألواح لم تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرينة السياق تقتضي أن يكون الحوار لموسى صلى الله عليه وسلم.
لذا أجمع المفسرون على ذلك، وليس معظمهم كما قلت، بل كلهم مجمعون على هذا. (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ) وهو مقول القول أي وقلنا لموسىى خذها بقوة أي بعزم وجد وذلك بالعمل بحلالها وحرامها فعلاً وتركاً. ولا يُقال أن الامر بأخذ ما فيها موجه للنبي صلى الله عليه وسلم بدون دليل من السياق أو قرينة، لأن الآيات تتحدث عن الالواح، والألواح نزلت على موسى صلى الله عليه وسلم، ولأن الأمر بالأخذ في الآية السابقة موجه لموسى، كذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي ما هو أعظم من الألواح وهو القرآن الكريم فيغنيه عن كتب السابقين وما فيها. فكل هذه القرائن دالة على أن الأمر لنبي الله موسى، حكاية من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وبالتالي فليس لك أن تبني عليها أي نتيجة قبل أن تثبت أولًا صحة ما وصلت إليه بالدليل والقرائن.
أما لماذا لم يتم رسم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلا يحتاج الأمر إلى أن تتعسف تأويل الآية حتى تستخرج منها حكم حرمة التصاوير والتماثيل، لأن هذا هو حكم الله لكل أنبيائه، بل هو حكم الله قبل موسى وقبل الألواح، وفي القرآن الكريم من قصص إبراهيم عليه السلام في تحطيم الأصنام ما هو معروف، وقد ورد أنّ رسولنا الأعظم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حطّم الأصنام التي كانت في جوف الكعبة، والتي كانت على الصفا والمروة.
وحرمة التصاوير والتماثيل هو مما تواتر عن رسول الله. فالصور التي لها ظل وهي المصنوعة من جبس، أو نحاسٍ، أو حجر أو غير ذلك هذه هي (التماثيل)، أما الصور التي ليس لها ظل، وهي المرسومة على الورق، أو المنقوشة على الجدار، أو المصوَّرة على البساط والوسادة ونحوها فهي ما نسميها (الصور) . فكل تمثال صورة، وليس كل صورة تمثالاً. وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة ذلك ولعن المصور كما جاء عن أبي جحيفة قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وثمن الدم ونهى عن الواشمة والموشومة وآكل الربا وموكله ولعن المصور . رواه البخاري ( 1980 ) .وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون ). رواه البخاري ( 5606 ) ومسلم ( 2109 ) ومن حديث ابن عباس، قال صلى الله عليه وسلم: ( من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ) رواه مسلم (5541 ). ومثله كذلك ما جاء في الحديث: عن سعيد بن أبي الحسن قال كنت عند ابن عباس إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعته يقول من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح . رواه البخاري ( 2112 ) ومسلم ( 2110 ) .وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم . رواه البخاري ( 5607 ) ومسلم ( 2108 ). وكذلك عن أبي طلحة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل " . رواه البخاري ( 3053 ) ومسلم ( 2106 ) وجاء في الحديث عن عائشة أم المؤمنين أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) . رواه البخاري ( 417 ) ومسلم ( 528 ) . وجاء عنها كذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أصْحَابَ هذِه الصُّوَرِ يَومَ القِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فيُقَالُ لهمْ: أحْيُوا ما خَلَقْتُمْ، وقالَ: إنَّ البَيْتَ الَّذي فيه الصُّوَرُ لا تَدْخُلُهُ المَلَائِكَةُ) رواه البخاري ( 2105 ).
والحكمة من تحريم ذلك أنها ذريعة للشرك وعبادتها من دون الله، وقد نعى القرآن الكريم على التماثيل وشنع على من كان يعكف عليها {مَا هذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: ٥٢] وندّد بمن يتخذ الأصنام والأوثان آلاهة {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}، وقد جاء في الحديث عن ابن عباس : «صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود: كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع: كانت لهذيل، وأما يغوث: فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ، وأما يعوق: فكانت لهمدان، وأما نسر: فكانت لحمير، لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، وتنسخ العلم عبدت». رواه البخاري (4920)
فنحن عرفنا حكم تحريم الصور والتماثيل بوحي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وهي الحكمة التي أنزلها الله على رسوله. والحكمة هي الحديث، سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)، فالكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة، وقد أمر الله أمهات المؤمنين بذكر آيات الكتاب والحكمة، فمايز بينهما، فقال تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34). فالسنة كالقرآن وحي الله، وهي بيان للقرآن وتفصيل لأمر الله ونهيه، كما قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)، فالذكر في الآية هو القرآن الكريم، نزله الله على رسوله، وقد أمر الله النبي بأن يبين القرآن، فكيف يبينه؟ بيان القرآن هو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يبينه بكلامه صلى الله عليه وسلم. وقد جاء في الحديث، قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ألا ولا لقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم، فعليهم أن يقروهم ، فإن لم يقروهم، فلهم أن يعقبوهم بمثل قراهم) رواه أحمد في مسنده (17174)
والكتاب والحكمة (القرآن والسنة) هي التي نقلها أصحاب رسول الله، رضي الله عنهم، ولسنا بحاجة للألواح حتى نأخذ منها الأحكام، وسنة رسول الله هي أعظم من الألواح فهي وحي الله كما الألواح وهي من أمر الله على لسان نبيه للبشرية جمعاء، فالسنة وحي ثاني أوحاه الله إليه عليه الصلاة والسلام، وهو يعبر عن ذلك بأحاديثه التي بينها للأمة، قولا وفعلا وتقريرا ، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ومثل قوله ﷺ: لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول ومثل قوله ﷺ: الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر إلى غير هذا. فأحاديثه ﷺ وحي ثاني غير وحي القرآن. ويدخل في الوحي الثاني الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم : الأحاديث القدسية التي يرويها الرسول عن ربه عز وجل ، فهي وحي من الله ، ومن كلامه سبحانه ، ولكن ليس لها حكم القرآن، مثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل : (يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تَظَالموا، يا عبادي، كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه فاستهدوني أَهْدَكِم، يا عبادي، كلكم جائِعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عارٍ إلا من كسوتُه فاسْتَكْسُوني أَكْسُكُم، يا عبادي، إنكم تُخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوبَ جميعًا فاستغفروني أغفرْ لكم، ياعبادي، إنكم لن تَبلغوا ضَرِّي فتَضُرُّونِي ولن تَبْلُغوا نَفْعِي فتَنْفَعُوني، يا عبادي، لو أن أولَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أتْقَى قلبِ رجلٍ واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أوَّلَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أفْجَرِ قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صَعِيدٍ واحد فسألوني فأعطيت كلَّ واحدٍ مسألتَه ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخل البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحْصِيها لكم ثم أُوَفِّيكُم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)
والله تعالى أعلى وأعلم.