محاضرة أسانيد التفسير ومنهجية الحكم عليها
للشيخ الشريف حاتم بن عارف العوني
لا شك أن هذا الموضوع مهم جدا ، وتبدأ أهميته من عبارة مشكلة يعرفها الجميع وهي عبارة الإمام أحمد التي يقول فيها " ثلاثة كتب ليس لها أصول : المغازي والملاحم والتفسير " هذه العبارة التي توقف عندها كثيرون وفهمت بفهوم عديدة لكننا نبدأ حقيقة بنفي فهمين باطلين لهذه العبارة.
الفهم الأول وهو فهم سطحي ولا أعرف أحدا من أهل العلم ذكره لكن لا بد من ذكره ونفيه وهو أن الإمام أحمد يعني بهذه العبارة أن كل ما ورد في التفسير لا يصح .
وهذا الفهم مردود ، ولا يمكن أن يكون مراده أن كل مرويات التفسير باطلة ، كيف وقد أخرج الإمام أحمد كثيرا من مرويات التفسير في مسنده ، وكثير منها مخرج ومصحح في أصح الكتب بعد كتاب الله كصحيحي البخاري ومسلم ، فحتى على منهج نقد السنة النبوية كثير منها صحيح بحمد الله ، والإمام أحمد بل صغار الطلبة بل كل من له مساس بالعلم الشرعي يعرف أن هناك أحديث كثيرة صحيحة ثابتة في تفسير كتاب الله ، فلا يمكن أبدا أن يظن أن أحد أن هذا هو مراد الإمام أحمد .
أيضا هناك معنى آخر نريد أن ننفيه عن هذه العبارة وهو : أن الإمام أحمد لا يمكن أن يكون مقصوده من هذه العبارة أن ما وردنا وما وصل إلينا من مرويات التفسير لا يقوم ببيان الفهم النبوي الذي بلغه النبي للصحابة ، (فهم النبي للقرآن وتبليغه للصحابة) لا يمكن أن يكون هذا مقصود الإمام أحمد ؛ لأن هذا الظن أو هذا الاعتقاد يتضمن اعتقادا باطلا لا يقول به مسلم وهو أن الدين قد فقد وضاع ، ما الدين إلا فهم كتاب الله عزوجل ، فأنا لا أتصور أن عبارة الإمام أحمد تعني التشكيك في قدرتنا – قدرة أهل العصور المتأخرة بدءًا من الإمام أحمد نفسه الذي قال هذه العبارة وحتى اليوم - على معرفة منهج النبي في فهم كتاب الله وهذا مما لا يمكن أن يخطر في عقل مسلم أنه قد تحقق في زمن من الأزمان لما يحمله من معنى باطل، وهو أننا فقدنا الوسائل المبلغة لفهم القرآن على منهاج النبوة.
هناك عدة معان فسرت بها عبارة الإمام أحمد ويمكن حصرها في خمسة معان :
1) أنه أراد كتبا معينة من كتب التفسير وهذا ما ذكره الخطيب في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ،وأن الإمام أحمد أراد بهذه العبارة مثل تفسير الكلبي، وتفسير مقاتل وغيره ولكن الحقيقة أن الخطيب ختم عبارته بقوله " ولا أعلم في التفسير كتابا مصنفا سلم من علة فيه أو عري من مطعن عليه" يعني في البداية خصص ثم عمم في هذه العبارة الأخيرة.
2) أن مقصود الإمام أحمد أن عامة أسانيد التفسير ما بين مراسيل ومنقطعات وما شابه ذلك وهذا ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وقريب منه الزركشي
3) ذكره ابن حجر وهو أخص من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، قال : إن غالب أحاديث التفسير ضعيفة وموضوعة ، - طبعا كونها مراسيل ومنقطعات كما ذكر شيخ الإسلام لا يلزم منه أنه لا يحتج بها - ، لكن عندما يقول الحافظ ابن حجر ، أن غالبها ضعيفة وموضوعات فهذا أخص من كلام شيخ الإسلام ، ودلالته أكثر دقة أو أكثر خصوصية.
4) المقصود أن غالب الأحاديث المرفوعة في التفسير ليس لها أصل ، فخص عبارة الإمام أحمد بأه يقصد الأحاديث المرفوعة ، أما الآثار عن الصحابة والتابعين فالغالب فيها الصحة . وهذا ذكره الشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون .
5) المقصود : تساهل المفسرين في نقل روايات التفسير ذكره الدكتور محمد بن عبد الله الخضيري في كتابه تفسير التابعين
لكن نرجع ونذكر بما اتفقنا عليه من أن عبارة الإمام أحمد ليس المراد بها أن الروايات التفسيرية لا تقوم بإبلاغ المعاني القرآنية التي أرادها الله في كتابه ، بل روايات التفسير الموجودة إلى اليوم هي كفيلة وكافية في أن تبلغنا مراد الله من كتابه ، المراد الذي بلغه النبي للصحابة ثم بلغه الصحابة والتابعون لمن بعدهم . إذن نتفق بعد هذا التقرير على أن هذا الموجود من التفسير كافي في بيان المراد الذي أراد الله من كتابه والذي فهمه النبي.
حقيقة القبول ؟ ما هو الخبر المقبول ؟
وهناك مقدمة أخرى ضرورية لفهم هذا الموضوع وهو الحديث عن حقيقة القبول ؟ فما هو المقبول ؟ والذي دفعني لهذا أن هناك خلل كبير في فهم حقيقة القبول ، وهذا الخلل بعضه قديم وأكثره معاصر ؛ لأن بعض الناس صار يظن أن قبول الخبر يعني تحقق شروط قبول الخبر الموجودة في علم من العلوم ، فمثلا يريد أن يطبق منهج نقد السنة النبوية على القراءات فيقع في خلل كبير، يريد أن يطبق منهج نقد السنة النبوية على الأدب والشعر فيدخل في نفق طويل ومظلم ويشكك في الشعر الجاهلي أكثر مما شكك فيه طه حسين.
لم حدث هذا الخلل ؟ لأن البعض صار يظن أن القبول هو تحقق شروط القبول وفق منهج معين ، لكن لو حاول أن يرجع إلى نفسه وينظر إلى حقيقة القبول لوجد أنها لا علاقة لها بهذه الشروط التي ترسخت في الذهن وظننا أنها هي فقط حقيقة القبول . طبعا أؤكد على أن المحدثين كانوا على دراية كاملة وإدراك بهذا وكانوا يفرقون بين شروط قبول الحديث النبوي وبين تحقق القبول سواء في الحديث النبوي أو في غيره من العلوم الشرعية. وأضرب لكم أمثلة على ذلك :
- مثلا الإمام الأوزاعي سئل عن المناولة عند المحدثين – أن يناول الشيخ الطالب الكتاب – فقال : أتدين بها ولا أحدث بها . فانظر كيف فرق بين شروط القبول المطلوبة في الحديث النبوي وبين القبول . فقوله أتدين بها يعني أنه يقبلها وأنه يحتج بها وإن كان لا يستجيز أن يروي بما أخذته مناولة .
- وقريب من هذا ما ذكره ابن رجب في مسألة الحديث المرسل ومحاولة الجمع بين مذهب الفقهاء والمحدثين في هذه المسألة ، فالمعروف أن منهج الفقهاء هو قبول المرسل مطلقا أو بشروط معينة كما ذكر الشافعي ، والمعروف عند المحدثين أن المرسل من أقسام الضعيف. فابن رجب جمع بين القولين بأن مقصود المحدثين بأن المرسل ضعيف أن هذا هو الأصل فيه وإلا فقد يقبلون أحاديث مرسلة لكن لا يصفونها بأنها صحيحة ، ولذا لا نجد أحدا ممن اشترط الصحة في تصنيف الحديث كالبخاري ومسلم وابن حبان وغيرهم يخرجون حديثا مرسلا تقوى بمجيئه من وجوه أخرى ، وذا لأن من شروط الصحة الاتصال ، لكن لا يعني ذلك أن المحدثين لا يحتجون بالحديث المرسل المعتضد لكنهم لا يصفونه بأنه صحيح بإطلاق اللفظ الإصطلاحي .
إذن هناك فرق عند المحدثين بين الحجة والصحيح ، فدلالة لفظ الحجة أوسع من دلالة لفظ صحيح ، فدلالة لفظ صحيح لها شروط معينة غير دلالة حجة ، ولذا فقد يحتجون بأحاديث مراسيل ولا يطلقون عليها لفظ الصحة ، وفيه أمثلة كثيرة جدًا، ومن ذلك:
ان أبا زرعة ذكر حديثا متعلقا بالنكاح من رواية حبيب بن أبي ثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : مرسل لأن حبيب بن ثابت لم يلق عمر ، لكن عمر أخافُ أن أخالفه . ( المراسيل لابن أبي حاتم ص: 29 ، ترجمة حبيب بن أبي ثابت برقم 49 ). نحن بفكرنا الآن نقول : هو تناقض ، كيف يحكم عليه بانه مرسل ثم يقول : أخاف أن أخالف عمر ؟ إذن هو اعتبره ثابتا عن عمر، كل ما في الأمر أنه لم تتحقق فيه شروط الصحة لكن عنده قرائن تدل على ثبوته عن عمر.
كذلك : إسحاق بن راهوية كان يتحدث عن دية قتل الخطا وهل هناك وقت يجب ان تدفع العاقلة فيه الدية أم أن الوقت واسع ، الإمام أحمد توقف ، أما إسحاق فقال :جاء عن عمر أنه جعلها في ثلاث سنين : يعني كل سنة ثلث ، وهو مرسل لكنني آخذ به لأنه لم يجئ غيره (مسائل الكوسج لأحمد وإسحاق ) طبعا لا يمكن أن يكون مقصوده لم يجئ غيره يعني أنه أخذ به وهو غير معتمد عنده لمجرد أنه لا يوجد غيره ، يعني لو جاء موضوع هل يأخذ به ؟ لا لن يأخذ به ، إذن هو أخذ به هنا لأنه رآه وإن كان مرسلا، فهو يصرح بأنه مرسل ويصرح بالاحتجاج به ويصرح بأنه ليس في الباب إلا هو .
إذن فكرة القبول عندنا يجب أن تكون أوسع من فكرة شروط الحديث الصحيح التي اعتبرها المحدثون شرطا لقبول الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
إذن القبول ليس هو شروط القبول ، ولذلك ينبغي علينا عند دراسة هذه المسألة أن نلاحظ هذه القضية.
قاعدة أخرى يجب أن نؤصل لها وهي : أن العلوم متباينة في شروط قبولها
الأمر الثاني : قاعدة أخرى يجب أن نؤصل لها وهي : أن العلوم متباينة في شروط قبولها ، وهذا يكون واضحا في العلوم التي تختلف اجناسها تماما ، يعني مثلا : كلنا يدرك ان مختبرات الطبيب نافعة عنده لكن ليست نافعة في ورشة المهندس ، فالطبيب إذا أراد ان يتبت من شيئ يخص مادته فعنده مختبراته وآلاته الكفيلة بالمطلوب لكن هذه الوسائل ليس نافعة في علم الهندسة ، هذا أمر واضح لا يختلف فيه العقلاء عندما تختلف أجناس العلوم ، لكن يصبح هناك شيء من الإشكال عندما يتحد جنس العلوم كالمنقولات ( علم النقل الذي يضم نقل القرآن ، ونقل السنة ، ونقل التاريخ ، ونقل اللغة ، ونقل الأدب ، ونقل الأشعار ، والحوادث والقصص ) فكل هذه منقولات ، فلما يتحد الجنس يظن الناس أن وسائل النقد متفقة أيضًا لأنها اتفقت في الجنس ، والواقع أن هذا غير صحيح ، فإن هذه العلوم وإن اتحدث من حيث الجنس (اعتمادها على النقل) لكن وسائل نقدها مختلفة ، ويدل على ذلك أشياء لو لم يكن منها إلا أن المحدثين أنفسهم - الذين نود ان نتحاكم إليهم – كانوا يرجعون في اللغة إلى أئمة اللغة ، وفي التاريخ إلى أئمة التاريخ ، فلو كان منهج المحدثين في نقد السنة النبوية في نقد العلوم يصلح أن يطبق في كل العلوم - وهو الأصح في تطبيقه في كل العلوم- لأصبح المحدثون هم أعلم الناس باللغة وأعلم الناس بالتاريخ وأعلم الناس بكل المنقولات ، والواقع أن هذا غير صحيح .
مازال أئمة الحديث إذا أرادوا أن يعتمدوا على النقل اللغوي رجعوا لأئمة اللغة، وإلى ما أثبته ائمة اللغة، وإذا أرادوا أن يثبتوا قصيدة لشاعر لا يطبق عليها منهج المحدثين، بل يرجع لأئمة اللغة، يرجع للأصمعي يرجع للمفضل الظبي، ويأخذ عن هؤلاء الأئمة الثقات ما رأوا هم بضوابطهم وقواعدهم أنه مقبول وثابت ويحتجون به في فهم كتاب الله وفي فهم حديث رسول الله. ومما يدل على ذلك أيضا أن المحدثين الذين جمعوا بين فنون عديدة ، من كان إذا ألف كتابا في الحديث طبق عليه قواعد نقد الحديث ، وإذا ألف كتابا في اللغة طبق عليه قواعد اللغة.
مثلا كتاب غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام ، هذا الكتاب جميل لأنه جمع بين علمين ، بين علم نقل السنة وبين شرح غريب السنة ، فإذا أراد أن ينقل الحديث أسنده ورواه بإسناده، وإذا أراد ان يروي اللغة لم يسندها ، يعني قد يروي القصيدة يسندها إلى الأصمعي الذي يرويها عن امرئ القيس الذي بينه وبين الأصمعي أكثر من مائتين سنة ، ويثبتها ويفسر بها الحديث النبوي ولا إشكال عنده في شيء، فيفسر العبارة في الحديث النبوي وفق ما جاء في البيت الشعري، الذي لو جئنا نطبق عليه قواعد المحدثين لكن من اشد الحديث ضعفا، يكفي أنه يوغل في مائة سنة من الجاهليين الذي لا ينطبق عليهم شرط الإسلام والعدالة. أبو عبيد نفسه في كتاب الأموال او كتاب الطهور نقد الأحاديث النقد الحديثي الذي يستخدمه المحدثون في نقد السنة النبوية ، فنفس العالم يختلف منهج نقده بحسب اختلاف العلوم.
فإذا جئنا إلى الإمام الطبري يتضح هذا فيه غاية الوضوح ، فكتابه تهذيب الآثار مثلا ينقد فيه الأحاديث النبوية النقد الحديثي الدقيق المتين المعروف ، يأتي ويذكر الحديث ويقول : هذا الحديث ينبغي ان يكون معللا بكذا علة ثم يذكر ستة علل أو سبعة، فإذا جاء للتاريخ لا يفعل ذلك ، فإذا جاء للتفسير لا يفعل ذلك إلا في مواضع معينة ، ويذكر الروايات ويبني عليها فهم كتاب الله دون أن يطبق القواعد التي نعرفها في منهج نقد السنة النبوية
الأمر الثالث : لماذا يختلف منهج نقد المنقولات والأخبار مع أنها جميعا أخبار؟
وحتى تتضح الفكرة نرجع إلى أنفسنا وإلى ما نقبله عموما من أخبار في حياتنا ، لأن طريقة عمل العقول فطرية ، والله ركب فينا العقول لنميز بها بين الحق والباطل ، ونميز بها المتنبيء الصادق من المتنبئ الكاذب ، فالدين مبني على ما خلقه الله فينا من قدرة عقلية على الفهم والاستدلال ، فالواحد منا يلاحظ أننا في حياتنا نفرق في منهج قبولنا للأخبار ، وسأضرب أمثلة حتى تتضح الفكرة لأن الفكرة فيها نوع من العمق حقيقة ولها مدخل في قضايا فلسفية وقضايا كلامية ، لكني أقول مثلا : أنت الآن إذا كنت في مفترق طرق وتريد أن تسأل عن مكان وموضع ، ماذا تفعل ؟ ترى شخصا في الشارع لا تعرفه لا بعدالة ولا بضبط ولا بشيء ولعله أكذب الناس ، لكن قد تقوم عندك من خلال كلامه فقط قرائن تؤكد انه صادق فتتبع وصفه حتى تصل للمكان الذي تريده .
هل إذا أردت مثلا أن تقيم شركة تجارية أو شخص يريد مصاهرتك بالزواج من ابنتك أو أختك تقبل أن تسأل نفس الشخص السابق ؟ لا أبدا ، فكيف قبلت خبره في المرة الأولى من نفس الشخص ولم تقبل في المرة الثانية مع أنه نفس الرجل ونفس الأسباب ونفس القرائن ؟ هذا مما يبين أن هناك فروق فطرية أنت تدركها في قبول الأخبار وردها .
مثال آخر : لو خرجت من منزلك ووجدت جارك على باب البيت يقول لك : توفي المَلِك وتولى ولي العهد الملك ؟ هل تصدق هذا بكل سهولة وتحدث به الناس ، ونفس جارك لو قابلك وقال لك : إمام مسجدنا توفي ، فلا يقع في خاطرك قلبك شك في صدقه خصوصا إذا كنت تعرفه بالعدالة والصدق ، فهذا خبر واحد في وفاة رجلين فقبلت قول من حدثك في أحد الخبرين دون الآخر ، وهكذا قس أخبارا كثيرة تقع في حياتنا لكني أطبق على كل خبر في قبوله شروط تختلف عن شروط قبول الخبر الثاني ، إذن هذا أمر واضح وهو أن الأخبار وهي أخبار لها شروط متباينة في قبولها.
وليس هذا أمرا منتقدا ، يعني لو جاء شخص يسأل عن طريق وما يقبل من مجيبه إلا إذا عرف عدالته وصدقه وإتقانه وضبطه فهذا لا يمكن أن يعيش أصلا لأنه في قضايا كثيرة نضطر لقبولها بمنهجها الصحيح وإلا ستكون مفاسد تحريك وتثبتك أعظم وأكثر من مفاسد عدم التحري والتثبت إن صح التعبير.
فلماذا اختلف منهجنا في قبول الأخبار ؟
اختلاف مناهج نقد الأخبار يرجع إلى أربعة أصول أساسية :
الأصل الأول : عظم أثر الخبر على مُتلَقِّيه أو ضعف أثره عليه مما يُكسِبُه قدره من الأهمية عند المتلقي بقدر أثره ، فالخبر كلما كان أثره كبيرا عليك وله أهمية كبيرة كلما استوجب من التحري ما لا يستوجبه ما هو أقل منه ، وهذا أمر واضح وندركه في انفسنا ، وهذا منطبق تماما على المنقولات ، فالحديث الذي أريد أن أثبت نسبته إلى النبي هذا في غاية الأهمية ، ولذلك يحتاج من شروط التثبت والتحري أكثر من خبر أرويه عن أحد العلماء أو شئ من ذلك أو رأي فقهي له ، ففي الأخير يبقى هذا قول فقهي له قدره لكن ليس وحيا من الله عز وجل كالخبر الذي أنسبه إلى النبي r ، وبالتالي يستوجب الخبر الأول من التحري والتثبت ما لا يستوجب الخبر الثاني .
أرجع وأذكر أن من الأشياء التي أدت للخلل في هذا الباب أن المنقولات في التراث الإسلامي اصطبغت بصبغة واحدة وهي الإسناد ، فيظن كثير من الناس أن مجرد ذكر الإسناد يلزم منه أن يكون منهج القبول منهجا موحدا لأنها فيها إسناد ، وهذا غير صحيح ؛ لأن الغرض من ذكر الإسناد لم يكن دائما من أجل أن يكون هو مجال النقد للأخبار ، وإنما كان أهم سبب لذكره في تراثنا الإسلامي هو أنه كان وسيلة العزو والأمانة العلمية ، يعني مثل ما نعزو نحن الآن للكتب ، فكان الواحد منهم إذا أراد أن يعزو كانت وسيلة العزو هي الإسناد ، فليس المقصود من ذكر الإسناد هو أن يكون دائما هو وسيلة نقد المنقول ، وإنما هو وسيلة العزو والإحالة وبيان المصدر ، وإلا بالله عليكم لما يأتي أحد أئمة اللغة ويسند طرفة من الطرف أو نادرة ؟ ما المقصود ؟ هل المقصود أنك ما تضحك إلا بعد أن تتأكد من سند الطرفة ؟ كلا ، فهو يوردها لتضحك ، فلم يكن ذكره للإسناد لتدرسه وتعرف صحته من ضعفه ولا لشئ من ذلك .
وكذلك أشعار الجاهليين لم يكن إيراد الإسناد فيها إلى أئمة اللغة لتعرف صحتها من ضعفها ، وإنما كان فقط لبيان أن الذي أثبت هذه القصيدة أو هذه المقطوعة النثرية هو فلان من أئمة اللغة كالأصمعي وأبي حاتم السجستاني وغيرهم من أئمة اللغة لتستطيع أن تقبل أو ترد على حسب ما عرف من منهج كل إمام منهم من شدة توق وتحر ، ومن مدرستة هل هي مدرسة متثبتة في النقل أو غير مثبتة وغير ذلك من القرائن.
نرجع إلى الأصل الأول الذي أوجب اختلاف مناهج نقد الأخبار وهو أهمية الخبر أو عدم أهميته ، وهذا الأصل قرره الأئمة ، ومن ذلك عبارة ابن مهدي الشهيرة والتي تُفهَم خطأ ، والتي قال فيها " إذا روينا عن النبي في الأحكام والحلال والحرام شددنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال ، وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب والمباحات تساهلنا في الأسانيد " لماذا هذا التفريق ؟ لأنه واضح أن الأولى أهم من الثانية فاختلف منهج النقد . ولا يعني ذلك أنه في الفضائل قبل ما لا يستحق القبول ، ولا يمكن أن يكون هذا مراده ، لكن يقصد أننا نقبل بشروط تختلف عن شروط قبول ما يكون أولى بالتحري والتثبت، وهذا أيضا له علاقة بقضية قبول مفاريد الراوي ، فالمحدثون الأصل عندهم قبول الحديث الغريب الذي تفرد بروايته راو واحد لكنه ليس دائما فإنهم يقارنون بين مضمون الخبر وأهمية الخبر وبين ضبط الراوي وإتقانه ، ولذلك أحد قسمي الشاذ عند ابن الصلاح وهو القسم الوحيد عند الحاكم هو التفرد بأصل وأن لا يقع في ضبط الراوي وإتقانه ما يجبر ما تفرد به . يعني يقارن بين رواية الراوي وأهميتها وبين ضبط الراوي ، فإن كان يقع في ضبط الراوي ما يجبر مقدار التفرد قبلت الرواية ، وإن كان لا يقع في ضبط الراوي ما يجبر مقدار التفرد رددت الرواية ، فهذا راو واحد قد أقبل منه التفرد في موطن وأرده في موطن آخر ،فالجاهل يظن أن هذا تحكم وتلاعب ؛ كلا بل القضية متعلقة بالنظر في مضمون الخبر وما يستلزمه من التثبت والتحري وفي مقدار ضبط الراوي فإن كان مقدار ضبط الراوي أعلى قبل الرواية وإن كان أقل رد الرواية. أيضا الإمام أحمد في العبارة الصحيحة عنه: أحاديث الرقاق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجيء شيء فيه حكم: ايضا أبي حاتم قال: الصدوق الورع المغفل، الغالب عليه الوهم والخطأ والسهو والغلط، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام. وكرر نحو هذه العبارة في موطن آخر.
الأصل الثاني : اختلاف المقصد من نقل الخبر ، فإن كان المقصود من نقل الخبر إثبات نسبته إلى قائله فهذا يختلف عما إذا كان المقصود من نقل الخبر هو بيان منهج كلي مثلا
مثلا: أنت قد تسمع خبر فتقبله ، فإذا عرفت أن هذا الخبر إذا قبلته سيترتب عليه منفعة لك أو مضرة عليك فإنك تزداد بحثا وتحريا عن الخبر ، في البداية قد تكون قبلته ثم يظهر لك ان هذا الخبر سيجلب لك منفعة أو سيجر عليك مضرة فتعيد عملية الحكم عليه بالقبول وتتثبت منه أكثر ، فقصدك في المرة الأولى مجرد أنه خبر وتريد أن تنقله ، ما كنت تتوقع أن يجلب لك منفعة أو مضرة ولذلك قبلته ، اما في المرة الثانية فأصبح مقصودك مختلف في تلقي الخبر ، ولذا تعود وتفكر في قبول الخبر. وهذا أيضا متحقق في أخبار العلماء ، ولشيخ الإسلام ابن تيمية عبارة في ذلك فقد تكلم عن الأحاديث والآثار الضعيفة التي يوردها العلماء في كتب العقائد وما وجِّه من نقد إلى هذا الأمر فأجاب شيخ الإسلام بجواب جميل يبين لك اختلاف المقصود من نقل الخبر وبالتالي الاختلاف في قبوله فقال " والأئمة كانوا يروون ما في الباب من الأحاديث التي لم يُعلم أنها كذب من المرفوع والمسند والموقوف وآثار الصحابة والتابعين لأن ذلك يقوي بعضه بعضا كما تُذكر المسألة من أصول الدين ويذكر فيها مذاهب الأئمة والسلف ، فثَمَّ أمور تُذكر للاعتماد ، وأمور تذكر للاعتضاد ، وأمور تُذكر لأنها لم يُعلَم أنها من نوع الفساد " يعني قد أعرف أنه مكذوب على قائله لكن أعرف أن المعنى ليس بفاسد ، فأورده على هذا المعنى ، أنا ما أحتج به على أنه قول لفلان ، لكن أحتج به على أن هذا المعنى قاله أحد العقلاء ولو كان كذابا ، فليس المقصود الاحتجاج به ، لكن المقصود أن هذا المعنى لم ينكره الناس ، وأن العالم عندما نقلها كان يرى صحة معنى هذه العبارة.
أيضا موقف أكثر طرافة وهو مهم جدا بالنسبة للتفسير ذكره شيخ الإسلام في الرد على البكري أنه ذكر حديثا مرفوعا عن النبي وهو حديث أن أبا بكر قال قوموا بنا نستغيث برسول الله فقال النبي إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله " انتقد البكري على شيخ الإسلام هذا الحديث لأنه من رواية ابن لهيِعة ، وابن لهيعة قد تكلم فيه فكيف تحتج بالضعيف وما إلى ذلك
فرد عليه شيخ الإسلام بأجوبة
أولها : أنه ما أورده في مقام الاحتجاج بل في مقام الاستشهاد ضمن آثار وأحاديث أخرى كثيرة تدل على صحة مضمون أنه لا يجوز أن يستغاث إلا بالله عزوجل
والجواب الثاني : وهو الأكثر طرافة يقول : يكفيني في إيراده أنه إن لم يكن ثابتا عن النبي فهي مقولة كان يرى ابن لهيعة أنها صحيحة ، يعنى أنه يرى أن هذا المعنى الذي تضمنه هذا الحديث صحيح ، وابن لهيعة كان أحد كبار أئمة الحديث والفقه ، فهو من الأئمة الكبار ، وأن العلماء الذين تلقوا هذا الخبر ونقلوه في كتبهم دون استنكار منهم كانوا يعتبرون هذا المعنى صحيحا وأنه لا يجوز أن يستغاث إلا بالله ، وهذا سينفعنا في التفسير كما تعرفون ، لأنه في بعض الأحيان نقول : حتى لو لم يصح الحديث عن أبي هريرة أو عن ابن عباس أو عن زيد بن ثابت أو عن فلان أو فلان من الصحابة ، فأقل شيء أنه بكونه مرسلًا أنه ثابت عن التابعي ، فالتابعي كان يرى أن الآية تفسر بهذا التفسير ، ونحن نعتمد على تفسير التابعي وله مكانة وقدر عندنا ، فهذا التقرير ينفع الآن ، فالمقصود يختلف ، فلما يكون مقصودي إثبات هذا نسبة الخبر لابن مسعود غير ما يكون مقصودي أن هذا المعنى كان يعتبره أئمة التفسير ويرونه صحيحا.
الأصل الثالث : اختلاف خاصية الخبر مما يؤدي إلى اختلاف أدلة ثبوته : الخبر الذي تتوافر الدواعي على نقله وينقله العامة عن العامة إذا جاء خبر مثله في وجوب توافر دواعي نقله ثم ينفرد به ثقة من الثقات ، الخبر الذي تتوافر الدواعي على نقله ينبغي أن ينقله العامة عن العامة كحدوث حدث عظيم ككسوف الشمس ، ما نقبل فيه أن يقول شخص واحد : كسفت الشمس والناس كلهم لا يعرفون هذا الخبر ، فالناس كلهم يعرفون مثل هذا ويقبلونه ، حتى لو كان الشخص الناقل لمثل هذا ثقة فأقل ما يتهم به في مثل هذا الخطأ ، لأن خبرا كهذا تتوافر الدواعي على نقله . فخاصية الخبر تجعل حكم الخبر يختلف .
أيضا : الخبر الذي يصعب فيه الكذب أو يبعد فيه الوهم غير الخبر الذي لا يصعب فيه الكذب ولا يستبعد فيه الوهم مثلا: نقل اللغة ، فاللغة أمر مستفيض بين الناس ، لو جئت وقلت : الكأس يعني السيارة التي يركبها الناس ، هل في عاقل يتجرأ أن يكذب مثل هذه الكذبة ؟ ما يمكن أبدا ، وما دام أنه عاقل فلن يرضى على نفسه الافتضاح بمثل هذه الطريقة .
فبعض العلوم مستفيضة وشائعة مثل الأنساب مثلا ، وهذا الذي يبين لماذا اعتمد العلماء على بعض الكذابين في الأنساب ، فأنساب القبائل مشهورة وخاصة في تلك الفترة ، ما يمكن للكاذب أن يأتي إلى قبيلة هوازن وينسبها إلى قبيلة أخرى ولا أحد يتكلم ولا أحد ينكر عليه وتمشي المسألة هكذا على مر التاريخ. ومنه الحوادث الكبرى المشهورة في الإسلام لا يمكن لأحد أن يكذب فيها فطبيعة الخبر تأبى الكذب. وكذلك القراءات فهي متواترة ولذلك نتساهل في أسانيدها يعني على طريقة المحدثين ، يعني حفص مثلا الكلام الذي قيل فيه مشهور من أنه متروك وشديد الضعف ونحو ذلك ، ولكن هل يشك أحد في صحة قراءته ؟ لا ، لِمَ ؟ لأن حفصا ما كان منفردا بنقل مثل هذه القراءة وحده هو يقرأ قراءة متواترة تقرأها الأمة معه ، ولذلك كان ثقة أو لم يكن ثقة عدلا كان أو غير عدل فهذا مما لا يؤثر في قبول قراءته.
أما إذا كان الخبر يحتمل الكذب ، ويبعد فيه الوهم هذا يكثر في التفسير فلا بد من ضرب مثال له ، يعني مثلا بعض التابعين سأل بعض الصحابة عن تفسير كلمة فقال : هي كذا ، هل يكون الوهم في مثل هذا قريب أم بعيد ، لا شك أنه بعيد ، فأضعف الناس يستطيع ضبط كلمة ، لكن خبر طويل أو آحادي يمكن أن يهم فيه، يقع فيه الوهم والخطأ. أو يسأله مثلا هل هذه الآية تدل على أن كذا حرام فيقول : نعم ، فهل يسهل في هذه أن يهم الإنسان ؟!! يعني هذا مجرب حتى في واقع الناس ، لما تأتي لأقل الناس ذكاء ، وتقول له : افعل أولا تفعل فإنه يحسن نقل مثل هذه الكلمة الواحدة. أو يكون هو صاحب قصة ، ولذلك نص المحدثون على أن صاحب القصة يقدم على من لم يحضر القصة ، لأنه باشَر ، يعني يكون مثلا أحد التابعين سأل أحد الصحابة وصار بينه وبينه جدل في هذه القضية ونقاش ، فهذا يكون أقوى في تثبيت المعلومة في ذهنه.
الأصل الرابع : وفيه عمق وهو : توفر وسائل النقد والتشديد أو عدم توفرها
وسأضرب مثالا واقعيا وأترك المثال العملي لأنه محتاج إلى تفصيل
المثال الواقعي : وآسف لذكر هذا المثال لأني ما وفقت لشيء أوضح منه في ذهني ، لو أنك جئت إلى باب منزلك ووجدت أحد أقاربك يخرج من البيت ويقول : ابنك توفي ونقلناه لمحل غسل الأموات ، وأنت ما بينك وبين التأكد من صحة الخبر إلا أنك تدخل وترى أهلك ، هل تذهب مع قريبك هذا إلى المحل الذي فيه ولدك ام تدخل البيت حتى تتأكد ؟ لن تقبل هذا الخبر بسهولة بل ستدخل خصوصا وأنك تارك ابنك بصحة جيدة وبحال طيب ، فلماذا دخلت ؟ لأنه متوفر عندك أسباب التثبت من الخبر بسهولة ويسر.
وهذا يدل عليه قصة إبراهيم عليه السلام عندما قال " ولكن ليطمئن قلبي " فما عيب هذا على إبراهيم عليه السلام ، فهو مؤمن إيمانا كاملا ومطمئن قلبه على أن الله قادر على إحياء الموتى لكن لما كان متيسرا ومتوفرا له أن يزداد يقينا رغب في زيادة اليقين ، ففي بعض الأحيان يكون توفر وسائل النقد متيحا للإنسان أن يتشدد ، وعدم توفر مسائل النقد لا تتيح لهذا التشدد ، لكن لا تعني أنه سيقبل ما لا يستحق القبول ، فأنت لو قبلت خبر هذا الشخص الذي أخبرك على باب المنزل قبلت خبر عدل ، لكن نفسك لا تطمئن حتى تزداد لأنه يتيسر لك وسيلة التثبت والتأكد. وهذا معمول به شرعًا، يعني مثلا من أهم الفروق بين قبول رواية الراوي والشاهد، أن الشاهد لا أقبل فيه إلا من يعرفه المعرفة الباطنة، ويقول كما قال عمر ابن الخطاب لعلك رايته يصلي ..، أما الرواة فقد نص ابن الصلاح على أن من تقادم الخبرة بهم، فيكفي فيه العدالة الظاهرة، لكن من يتوافر معرفة عدالته الباطنة، فلماذا أتأخر؟ فتوفر وسائل النقد والتشديد فيها هذا يجعلك لا تطمئن حتى تطبق هذه القواعد الصعبة ، وعدم توفرها يجعلك تكتفي بالقواعد الدالة على القبول لكنها أخف في التثبت والتحري.
متى يطبق منهج نقد السنة النبوية على روايات التفسير؟
ندخل الآن في صلب الموضوع فنقول : متى يطبق منهج نقد السنة النبوية على روايات التفسير؟
وأنا أقول : منهج نقد السنة النبوية ، ولا أرضى أن أقول المنهج الحديثي أو منهج أهل الحديث لِمَ ؟ لأن اهل الحديث أدرى الناس بالتفريق بين مناهج قبول المنقولات ، ونص على هذا ابن مهدي والخطيب البغدادي وغيرهم ، وهذا التفريق حتى في الأحاديث النبوية في مناهج قبولها، فليست كلها على منهج واحد كما ذكرنا في تفريقهم بين أحاديث الحلال والحرام وأحاديث الفضائل . فهم كانوا يعرفون هذا ، لا يصح أن نقول نطبق منهج أهل الحديث على التاريخ أو لا ، بل نقول منهج نقد السنة النبوية على هذا العلم أو لا.
يطبق منهج نقد السنة النبوية على روايات التفسير في أربعة حالات :
1) الأحاديث المرفوعة إلى النبي صراحة ؛ لأنها أحاديث نبوية فلا بد من التثبت لها وتطبيق منهج نقد السنة النبوية عليها .
2) ما له حكم الرفع كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ ، وما خرج عن القراءات العشر المقروء بها ، فإذا أردت أن أثبت قراءة شاذة فلا بد من تطبيق منهج المحدثين عليها ، لأني أزعم أن النبي كان يقرا بهذه القراءة مع أن الظاهر أنه موقوف على الصحابي ، لكن لأنه لا مجال للاجتهاد في القراءات ، فعندما أقول قراءة ابن مسعود مثلا بكذا معناه أن النبي أقرأ ابن مسعود بكذا ، يعني مثلا رواية البخاري " والذكرِ والأنثى " لا شك عندي أن النبي أقرأ ابن مسعود بهذه القراءة ، لكن كونها يقرأ بها أو لا فهذا مما يطبق عليه شروط القراءة الثلاثة المعروفة .
3) ما كان له حكم الرفع من آثار التابعين ، فالمرفوع لا يشترط فيه الاتصال ، فالمرسل مثلا مرفوع لكنه ليس متصلا ، يعني لما نقول : قال سعيد بن المسيب قال النبي عليه الصلاة والسلام فهذا مرفوع ، فلا تناقض بين أن يجمع الحديث بين وصف الإرسال وبين وصفه بأنه مرفوع ، فالرفع لا يشترط له إلا مجرد نسبة الكلام إلى النبي r ، أو أن ينتهي السند إلى النبي r
أيضا التابعين إذا رووا شيئا له حكم الرفع كأسباب النزول ، فمثل هذا التابعي يدعي شيئا ما أدرك زمنه ، فلا بد ان يطبق عليه منهج المحدثين إلى التابعي ، فيكون الحديث مرسلا ، لِمَ نقول هذا ؟ لأنه إذا ثبت عن هذا التابعي وتكرر عن غيره من التابعين فيمكن أن يرتقي ويصبح حديثا مقبولا مثل شروط المرسل تماما ، فالمرسل إذا تعددت وجوه روايته واختلفت وجوه مخرجه قد نقبله ، يعني مثلا : الحسن البصري في المدرسة البصرية يروي سبب نزول مرسلا هكذا ، وأحد تلامذة أبي بن كعب أو المدرسة المدنية يروي سبب نزول ، وواحد من المدرسة المكية مجاهد أو عكرمة يروي نفس السبب ، فيتفقون جميعا ، لا أشك أن هذا صحيح ، فتتابعهم جميعا وكون مدارسهم مختلفة يدل على أنه متلقى من وجه صحيح ، فما يتصور أنهم كلهم سمعوه من ضعفاء وما إلى ذلك ، فتعدد وجوه النقل في سبب النزول وإن كان عن تابعين يجعلنا نثق بصحة سبب النزول ، وكذلك النسخ والقراءات ، وهذا هو نفس منهج قبول المرسل عند المحدثين .
4) إذا أردت أن أثبت نسبة القول إلى قائله بلا شك ( بغلبة الظن أو اليقين ) متى أحتاج إلى ذلك ؟في مثل ما إذا أردت أن أحاكم هذا القول وهذا نص عليه ابن جرير الطبري ، فقد جاء في موطن وكان في نقل الخبر ما يخالف دلالة اللغة ، خبر عن ابن عباس يخالف دلالة اللغة ، وكان لا يصح إسناده ، فقال بكل صراحة : لو كان صحيحًا لتأولناه لكن ما دام أنه لا يصح فلا داعي لذلك ، فلو أراد أن يحاكم ابن عباس فلا بد من صحة الخبر إليه. أو مثلا أردت أن ترجح بين قولين لا مرجح عندك في هذه المسألة إلا أنه قول لابن عباس أو قول لمجاهد ، فلا شك أنه إذا كانت هذه وسيلة الترجيح الوحيدة لديك أنه لا بد أن تثبت صحة هذا القول لابن عباس ، فلا بد إذا أردت أن تثبت نسبة هذا القول إلى قائله وأن تبني عليه موقفك في التفسير أن يثبت بمنهج المحدثين في نقد السنة النبوية.
وأما ما سوى ذلك فلا يطبق عليه منهج المحدثين
مكمن الخلل المؤدي لظهور قضية تطبيق منهج نقد السنة على التفسير:
قبل أن أبين المنهج الآخر الذي يطبق أريد ان أذكر بخلل كبير كان هو سبب ظهور المدارس المختلفة حول هذه القضية في الوقت الحاضر.
من أهم الأسباب التي أدت لهذا الخلل عدم فهم منهج المحدثين أصلا حتى في نقد السنة النبوية ، فهناك من حاول أن ينقد الأحاديث المرفوعة بمناهج غير صحيحة ، ووضع قواعد غير صحيحة في نقد السنة النبوية ، يعني الخلل الذي وقع في هذا الباب ليس هو فقط في تطبيق منهج قبول على علم لا يستحقه هذا العلم ، بل حتى لو أردنا أن نطبق منهج المحدثين على الأحاديث المرفوعة فهناك خلل في هذا التطبيق ، وسأضرب لك أمثلة سريعة:
مثلا : القواعد المرجوحة في الحكم على الحديث النبوي مثل رواية الصدوق والتي يتبنى البعض أنها ضعيفة ، المدلس وجعل المدلسين كلهم طبقة واحدة أو ما أشبههم بطبقة واحدة والحكم عليهم بناء على ذلك ، فهناك خلل كبير في هذا الباب جدا ، يعني بعض مشاهير المدلسين لا يستحق رد عنعنته ، الاختلاط وعدم إدراك معنى الاختلاط ووصف الراوي به وأنه قد يقصد به التغير ، وهذا حدث في بعض مشاهير المختلطين ويتعامل معها بعض المعاصرين على أنه لا بد أن يميز رواية مَن روى عن المختلط ، والواقع أنه لا يستحق هذا التمييز لأنه نزل عن تمام الضبط إلى خفة الضبط ، فحديثه ما بين الصحيح والحسن ولا ينزل عن ذلك كأبي إسحاق السبيعي مثلا ، وكرد توثيق من اتهم بالتساهل وهو غير متساهل كالعجلي ، وكرد الوجادات الموثوقة وهذا كثير جدا وخاصة في التفسير ، فأنتم نتعرفون أن كثيرا من روايات التفسير هي وجادات ، مثل تفسير مجاهد الذي رواه كثيرون عن القاسم بن أبي بزة ، وابن أبي نجيح وغيره ، هو في الحقيقة وجادة ، فيقرأ طالب العلم أو المتخصص في التفسير الذي ليس له المعرفة الكافية بعلم الحديث يقرأ كلامهم عن الوجادة والاختلاف فيها فيطبقه فيرد هذه الروايات مع أن الوجادة ينطبق عليها أنها إن لم تصح كرواية فإنها يحتج بها ، وهذا نص عليه ابن الصلاح وهو الذي عليه عمل المحدثين جميعا ، فالبخاري أخرج وجادات في صحيحة ، ومسلم كذلك ، فهناك أحاديث لم ترو إلا وجادة ؛ بل أجمعت الأمة على قبول بعض الوجادات مثل صحيفة عمرو بن حزم فقد أجمع فقهاء الأمصار كلهم على الاحتجاج بهذه النسخ ، وهي وجادة لم تؤخذ عن عمرو بن حزم بالإسناد المتصل الصحيح أبدا ، وأجمع فقهاء الأمة على روايتها ، حتى عمر بن الخطاب كان يفتي في الديات في الأصابع بأن كل أصبع له دية معينة حتى قيل له إن في بيت عمرو بن حزم كتابا كتبه عن النبي - وطبعا عمرو كان قد توفي – في الديات وقضى بالمساواة بين الأصابع فترك قياسه واجتهاده وأخذ بوجادة ، وأيضا التصحيح بمجموع الطرق هناك غفلة عنه ، فيأتي بعضهم يدرس إسناد عن تابعي وإسناد آخر عن نفس التابعي ويقول هذا ضعيف وهذا ضعيف وهذا ضعيف ، ألا يتقوى بعضها ببعض فتثبت أن هذا هو قول هذا التابعي.
هناك أيضا نظرة جزئية إلى أسانيد التفسير أدى إلى خلل في الحكم عليها
أيضا من الخلل في ذلك الباب تطبيق منهج نقد السنة الصارم على نقد الآثار التي ليس لها حكم الرفع ، كرواية سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب ، فلم يثبت أن سعيدا سمع من عمر إلا روايات معدودة لأنه كان صغيرا مثل نعيه للنعمان بن مُقَرِّن ، وروى عن عمر بن الخطاب آثار وفتاوى كثيرة حتى كان أعرف الناس بفقه عمر إلى درجة أن ابن عمر كان إذا خفي عليه شيء من فقه أبيه أرسل إلى سعيد يسأله ، فكيف يعتمد عبد الله ابن عمر على سعيد مع أنه لم يسمع من أبيه لأنه يعرف انه متثبت ولأن منهج نقد الآثار ليس هو منهج نقد الأحاديث المرفوعة أو التي لها حكم الرفع. أيضا صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فهي وجادة ورغم هذا عبارة الإمام أحمد في مدحها مشهورة وتعتبر من الروايات المقبولة عن ابن عباس ، ويجب أن ينتبه هنا أن معنى القبول لا يعني أنها وصلت درجة المسند ، ولذلك بالتتبع وجدت العلماء وعلى رأسهم الطبري يقبل رواية ابن أبي طلحة إذا لم يعارضها ما هو أقوى منها ، فإذا جاء لإسناد صحيح متصل عن ابن عباس من رواية كبار تلامذته ومخالف لرواية علي بن أبي طلحة فيرد رواية علي بن أب طلحة لأنها وإن كانت مقبولة لكن ليست أقوى من الرواية المتصلة
الخلل الثالث في هذا الباب : عدم مراعاة أسانيد نسخ التفسير ، وهذا مهم جدا ، فمن المعروف أن من فضائل علم التفسير أنه من أوائل العلوم التي دونت ، فتلامذة ابن عباس كمجاهد وغيره كانوا يكتبون عنه التفسير ، والسنة وإن كتبت لكن كتابتها لم تكن بتقدم كتابة وشيوع كتابة التفسير ، وهذه ميزة عظيمة لعلم التفسير ، فشيوع تدوين التفسير كان أسبق من شيوع تدوين السنة ، لذلك تجد مرويات أو كتب أو صحائف في التفسير لا نجد مثلها في السنة ، فهذا الكتاب الذي كتبه مجاهد مثلا ثم أصبح يرويه عنه تلامذته ، هذا كتاب فلا يحتاج إلى ضبط ونحوه فالإسناد مجرد زينة له ، ولذلك تساهلوا ورووه بالوجادة ، فلا يصح أن آتي وأطبق عليه منهج نقد السنة النبوية الذي يُغفِل جانب أن هذه وجادات
وأضرب مثالا : ففي تاريخ الطبري وتفسيره ينقل الطبري مرويات كثيرة عن ابن اسحاق في التفسير وفي السير من روايته عن محمد بن حميد الرازي عن سلمة بن الفضل الأبرش عن ابن إسحاق ، فيأتي المعاصر ويقول : محمد بن حميد الرازي ضعيف ، وسلمة بن الأبرش فيه كلام يعني صدوق ، فيقول هذا إسناد إما ضعيف أو شديد الضعف ، والواقع أنه يا - ابن الحلال - ينقل من سيرة ابن إسحاق ، يعني لو قال لك ابن جرير : قال ابن إسحاق في سيرته ستقبل ، فهل تكون مشكلته أنه ذكر لك الإسناد ، صار لما يذكر الإسناد يصير عقوبة له أنك تضعف الرواية ، لو نقل وقال لك : قال مجاهد في تفسيره ستقبل مثل لو قلت لك قال قلان وبيني وبينه قرون ستقبل لأني ثقة عندك وأنقل لك من كتابه المعروف ، قلنا الإسناد ليس المقصود منه دائما نقد المروي من خلال الإسناد ، وهذا يبين ضرورة تحديد نسخ التفسير ومعرفتها لمعرفة كيف تُنقَد هذه الأسانيد أصلا على منهج المحدثين لأن المحدثين يراعون تفاوت النسخة المروية عن غيرها ، فهذا خلل كبير جدا دخل على من ينتقد أسانيد التفسير لأنه ما راعى نسخ التفسير وكيفية التعامل معها
وأضرب أمثلة واقعية ، رواية جويبر عن الضحاك ، فجويبر شديد الضعف ، وتفسير الضحاك مدون ومعروف ، والذين رووا عنه التفسير ثلاثة أو أربعة من الرواة تقريبا ، انظر ماذا يقول الإمام أحمد عن تفسير جويبر : يقول : جويبر ما كان عن الضحاك فهو على ذاك أيسر ، وما كان عن النبي فهي منكرة ، أنا أذكر بأن جويبر شديد الضعف متروك متهم بأنه قد يكذب لكن لما كان كتابا مشهورا متداولا فما يفرق عند المفسر كان من رواية جويبر أو غيره
أيضا يقول أحمد بن سيار المروزي عن نفس هذه النسخة : جويبر صاحب الضحاك له رواية ومعرفة بأيام الناس وحاله حسن في التفسير وهو لين في الرواية ، حسن في التفسير الذي يرويه عن الضحاك لأنه يروي نسخة ما له فيها لا ناقة ولا جمل .
مثله أيضا أبو معشر نجيح السندي في روايته عن محمد بن كعب القرظي ، فأبو معشر ضعيف ، ومع ذلك يقول الإمام أحمد : يكتب من حديث أبي معشر أحاديثه عن محمد بن كعب القرظي في التفسير ، لأن محمد بن كعب القرظي له تفسير مدون كما نص عليه الثعلبي في مقدمته الكشف والبيان ، وهذه زينة ، فلو قال الثعلبي قال محمد بن كعب القرظي فهذا يكفي
أيضا يقول الإمام يحيى بن معين : اكتبوا حديث محمد بن كعب في التفسير ، وأما أحاديث نافع وغيرها فليس بشيء ، التفسير حسن . فها هو ينص على التفريق بين النسخة وغيرها
ما هو سبب إيراد المرويات التفسيرية التي لن نطبق عليها منهج نقد السنة النبوية ؟
ينقدح هنا سؤال مهم جدا : ما هو سبب إيراد المرويات التفسيرية التي لن نطبق عليها منهج نقد السنة النبوية ؟
نقول : هناك أربعة أسباب لذلك :
أولها : إثبات أن هذا القول قول للسلف ، فإذا كان لا يصح القول عن الصحابي لكن يصح عن التابعي ، أنا أريد أن أعرف أن هذا القول في التفسير قول معروف في زمن السلف ، هذا أهم شيء عندي حتى إذا فسرت الآية به ما يأتي أحد يقول أنت ابتدعت قولا جديدا في التفسير لم تسبق إليه ، أو يقول : أنت خالفت مجموع ما قاله السلف ، فإذن لو لم يصح القول عن الصحابي لصح عن التابعي ولو لم يصح عن التابعي لصح عن تابع التابعي فهذا يكفي لإثبات أن هذا قول للسلف ، مثل تفسير مقاتل بن سليمان لماذا كان له مكانة ؟ لأنه تفسير رجل كان بين العلماء وأثنوا على تفسيره مع أنهم كانوا يذمونه في باب الرواية ، لكن هذا رجل في جيل أتباع التابعين وكان تفسيره مقبولا عندهم وأثنوا عليه ، بل من العلماء من أثنى على تفسير الكلبي الكذاب ، فالفائدة إذن أن هذا يثبت أن هذا قول للسلف وإن لم أثبت نسبته لواحد بعينه
ثانيها : معرفة المنهج العام للسلف في التفسير ، تخيلوا لو أن هذه التفاسير ليس فيها أسانيد هل كان يمكننا إثبات منهج عام للسلف في التفسير ، يعني مثلا تعاملهم مع أحاديث الصفات ، وهذا فعله ابن تيمية حيث احتج بالمنهج العام فقال : انظروا منهج السلف عموما في تعاملهم مع آيات الصفات هل كانوا يؤلونها ؟ أبدا ، هل كانوا يتعاملون معها على أنها من المتشابه الذي لا يعُرف معناه ؟ أبدا ، لو جئت لأي مسألة قد لا تجد فيها أثرا صحيحا بعينه على المنهج الحديثي لكن مجمل هذه المرويات التي تملأ التفسير تعطيني يقين بأن هناك منهج معين في طريقة فهم كلام الله عز وجل ، ولو لم يكن في هذه المرويات إلا هذه الفائدة لكفت فهذا أهم شيء أن يعرف القارئ منهج السلف في فهم كلام الله ، لأني لو أردت أن أطبق لا أريد أن أخالف منهج السلف الذين هم أدرى الناس بمفهم كلام الله ممن جاء بعدهم لأنهم تلقوا هذا المنهج عن النبي جيلا بعد جيل
ثالثها : أن يكون مما تغني استفاضته ووجود أدلة نقده من خارج الأسانيد كاللغة المستفيضة وهذا نص عليه البيهقي في سبب ذكر رواية الكلبي في التفسير ، قال : لأنه ينقل لغة واللغة معروفة ومستفيضة يعني كأني أنسبها إلى رجل جاهلي ، فهل يكون الجاهلي أحسن من الكلبي المسلم وممن ذكر هذا المعنى الشيخ محمود شاكر في أثناء تحقيقه لتفسير الطبري
رابعها : الأمور التي لا علاقة لها بفهم الآية مثل تسمية صاحب قصة أو قوم معينين أخذا من الإسرائيليات أو غيرها التي لا تؤثر في فهم الآية ولذلك ابن جرير كان كثيرا جدا لما يورد هذه المرويات يقول : سواء قلنا بهذا أو قلنا بهذا أو قلنا بهذا يعني أن تفسير الآية لا يتأثر بتغير المسميات هذه أو تحديد القرون أو ما أشبه ذلك ، كل هذه أمور لا علاقة لها بفهم الآية ولذلك ليس هناك داع أصلا لتطبيق منهج نقد السنة عليها
توضيح بعض القضايا في الردود على المداخلات :
أريد أن أؤكد أن منهج المحدثين في تعاملهم مع مرويات التفسير ليس كمنهجهم في تعاملهم مع مرويات السنة النبوية
ابن أبي حاتم ألف كتابه الجرح والتعديل ولو جئت تطبق الجرح والتعديل على الأسانيد التي وصفها بأنها أصح الأسانيد على كتابه التفسير لوجدت أنك ستجد حرجا كبيرا من أسانيد هو نفسه حكم عليها بالضعف.
أضرب مثال مثلا بالسدي ، إشكال تفسير السدي لا في جودة تفسيره يعني المعاني التي ذكرها أثنى عليها عدد من أهل العلم حتى إن إبراهيم النخعي بإسناد صحيح إليه قال : إنه يفسر تفسير القوم ، ليس الإشكال في المعاني التي ذكرها لمعاني كتاب الله فهي في حقيقتها معاني جيدة ومعبرة بالفعل عن مراد الله ، فهو كغيره يصيب ويخطئ لكن تفسيره له قيمته ووزنه إنما الإشكال في الإسناد فقط ، فابن جرير الطبري أورد الإسناد كاملا لكنه علق في أول التفسير وبين ضعف هذا الإسناد ، فماذا فعل ابن أبي حاتم ؟ فعل الفكرة التي أصلت لها في هذا المقام فوقف بالإسناد عند السدي وهو نفس إسناد الرواية لكن لما كانت القضية أن هناك إشكالا في نسبة هذا الكلام للصحابة يكفيه تفسير السدي فأورد تفسير السدي واقفا بالإسناد عند السدي فقط ، ليبين أنه ما يريد أن يحتج به عن الصحابة إنما يريد أن يحتج به على أنه كلام السدي ، ثم تفسير السدي هذا نسخة وتناقلها الناس وتساهلوا في أسانيدها لأنها نسخة ،
نسخ التفسير وأسانيده المتكررة
الفرق بين النسخ المكذوبة التي كذبها كاتبها مثل نافع بن الأزرق ، فلم نتساهل في نسخة نافع بن الأزرق لأن الذي كتب هذه النسخة وهو عيسى بن يزيد هو الكذاب هو نفسه الكاتب لكن لما يكون مجاهد نفسه هو الذي كتب والتفسير انتشر بين الطلبة فالصورة تصير مختلفة ، لأن التفسير ثابت عن مجاهد ، وذلك مثل البخاري الآن هل يستطيع أحد لو أنه كذاب يكذب على صحيح البخاري ؟ لو فعل يفتضح عند الناس كلهم ، فهذا كتاب موجود ما يهم الأسانيد ، ولذلك أسانيد هذه الكتب حتى المتأخرة منها نتساهل فيها ونص على هذا العلماء كابن الصلاح والبيهقي ، فالبيهقي نص على أنه يتساهل في أسانيد المتأخرين بعد القرن الثالث الهجري إذ أصبحت مجرد زينة للكتب ، ولذلك تجد بعض الكتب المشهورة جدا الأسانيد إليها فيها كلام ، لو أردت أن أنتقد مسند أحمد بدراسة الأسانيد لأصبح مسند أحمد كله ضعيف لأن ابن الحصين فيه ضعف والقطيعي فيه كلام ويقال أنه ما سمع بعض الأجزاء ، سنن ابن ماجة الراوي عن ابن ماجة فيه جهالة
عندما يورد العلماء تفسير الكلبي يوردونه على أنه تفسير لغوي لألفاظ القرآن كما لو قلت : قال امرؤ القيس كذا ...