اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،
نقرأ من صحيح الحديث النّبوي الشّريف :
قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ علَى أعْنَاقِهِمْ، فإنْ كَانَتْ صَالِحَةً قالَتْ: قَدِّمُونِي، قَدِّمُونِي، وإنْ كَانَتْ غيرَ صَالِحَةٍ قالَتْ: يا ويْلَهَا، أيْنَ يَذْهَبُونَ بهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شيءٍ إلَّا الإنْسَانَ، ولو سَمِعَهَا الإنْسَانُ لَصَعِقَ.
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 1380 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
وشرحه :
كثيرًا ما كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعظِّمُ مِن هَولِ الموتِ، ويُكثِرُ مِن ذِكرِه، ويُسمِّيه هادمَ اللَّذَّاتِ؛ وذلك حتَّى يُبيِّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأمَّتِه عِظَمَ هذا الموقِفِ فيَستعِدُّوا له.
وفي هذا الحديثِ يُوضِّحُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الميِّتَ إذا وُضِعَ على نَعشِه، واحتَمَل الرِّجالُ الجِنازةَ على أعناقِهم؛ فإنَّ الجِنازةَ تَتكلَّمُ، فإنْ كانت صالحةً، قالت: "قَدِّموني قَدِّموني"، أي: أسرِعوا أسرِعوا؛ وذلك مِن فَرحتِها بما رأَتْ مِن المُبشِّراتِ، وإنْ كانتْ غيرَ صالحةٍ دعَتْ على نفْسِها بالوَيلِ، وقالت: "يا وَيْلَها! أين يَذهَبون بها؟!" أي: اترُكوها ولا تَدفِنوها؛ وذلك مِن هَوْلِ ما رأَتْ مِن العذابِ الَّذي يَنتظرُها، وقال ذلك؛ لأنَّه يَعلَمُ أنَّه لم يُقدِّمْ خيرًا، وأنَّه يَقدَمُ على ما يَسُوؤهُ، فيَكرَهُ القُدومَ عليه. وإنَّما أضاف الوَيْلَ إلى ضَميرِ الغائبِ، وإنْ كان القِياسُ أنْ يقولَ: يا وَيْلي؛ حمْلًا على المعنى؛ كَراهةَ أنْ يُضِيفَ الويلَ إلى نفْسِه، أو كأنَّه لَمَّا أبصَرَ نفْسَه غيرَ صالحةٍ نَفَرَ عنها، وجعَلَها كأنَّها غيرُه.
ثمَّ أخبَر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنه يَسمَعُ صَوتَ كلامِ الجِنازةِ كلُّ مَخلوقاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ إلَّا الإنسانَ، فلو سمِعها الإنسانُ لصَعِقَ، أي: مات، وهذا الصُّراخُ والصَّوتُ الشديدُ يَصدُرُ مِن المَيتِ مِن هَولِ ما يُعايِنُ مِن العذابِ، وقد بيَّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المعنى الذي مِن أجْلِه مُنِع الإنسانُ أن يَسمَعها، وهو أنَّه كان يَصعَقُ لو سمِعها، فأراد تعالَى الإبقاءَ على عِبادِه، والرِّفقَ بهم فى الدُّنيا؛ لِتَعمُرَ ويقَعَ فيها الابتلاءُ والاختبارُ.
وقيل: هذا الصُّراخُ مختَصٌّ بالمَيتِ الذي هو غيرُ صالحٍ، وأمَّا الصالحُ فمِن شأنِه اللُّطفُ والرِّفقُ في كلامِه، فلا يُناسِبُ الصعقُ مِن سماعِ كلامِه. وقيل: والكلامُ يكونُ مِن الرُّوحِ بعْدَ مُفارقتِه لجسَدِه، وقيل: يخلُقُ اللهُ في الجسَدِ النُّطقَ، والصَّوابُ أنَّه الجسدُ مع الرُّوحِ.
وفي الحديثِ: أنَّ المَيتَ الصَّالحَ يرَى المُبشِّراتِ قبْلَ دفْنِه.
وفيه: علامةٌ مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.