دعوة إله غير مستجابة أم تناقض أم تحريف نص مقدس ؟
-* مشكلة نقدية تضع النصارى بين سندان عجز إلههم وبين مطرقة التحريف ؛ هذه المشكلة وردت فى نص لوقا 23 : 34
" فَقَالَ يَسُوعُ: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» . وَإِذِ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ اقْتَرَعُوا عَلَيْهَا "
،
النص باللغة اليونانية
( Ὁ δὲ Ἰησοῦς ἔλεγεν “Πάτερ, ἄφες αὐτοῖς• οὐ γὰρ οἴδασιν τί ποιοῦσιν .” διαμεριζόμενοι δὲ τὰ ἱμάτια αὐτοῦ ἔβαλον κλήρους )
،
ومحل الاشكال فى النص دعوة يسوع بالمغفرة لليهود
(“Πάτερ, ἄφες αὐτοῖς• οὐ γὰρ οἴδασιν τί ποιοῦσιν - يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ)
فهل دعى الإله يسوع لمن قتله من اليهود بالمغفرة فعلا أم لا ؟
...؛
نقرأ من التفسير التطبيقي للكتاب المقدس تأكيدا لدعاء يسوع لمن صلبوه :
( طلب الرب يسوع المغفرة من الله الآب لمن صلبوه ، لرؤساء اليهود والحكام الرومان والجنود، وجمهور المشاهدين. واستجاب الله لهذه الصلاة إذ فتح طريق لخلاص حتى لقتلة المسيح وصالبيه )
،
إذا ... فى النص تدعيم لفكر لاهوتى لاثبات أن يسوع إله محبة ؛ فقد دعى الإله يسوع لليهود بالمغفرة من الإله الآب ؛ لأنه يحب قاتليه ففتح لهم طريق الخلاص ؛ فيا تُرى هل استجاب الإله الآب لدعاء الإله الابن يسوع وغفر لليهود ؟
- سيجيب الجميع نعم … فكل ما يطلبه يسوع من الأب يستجاب له ؛ كما فى يوحنا 11 : 22
" كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ يُعْطِيكَ اللَّهُ إِيَّاهُ "
،
- وفى يوحنا 11 : 41
" وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، 42وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي "
فعندما يدعوا يسوع "الإله" الآب "الإله" لابد أن يتقبل منه الدعاء ويلبى طلبه ؛ فلا يليق ألا يستجيب الآلهة لأدعية بعضهم البعض !!
...؛
*و من هنا ظهرت المشكلة الأولى .... إله لا يُستجاب دعاؤه !!
إذا كان الرب الإله استجاب لدعاء يسوع الإله بالمغفرة لليهود ؛ فلماذا معاشر النصارى حدث خراب أورشليم (70ميلادياً ) ؟!!
هذا معناه أن الإله الآب لم يستجب لدعاء الإله يسوع ...وبالتالى كان الحل لدى النساخ هو حذف هذا النص .... أى أن النص أصلى ولكن حذفه النساخ من المخطوطات !
...؛
وهذا ما أكدته ترجمة الآباء اليسوعيين صفحة 274 :
نص " يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ " ...غير موجود فى بعض المخطوطات القديمة ....لأن خراب أورشليم كان عقاب من الله لليهود ....وبتالى وجد النساخ نفسهم فى مأزق شديد ....كيف يدعى يسوع لليهود بالمغفرة ..ثم يعاقبهم الله بخراب أورشليم ؟؟!!
نص " يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ " ...غير موجود فى بعض المخطوطات القديمة ....لأن خراب أورشليم كان عقاب من الله لليهود ....وبتالى وجد النساخ نفسهم فى مأزق شديد ....كيف يدعى يسوع لليهود بالمغفرة ..ثم يعاقبهم الله بخراب أورشليم ؟؟!!
إذا ... فالإله الآب لم يستجب للإله الابن وعاقب قتلة الإله بخراب أورشليم!
...؛
*وهنا تظهر مشكلة أخرى … التناقض !!
- ففى مواضع أخرى من الكتاب المقدس توعد يسوع اليهود بالويل وبدينونة جهنم ... كما فى متى 23 : 14-33
" 14وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! ... 16وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ .... 25وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ، وَهُمَا مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوآنِ اخْتِطَافاً وَدَعَارَةً...33أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟ ....الخ "
،
- بل توعدهم بالخراب فى متى 23 : 38
" يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا... 38هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً."
،
و يخبرنا التاريخ بوقوع هذا الخراب و تدمير الهيكل وتشتيت اليهود بعد ارتفاع المسيح أمام أعين تلاميذه على يد الرومان في العاشر من أغسطس سنة 70م ، وهو حسب التقليد نفس اليوم الذي خرب فيه الهيكل قديما علي يد نبوخذ نصر ملك بابل !
...؛
فإذا كان يسوع هو الإله فكيف له أن يناقض نفسه ؟
في لوقا يغفر لهم و في متى يدعوا عليهم ويتوعدهم بالخراب ، و في لوقا يدعوا لهم بالمغفرة لأنهم لا يعلمون و في متى يعاقبهم !!
،كيف يقول يسوع فى لوقا " اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ "
ثم نجد أن الذي حدث فعليا هو عقابهم كما فى متى " هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً " ؟
فهل ناقض الإله يسوع نفسه ؟ أم أن الإله الآب لم يستجب لدعوات الإله الابن ؟
=== ؛
* بالرجوع لمخطوطات الكتاب المقدس وجدنا أن هذا النص محذوف من العديد من البرديات والمخطوطات القديمة مثل ( P75, 01C1, B, D*, W, Q, 070, 579, 1241, pc7, a, bC, d, Sy-S, sa, bo, )
،
فدعاء يسوع غير موجود فى البردية 75 وهى أقدم مخطوطة تقريباً موجودة بين أيدينا الآن ، والمخطوطة الفاتيكانية ومخطوطة واشنطن غير موجود فيهما الزيادة الموجودة فى النص !
،
وان استشهد نصرانيا على أصالته لوجوده فى بعض المخطوطات مثل المخطوطة السينائية والسكندرية ...
نسأل : فلماذا لا يوجد فى البرديات والمخطوطات الأقدم من السينائية ؟ مثل البردية 75 والفاتيكانية ومخطوطة واشنطن ؟!
؛
فالنص مادام موجودا فى بعض المخطوطات الحديثة وغير موجود في القديمة ؛ فبحسب قواعد علم النقد النصى ... يكون هذا النص المعارض للأقدم والأفضل غير أصلى ومضاف من قبل ناسخ مجهول !!!
ولأن الخطأ أو التحريف إذا ظهر فى مخطوطة من مخطوطات الكتاب المقدس يستمر -لعدم وجود نسخ أصلية- فقد أدى هذا لتضارب وتحريف واختلاف بين مخطوطات ونسخ الكتاب المقدس ... إلى يومنا هذا !
...؛
* فيا تُرى ... ما هو السبب الذى جعل الناسخ يحذف هذا النص ؟
- يقول العالم بروس متزجر فى كتابه A Textual Commentary on the Greek New Testament معلقا على النص :
( غياب هذه الكلمات من الشواهد القديمة المتضاربة مثل (البردية 75 والمخطوطة الفاتيكانية ....الخ ) ... يمكن ان يفسر بصعوبه بانه حذف عمداً بواسطة نساخ الذين اعتبروا انهيار اورشليم دليل علي عدم مغفرة الله لليهود ولم يسمحوا أن تظهر صلاة المسيح بدون استجابه )
،
- ويقول بارت ايرمان :
( الآن أصبح السبب الذي من أجله أراد بعض النُسَّاخ أن يحذفوا العدد واضحًا. أيصلِّي يسوع من أجل المغفرة لليهود؟ كيف ذلك؟
بالنسبة للمسيحيين الأوائل كان ثمة مشكلتان تواجهان هذا العدد في حال النظر إليه على هذا النحو. أولا، تسائل المسيحيون: ما الذي يجعل يسوع يصلي لمغفرة ذنوب هذا الشعب المتمرد الذي رفض اللهَ نفسهَ عن عمد؟ هذا الأمر كان نادر التصور عند كثيرٍ من المسيحيين. بل أكثر من ذلك، نقول: إنه قريبًا من القرن الثاني كان كثيرٌ من المسيحيين على قناعة تامة بأنَّ الله لم يغفر لليهود لأنهم، كما ذكرت من قبل، اعتقدوا أن الله سمح بتدمير أورشليم كعقوبة لليهود على قتلهم يسوع. )
=== ؛
* وبمراجعة النسخ النقدية .. وجدنا أن أغلب النسخ النقدية قد وضعت النص بين قوسين للاشارة إلى عدم أصالته ؛ نسخة نستل آلاند Nestle-Aland ، و نسخة ويستكوت اند هورت Westcott-Hort ، و نسخة اليو بى اس UBS ، و نسخة صموئيل تريجلليز Samuel Tregelles ..
وغيرها من النسخ النقدية التى اعتمدت على أقدم وأفضل مخطوطات العهد الجديد ...
( ΚΑΤΑ ΛΟΥΚΑΝ 23:34 Greek NT: Nestle 1904
[ὁ δὲ Ἰησοῦς ἔλεγεν Πάτερ, ἄφες αὐτοῖς• οὐ γὰρ οἴδασιν τί ποιοῦσιν.] διαμεριζόμενοι δὲ τὰ ἱμάτια αὐτοῦ ἔβαλον λήρους. )
تم وضع النص بين قوسين للدلالة على عدم أصالته وأنه اضافة لاحقة!
...؛- ونجد بروس متزجر يعطى هذا النص درجة الحذف بيقين A لاعتقاده بعدم أصالته
23.34 omit verse 34a [ὁ δὲ Ἰησοῦς ἔλεγεν, Πάτερ, ἄφες αὐτοῖς, οὐ γὰρ οἴδασιν τί ποιοῦσιν.] {A}
*ويقول Philip Comfort فى كتابه New Testament Text and Translation Commentary فى تعليقه على هذا النص :
It is easier to explain that the words were not written by Luke but were added later (as early
as the second century-for it is attested to by Hegesippus and the Diatessaron)
من الأسهل توضيح أن الكلمات لم يكتبها لوقا ولكنها أُضيفت لاحقًا (في وقت مبكر القرن الثاني - يشهد عليه هيجسبوس والدياتيسارون)
My guess is that the words were added to make Jesus
the model for Christian martyrs—of offering forgiveness to one's executioners
تخميني هو أن الكلمات أضيفت لجعل يسوع نموذج الشهداء المسيحيين في تقديم الغفران للجلادين ))
===؛
* وبناءا على هذا الاختلاف بين المخطوطات القديمة ... نجد أن هذه الزيادة موجودة فى أغلب التراجم العربية والانجليزية القديمة والحديثة ؛ إلا أن هناك من النسخ من وضعتها بين قوسين للدلالة على عدم أصالتها ؛ مثل الترجمة المشتركة والسارة واليسوعية .
- والآن ...
لا يوجد لدى النصرانى فى هذا النص إلا ثلاثة خيارات ..
1- هذا النص تم تحريفه ويسوع لم يطلب المغفرة لقاتليه ؛ بل توعدهم بالخراب كما فى نص متى !
2- النص أصلى ولكن الإله الآب لم يستجب لدعاء الإله الابن ؛ وبالتالى يسوع ليس هو والآب واحد !
3- ما بين نص المغفرة فى لوقا الذى لم يتحقق ، ونص الوعيد فى متى الذى تحقق ... يوجد بين النصين تناقض يهدم عصمة الكتاب المقدس !
.....؛
أما نحن كمسلمين ... فلا يهمنا كثيراً اذا كانت الكلمات أصلية أم مضافة ؛ فثبوت الاختلاف بين المخطوطات والتناقض بين نصوص الكتاب المقدس ...
يكفى دليلا لكل عاقل أن هذا الكلام لا عصمة له ولا قداسة .
تعليق