شبهة رضاع الكبير
الجزء الأول: تعريف معنى الكبير عند الفقهاء
ليعلم أن الشرط للتحريم بالرضاع، أي لتكون المرأة مَحرما لمن أرضعته هو أن يكون الطفل دون السنتين وأن يرضع منها خمس رضعات متفرقات كما هو مذهب الشافعي رضي الله عنه.
فالرضاع الذي يثبت به التحريم هو ما كان في الصغر دون الكبر، والحد الفاصل بين الصغر والكبر مختلف فيه:
فعند الشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية: أن حد الصغر حولان. كما في أسنى المطالب للشيخ زكريا الأنصاري، ومغنى المحتاج للشيخ الخطيب الشربيني، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي الحنبلي، وكشاف القناع له أيضًا.
فمن زاد على الحولين عندهم هو الكبير
أما المالكية فالزيادة القريبة عن الحولين تدخل في التحريم، وحَدُّها شهر أو شهران على المعتمد عندهم، كما في شرح مختصر خليل للخرشي.
فمن زاد على الحولين وشهرين عندهم هو الكبير
بينما ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن حد الصغر ثلاثون شهرًا أي: عامين ونصف. وقال زفر بن الهذيل من الحنفية: إن حد الصغر ثلاثة أعوام، كما في بدائع الصنائع للكاساني.
أي أن الكبير عنده هو الذي زاد على ثلاث أعوام
وقول الجمهور من أن الرضاع الذي يثبت به التحريم هو ما كان في الصغر دون الكبر، هو قول أكثر أهل العلم، روي نحو ذلك عن عمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة، وإليه ذهب الشعبي، وابن شُبْرُمة، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو ثور ، كما ذكر ذلك ابن قدامة في المغني.
ودليلهم على ذلك ما يلي:
أ- قول الله تعالى: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ" -البقرة: 233-، فجعل الحق تبارك وتعالى تمام الرضاعة في الحولين، فأفهم بأن الحكم بعدهما بخلافه.
وأخبرت هذه الآية الكريمة أيضا مع قوله تعالى: "وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا" -الأحقاف: 15- عن أقل مدة الحمل وكمال مدة الرضاع، كما هو مذكور في كفاية الطالب الرباني لأبي الحسن علي بن خلف المنوفي المالكي، وفي أسنى المطالب للشيخ زكريا الأنصاري.
ب-ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل، فكأنه تغير وجهه، كأنه كره ذلك، فقالت: إنه أخي، فقال: "انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة"، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الرضاع في الصغر هو المـحَرِّم؛ لأنه حال الحاجة إلى الغذاء واللبن، وهو الذي يدفع الجوع، أما جوع الكبير فلا يندفع بالرضاع.
قال الحافظ في الفتح: "قَوْله " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدهَا رَجُل " لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه وَأَظُنّهُ اِبْنًا لِأَبِي الْقُعَيْس". انتهى
وأبو القعيس هو زوج مرضعة السيدة عائشة، فابنه اخ للسيدة عائشة من الرضاع. ثم ان الرسول ثبت عنه أنه أجاز لأخي القعيس الدخول على السيدة عائشة، فلا يمتنع بذلك دخول ابنه عليها لأنها اخته من الرضاع. فقد روي أن أفلحَ أخَو أبي القُعَيْسِ استأذنَ عليْها بعدَ ما أُنْزِلَ الحجابُ, قالتْ عائشةُ : فقُلْتُ : واللهِ لا آذَنُ لهُ حتى أستأذنَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ , فإنَّ أبا القُعَيْسِ ليس هو أرضعَني, ولكنْ أَرْضَعَتْنِي امرأتُهُ, قالتْ : فلمَّا دخلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ , ذكرْتُ ذلكَ لهُ, فقال : "ائْذَنِي لهُ, فإنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ" , وكان أبُو القُعَيْسِ زَوْجَ المرأةِ التي أَرْضَعَتْ عائشةَ .
ثم قال الحافظ ابن حجر بعد ما مر ٱنفا: "وَالْمَعْنَى تَأَمَّلْن مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ هَلْ هُوَ رَضَاع صَحِيح بِشَرْطِهِ : مِنْ وُقُوعه فِي زَمَن الرَّضَاعَة , وَمِقْدَار الِارْتِضَاع فَإِنَّ الْحُكْم الَّذِي يَنْشَأ مِنْ الرَّضَاع إِنَّمَا يَكُون إِذَا وَقَعَ الرَّضَاع الْمُشْتَرَط. قَالَ الْمُهَلَّب : مَعْنَاهُ اُنْظُرْنَ مَا سَبَب هَذِهِ الْأُخُوَّة , فَإِنَّ حُرْمَة الرَّضَاع إِنَّمَا هِيَ فِي الصِّغَر حَتَّى تَسُدّ الرَّضَاعَة الْمَجَاعَة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي جَاعَ كَانَ طَعَامه الَّذِي يُشْبِعهُ اللَّبَن مِنْ الرَّضَاع لَا حَيْثُ يَكُون الْغِذَاء بِغَيْرِ الرَّضَاع. قَوْله ( فَإِنَّمَا الرَّضَاعَة مِنْ الْمَجَاعَة ) فِيهِ تَعْلِيل الْبَاعِث عَلَى إِمْعَان النَّظَر وَالْفِكْر , لِأَنَّ الرَّضَاعَة تُثْبِت النَّسَب وَتَجْعَل الرَّضِيع مُحَرَّمًا.
وَقَوْله " مِنْ الْمَجَاعَة " أَيْ الرَّضَاعَة الَّتِي تَثْبُت بِهَا الْحُرْمَة وَتَحِلّ بِهَا الْخَلْوَة هِيَ حَيْثُ يَكُون الرَّضِيع طِفْلًا لِسَدِّ اللَّبَن جَوْعَته , لِأَنَّ مَعِدَته ضَعِيفَة يَكْفِيهَا اللَّبَن وَيَنْبُت بِذَلِكَ لَحْمه فَيَصِير كَجُزْءٍ مِنْ الْمُرْضِعَة فَيَشْتَرِك فِي الْحُرْمَة مَعَ أَوْلَادهَا , فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا رَضَاعَة مُعْتَبَرَة إِلَّا الْمُغْنِيَة عَنْ الْمَجَاعَة أَوْ الْمُطْعِمَة مِنْ الْمَجَاعَة". انتهى
ج- عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام". انتهى
ورضاع الصغير هو الذي يفتق الأمعاء لا رضاع الكبير؛ لأن أمعاء الصغير تكون ضيقة لا يفتقها إلا اللبن؛ لكونه من ألطف الأغذية، أما أمعاء الكبير فمنفتقة لا تحتاج إلى الفتق باللبن. وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئًا". انتهى
د- حديث: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين".
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير : "حديث: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين" رواه الدارقطني من حديث عمرو بن دينار، عن ابن عباس، وقال: تفرد برفعه الهيثم بن جميل، عن ابن عيينة، وكان ثقة حافظًا، وقال ابن عدي في الكامل : يعرف بالهيثم، وغيره لا يرفعه، وكان يغلط، ورواه سعيد بن منصور، عن ابن عيينة، فوقفه، وقال البيهقي في السنن الكبرى: الصحيح موقوف. وروى البيهقي عن عمر، وابن مسعود التحديد بالحولين، قال: ورويناه عن سعيد بن المسيب، وعروة والشعبي، ويحتج له بحديث فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة: لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام". انتهى
هـ- ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الرضاع ما أنبت اللحم وأنشر العظم"، وذلك هو رضاع الصغير دون الكبير؛ لأن إرضاعه لا ينبت اللحم ولا ينشر العظم.
وقد روي هذا الأثر عن عبد الله بن مسعود، وذلك: أن رجلا من أهل البادية ولدت امرأته ولدًا فمات ولدها فورم ثدي المرأة فجعل الرجل يمصه ويمجه فدخلت جرعة منه حلقه فسأل عنه أبا موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قد حرمت عليك، ثم جاء إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فسأله فقال: هل سألت أحدًا، فقال: نعم سألت أبا موسى الأشعري فقال: حرمت عليك، فجاء ابن مسعود أبا موسى الأشعري فقال له: أما علمت أنه إنما يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم، فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم.
و- ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا رضاع بعد فصال". قال الزيلعي في نصب الراية : "قال عليه السلام: "لا رضاع بعد الفصال" قلت: روي من حديث علي، ومن حديث جابر. فحديث علي: رواه الطبراني في معجمه الصغير: عن علي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا رضاع بعد فصال، ولا يُتم بعد حلم" انتهى.
وله طريق آخر: رواه عبد الرزاق في مصنفه: عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا رضاع بعد الفصال" انتهى.
ز- روي عن عبد الله بن عمر أن عمر رضي الله عنه قال لرجل: "إنما الرضاعة عند الصغر" كما هو مذكور في بدائع الصنائع للكاساني ، و موطإ الإمام مالك، وفي سنن البيهقي.
فيتلخص مما تقدم أن المقصود برضاع الكبير عند الفقهاء عامة هو الطفل الكبير الذي جاوز الحولين وليس الرجل البالغ كما قد يتوهمه بعضهم أو ماينشره الملاحدة
يتبع
الجزء الأول: تعريف معنى الكبير عند الفقهاء
ليعلم أن الشرط للتحريم بالرضاع، أي لتكون المرأة مَحرما لمن أرضعته هو أن يكون الطفل دون السنتين وأن يرضع منها خمس رضعات متفرقات كما هو مذهب الشافعي رضي الله عنه.
فالرضاع الذي يثبت به التحريم هو ما كان في الصغر دون الكبر، والحد الفاصل بين الصغر والكبر مختلف فيه:
فعند الشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية: أن حد الصغر حولان. كما في أسنى المطالب للشيخ زكريا الأنصاري، ومغنى المحتاج للشيخ الخطيب الشربيني، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي الحنبلي، وكشاف القناع له أيضًا.
فمن زاد على الحولين عندهم هو الكبير
أما المالكية فالزيادة القريبة عن الحولين تدخل في التحريم، وحَدُّها شهر أو شهران على المعتمد عندهم، كما في شرح مختصر خليل للخرشي.
فمن زاد على الحولين وشهرين عندهم هو الكبير
بينما ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن حد الصغر ثلاثون شهرًا أي: عامين ونصف. وقال زفر بن الهذيل من الحنفية: إن حد الصغر ثلاثة أعوام، كما في بدائع الصنائع للكاساني.
أي أن الكبير عنده هو الذي زاد على ثلاث أعوام
وقول الجمهور من أن الرضاع الذي يثبت به التحريم هو ما كان في الصغر دون الكبر، هو قول أكثر أهل العلم، روي نحو ذلك عن عمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة، وإليه ذهب الشعبي، وابن شُبْرُمة، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو ثور ، كما ذكر ذلك ابن قدامة في المغني.
ودليلهم على ذلك ما يلي:
أ- قول الله تعالى: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ" -البقرة: 233-، فجعل الحق تبارك وتعالى تمام الرضاعة في الحولين، فأفهم بأن الحكم بعدهما بخلافه.
وأخبرت هذه الآية الكريمة أيضا مع قوله تعالى: "وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا" -الأحقاف: 15- عن أقل مدة الحمل وكمال مدة الرضاع، كما هو مذكور في كفاية الطالب الرباني لأبي الحسن علي بن خلف المنوفي المالكي، وفي أسنى المطالب للشيخ زكريا الأنصاري.
ب-ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل، فكأنه تغير وجهه، كأنه كره ذلك، فقالت: إنه أخي، فقال: "انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة"، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الرضاع في الصغر هو المـحَرِّم؛ لأنه حال الحاجة إلى الغذاء واللبن، وهو الذي يدفع الجوع، أما جوع الكبير فلا يندفع بالرضاع.
قال الحافظ في الفتح: "قَوْله " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدهَا رَجُل " لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه وَأَظُنّهُ اِبْنًا لِأَبِي الْقُعَيْس". انتهى
وأبو القعيس هو زوج مرضعة السيدة عائشة، فابنه اخ للسيدة عائشة من الرضاع. ثم ان الرسول ثبت عنه أنه أجاز لأخي القعيس الدخول على السيدة عائشة، فلا يمتنع بذلك دخول ابنه عليها لأنها اخته من الرضاع. فقد روي أن أفلحَ أخَو أبي القُعَيْسِ استأذنَ عليْها بعدَ ما أُنْزِلَ الحجابُ, قالتْ عائشةُ : فقُلْتُ : واللهِ لا آذَنُ لهُ حتى أستأذنَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ , فإنَّ أبا القُعَيْسِ ليس هو أرضعَني, ولكنْ أَرْضَعَتْنِي امرأتُهُ, قالتْ : فلمَّا دخلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ , ذكرْتُ ذلكَ لهُ, فقال : "ائْذَنِي لهُ, فإنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ" , وكان أبُو القُعَيْسِ زَوْجَ المرأةِ التي أَرْضَعَتْ عائشةَ .
ثم قال الحافظ ابن حجر بعد ما مر ٱنفا: "وَالْمَعْنَى تَأَمَّلْن مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ هَلْ هُوَ رَضَاع صَحِيح بِشَرْطِهِ : مِنْ وُقُوعه فِي زَمَن الرَّضَاعَة , وَمِقْدَار الِارْتِضَاع فَإِنَّ الْحُكْم الَّذِي يَنْشَأ مِنْ الرَّضَاع إِنَّمَا يَكُون إِذَا وَقَعَ الرَّضَاع الْمُشْتَرَط. قَالَ الْمُهَلَّب : مَعْنَاهُ اُنْظُرْنَ مَا سَبَب هَذِهِ الْأُخُوَّة , فَإِنَّ حُرْمَة الرَّضَاع إِنَّمَا هِيَ فِي الصِّغَر حَتَّى تَسُدّ الرَّضَاعَة الْمَجَاعَة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي جَاعَ كَانَ طَعَامه الَّذِي يُشْبِعهُ اللَّبَن مِنْ الرَّضَاع لَا حَيْثُ يَكُون الْغِذَاء بِغَيْرِ الرَّضَاع. قَوْله ( فَإِنَّمَا الرَّضَاعَة مِنْ الْمَجَاعَة ) فِيهِ تَعْلِيل الْبَاعِث عَلَى إِمْعَان النَّظَر وَالْفِكْر , لِأَنَّ الرَّضَاعَة تُثْبِت النَّسَب وَتَجْعَل الرَّضِيع مُحَرَّمًا.
وَقَوْله " مِنْ الْمَجَاعَة " أَيْ الرَّضَاعَة الَّتِي تَثْبُت بِهَا الْحُرْمَة وَتَحِلّ بِهَا الْخَلْوَة هِيَ حَيْثُ يَكُون الرَّضِيع طِفْلًا لِسَدِّ اللَّبَن جَوْعَته , لِأَنَّ مَعِدَته ضَعِيفَة يَكْفِيهَا اللَّبَن وَيَنْبُت بِذَلِكَ لَحْمه فَيَصِير كَجُزْءٍ مِنْ الْمُرْضِعَة فَيَشْتَرِك فِي الْحُرْمَة مَعَ أَوْلَادهَا , فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا رَضَاعَة مُعْتَبَرَة إِلَّا الْمُغْنِيَة عَنْ الْمَجَاعَة أَوْ الْمُطْعِمَة مِنْ الْمَجَاعَة". انتهى
ج- عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام". انتهى
ورضاع الصغير هو الذي يفتق الأمعاء لا رضاع الكبير؛ لأن أمعاء الصغير تكون ضيقة لا يفتقها إلا اللبن؛ لكونه من ألطف الأغذية، أما أمعاء الكبير فمنفتقة لا تحتاج إلى الفتق باللبن. وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئًا". انتهى
د- حديث: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين".
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير : "حديث: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين" رواه الدارقطني من حديث عمرو بن دينار، عن ابن عباس، وقال: تفرد برفعه الهيثم بن جميل، عن ابن عيينة، وكان ثقة حافظًا، وقال ابن عدي في الكامل : يعرف بالهيثم، وغيره لا يرفعه، وكان يغلط، ورواه سعيد بن منصور، عن ابن عيينة، فوقفه، وقال البيهقي في السنن الكبرى: الصحيح موقوف. وروى البيهقي عن عمر، وابن مسعود التحديد بالحولين، قال: ورويناه عن سعيد بن المسيب، وعروة والشعبي، ويحتج له بحديث فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة: لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام". انتهى
هـ- ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الرضاع ما أنبت اللحم وأنشر العظم"، وذلك هو رضاع الصغير دون الكبير؛ لأن إرضاعه لا ينبت اللحم ولا ينشر العظم.
وقد روي هذا الأثر عن عبد الله بن مسعود، وذلك: أن رجلا من أهل البادية ولدت امرأته ولدًا فمات ولدها فورم ثدي المرأة فجعل الرجل يمصه ويمجه فدخلت جرعة منه حلقه فسأل عنه أبا موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قد حرمت عليك، ثم جاء إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فسأله فقال: هل سألت أحدًا، فقال: نعم سألت أبا موسى الأشعري فقال: حرمت عليك، فجاء ابن مسعود أبا موسى الأشعري فقال له: أما علمت أنه إنما يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم، فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم.
و- ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا رضاع بعد فصال". قال الزيلعي في نصب الراية : "قال عليه السلام: "لا رضاع بعد الفصال" قلت: روي من حديث علي، ومن حديث جابر. فحديث علي: رواه الطبراني في معجمه الصغير: عن علي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا رضاع بعد فصال، ولا يُتم بعد حلم" انتهى.
وله طريق آخر: رواه عبد الرزاق في مصنفه: عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا رضاع بعد الفصال" انتهى.
ز- روي عن عبد الله بن عمر أن عمر رضي الله عنه قال لرجل: "إنما الرضاعة عند الصغر" كما هو مذكور في بدائع الصنائع للكاساني ، و موطإ الإمام مالك، وفي سنن البيهقي.
فيتلخص مما تقدم أن المقصود برضاع الكبير عند الفقهاء عامة هو الطفل الكبير الذي جاوز الحولين وليس الرجل البالغ كما قد يتوهمه بعضهم أو ماينشره الملاحدة
يتبع
تعليق