شبهة قصة زينب بنت جحش مع النبي صلى الله عليه و سلم - الجزء الثاني-
لقد تناقل الكثير من الناس أكذوبة وقوع النبي صلى الله عليه و سلم في عشق وحب زينب وهي لاتزال زوجة لزيد. ثم انتشرت هذه القصة بين العوام وتلقفها بعض المفسرين فأوردوها كتبهم بروايات كلها منقطعة أو منسوبة كذبًا لتابعي أو ضعيفة بغير إسناد.
فتلك الروايات هي من الدسائس التي دست في كتب العلماء، سواء أكان صاحب تلك الدسيسة يوحنا الدمشقي أو غيره من الزنادقة.
وقد تنبه الحفاظ والمحدثين لتلك الروايات السقيمة وقاموا بردها بالحجة والبرهان في مؤلفاتهم.
قال الإمام القشيري: " وكيف يقال: رآها وأعجبته؟ وهي بنت عمته ولم يزل يراها منذ ولدت ولا كان النساء يحتجبن منه صلى الله عليه وسلم وهو زوَّجها لزيد فلو أرادها صلى الله عليه وسلم لاصطفاها لنفسه قبل زيد ولفرحتْ بذلك بما لا مزيد عليه خصوصاً وأنَّها ما تزوَّجتْ بزيدٍ إلاَّ طاعةً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والحقُّ الذي نَدِينُ الله عليه هو أن الله كان قد أعلم نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن زينب ستكون من أزواجه بعد زيد لحكمة تشريعية أشارت إليها الآية في آخرها". انتهى
نقله عنه القاضي عياض في الشفا
وقال القاضي عياض عن هذه الروايات: "وما وراء هذه الرواية غير معتبر ، فأما قولهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم رآها فوقعت في قلبه فباطل فإنه كان معها في كل وقت وموضع ، ولم يكن حينئذ حجاب ، فكيف تنشأ معه وينشأ معها ويلحظها في كل ساعة ، ولا تقع في قلبه إلا إذا كان لها زوج ، وقد وهبته نفسها ، وكرهت غيره ، فلم تخطر بباله ، فكيف يتجدد له هوى لم يكن ، حاشا لذلك القلب المطهر من هذه العلاقة الفاسدة". انتهى
وقد أشار العلامة محمد بن محمد في كتاب "الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير" لهذا قائلاً : "وهذه الرواية إنما هي مِنْ وَضْعِ أعداءِ الدِّين ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم متهم بالكذب ، والتحديثِ بالغرائب ، وروايةِ الموضوعات ، ولم يذكر هذا إلا المفسرون والإخباريون المولعون بنقل كل ما وقع تحت أيديهم من غَثٍّ أو سَمِينٍ ولم يوجد شيء من ذلك في كتب الحديث المعتمدة التي عليها الـمُعَوَّل، والذي جاء في الصحيح يخالف ذلك". انتهى
نقله عنه ابن العربي في أحكام القرآن
فهذه الرواية نقلها عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو متهم بالكذب ، والتحديثِ بالغرائب ، وروايةِ الموضوعات.
وقد ساق البغوي تفسيرا منسوب لابن عباس وهو قوله : "الذي كان يخفيه النبي ﷺ هو حب زينب وهي في عصمة زيد". انتهى
وهذا القول منسوب كذبًا على ابن عباس فليس له سند معتبر.
قال صاحب كتاب "الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير" ما نصه: "وقد كان المنتظر من البغوي أن لا يروي خرافة حب النبي ﷺ لزينب بعد تزويجها ، فضلاً عن ابن عباس وهي لا تصح وقد دسها في التفسير يوحنا الدمشقي في العهد الأموي". انتهى
والمتتبع لأسانيد هذه الروايات يقف على أنها مروية من طريق الضعفاء والمتروكين أمثال عبدالرحمن بن زيد ، ونوح بن أبي مريم ، أو ممن تم اتهامهم بالكذب والوضع كالواقدي ، ومقاتل بن سليمان و غيرهم.​
​
​
​
​

شبهة قصة زينب بنت جحش مع النبي صلى الله عليه و سلم - الجزء الثالث-
يزعم بعض الملاحدة أن النبي ﷺ حرم التبني لأنه وقع في غرام زينب.
و الرد على هذا الادعاء هو أن يقال أن تحريم التبني كان قبل زواج زيد من زينب أصلا. و زيد اسمه بالكامل زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أعتقه وتبناه، فكان يدعى زيد بن محمد، حتى أنزل الله قوله: "ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ" -سورة الأحزاب الآية 5- فدعوه زيد بن حارثة.
وفيه سماح بكفالته ولكن تم تحريم مناداة المُتبني باسم غير والده.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي تولى تزويج زيد من زينب؛ لكونه كان مولاه.
وأما الآية التي زوجت النبي من زينب فهي الآية 37 من سورة الأحزاب
قال الدكتور مصطفى عطية جمعة في كتابه"منهج الرسول في إدارة الأزمات" ما نصه: "لقد جاء زواج زيد من زينب بعد تحريم التبني بمفهومه الجاهلي". انتهى​
​

شبهة قصة زينب بنت جحش مع النبي صلى الله عليه و سلم - الجزء الرابع-
لما أراد النبيﷺ خطبة زينب لزيد، كانت زينب تظن أن الذي يريد خطبتها هو النبي ﷺ فوافقت، وعندما علمت أن النبي يريد خطبتها لزيد رفضت زواجها منه تبعا للتقاليد السائدة في ذلك العصر وهو استنكاف الحرة من زواج العبد، وكون زيد كان عبدًا قبل ذلك، فنزلت الآية 36 من سورة الأحزاب وهو قوله تعالى : "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم".
فأرسلت زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالت : إني أستغفر الله وأطيع الله ورسوله. فزوج النبي زيد لزينب.
وبعد زواج زينب من زيد لم تستمر علاقتهما الزوجية ونشبت بينهما الخصومة ، وقد أعلم الله تعالى نبيه بأن زيد سوف يطلق زينب وقد كتبها الله زوجة له، وكان النبي يخفي ذلك خشية من كلام المنافقين.
وحين جاءه زيد يشتكي له من زينب ويخبره أن زينب أشتد لسانها عليه وأنه يريد أن يطلقها قال له النبي : "أمسك عليك زوجك" مخفيًا لما أخبره الله به.
وهذه الرواية صحيحة السند ساقها كبار المفسرين والحفاظ و غيرهم، وقد ردوا على الروايات الباطلة التي أوردها أبو حاتم والطبري. فقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري ما نصه: "وهناك آثار اخرى أخرجها أبو حاتم والطبري ونقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها والذي اوردته منها هو الصحيح ... والحاصل إن الذي كان يخفيه النبي هو إخبار الله إياه انها ستصير احدى زوجاته والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس تزوج إمرأة ابنه من التبني". انتهى
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره : "ووردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري ونقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها ، والذي أوردته منها هو المعتمد . والحاصل أن الذي كان يخفيه النبي ﷺ هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته ، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس تزوج امرأة ابنه ، وأراد الله إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الإبطال منه وهو تزوج النبي من زينب". انتهى
وقال القرطبي: "وهذا التفسير هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين، كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم". انتهى
وقال ابوبكر ابن العربي: "هذه الرواياتُ كلُّها ساقِطَةُ الأسانيد".انتهى
وقال الترمذي في تفسيره : "إن الذي أخفاه النبي هو أن الله أوحى إليه أن زينب ستكون إحدى زوجاته وأن زيد سيطلقها، ولو كان الذي أخفاه حبها لكان الله أظهر ذلك في قوله "وتخفي في نفسك ما الله مبديه" وقد أظهره الله الذي كان يخفيه النبي في الآية وهو إعلامه بزواجه من زينب وكتمها قائلاً لزيد:" أمسك عليك زوجك". انتهى
و قال محيى الدين درويش في "اعراب القرٱن الكريم وبيانه" ما نصه: "وأما ما رَوَوْهُ مِنْ أَنَّ النبيَّ مرَّ ببيت زَيدٍ وهو غائب فرأى زينب فوقع منها في قلبه شيء فقال: سبحان مقلب القلوب فسمعت زينب التسبيحة فنقلتها إلى زيد فوقع في قلبه أن يطلقها ! إلى آخر هذا الهراء الذي يترفع النبيُّ عنه فَقَدْ فَنَّدَهُ المحققون من العلماء". انتهى
وليعلم أن زينب بنت جحش رضي الله عنها وهبت نفسها للنبي ﷺ قبل أن أن يتزوجها زيد ، ورفض النبي هبتها ﷺ .
فلم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أي امرأة وهبت نفسها له طيلة حياته ، ولم يستخدم هذه الرخصة التي أباحها الله له ابداً حتى مات كما ذكر ذلك ابن عربي في أحكام القرآن.​
​
​
​
​

شبهة قصة زينب بنت جحش مع النبي صلى الله عليه و سلم - الجزء الخامس- :بيان أن يوحنا الدمشقي هو أول من روج شبهة وقوع النبي محمد في حب زينب
قال الباحث Andreas Görke
من جامعة University of Edinburgh
في مقال له بعنوان
Between History and Exegesis: the Origins and Transformation of the Story of Muḥammad and Zaynab bt Ǧaḥš
ما نصه:
It may be instructive at this point to have a look at the non-Muslim sources that discuss the matter. The earliest of these is the Fount of Knowledge of John of Damascus (d. ca 132/750), in the second part of which (De haeresibus) he discusses all sorts of “erroneous” beliefs, including Islam.78 One passage discusses the story of Zayd, which according to John was the reason for Muḥammad to legislate with regard to women that “one can divorce whomsoever he pleases, if he so wishes, and have another one.”79 He then relates the story as follows:
Muhammad had a comrade named Zaid. This man had a beautiful wife with whom Muhammad fell in love. While they were once sitting together Muhammad said to him: “Oh you, God commanded me to take your wife.” And he replied, “You are an apostle; do as God has told you; take my wife.” Or rather, in order to tell the story from the beginning, he said to him: “God commanded me (to tell you) that you should divorce your wife”; and he divorced her. Several days later he said, “But now God com-
manded me that I should take her.” Then after he took her and committed adultery with her, he made such a law.
والترجمة العربية هو قوله: " قد يكون من المفيد في هذه المرحلة إلقاء نظرة على المصادر غير الإسلامية التي تناقش هذا الأمر. أقدمها هو منبع معرفة يوحنا الدمشقي (المتوفى 132هجري / 750 ميلادي ) ، وفي الجزء الثاني من كتاب
(De haeresibus)
يناقش جميع أنواع المعتقدات "الخاطئة" ، بما في ذلك الإسلام. قصة زيد ، التي كانت ، بحسب يوحنا ، سبب قيام محمد بالتشريع فيما يتعلق بالمرأة بأنه "يجوز للمرء أن يطلق من يشاء ، إن شاء ، وأن يكون له أخرى". ثم روى القصة على النحو التالي:
كان لمحمد رفيق اسمه زيد. كان لهذا الرجل زوجة جميلة وقع محمد في حبها. قال له محمد وهما جالسان مرة: " أمرني الله أن آخذ زوجتك". فقال: أنت رسول. افعل كما قال لك الله. خذ زوجتي ".
أو بالأحرى لكي يروي القصة من البداية قال له: "أمرني الله (أن أخبرك) أن تطلق زوجتك". فطلقها. بعد عدة أيام قال ، "ولكن الآن الله أمرني أن آخذها ". ثم بعد أن أخذها وزنى معها ، أصدر مثل ذلك القانون.
والقصة أيضا مذكورة في كتاب:
Christian-Muslim Relations. A Bibliographical History Volume 15
وكتاب
In Search of Understanding: Reflections on Christian Engagement with Muslims
للباحث Clinton Bennett​
​
​
​
​
​
​

شبهة النبي صلى الله عليه و سلم مع زينب بنت جحش - الجزء السادس- : ذكر الروايات
في ما يلي ذكر لجميع الروايات التي يحتج بها الملاحدة للطعن بالنبي محمد صلى الله عليه و سلم والتي تذكر أنه شغف بزينب بنت جحش، وبيان أنها مكذوبة.
1-الرواية الأولى:
قال الطبري : ثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة....وفيها "أن النبي ﷺ كان يخفي في نفسه أن زيد اذا طلق زينب سيتزوجها". انتهى
وهذه الرواية مرسلة منقطعة، فقد ولد قتادة بن دعامة السدوسي في سنة 60 هـجري وهو يروي هذه الرواية دون إسناد ودون أن يصرح ممن سمع.
ومراسيل قتادة من أهوى المراسيل عند العلماء وغير مقبولة.
قال الإمام بدر الدين الزركشي: " عن يحي بن سعيد أنه كان لا يرى إرسالَ الزهريِّ وقتادة شيئاً ويقول: هو بمنزلة الريح". انتهى
وقال معتمر بن سليمان عن أبي عمرو :"كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يغث عليهما شيء يأخذان عن كل أحد"
لدرجة قال عنه الشعبي " قتادة حاطب الليل".
2-الرواية الثانية
ذكرها الطبري عن ابن زيد، وفيها "أن النبي أراد زيارة زيد فجاءت ريح فانكشفت زينب، وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم". انتهى
وابن زيد، هو عبدالرحمن بن زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب، وهو متروك ضعيف.
قال عنه أحمد بن حنبل: ضعيف، وقال البخاري وأبو حاتم: ضَعَّفَهُ عليُّ ابنُ المديني جِداً ، قال أبو داود: أولاد زيد بن أسلم كلهم ضعيف، وأَمْثَلُهُم عبد الله.
ثم ان رواية منقطعة فابن زيد يروي مباشرة عن رسول الله ﷺ وهو لم يدركْه أصلاً.
3-الرواية الثالثة:
رواية الحاكم في المستدرك عن محمد بن عمر الواقدي عن عبد الله ابن عامر الأسلمي.
و عبد الله ابن عامر الأسلمي ضعيف ، وابن عمر الواقدي متروك ومتهم بالكذب.
ثم ان الرواية منقطعة ولا يصلح للاحتجاج بها.
4-الرواية الرابعة
رواية الطبراني : الرواية فيها أبا بكر بن سليمان، وهي منقطعة، وقد ضعفها الهيثمي وقال:" ضعيف غاية الضعف وباطل".
5-الرواية الخامسة :
رواية القرطبي :
الرواية في سندها مقاتل بن سليمان، وهو مجسم كذاب ومتهم بالوضع ومتروك .
6-الرواية السادسة
رواية القرطبي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم. وقد نقل القرطبي روايته هذه بالأصل من كتاب "نوادر الأصول للحكيم الترمذي".
وهذه الرواية كما في نوادر الأصول منقولة دون أي إسناد.
والرواية تقول بالمعنى: " أن زينب أخبرت زيد أن النبي حين رآها قال يا مقلب القلوب فلم يستطع زيد بعدها المكوث معها وطلقها لأجل النبي.
وحين ساق القرطبي الرواية السابقة ساقها بإسناد نوح بن أبي مريم.
وعلى فرض أن هذه الرواية التي دون سند بالأصل كانت بسند نوح بن أبي مريم كما أشار القرطبي، فنوح كذاب ومتهم بوضع الحديث. قال ابن المبارك لوكيع: " حدثنا شيخ يقال له أبو عصمة كان يضع كما يضع المعلى بن هلال". وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث.
7-الرواية السابعة
رواية القرطبي :
ساقها القرطبي وفيها:" وقيل: إنَّ الله بعث ريحاً فرفعت الستر وزينب متفضلة في منزلها، فرأى زينب فوقعت في نفسه.... الخ". هذه الرواية دون أي سند وهي نقلًا عن شرح رواية عبدالرحمن بن زيد بشأن الريح التي كشفت الستر عن زينب فرآها النبيﷺ .عبدالرحمن بن زيد متروك الحديث كما سبق بيانه.
ملاحظة : القرطبي لم يورد الروايات إلا ليقارنها، وذلك عند تفسير الآية 37 من سورة الأحزاب، ثم رجح الرواية الصحيحة وقال : "وهذا التفسير هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين ... فأما ما رُوِيَ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هوي زينب امرأة زيد وربما أطلق بعض المجان لفظ عشق فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مثل هذا، أو مستخف بحرمته". انتهى
8-الرواية الثامنة
رواية مسند أحمد:
الرواية في سندها مؤمل بن إسماعيل، وهي مخالفة لبقية الروايات وقال عنه البخاري : "منكر الحديث" .​
​
​
​
​
​
​
​
​
​
​
​
​
​
​