رد شبهة اغتسال السيدة عائشة أمام رجلين
أخرج مسلم من حديث أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَأَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ. فَسَأَلَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجَنَابَةِ؟ "فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرِ الصَّاعِ فَاغْتَسَلَتْ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ وَأَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثلَاثًا" قَالَ: "وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذْنَ مِنْ رُؤوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ". انتهى
وجاء في البخاري ما نصه:" سمعت أبا سلمة، يقول: دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة، فسألها أخوها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم: "فدعت بإناء نحوا من صاع، فاغتسلت، وأفاضت على رأسها، وبيننا وبينها حجاب" قال أبو عبد الله: قال يزيد بن هارون، وبهز، والجدي، عن شعبة، " قدر صاع"
وأخرجه أحمد في مسنده بلفظ :"دخلت أنا وأخو عائشة من الرضاعة على عائشة، فسألها أخوها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم " فدعت بإناء نحوا من صاع فاغتسلت، وأفرغت على رأسها ثلاثا، وبيننا وبينها الحجاب".
وأخرجه النسائي بلفظ:"دخلت على عائشة رضي الله عنها وأخوها من الرضاعة، فسألها عن غسل النبي ، فدعت بإناء فيه ماء قدر صاع، فسترت سترا، فاغتسلت فأفرغت على رأسها ثلاثا".
هذه الأحاديث تشب بها بعض الرافضة ومنهم زعيمهم المتعصب المدعو ياسر الحبيب - عليه من الله ما يستحق- حيث زعم ان السيدة عائشة كانت تأذن للرجال الأجانب الدخول عليها، ثم تغتسل أمامهم.
والرد على هذه الشبهة أن يقال:
أولا: الرجلين المذكورين في الحديث هما كالتالي:
أ - أخ السيدة عائشة، وقد وقع خلاف في تعيينه:
•ورد عند البخاري وغيره أنه أخوها بلا تقييد. فذهب الداودي في شرحه على البخاري إلى أنه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. وقيل: هو أخوها لأمها، وهو الطفيل بن عبد الله.
قال الحافظ في الفتح:" ولا يصح واحد منهما لما روى مسلم من طريق معاذ والنسائي من طريق خالد بن الحارث وأبو عوانة من طريق يزيد بن هارون كلهم عن شعبة في هذا الحديث أنه أخوها من الرضاعة". انتهى
• ورد عند مسلم وغيره أنه أخوها من الرضاعة. فقال النووي وجماعة إنه عبد الله بن يزيد البصري، وقال غيرهم هو أخوها من الرضاعة أبو سعيد كثير بن عبيد الكوفي، الذي روى عنها أيضا وحديثه في الأدب المفرد للبخاري وسنن أبي داود من طريق ابنه سعيد بن كثير عنه.
وعليه يكون الرجل الأول هو أخوها من النسب أو الرضاع.
ولا معنى لدعوى بعضهم ان ذلك مجرد ترقيع من الفقهاء لأن حديث مسلم ذكر بالحرف أنه أخوها من الرضاع، فهو استدلال داخلي ضمن المتن.
ب- الرجل الثاني هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
وقد ذكر ابن سعد وغيره من أهل التاريخ والسير أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف توفي بالمدينة سنة أربع وتسعين فِي خلافة الوليد، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. وهذا يعني أنه ولد تقريباً سنة اثنتين وثلاثين للهجر.
وقد زعم بعض شراح الحديث أن أبا سلمة هو ابن أخت السيدة عائشة من الرضاعة، أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر. وزعم بعضهم أنه ابن أخيها نسباً.
لكن ورد في حديث مسلم أن أبا سلمة قال: "وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذْنَ مِنْ رُؤوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ"
وهذا معناه أن أبا سلمة كان يرى شعور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وليس شعر السيدة عائشة خاصة، فلو كان هو ذا محرم بالنسبة للسيدة عائشة فقط، فكيف يطلع على بقية شُعور نساء النبي؟
فالأصح أن يقال أن أبا سلمة كان صغيراً دون الاثني عشر سنة، لما دخل على السيدة عائشة. وهذا يعني ان القصة حدثت قبيل سنة 44 للهجرة. وقد كانت وفاة السيدة عائشة سنة 58 هجري.
قال ابن رجب الحنبلي في فتح الباري: "والظاهر : أن أبا سلمة كانَ إذ ذاك صغيراً دون البلوغ ، والآخر كانَ أخاها من الرضاعة". انتهى
ثانيا: ليس في الأحاديث السابقة أي دليل ان السيدة عائشة كشفت لهم شيئا من بدنها
فرواية مسلم صريحة في القول :"وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ" ورواية البخاري وأحمد فيها: "وبيننا وبينها حجاب"
ورواية النسائي فيها:" فسترت سترا"
و اللغة العربية واضحة في بيان معنى الحجاب، فهو إذا أطلق يفهم منه كل الحجب، قال ابن منظور :"الحجاب: الستر. حجب الشيء يحجبه حجبا وحجابا وحجبه: ستره. وقد احتجب وتحجب إذا اكتن من وراء حجاب. وامرأة محجوبة: قد سترت بستر، وحجاب". انتهى
فلا يفهم من قوله تعالى : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" - الأحزاب: 53- أن تُسأل أم المؤمنين من خلف حجاب، ويظهر بعض بدنها؟ سيما و أن القرآن فسر العلة من الحجاب بطهارة القلوب، فأراد به حجاب النظر مطلقاً.
ثم إن الستر يقوم مقام الباب بدليل ما جاء عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ، عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بَابَ امْرَأَةٍ عَرَّسَ بِهَا، فَإِذَا، عِنْدَهَا قَوْمٌ، فَانْطَلَقَ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَرَجَعَ وَقَدْ خَرَجُوا فَدَخَلَ وَقَدْ أَرْخَى بَيْنِي وَبَيْنُهُ سِتْرًا فَذَكَرْتُهُ لِأَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَيَنْزِلَنَّ فِي هَذَا شَيْءٌ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ" .
فالستر يحجب النظر كاملاً. فلا يكون شفافا كما يحاول بعض الرافضة تصوير ذلك.
فان قال قائل: لقد ذكر الراوي أنه رأى شعر السيدة عائشة، وهذا دليل أنها كشفت شيئا من بدنها، فجوابه أن يقال، الراوي لم يخص السيدة عائشة برؤية شعرها، انما أكثر أزواج النبي، فقال: "وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذْنَ مِنْ رُؤوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ" وهذا دليل أنه لما كان صبيا رأى شعر السيدة عائشة وشعر بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم في غير هذه الحادثة، وأن ما قاله مجرد زيادة تفيد بأن الشعر القصير لا يحتاج كمية كبيرة من الماء عند الغسل
ثالثا: أخو السيدة عائشة من الرضاعة دخل عليها مع أبي سلمة وهو صبي، وكان سؤال أخيها عن غسل النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليس عن كيفية الغسل، فليس مثل هذا الأمر يغيب عن مثله، ولربما استغنيا بسؤال رجل من كبار الصحابة. وإنما الاستشكال هو في مقدار الماء الذي كان يستعمله النبيُّ وكيف كان يوزعه مدة الغسل فهما لم يستوعبا أن يغتسل أحد بهذا القدر -لترين ونصف تقريباً- غسلاً تامّاً، وجواب مثل هذه الأمور الخاصة لا يتأتى الا من أقرب الناس للنبي مثل أزواجه الطاهرات رضوان الله عليهن.
والدليل على ما قلناه عبارة "فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرِ الصَّاعِ". وهذا دليل أنه كان يسألون عن الكم، لا عن كيفية الغسل.
قال العيني: " أي هذا باب في بيان حكم الغسل بالماء قدر ملء الصاع ؛ لأن الصاع اسم للخشبة فلا يتصور الغسل به"
وعليه فتوصيف طريقة تعليم السيدة عائشة لأخيها عمليا كما يلي:
ابقت السيدة عائشة ثياباً على جسمها على الجزء الذي لا يجوز للمحرم ان ينظر اليه، وصبت الماء على ظاهر الثياب لأنها لم تكن تفعل ذلك لغسل واجب عليها وانما للتعليم.
ثم هي لم ترد تعليماً يلزمه نظر المتعلم الى جسد المعلم وانما تعليمًا لكيفية تقسيم ذلك الصاع على مواضع الجسم على اعلى الجسم واسفله.
فكانت تأخذ مقدار من الماء من ذلك الصاع وتقوم في كل مرة بذكر المواضع التي تفيض عليها من الماء، من وراء الساتر، فتخبره مثلا بانها عممت الجزء الأعلى ثم تأخذ بعد ذلك قدر الماء الذي ستعممه على اسفل الجسم فتفعل ذلك من وراء الساتر ثم تقول له قد عممت بهذا أسفل الجسم.
وأخوها في كل ذلك لا يرى إلا نقصان الماء من الصاع ويسمع توصيف الغسل لا غير.
.
ومما يدل على انه لم يرد معرفة كيفية غسل لا تحصل الا برؤية جسد المغتسل ،و انها لم ترد تعليم كيفية غسل الاعضاء برؤية الأعضاء مجردة من الثياب هو انه سألها عن غسل النبي وهي امرأة وفرق بين اعضاء الرجل واعضاء المرأة. فدل ذلك على انه اراد سؤالها عن: " كيف كان يكفي في غسل النبي هذا القدر القليل من الماء وهو الصاع" وعن "كيف كان توزيعه على الجزء الأعلى والأسفل من جسد المغتسل".
ولذا بوّب الإمام البخاري على هذا الحديث "باب الغسل بالصاع ونحوه" ، وبوب عليه الإمام النسائي :" باب ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء".
ثم من الوارد جدا أن تماضر بنت الأصبغ أم أبي سلمة كانت وقتها مع السيدة عائشة هي وبعض النسوة - وليس في الحديث ما يدفعه- فأرادت السيدة عائشة تعليم أخيها من وراء ستار، ومكنت أيضا تلك النسوة للنظر اليها ولطريقة غسل النبي بصاع من الماء دون أن تضع السيدة عائشة ثيابها عنها.
فالروايات لا تتضمن أن عائشة تجردت من ثيابها، كما توهمه أولئك الجهلة، لأن المقام كان مقام تعليم، لا يحتاج لنزع الثياب، وهذا لا يقوله الا شخص متعصب.
• شبهة احتجاج المعارضين بكلام القاضي عياض والقرطبي
قال القاضي عياض في المعلم : "ظاهر الحديث أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل لذي المحرم النظر إليه من ذات المحرم, وكان أحدهما أخاها من الرضاعة كما ذكر, قيل: اسمه عبد الله بن يزيد , وكان أبو سلمة ابن أختها من الرضاعة, أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر". انتهى
وينبغي أن يفهم كلام القاضي هنا أن السائلين كانا ينظران لرأسها و أيضا أعالي جسدها وهي لابسة ثياب، لأن حكم نظر الرجل لجسد محارمه يختلف عن حكم نظر الرجل للأجنبية، فلا يحل له النظر لما دون وجهها وكفيها بغير عذر.
وقد ذهب القاضي عياض إلى أن الرجل الأول هو أخوها من الرضاعة كما في نص الحديث و أن الرجل الثاني هو أبو سلمة ابن أختها أم كلثوم من الرضاعة.
وهذا ما ذهب إليه القاضي في تأويل نظر أبي سلمة لأعالي جسد السيدة عائشة. وأن أسافل جسدها كان مستورا بساتر. ومع ان هذا اجتهاد منه لتفسير الحديث الا أن أبا أبا سلمة يبعد أن يكون ابن أم كلثوم بالرضاع لتقارب سنيهما، بل الأصح أن الحادثة قد وقعت لما كان أبوسلمة صغير السن دون البلوغ.
وقد تبعه القرطبي أيضا، فقال: "ظاهر هذا الحديث أنهما أدركا عملها في رأسها وأعلى جسدها ، مما يحل لذي المحرم أن يطلع عليهِ من ذوات محارمه ، وأبو سلمة ابن أخيها نسباً ، والآخر أخوها من الرضاعة ، وتحققا بالسماع كيفية غسل ما لم يشاهداه من سائر الجسد ، ولولا ذَلِكَ لاكتفت بتعليمهما بالقول ، ولم تحتج إلى ذَلِكَ الفعل......". انتهى
قال ابن رجب الحنبلي في فتح الباري تعقيبا على كلام القرطبي ما نصه: " إن أبا سلمة كانَ ابن أخيها نسباً" ، غلط ظاهر ؛ لأن أبا سلمة هو ابن عبد الرحمان بن أبي بكر هوَ القاسم .والظاهر : أن أبا سلمة كانَ إذ ذاك صغيراً دون البلوغ ، والآخر كانَ أخاها من الرضاعة ". انتهى
ثم قال القاضي : ولولا أنهما شاهدا ذلك ورأياه لم يكن لاستدعائها الماء وطهارتها بحضرتهما معنى، إذ لو فعلت ذلك كله في ستر عنهما لكان عبثا ورجع الحال إلى وصفها له، وإنما فعلت الستر ليستتر أسافل البدن، وما لا يحل للمحرم نظره والله أعلم". انتهى
فهنا علل القاضي عياض القول بأن الراوي وأخاها، لم يريا غسل أم المؤمنين ومعاينتهما له معارض بأصل القصة، وهذا تكلف ومشاححة في الفهم، وعلى قاعدته هذه أيضاً كان ذكر الصحابي للستر و الحجاب أيضاً عبث، فلِم يذكره لولا أنه قصد منه حجاب الرؤيا أصلاً. وانما سترت السيدة عائشة أسافل بدنها، حتى إذا سكبت الماء على ثيابها لا تلتصق ببدنها فتظهر تفاصيل جسمها.
ويمكن القول أيضا أنها وضعت الساتر وكانت تصف طريقة غسل أسافل الجسم للسائلين في حين أنها مكنت بعض النسوة ممن كن معها للنظر اليها وهي تغتسل بثيابها.
وإلا فان كلام الراوي الذي شهد القصة صريح بأنه وأخ السيدة عائشة لم يريا منها شيئاً فقال: "وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ" ، وفي رواية البخاري "حجاب"، ولا نعلم من أين لهما تخصيص الستر أو الحجاب بموضع دون موضع من البدن؟ فالنص الصريح يدفع الاجتهاد المبني على الظن.
أخرج مسلم من حديث أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَأَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ. فَسَأَلَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجَنَابَةِ؟ "فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرِ الصَّاعِ فَاغْتَسَلَتْ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ وَأَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثلَاثًا" قَالَ: "وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذْنَ مِنْ رُؤوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ". انتهى
وجاء في البخاري ما نصه:" سمعت أبا سلمة، يقول: دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة، فسألها أخوها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم: "فدعت بإناء نحوا من صاع، فاغتسلت، وأفاضت على رأسها، وبيننا وبينها حجاب" قال أبو عبد الله: قال يزيد بن هارون، وبهز، والجدي، عن شعبة، " قدر صاع"
وأخرجه أحمد في مسنده بلفظ :"دخلت أنا وأخو عائشة من الرضاعة على عائشة، فسألها أخوها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم " فدعت بإناء نحوا من صاع فاغتسلت، وأفرغت على رأسها ثلاثا، وبيننا وبينها الحجاب".
وأخرجه النسائي بلفظ:"دخلت على عائشة رضي الله عنها وأخوها من الرضاعة، فسألها عن غسل النبي ، فدعت بإناء فيه ماء قدر صاع، فسترت سترا، فاغتسلت فأفرغت على رأسها ثلاثا".
هذه الأحاديث تشب بها بعض الرافضة ومنهم زعيمهم المتعصب المدعو ياسر الحبيب - عليه من الله ما يستحق- حيث زعم ان السيدة عائشة كانت تأذن للرجال الأجانب الدخول عليها، ثم تغتسل أمامهم.
والرد على هذه الشبهة أن يقال:
أولا: الرجلين المذكورين في الحديث هما كالتالي:
أ - أخ السيدة عائشة، وقد وقع خلاف في تعيينه:
•ورد عند البخاري وغيره أنه أخوها بلا تقييد. فذهب الداودي في شرحه على البخاري إلى أنه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. وقيل: هو أخوها لأمها، وهو الطفيل بن عبد الله.
قال الحافظ في الفتح:" ولا يصح واحد منهما لما روى مسلم من طريق معاذ والنسائي من طريق خالد بن الحارث وأبو عوانة من طريق يزيد بن هارون كلهم عن شعبة في هذا الحديث أنه أخوها من الرضاعة". انتهى
• ورد عند مسلم وغيره أنه أخوها من الرضاعة. فقال النووي وجماعة إنه عبد الله بن يزيد البصري، وقال غيرهم هو أخوها من الرضاعة أبو سعيد كثير بن عبيد الكوفي، الذي روى عنها أيضا وحديثه في الأدب المفرد للبخاري وسنن أبي داود من طريق ابنه سعيد بن كثير عنه.
وعليه يكون الرجل الأول هو أخوها من النسب أو الرضاع.
ولا معنى لدعوى بعضهم ان ذلك مجرد ترقيع من الفقهاء لأن حديث مسلم ذكر بالحرف أنه أخوها من الرضاع، فهو استدلال داخلي ضمن المتن.
ب- الرجل الثاني هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
وقد ذكر ابن سعد وغيره من أهل التاريخ والسير أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف توفي بالمدينة سنة أربع وتسعين فِي خلافة الوليد، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. وهذا يعني أنه ولد تقريباً سنة اثنتين وثلاثين للهجر.
وقد زعم بعض شراح الحديث أن أبا سلمة هو ابن أخت السيدة عائشة من الرضاعة، أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر. وزعم بعضهم أنه ابن أخيها نسباً.
لكن ورد في حديث مسلم أن أبا سلمة قال: "وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذْنَ مِنْ رُؤوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ"
وهذا معناه أن أبا سلمة كان يرى شعور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وليس شعر السيدة عائشة خاصة، فلو كان هو ذا محرم بالنسبة للسيدة عائشة فقط، فكيف يطلع على بقية شُعور نساء النبي؟
فالأصح أن يقال أن أبا سلمة كان صغيراً دون الاثني عشر سنة، لما دخل على السيدة عائشة. وهذا يعني ان القصة حدثت قبيل سنة 44 للهجرة. وقد كانت وفاة السيدة عائشة سنة 58 هجري.
قال ابن رجب الحنبلي في فتح الباري: "والظاهر : أن أبا سلمة كانَ إذ ذاك صغيراً دون البلوغ ، والآخر كانَ أخاها من الرضاعة". انتهى
ثانيا: ليس في الأحاديث السابقة أي دليل ان السيدة عائشة كشفت لهم شيئا من بدنها
فرواية مسلم صريحة في القول :"وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ" ورواية البخاري وأحمد فيها: "وبيننا وبينها حجاب"
ورواية النسائي فيها:" فسترت سترا"
و اللغة العربية واضحة في بيان معنى الحجاب، فهو إذا أطلق يفهم منه كل الحجب، قال ابن منظور :"الحجاب: الستر. حجب الشيء يحجبه حجبا وحجابا وحجبه: ستره. وقد احتجب وتحجب إذا اكتن من وراء حجاب. وامرأة محجوبة: قد سترت بستر، وحجاب". انتهى
فلا يفهم من قوله تعالى : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" - الأحزاب: 53- أن تُسأل أم المؤمنين من خلف حجاب، ويظهر بعض بدنها؟ سيما و أن القرآن فسر العلة من الحجاب بطهارة القلوب، فأراد به حجاب النظر مطلقاً.
ثم إن الستر يقوم مقام الباب بدليل ما جاء عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ، عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بَابَ امْرَأَةٍ عَرَّسَ بِهَا، فَإِذَا، عِنْدَهَا قَوْمٌ، فَانْطَلَقَ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَرَجَعَ وَقَدْ خَرَجُوا فَدَخَلَ وَقَدْ أَرْخَى بَيْنِي وَبَيْنُهُ سِتْرًا فَذَكَرْتُهُ لِأَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَيَنْزِلَنَّ فِي هَذَا شَيْءٌ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ" .
فالستر يحجب النظر كاملاً. فلا يكون شفافا كما يحاول بعض الرافضة تصوير ذلك.
فان قال قائل: لقد ذكر الراوي أنه رأى شعر السيدة عائشة، وهذا دليل أنها كشفت شيئا من بدنها، فجوابه أن يقال، الراوي لم يخص السيدة عائشة برؤية شعرها، انما أكثر أزواج النبي، فقال: "وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذْنَ مِنْ رُؤوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ" وهذا دليل أنه لما كان صبيا رأى شعر السيدة عائشة وشعر بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم في غير هذه الحادثة، وأن ما قاله مجرد زيادة تفيد بأن الشعر القصير لا يحتاج كمية كبيرة من الماء عند الغسل
ثالثا: أخو السيدة عائشة من الرضاعة دخل عليها مع أبي سلمة وهو صبي، وكان سؤال أخيها عن غسل النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليس عن كيفية الغسل، فليس مثل هذا الأمر يغيب عن مثله، ولربما استغنيا بسؤال رجل من كبار الصحابة. وإنما الاستشكال هو في مقدار الماء الذي كان يستعمله النبيُّ وكيف كان يوزعه مدة الغسل فهما لم يستوعبا أن يغتسل أحد بهذا القدر -لترين ونصف تقريباً- غسلاً تامّاً، وجواب مثل هذه الأمور الخاصة لا يتأتى الا من أقرب الناس للنبي مثل أزواجه الطاهرات رضوان الله عليهن.
والدليل على ما قلناه عبارة "فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرِ الصَّاعِ". وهذا دليل أنه كان يسألون عن الكم، لا عن كيفية الغسل.
قال العيني: " أي هذا باب في بيان حكم الغسل بالماء قدر ملء الصاع ؛ لأن الصاع اسم للخشبة فلا يتصور الغسل به"
وعليه فتوصيف طريقة تعليم السيدة عائشة لأخيها عمليا كما يلي:
ابقت السيدة عائشة ثياباً على جسمها على الجزء الذي لا يجوز للمحرم ان ينظر اليه، وصبت الماء على ظاهر الثياب لأنها لم تكن تفعل ذلك لغسل واجب عليها وانما للتعليم.
ثم هي لم ترد تعليماً يلزمه نظر المتعلم الى جسد المعلم وانما تعليمًا لكيفية تقسيم ذلك الصاع على مواضع الجسم على اعلى الجسم واسفله.
فكانت تأخذ مقدار من الماء من ذلك الصاع وتقوم في كل مرة بذكر المواضع التي تفيض عليها من الماء، من وراء الساتر، فتخبره مثلا بانها عممت الجزء الأعلى ثم تأخذ بعد ذلك قدر الماء الذي ستعممه على اسفل الجسم فتفعل ذلك من وراء الساتر ثم تقول له قد عممت بهذا أسفل الجسم.
وأخوها في كل ذلك لا يرى إلا نقصان الماء من الصاع ويسمع توصيف الغسل لا غير.
.
ومما يدل على انه لم يرد معرفة كيفية غسل لا تحصل الا برؤية جسد المغتسل ،و انها لم ترد تعليم كيفية غسل الاعضاء برؤية الأعضاء مجردة من الثياب هو انه سألها عن غسل النبي وهي امرأة وفرق بين اعضاء الرجل واعضاء المرأة. فدل ذلك على انه اراد سؤالها عن: " كيف كان يكفي في غسل النبي هذا القدر القليل من الماء وهو الصاع" وعن "كيف كان توزيعه على الجزء الأعلى والأسفل من جسد المغتسل".
ولذا بوّب الإمام البخاري على هذا الحديث "باب الغسل بالصاع ونحوه" ، وبوب عليه الإمام النسائي :" باب ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء".
ثم من الوارد جدا أن تماضر بنت الأصبغ أم أبي سلمة كانت وقتها مع السيدة عائشة هي وبعض النسوة - وليس في الحديث ما يدفعه- فأرادت السيدة عائشة تعليم أخيها من وراء ستار، ومكنت أيضا تلك النسوة للنظر اليها ولطريقة غسل النبي بصاع من الماء دون أن تضع السيدة عائشة ثيابها عنها.
فالروايات لا تتضمن أن عائشة تجردت من ثيابها، كما توهمه أولئك الجهلة، لأن المقام كان مقام تعليم، لا يحتاج لنزع الثياب، وهذا لا يقوله الا شخص متعصب.
• شبهة احتجاج المعارضين بكلام القاضي عياض والقرطبي
قال القاضي عياض في المعلم : "ظاهر الحديث أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل لذي المحرم النظر إليه من ذات المحرم, وكان أحدهما أخاها من الرضاعة كما ذكر, قيل: اسمه عبد الله بن يزيد , وكان أبو سلمة ابن أختها من الرضاعة, أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر". انتهى
وينبغي أن يفهم كلام القاضي هنا أن السائلين كانا ينظران لرأسها و أيضا أعالي جسدها وهي لابسة ثياب، لأن حكم نظر الرجل لجسد محارمه يختلف عن حكم نظر الرجل للأجنبية، فلا يحل له النظر لما دون وجهها وكفيها بغير عذر.
وقد ذهب القاضي عياض إلى أن الرجل الأول هو أخوها من الرضاعة كما في نص الحديث و أن الرجل الثاني هو أبو سلمة ابن أختها أم كلثوم من الرضاعة.
وهذا ما ذهب إليه القاضي في تأويل نظر أبي سلمة لأعالي جسد السيدة عائشة. وأن أسافل جسدها كان مستورا بساتر. ومع ان هذا اجتهاد منه لتفسير الحديث الا أن أبا أبا سلمة يبعد أن يكون ابن أم كلثوم بالرضاع لتقارب سنيهما، بل الأصح أن الحادثة قد وقعت لما كان أبوسلمة صغير السن دون البلوغ.
وقد تبعه القرطبي أيضا، فقال: "ظاهر هذا الحديث أنهما أدركا عملها في رأسها وأعلى جسدها ، مما يحل لذي المحرم أن يطلع عليهِ من ذوات محارمه ، وأبو سلمة ابن أخيها نسباً ، والآخر أخوها من الرضاعة ، وتحققا بالسماع كيفية غسل ما لم يشاهداه من سائر الجسد ، ولولا ذَلِكَ لاكتفت بتعليمهما بالقول ، ولم تحتج إلى ذَلِكَ الفعل......". انتهى
قال ابن رجب الحنبلي في فتح الباري تعقيبا على كلام القرطبي ما نصه: " إن أبا سلمة كانَ ابن أخيها نسباً" ، غلط ظاهر ؛ لأن أبا سلمة هو ابن عبد الرحمان بن أبي بكر هوَ القاسم .والظاهر : أن أبا سلمة كانَ إذ ذاك صغيراً دون البلوغ ، والآخر كانَ أخاها من الرضاعة ". انتهى
ثم قال القاضي : ولولا أنهما شاهدا ذلك ورأياه لم يكن لاستدعائها الماء وطهارتها بحضرتهما معنى، إذ لو فعلت ذلك كله في ستر عنهما لكان عبثا ورجع الحال إلى وصفها له، وإنما فعلت الستر ليستتر أسافل البدن، وما لا يحل للمحرم نظره والله أعلم". انتهى
فهنا علل القاضي عياض القول بأن الراوي وأخاها، لم يريا غسل أم المؤمنين ومعاينتهما له معارض بأصل القصة، وهذا تكلف ومشاححة في الفهم، وعلى قاعدته هذه أيضاً كان ذكر الصحابي للستر و الحجاب أيضاً عبث، فلِم يذكره لولا أنه قصد منه حجاب الرؤيا أصلاً. وانما سترت السيدة عائشة أسافل بدنها، حتى إذا سكبت الماء على ثيابها لا تلتصق ببدنها فتظهر تفاصيل جسمها.
ويمكن القول أيضا أنها وضعت الساتر وكانت تصف طريقة غسل أسافل الجسم للسائلين في حين أنها مكنت بعض النسوة ممن كن معها للنظر اليها وهي تغتسل بثيابها.
وإلا فان كلام الراوي الذي شهد القصة صريح بأنه وأخ السيدة عائشة لم يريا منها شيئاً فقال: "وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ" ، وفي رواية البخاري "حجاب"، ولا نعلم من أين لهما تخصيص الستر أو الحجاب بموضع دون موضع من البدن؟ فالنص الصريح يدفع الاجتهاد المبني على الظن.