حديث مرط عائشة
يحاول بعض الملاحدة وأذنابهم النيل من نزاهة زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، اعتمادا على بعض الروايات التي تروي دخول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عليه ، فاستقبل زائريه وعليه مرط امرأته ، فزعموا أن زوجته صلى الله عليه وسلم كانت عارية والعياذ بالله.
فقد جاء في صحيح مسلم عن سعيد بن العاص أن عائشة زوج النبي و عثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة ، فأذن لأبي بكر وهو كذلك ، فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال ، فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، قال عثمان : ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة : "اجمعي عليك ثيابك" ، فقضيتُ إليه حاجتي ثم انصرفتُ ، فقالت عائشة : يا رسول الله ، مالي لم أرك فزعت لأبي بكر و عمر كما فزعت لعثمان ؟ . قال رسول الله : " إن عثمان رجل حييّ ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إليّ في حاجته" . انتهى
فقال هؤلاء الملاحدة : " واضحٌ من الحديث أن الرسول كان مضطجعا في فراشه ، وهو لابس ثوب أو فستان عائشة ، فلما حضر عثمان أعطى المرط لعائشة وجلس وقال لها : " اجمعي عليك ثيابك" ، وباقي التفاصيل واضحة في الحديث .
والجواب على هذه الشبهة أن يقال أن التلبيس حصل في موضعين :
أ-تفسيرهم لمعنى المرط.
ب- تفسيرهم لمعنى قوله صلى الله عليه وسلم : " اجمعي عليك ثيابك"،
فأدّاهم فكرهم المنحرف إلى أنّ عائشة رضي الله عنها لم يكن عليها لباسٌ يواريها .
والجواب على ذلك أن يقال :
-أولا : اتفق علماء الحديث الذين شرحوا هذه الروايات ، وعلماء اللغة الذين بيّنوا معاني كلام العرب ، أن المرط هو الكساء.
-قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم : " " لابس مرط عائشة" : هو بكسر الميم ، وهو كساء من صوف .
-قال ابن منظور في " لسان العرب ": " الـمَرْطُ كِساء من خَزّ أَو صُوف أَو كتّان ، وجمعه مُرُوطٌ . وفـي الـحديث: أَنه صلى الله عليه وسلم كان يصلـي فـي مُرُوط نسائه ، أَي أَكْسِيَتِهِنّ ، الواحد : مِرْط يكون من صوف ، وربما كان من خزّ أَو غيره يؤتَزر به . وفـي الـحديث : أَن النبـي صلى الله عليه وسلم كان يُغَلِّس بالفجر ، فـينصرف النساء مُتَلَفِّعات بـ مُروطهنّ ما يُعرفْن من الغَلَس ؛ و الـمِرْط: كل ثوب غير مَخِيط " انتهى
فهذا الكساء ليس بمخيط كما اتضح من كلام أهل اللغة ، وهو مشترك بين الرجال والنساء فليس فيه خصوصيّة لأحد الجنسين ، وقد روى الإمام مسلم و الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم " خرج ذات غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود " .
وإذا كان الأمر كذلك ، فلا يصح أن يقال أن المرط هو "الفستان"
ثانيا : إن الكساء غير المخيط يكون لبسه عند العرب أن يُلتحف به أو يُفترش على الأرض ، فكيف يكون لبس النبي صلى الله عليه وسلّم لمرط عائشة معيبا ؟
ثالثا :تنبيه يتعلق بكلمة لابس، فقد جاء لفظ اللبس بمعنى الالتحاف و الافتراش والاستخدام. ففي الصحيحين : " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ .... " انتهى
وقال الحافظ ابن حجر : " قَوْلُهُ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فِيهِ أَنَّ الِافْتِرَاشَ يُسَمَّى لُبْسًا " انتهى
وقال ابن رجب الحنبلي : " وقوله: "قد اسود من طول ما لبس" يدل على أن لبس كل شيء بحسبه، فلبس الحصير هو بسطه واستعماله في الجلوس عليه " اهـ
رابعا: قوله صلى الله عليه وسلم : " اجمعي عليك ثيابك" معناه : خذي هذا المرط عنّي ، وليس معناه أنها كانت عارية والعياذ بالله ، و يدلّ لذلك ما يلي :
خامسا : أن الحديث ليس فيه ذكر شيء من الثياب سوى المرط الذي كان على النبي صلى الله عليه وسلم ، مما يدل على أن قوله : "اجمعي عليك ثيابك" المراد منه ذلك الثوب وهو المرط ، ولو كان المراد به شيئاً آخر ، لما كان لذكر وضع النبي صلى الله عليه وسلم لمرط عائشة عليه في أوّل الحديث فائدة ، ولاحتجنا إلى تقدير عودة الثياب إلى ثياب غير مذكورة في السياق ، وهو خلاف ظاهر اللفظ ومقتضى الكلام العربي .
سادسا : لو كان حال عائشة رضي الله عنها أنها كانت غير مستترة ، لما كان هناك فائدة من تستّرها بعد أن رآها عمر غير مستترة ، وهذا لا يمكن بحال .
سابعا : أن مدار الحديث كان في بيان حال النبي صلّى الله عليه وسلّم لا في بيان حال عائشة أو غيرها ، فقد جاء عن أبي يعلى بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "خشيتُ إن أذنت له وأنا على تلك الحال أن لا يبلغ في حاجته" ، فهذا دليل على أن الحياء من عثمان كان من حاله صلى الله عليه وسلّم هو ، وليس من حال عائشة رضي الله عنها .
ثامنا: الذي روى هذه الحادثة هو عثمان و عائشة ، أفيُعقل أن تروي عائشة حدثا يسيء إليها أو إلى عثمان رضي الله عنهم ؟ ، إنه لو كان كذلك لاتفقوا على كتمان الخبر ، لا إذاعته ونشره .
وعليه فان معنى الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان جالساً في بيته مضطجعا ، وقد وضع عليه لحاف عائشة رضي الله عنها ، وعادة الناس جرت ألا يتكلفوا في التهيء والاستقبال لخواصّ الناس وكثيري الدخول ، وكان هذا شأن أبي بكر و عمر ، لكن عثمان رضي الله عنه كان شديد الحياء ، فهنا خشي النبي صلى الله عليه وسلّم أن يرى عثمان جلسته والمرط عليه ، فيتبادر إلى ذهنه خصوصية الجلسة ، أو كونه على حال لا يستطيع فيها استقبال أحد ، فيحول حياؤه دون أن يسأل حاجته ، ولذلك اعتدل النبي صلى الله عليه وسلّم في جلسته ، ورفع عنه مرط امرأته وأمرها بأخذه ، وفزع إلى زائره واحتفى به ليزيل عنه أسباب الحياء .