فن المحاورة
يطلق على هذا الفن أسماء عديدة منها النقائض والقلطة وأيام زمان كانوا يسمونه فن الرديح والردح وأحيانا يسمونه الفخر والحماسة
هذا الفن هو فن قبلى بمعنى أن ظهر فى القبائل دفاعا عن نفسها وهجوما على القبائل الأخرى وما زال هذا الفن موجود فى القبائل البدوية وفى عدد قليل من البلاد كالشام والخليج ويمارسه فى الأعراس المغنيين الفلسطينيين
والحوار أو المحاورة فى كتاب الله هو كلام يدور بين طرفين فى موضوع ما وقد ذكره الله فى قوله سبحانه :
" قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما"
إذا المحاورة أو الحوار هو الجدال فالمرأة التى ظاهر منها زوجها كانت تدافع عن وجهة نظرها وهى أن زوجها لم يطلقها والنبى(ص) يجادلها لعدم نزول الوحى عليه فى المسألة بأن القوم كانوا يعتبرونه طلاقا
الفن يقوم عند الناس على أساس واحد وهو :
تحدث اثنان أو أكثر فى موضوع واحد حيث يقوم كل واحد بالقول ويرد عليه الأخر معارضا ما يقوله بالشعر
هذا هو الفن فى الوقت الحالى عند الناس وكذلك كان قبل النبى (ص) على حد قول عنترة فى حصانه:
لو كان يدرى ما المحاورة اشتكى
وأما المحاورة فى كتاب الله فهى جدال فى موضوع ما مثل كالافتخار بالملك والكفر بالله كما فى محاورة صاحب الجنتين مع صاحبه المسلم وفيهما قال سبحانه:
"واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين أتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفراودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها منقلبا قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربى أحدا ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها ويقول يا ليتنى لم أشرك بربى أحدا ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا "
إذا فن المحاورة فى الأساس هو دعوة لدين الله بالحكمة والموعظة الحسنة وهو ما أسماه الله الجدال بالحسنى حيث قال :
" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن"
وبالطبع الإسلام حرم الله الكلام السوء إلا من كان مظلوما فقال سبحانه :
"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"
وقد حرم الله على المسلمين الفخر وهو تزكية النفس فقال سبحانه :
" فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"
وأعلم الله المسلمين أنه لا يحب المفتخرين فقال :
" إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا"
كلام الله عصاه الناس فحولوا المحاورة إلى شتائم وسباب وقذف وفخر كاذب من خلال ما يسمى بشعر النقائض حتى أنهم نسبوا بعضه إلى عهد النبى (ص) مثل شعر حسان وابن الزبعرى ومن ذلك قول الزبعرى :
يا غراب البين أسمعت فقل إنّما تنطق شيئاً قد فُعل
إنّ للخير وللشرّ مدى وكلا ذلك وجــــــــــه وقبل
أبلغن حسّان عنّي آيةً فقريض الشعر يشفي ذا الغلل
كم ترى بالحرف من جمجمة وأكفّ قد اترت ورجل
وسرابيل حسان سرّبت من كماة أُهتكوا في المنتزل
وقال حسان ردا على قصيدة أخرى :
"وَاِشكُ الهُمومَ إِلى الإِلَهِ وَما تَرىمِن مَعشَرٍ مُتَأَلِّبينَ غِضابِ
أَمّوا بِغَزوِهِمِ الرَسولَ وَأَلَّبواأَهلَ القُرى وَبَوادِيَ الأَعرابِ
جَيشٌ عُيَينَةُ وَاِبنُ حَربٍ فيهِمِمُتَخَمِّطينَ بِحَلبَةِ الأَحزابِ
حَتّى إِذا وَرَدوا المَدينَةَ وَاِرتَجَواقَتلَ النَبِيِّ وَمَغنَمَ الأَسلابِ
وَغَدَوا عَلَينا قادِرينَ بِأَيدِهِمرُدّوا بِغَيظِهِمِ عَلى الأَعقابِ
بِهُبوبِ مُعصِفَةٍ تُفَرِّقُ جَمعَهُموَجُنودِ رَبِّكَ سَيِّدَ الأَربابِ
وَكَفى الإِلَهُ المُؤمِنينَ قِتالَهُموَأَثابَهُم في الأَجرِ خَيرَ ثَوابِ
مِن بَعدِ ما قَنِطوا فَفَرَّجَ عَنهُمُتَنزيلُ نَصِّ مَليكِنا الوَهّابِ
وَأَقَرَّ عَينَ مُحَمَّدٍ وَصِحابِهِوَأَذَلَّ كُلَّ مُكَذِّبٍ مُرتابِ
مُستَشعِرٍ لِلكُفرِ دونَ ثِيابِهِوَالكُفرُ لَيسَ بِطاهِرِ الأَثوابِ
عَلِقَ الشَقاءُ بِقَلبِهِ فَأَرانَهُفي الكُفرِ آخِرَ هَذِهِ الأَحقابِ"
والملاحظ أن حسان هنا يلتزم بأحكام الله فى شعره على عكس ابن الزبعرى الذى وصفه بغراب البين
وأما ما جرى فيما بعد فهو انتشار فن النقائض بين الناس كما حكت الكتب واشتهرت فيما بيننا أسماء جرير بن عطيه الخطفى والفرزدق هَمَّامْ بْنْ غَالِبْ اَلْمُجَاشِعِي اَلتَّمِيمِي والأخطل غياث بن غوث كنجوم لهذا الفن السوء حيث أعادوا العصبية الجاهلية مرة اخرى ومن ذلك قول جرير يهجو التيم:
4 وتيم يفخرون وضرب تيم ... كضرب الزيف بار على التَّجار
5 وتعرف بالمنازل يا بن تيم ... لئيم الضَّرب مقترف النِّجار
6 رويدًا لافتخارك يا بن تيم ... رقيقًا ما عتقت من الإسار
7 تذكَّر هل تفاخر يا بن تيم ... بفرع أو لأصلك من قرار
8 فما عرفوا السباق وما تجلَّت ... وجوه التيم من قتم الغبار
9 أتطلب سابق الحلبات تيم ... تقدَّم في المواطن إذ تجاري
10 صريحًا لم تلد أبويه تيم ... ولم ينسب لأخت بني حذار
11 لعمر أبيك ما شجرات تيم ... من النبع العتيق ولا النضار
12 وقد علمت تميم أن تيمًا ... بعيد حين ينسب من نزار
13 وأنتم عائذون بآل سعد ... بعقد الحلف أو سبب الجوار
14 نعدُّ تيميمنا وتعدُّ تيمًا ... فقد أوديت في اللُّجج الغمار
15 لنا عمرو عليك وآل سعد ... وثروة دارم وحصى الجمار
16 وجوَّاز الحجيج لنا عليكم ... وعاديُّ المكارم والمنار
ومن أقوال الفرزدق:
(أَلَستَ إِذا القَعساءُ أَنسَلَ ظَهرَها ** إِلى آلِ بِسطامِ بنِ قَيسٍ بِخاطِبِ)
(لَقوا اِبنَي جِعالٍ وَالجِحاشُ كَأَنَّها ** لَهُم ثُكَنَ وَالقَومُ ميلُ العَصائِبِ)
(فَقالا لَهُم ما بالَكُم في بِرادِكُم ** أَمِن فَزَعٍ أَم حَولَ رَيّانَ لاعِبِ)
(فَقالوا سَمِعنا أَنَّ حَدراءَ زُوِّجَت ** عَلى مِئَةٍ شُمِّ الذُرى وَالغَوارِبِ)
(وَفينا مِنَ المِعزى تِلادٌ كَأَنَّها ** ظَفارِيَّةُ الجَزعِ الَّذي في التَرائِبِ)
(بِهِنَّ نَكَحنا غالِياتِ نِسائِنا ** وَكُلُّ دَمٍ مِنّا عَلَيهِنَّ واجِبِ)
(فَقالا اِرجِعوا إِنّا نَخافُ عَلَيكُمُ ** يَدَي كُلِّ سامٍ مِن رَبيعَةَ شاغِبِ)
(فَإِلّا تَعودوا لا تَجيئوا وَمِنكُمُ ** لَهُ مِسمَعٌ غَيرُ القُروحِ الجَوالِبِ)
(فَلَو كُنتَ مِن أَكفاءِ حَدراءَ لَم تَلُم ** عَلى دارِمِيٍّ بَينَ لَيلى وَغالِبِ)
(فَنَل مِثلَها مِن مِثلِهِم ثُمَّ لُمهُمُ ** بِما لَكَ مِن مالٍ مُراحٍ وَعازِبِ)
(وَإِنّي لَأَخشى إِن خَطَبتَ إِلَيهِمُ ** عَلَيكَ الَّذي لاقى يَسارُ الكَواعِبِ)
(وَلَو قَبِلوا مِنّي عَطِيَّةَ سُقتُهُ ** إِلى آلِ زيقٍ مِن وَصيفٍ مُقارِبِ)
(هُم زَوَّجوا قَبلي ضِراراً وَأَنكَحوا ** لَقيطاً وَهُم أَكفاؤُنا في المَناسِبِ)
(وَلَو تُنكِحُ الشَمسُ النُجومَ بَناتِها ** إِذاً لَنَكَحناهُنَّ قَبلَ الكَواكِبِ)
(وَما اِستَعهَدَ الأَقوامُ مِن زَوجِ حُرَّةٍ ** مِنَ الناسِ إِلّا مِنكَ أَو مِن مُحارِبِ)
(لَعَلَّكَ في حَدراءَ لُمتَ عَلى الَّذي ** تَخَيَّرَتِ المِعزى عَلى كُلِّ حالِبِ)
(عَطِيَّةَ أَو ذي بُردَتَينِ كَأَنَّهُ ** عَطِيَّةُ زَوجٍ لِلأَتانِ وَراكِبِ)
ولم يقتصر هذا الفن على الشعر بل تسرب إلى النثر فنرى كتبا هجائية ككتاب أبو حيان التوحيدى مثالب الوزيرين أو اخلاق الوزيرين والحق أن كتاب أبو حيان ليس كتابا مبنى على هجاء مذموم لأن أبا حيان تناول فى أوله أحكام الهجاء فى الإسلام وأعلن أنه ملتزم بها وذمه للرجلين وهما الوزيرين ابن عباد وابن العميد سببه أنه انتقل للعيش فى جوارهما الواحد بعد الأخر ليكرماه كما شاع أنهما يكرمان الكتاب والشعراء وكان أبو حيان التوحيدى واحد من أقدر الكتاب وأعظمهم ثقافة وعلما ولكنهم تجاهلوه تماما حتى كان أصبح يعانى من الجوع والفقر ولولا حرفة نسخ وهو كتابة كتب الأخرين التى كان يمارسها لمات من الجوع والفقر ومن ثم نجده وهو يذم الوزيرين لا يكتب إلا الحقيقة كما فى قوله :
"ولئن كان منعني ماله الذي لم يبق له، فما حظر عليَّ عرضه الذي بقي بعده، ولئن كنتُ انصرفت عنه بخُفَّي حُنين لقد لصق به من لساني وقلمي كل عارٍ وشَنَار وشَيْن، ولئن لم يرني أهلاً لنائله وبرّه، إني لأراه أهلاً لقول الحق فيه، ونثِّ ما كان يشتمل عليه من مخازيه، ولئن كان ظنَّ أن ما يصير إليّ من ماله ضائع، إني لأتيقّن الآن أن ما يتّصل بعرضه من قولي شاعر، والحساب يُخرج الحاصل من الباقي، والنَّظرُ يميّز الصحيح من السّقيم، والاعتبار يفرد الحق من الباطل، والمُنصف في الحُكم يعذِر المظلوم ويلوم الظالم، والشاعر يقول:
فإِن تَمنَعُوا ما بأيدِيكُمُ ... فلن تمنَعُونا إذَن أَن نَقولاَ"
ونجد أن ابن حزم الظاهرى وهو أشهر علماء المذهب الظاهرى الذى يعتمد على ظاهر الوحى وهو مذهب يكاد ينقرض من عالمنا فى كتبه واحد مما أثار المشاكل واستعمل تعابير الهجاء فى كتبه مثل النوكى وأدمغة الحمقى وفى رسالته فى الرد التى سماها الرد على الهاتف من بعد تجده يستخدم الهجاء فى كتاب فقهى حيث يقول:
"أما بعد: فإن كتابين وردا علي لم يكتب كاتبهما اسمه فيهما، فكانا كالشيء المسروق المجحود، وكابن الغية المنبوذ، كلاهما تتهاداه الروامس، بالسهب الطوامس، فأجبنا عن الأول بما اقتضاه سفه كاتبه، وهذا جوابنا عن الثاني"
ومما ورد فى الكتاب:
"قال علي: فاعلم أيها السافل أنك قد كذبت، وما يعجز أحد عن الكذب إذا لم يردعه عن ذلك دين أو حياء معاذ الله من أن ننسب إلى الصحابة شيئاً مما ذكرت، فكيف هذا ونحن نحمد الله تعالى على ما من به علينا من الجري على سنتهم "
"قال علي: فنحن نقول: لعن الله الخبيث السريرة، وإنما يعلم السرائر خالقها والمطلع عليها تعالى ثم الذي يسرها لكن ظاهره مبد عن باطنه فمن أعلن باتباع كلام الله عز وجل، والسنن المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين،فذلك دليل على طيب سريرته، ومن اعرض عن القرآن والسنن وعادى أهلها واتكل على التقليد، وخالف الإجماع، فهذا برهان على خبث سريرته وفساد بصيرته، ونعوذ بالله من الخذلان"
وعند كل قبيلة أو قوم نجد أن هناك بعض من الناس يحرص على تعليم أولاده كلام الهجاء أو العيب فى الأخرين فهو يكثر من مجالستهم ويقول لهم حكايات تنتقص من كل أسرة من الأسرة فيذكر الزانيات فى أسرهم أو من اتهمت بالزنى وكذلك من يمارس الشذوذ ويذكر السراق والسارقات منهم وسبب بعض عاهاتهم كما يذكر من عمل أو عملت بمهن مستحقرة عنده حتى ولو أباحها الله
ونجد أن هذا الكلام قد انتشر فيما بعد فيما يسمى الحارات الشعبية خاصة بين النسوة كما انتشر فيما بين البدو الرحل الذين كانوا يهاجرون للقرى فى أثناء مواسم الحصاد وقد حضرت للأسف وأنا طفل محاورة أو قل زبالة الكلام بين شاب قروى من عندنا وشاب بدوى من الرحل وبالطبع غلب البدوى الذى حفظه والده وأقاربه كل قواميس الشتائم المعروفة حيث لم يستغرق قاموس القروى إلا دقيقتين أو ثلاث بينما الثانى انطلق وما سكت حتى أقر الكل بأنه انتصر
وفن الردح أو شتائم النساء كانت تعلمه فى الغالب النساء الفواحش وبالطبع هناك نماذج منه كانت تقال فى المعارك بينهن أو بينهم وبين الرجال بسبب كب الميه فى الشارع مثل :
«والفسحة في البدرية، أنا عايزة اتمشى شوية، يا حلاوتي اسم الله عليا، بطة وألعب في المية، يا سلم لم لم يا عنيا، فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، مية من فوق نازلة بترش، مين المغفل ده الأعمى، اللي فتح على راسي الدش».
«معلهشي يا اختي ده الخدام، غلطان ومن فضلك سامحيه، خدام ده إيه يوه جتك لهوة وان كان مغفل ليه تقنيه».
ومن أمثلة نماذج الردح :
"يخرب بيتكوا والبيوت الي جنب بيتكوا هو انتوا فاكرين بنات الناس اية هو انت جي تشتري شوال بطاطس ... "
"يا بني روح كفي نفسك تلاقيك بتتضرب بالقباقيب هناك وجي تطلعهم علينا ...
"يا بورص الحيطان يا فار الغيطان يا قفه من غير ودان وشوبش لولولولولوي"
"روح يا شيخ ربنا يوعدك باللي زيك اللي يحط لك السيخ المحمي في صرصور ودنك يطلعوا من ودنك التانيه يلفوا ويدبه ف عينيك يخزقها لك "
بالطبع هذه نماذج تعتبر أدنى درجات الشتائم لأن هناك كلام أخر
والحقيقة أن الناس حولوا ما أباحه الله من استعمال فن المحاورة فى الدعوة إلى دين الله إلى ما حرمه الله ولكن الواجب قوله :
هو أن كلام السوء يجب البعد عنه تماما إلا فى حالة مخصوصة وهى إصرار الطرف الأخير على الظلم وقد أباح الله للمظلوم أن يقول فى ظالمه أى كلام غلط وهو غير محاسب عليه كما قال سبحانه :
"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"
يطلق على هذا الفن أسماء عديدة منها النقائض والقلطة وأيام زمان كانوا يسمونه فن الرديح والردح وأحيانا يسمونه الفخر والحماسة
هذا الفن هو فن قبلى بمعنى أن ظهر فى القبائل دفاعا عن نفسها وهجوما على القبائل الأخرى وما زال هذا الفن موجود فى القبائل البدوية وفى عدد قليل من البلاد كالشام والخليج ويمارسه فى الأعراس المغنيين الفلسطينيين
والحوار أو المحاورة فى كتاب الله هو كلام يدور بين طرفين فى موضوع ما وقد ذكره الله فى قوله سبحانه :
" قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما"
إذا المحاورة أو الحوار هو الجدال فالمرأة التى ظاهر منها زوجها كانت تدافع عن وجهة نظرها وهى أن زوجها لم يطلقها والنبى(ص) يجادلها لعدم نزول الوحى عليه فى المسألة بأن القوم كانوا يعتبرونه طلاقا
الفن يقوم عند الناس على أساس واحد وهو :
تحدث اثنان أو أكثر فى موضوع واحد حيث يقوم كل واحد بالقول ويرد عليه الأخر معارضا ما يقوله بالشعر
هذا هو الفن فى الوقت الحالى عند الناس وكذلك كان قبل النبى (ص) على حد قول عنترة فى حصانه:
لو كان يدرى ما المحاورة اشتكى
وأما المحاورة فى كتاب الله فهى جدال فى موضوع ما مثل كالافتخار بالملك والكفر بالله كما فى محاورة صاحب الجنتين مع صاحبه المسلم وفيهما قال سبحانه:
"واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين أتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفراودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها منقلبا قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربى أحدا ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها ويقول يا ليتنى لم أشرك بربى أحدا ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا "
إذا فن المحاورة فى الأساس هو دعوة لدين الله بالحكمة والموعظة الحسنة وهو ما أسماه الله الجدال بالحسنى حيث قال :
" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن"
وبالطبع الإسلام حرم الله الكلام السوء إلا من كان مظلوما فقال سبحانه :
"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"
وقد حرم الله على المسلمين الفخر وهو تزكية النفس فقال سبحانه :
" فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"
وأعلم الله المسلمين أنه لا يحب المفتخرين فقال :
" إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا"
كلام الله عصاه الناس فحولوا المحاورة إلى شتائم وسباب وقذف وفخر كاذب من خلال ما يسمى بشعر النقائض حتى أنهم نسبوا بعضه إلى عهد النبى (ص) مثل شعر حسان وابن الزبعرى ومن ذلك قول الزبعرى :
يا غراب البين أسمعت فقل إنّما تنطق شيئاً قد فُعل
إنّ للخير وللشرّ مدى وكلا ذلك وجــــــــــه وقبل
أبلغن حسّان عنّي آيةً فقريض الشعر يشفي ذا الغلل
كم ترى بالحرف من جمجمة وأكفّ قد اترت ورجل
وسرابيل حسان سرّبت من كماة أُهتكوا في المنتزل
وقال حسان ردا على قصيدة أخرى :
"وَاِشكُ الهُمومَ إِلى الإِلَهِ وَما تَرىمِن مَعشَرٍ مُتَأَلِّبينَ غِضابِ
أَمّوا بِغَزوِهِمِ الرَسولَ وَأَلَّبواأَهلَ القُرى وَبَوادِيَ الأَعرابِ
جَيشٌ عُيَينَةُ وَاِبنُ حَربٍ فيهِمِمُتَخَمِّطينَ بِحَلبَةِ الأَحزابِ
حَتّى إِذا وَرَدوا المَدينَةَ وَاِرتَجَواقَتلَ النَبِيِّ وَمَغنَمَ الأَسلابِ
وَغَدَوا عَلَينا قادِرينَ بِأَيدِهِمرُدّوا بِغَيظِهِمِ عَلى الأَعقابِ
بِهُبوبِ مُعصِفَةٍ تُفَرِّقُ جَمعَهُموَجُنودِ رَبِّكَ سَيِّدَ الأَربابِ
وَكَفى الإِلَهُ المُؤمِنينَ قِتالَهُموَأَثابَهُم في الأَجرِ خَيرَ ثَوابِ
مِن بَعدِ ما قَنِطوا فَفَرَّجَ عَنهُمُتَنزيلُ نَصِّ مَليكِنا الوَهّابِ
وَأَقَرَّ عَينَ مُحَمَّدٍ وَصِحابِهِوَأَذَلَّ كُلَّ مُكَذِّبٍ مُرتابِ
مُستَشعِرٍ لِلكُفرِ دونَ ثِيابِهِوَالكُفرُ لَيسَ بِطاهِرِ الأَثوابِ
عَلِقَ الشَقاءُ بِقَلبِهِ فَأَرانَهُفي الكُفرِ آخِرَ هَذِهِ الأَحقابِ"
والملاحظ أن حسان هنا يلتزم بأحكام الله فى شعره على عكس ابن الزبعرى الذى وصفه بغراب البين
وأما ما جرى فيما بعد فهو انتشار فن النقائض بين الناس كما حكت الكتب واشتهرت فيما بيننا أسماء جرير بن عطيه الخطفى والفرزدق هَمَّامْ بْنْ غَالِبْ اَلْمُجَاشِعِي اَلتَّمِيمِي والأخطل غياث بن غوث كنجوم لهذا الفن السوء حيث أعادوا العصبية الجاهلية مرة اخرى ومن ذلك قول جرير يهجو التيم:
4 وتيم يفخرون وضرب تيم ... كضرب الزيف بار على التَّجار
5 وتعرف بالمنازل يا بن تيم ... لئيم الضَّرب مقترف النِّجار
6 رويدًا لافتخارك يا بن تيم ... رقيقًا ما عتقت من الإسار
7 تذكَّر هل تفاخر يا بن تيم ... بفرع أو لأصلك من قرار
8 فما عرفوا السباق وما تجلَّت ... وجوه التيم من قتم الغبار
9 أتطلب سابق الحلبات تيم ... تقدَّم في المواطن إذ تجاري
10 صريحًا لم تلد أبويه تيم ... ولم ينسب لأخت بني حذار
11 لعمر أبيك ما شجرات تيم ... من النبع العتيق ولا النضار
12 وقد علمت تميم أن تيمًا ... بعيد حين ينسب من نزار
13 وأنتم عائذون بآل سعد ... بعقد الحلف أو سبب الجوار
14 نعدُّ تيميمنا وتعدُّ تيمًا ... فقد أوديت في اللُّجج الغمار
15 لنا عمرو عليك وآل سعد ... وثروة دارم وحصى الجمار
16 وجوَّاز الحجيج لنا عليكم ... وعاديُّ المكارم والمنار
ومن أقوال الفرزدق:
(أَلَستَ إِذا القَعساءُ أَنسَلَ ظَهرَها ** إِلى آلِ بِسطامِ بنِ قَيسٍ بِخاطِبِ)
(لَقوا اِبنَي جِعالٍ وَالجِحاشُ كَأَنَّها ** لَهُم ثُكَنَ وَالقَومُ ميلُ العَصائِبِ)
(فَقالا لَهُم ما بالَكُم في بِرادِكُم ** أَمِن فَزَعٍ أَم حَولَ رَيّانَ لاعِبِ)
(فَقالوا سَمِعنا أَنَّ حَدراءَ زُوِّجَت ** عَلى مِئَةٍ شُمِّ الذُرى وَالغَوارِبِ)
(وَفينا مِنَ المِعزى تِلادٌ كَأَنَّها ** ظَفارِيَّةُ الجَزعِ الَّذي في التَرائِبِ)
(بِهِنَّ نَكَحنا غالِياتِ نِسائِنا ** وَكُلُّ دَمٍ مِنّا عَلَيهِنَّ واجِبِ)
(فَقالا اِرجِعوا إِنّا نَخافُ عَلَيكُمُ ** يَدَي كُلِّ سامٍ مِن رَبيعَةَ شاغِبِ)
(فَإِلّا تَعودوا لا تَجيئوا وَمِنكُمُ ** لَهُ مِسمَعٌ غَيرُ القُروحِ الجَوالِبِ)
(فَلَو كُنتَ مِن أَكفاءِ حَدراءَ لَم تَلُم ** عَلى دارِمِيٍّ بَينَ لَيلى وَغالِبِ)
(فَنَل مِثلَها مِن مِثلِهِم ثُمَّ لُمهُمُ ** بِما لَكَ مِن مالٍ مُراحٍ وَعازِبِ)
(وَإِنّي لَأَخشى إِن خَطَبتَ إِلَيهِمُ ** عَلَيكَ الَّذي لاقى يَسارُ الكَواعِبِ)
(وَلَو قَبِلوا مِنّي عَطِيَّةَ سُقتُهُ ** إِلى آلِ زيقٍ مِن وَصيفٍ مُقارِبِ)
(هُم زَوَّجوا قَبلي ضِراراً وَأَنكَحوا ** لَقيطاً وَهُم أَكفاؤُنا في المَناسِبِ)
(وَلَو تُنكِحُ الشَمسُ النُجومَ بَناتِها ** إِذاً لَنَكَحناهُنَّ قَبلَ الكَواكِبِ)
(وَما اِستَعهَدَ الأَقوامُ مِن زَوجِ حُرَّةٍ ** مِنَ الناسِ إِلّا مِنكَ أَو مِن مُحارِبِ)
(لَعَلَّكَ في حَدراءَ لُمتَ عَلى الَّذي ** تَخَيَّرَتِ المِعزى عَلى كُلِّ حالِبِ)
(عَطِيَّةَ أَو ذي بُردَتَينِ كَأَنَّهُ ** عَطِيَّةُ زَوجٍ لِلأَتانِ وَراكِبِ)
ولم يقتصر هذا الفن على الشعر بل تسرب إلى النثر فنرى كتبا هجائية ككتاب أبو حيان التوحيدى مثالب الوزيرين أو اخلاق الوزيرين والحق أن كتاب أبو حيان ليس كتابا مبنى على هجاء مذموم لأن أبا حيان تناول فى أوله أحكام الهجاء فى الإسلام وأعلن أنه ملتزم بها وذمه للرجلين وهما الوزيرين ابن عباد وابن العميد سببه أنه انتقل للعيش فى جوارهما الواحد بعد الأخر ليكرماه كما شاع أنهما يكرمان الكتاب والشعراء وكان أبو حيان التوحيدى واحد من أقدر الكتاب وأعظمهم ثقافة وعلما ولكنهم تجاهلوه تماما حتى كان أصبح يعانى من الجوع والفقر ولولا حرفة نسخ وهو كتابة كتب الأخرين التى كان يمارسها لمات من الجوع والفقر ومن ثم نجده وهو يذم الوزيرين لا يكتب إلا الحقيقة كما فى قوله :
"ولئن كان منعني ماله الذي لم يبق له، فما حظر عليَّ عرضه الذي بقي بعده، ولئن كنتُ انصرفت عنه بخُفَّي حُنين لقد لصق به من لساني وقلمي كل عارٍ وشَنَار وشَيْن، ولئن لم يرني أهلاً لنائله وبرّه، إني لأراه أهلاً لقول الحق فيه، ونثِّ ما كان يشتمل عليه من مخازيه، ولئن كان ظنَّ أن ما يصير إليّ من ماله ضائع، إني لأتيقّن الآن أن ما يتّصل بعرضه من قولي شاعر، والحساب يُخرج الحاصل من الباقي، والنَّظرُ يميّز الصحيح من السّقيم، والاعتبار يفرد الحق من الباطل، والمُنصف في الحُكم يعذِر المظلوم ويلوم الظالم، والشاعر يقول:
فإِن تَمنَعُوا ما بأيدِيكُمُ ... فلن تمنَعُونا إذَن أَن نَقولاَ"
ونجد أن ابن حزم الظاهرى وهو أشهر علماء المذهب الظاهرى الذى يعتمد على ظاهر الوحى وهو مذهب يكاد ينقرض من عالمنا فى كتبه واحد مما أثار المشاكل واستعمل تعابير الهجاء فى كتبه مثل النوكى وأدمغة الحمقى وفى رسالته فى الرد التى سماها الرد على الهاتف من بعد تجده يستخدم الهجاء فى كتاب فقهى حيث يقول:
"أما بعد: فإن كتابين وردا علي لم يكتب كاتبهما اسمه فيهما، فكانا كالشيء المسروق المجحود، وكابن الغية المنبوذ، كلاهما تتهاداه الروامس، بالسهب الطوامس، فأجبنا عن الأول بما اقتضاه سفه كاتبه، وهذا جوابنا عن الثاني"
ومما ورد فى الكتاب:
"قال علي: فاعلم أيها السافل أنك قد كذبت، وما يعجز أحد عن الكذب إذا لم يردعه عن ذلك دين أو حياء معاذ الله من أن ننسب إلى الصحابة شيئاً مما ذكرت، فكيف هذا ونحن نحمد الله تعالى على ما من به علينا من الجري على سنتهم "
"قال علي: فنحن نقول: لعن الله الخبيث السريرة، وإنما يعلم السرائر خالقها والمطلع عليها تعالى ثم الذي يسرها لكن ظاهره مبد عن باطنه فمن أعلن باتباع كلام الله عز وجل، والسنن المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين،فذلك دليل على طيب سريرته، ومن اعرض عن القرآن والسنن وعادى أهلها واتكل على التقليد، وخالف الإجماع، فهذا برهان على خبث سريرته وفساد بصيرته، ونعوذ بالله من الخذلان"
وعند كل قبيلة أو قوم نجد أن هناك بعض من الناس يحرص على تعليم أولاده كلام الهجاء أو العيب فى الأخرين فهو يكثر من مجالستهم ويقول لهم حكايات تنتقص من كل أسرة من الأسرة فيذكر الزانيات فى أسرهم أو من اتهمت بالزنى وكذلك من يمارس الشذوذ ويذكر السراق والسارقات منهم وسبب بعض عاهاتهم كما يذكر من عمل أو عملت بمهن مستحقرة عنده حتى ولو أباحها الله
ونجد أن هذا الكلام قد انتشر فيما بعد فيما يسمى الحارات الشعبية خاصة بين النسوة كما انتشر فيما بين البدو الرحل الذين كانوا يهاجرون للقرى فى أثناء مواسم الحصاد وقد حضرت للأسف وأنا طفل محاورة أو قل زبالة الكلام بين شاب قروى من عندنا وشاب بدوى من الرحل وبالطبع غلب البدوى الذى حفظه والده وأقاربه كل قواميس الشتائم المعروفة حيث لم يستغرق قاموس القروى إلا دقيقتين أو ثلاث بينما الثانى انطلق وما سكت حتى أقر الكل بأنه انتصر
وفن الردح أو شتائم النساء كانت تعلمه فى الغالب النساء الفواحش وبالطبع هناك نماذج منه كانت تقال فى المعارك بينهن أو بينهم وبين الرجال بسبب كب الميه فى الشارع مثل :
«والفسحة في البدرية، أنا عايزة اتمشى شوية، يا حلاوتي اسم الله عليا، بطة وألعب في المية، يا سلم لم لم يا عنيا، فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، مية من فوق نازلة بترش، مين المغفل ده الأعمى، اللي فتح على راسي الدش».
«معلهشي يا اختي ده الخدام، غلطان ومن فضلك سامحيه، خدام ده إيه يوه جتك لهوة وان كان مغفل ليه تقنيه».
ومن أمثلة نماذج الردح :
"يخرب بيتكوا والبيوت الي جنب بيتكوا هو انتوا فاكرين بنات الناس اية هو انت جي تشتري شوال بطاطس ... "
"يا بني روح كفي نفسك تلاقيك بتتضرب بالقباقيب هناك وجي تطلعهم علينا ...
"يا بورص الحيطان يا فار الغيطان يا قفه من غير ودان وشوبش لولولولولوي"
"روح يا شيخ ربنا يوعدك باللي زيك اللي يحط لك السيخ المحمي في صرصور ودنك يطلعوا من ودنك التانيه يلفوا ويدبه ف عينيك يخزقها لك "
بالطبع هذه نماذج تعتبر أدنى درجات الشتائم لأن هناك كلام أخر
والحقيقة أن الناس حولوا ما أباحه الله من استعمال فن المحاورة فى الدعوة إلى دين الله إلى ما حرمه الله ولكن الواجب قوله :
هو أن كلام السوء يجب البعد عنه تماما إلا فى حالة مخصوصة وهى إصرار الطرف الأخير على الظلم وقد أباح الله للمظلوم أن يقول فى ظالمه أى كلام غلط وهو غير محاسب عليه كما قال سبحانه :
"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"