إضاءات حول كتاب هل خلق النبي صلى الله عليه وسلم من نور؟
الكاتب هو الصادق محمد ابراهيم وموضوع الكتاب هل محمد(ص) خلق من نور أم لا؟
ابتدأ الكاتب بإظهار معتقد بعض الغلاة فى النبى وذكر أسماء فريق منهم فى كون محمد(ص) مخلوق نورانى خلق منه الكون حيث قال :
"يعتقد الغلاة من الصوفية أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور، وأن هذا النور مخلوق من نور الله جلَّ وعلا.
فممن قال بذلك منهم: ابن عربي الحاتمي وعبد الكريم الجيلي وأبو الحسن بن عبد الله البكري والبريلوي، ومحمد عثمان عبده البرهاني وغيرهم.
ومناقشة هؤلاء الغلاة فيما يعتقدونه في مطلبين:
الأول: ذكر دليلهم والكلام عليه من جهة الثبوت.
الثاني: المفاسد العقدية المترتبة عليه."
وذكر الكاتب دليلهم للأول وهو رواية منسوبة لجابر حيث قال:
المطلب الأول: ذكر دليلهم والكلام عليه من جهة الثبوت:
"استدل الغلاة بالحديث المنسوب إلى جابر بن عبد الله الأنصاري في مواضع متفرقة من كتبهم، ولكن أشمل رواية لهذا الحديث وجدتها عند شيخ الطريقة البرهانية في كتابه ( تبرئة الذمة) حيث يقول: (روى عبد الرزاق بسنده في كتابه (جنة الخلد) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قلت: {يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء؟ قال: يا جابر إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قَسّم ذلك النور أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول السموات، ومن الجزء الثاني الأراضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الجزء الرابع إلى أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم، وهي المعرفة بالله، ومن الثالث نور أنسهم، وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم نظر إليه فترشح النور عرقاً، فتقطرت منه مائة ألف قطرة وعشرين ألفاً وأربعة آلاف قطرة، فخلق الله من كل قطرة روح نبي رسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة، فالعرش والكرسي من نوري، والكروبيون من نوري، والروحانيون من نوري، والجنة وما فيها من النعيم من نوري والشمس والكواكب من نوري، والعقل والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري، والسعداء والصالحون من نتائج نوري، ثم خلق الله آدم من الأرض ورَّكب فيه النور وهو الجزء الرابع، ثم انتقل منه إلى شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله ومنه إلى وجه أمي آمنة ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين. هكذا بدأ خلق نبيك يا جابر}. حديث صحيح)"
انتهت الرواية الكاذبة والتى قام الكاتب بمناقشتها على منهج أهل الحديث حيث قال :
"أقول وبالله التوفيق:
لقد حاولت أن أسير في بحثي هذا في نقد الروايات الحديثية على منهج المحدثين قدر الجهد، والطاقة فأذكر أقوال أهل العلم في نقد السند ثم المتن. أمَّا الحديث موضوع الدراسة فكل الذين ذكروه لم يذكروا له سنداً، وإنما اكتفوا بنسبته إلى عبد الرزاق الصنعاني فقط دون ذكر السند ولا الكتاب الذي ورد فيه، عدا شيخ الطريقة البرهانية فقد أحال إلى كتاب (جنة الخلد) ونسبه إلى عبد الرزاق، وقد بحثت عن هذا الكتاب لعلي أطلع على سند الحديث، ولكن دون جدوى فلم أعثر له على أثر، بل لم أقف على من نسب الكتاب لعبد الرزاق، وكذلك بحثت في كتب عبد الرزاق الأخرى فلم أجد له أثراً، وقد بحث غيري أيضاً عن هذا الحديث المزعوم فلم يعثر عليه.
يقول عدَّاب الحمش: (نسبه العجلوني إلى عبد الرزاق وقد كنت أرجح أنه في تفسيره لأنني اجتهدت فلم أقف عليه في المصنف... إلى أن قال: ثم ترجح عندي أنه من غرائب ابن عربي وابن حمويه والبكري)
بل قد شهد شاهد من القوم على براءة عبد الرزاق من هذا الحديث يقول عبد الله بن الصديق الغماري معلقاً على قول السيوطي في الحاوي على هذا الحديث: (إنه غير ثابت) (وهو تساهل قبيح بل الحديث ظاهر الوضع، واضح النكارة، وفيه نَفَسٌ صوفي... إلى أن قال: والعجب أن السيوطي عزاه إلى عبد الرزاق، مع أنه لا يوجد في (مصنفه) ولا (تفسيره) ولا (جامعه) وأعجب من هذا أن بعض الشناقطة صدَّق هذا العزو المخطىء، فرّكب له إسناداً من عبد الرزاق إلى جابر، ويعلم الله أن هذا كله لا أصل له. فجابر رضي الله عنه بريء من رواية هذا الحديث، وعبد الرزاق لم يسمع به، وأول من شهَّر هذا الحديث ابن عربي الحاتمي، فلا أدري عمن تلقاه وهو ثقة فلابُدَّ أن أحد المتصوفة المتزهدين وضعه"
الرواية إذا لا وجود لها فى كتب الحديث
الرواية لا إسناد لها
الرواية ليست فى كتب أو مسند عبد الرزاق والذى نسبت إليه فى كتب المتصوفة
وتناول الكاتب الروايات الأخرى التى تشبه الرواية فى المعنى حيث قال:
"ومثل هذا الحديث ما روي من طريق أهل البيت عن علي مرفوعاً: {كنت نوراً بين يدي ربي قبل أن يُخلق آدم بأربعة عشر ألف عام} وحديث: {لولاك ما خلقت الأفلاك} وكتب المولد النبوي ملأى بهذه الموضوعات، وأصبحت عقيدة راسخة في أذهان العامة)
ومما يشهد على وضع الحديث أن الغلاة لم يعزوه لغير عبد الرزاق مما يؤكد خلو دواوين السنة المعتبرة عند عامة المسلمين منه كالصحاح والسنن والمسانيد، ومن القرائن التي يعرف بها الوضع في الحديث أن لا يتداوله علماء الحديث."
وإلى هنا الكاتب من ذكر ما ذكر فى كتب الحديث عن الرواية وتناول المعتقدات الفاسدة المترتبة على الرواية حيث قال:
"المطلب الثاني: المفاسد العقدية المترتبة على هذا الحديث:
المفسدة الأولى: اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم خُلق من نور.
وهذا باطل من وجهين: الوجه الأول: إن في إثبات هذا المعنى الذي زعموه نفياً لبشرية الرسول صلى الله عليه وسلم التي أمره الله تعالى أن يعلنها في الملأ، قال تعالى: ((قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولاً)) [الإسراء:93]. والبشر مخلوقون من تراب لا من نور قال تعالى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ)) [الروم:20]، وقال تعالى: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ..)) [فاطر: 11] الآية، والآيات كثيرة في هذا المعنى. فربُّ العزة والجلال يخبرنا أن رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بشر، وأن البشر مخلوقون من تراب، فهذا خبر عام يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من بني آدم عليه السلام. فتخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه خلق من نور يحتاج إلى مخصص، ولا مخصص. وأمَّا الحديث المنسوب إلى عبد الرزاق فلا يجوز التخصيص به أصلاً؛ لأنه ليس حديثاً صحيحاً؛ لما سبق ذكره
قال ابن تيمية: (والنبي صلى الله عليه وسلم خُلق مما يخُلق منه البشر، ولم يُخلق أحد من البشر من نور، بل قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله خلق الملائكة من نور، وخلق إبليس من نار، وخلق آدم مما وصف لكم}، وليس تفضيل بعض المخلوقات على بعض باعتبار ما خلقت منه فقط، بل قد يخلق المؤمن من كافر والكافر من مؤمن، كابن نوح منه، وكإبراهيم من آزر، وآدم خلقه الله من طين، فلما سوّاه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وفضله عليهم بتعليمه أسماء كل شيء وبأن خلقه بيديه، وبغير ذلك فهو وصالحو ذريته أفضل من الملائكة وإن كان هؤلاء مخلوقين من طين وهؤلاء من نور) "
والكاتب محق فى نقده فنصوص القرآن تثبت بشريته واعترافه بكونه بشر مخلوق كبقية الخلق من طين
وكرر الكاتب نفس المعنى حيث قال بعدها مباشرة:
"الوجه الثاني: إن الذين قالوا بخلق النبي صلى الله عليه وسلم من نور، غفلوا عن الآية من أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بشر، لا قدرة له إلا قدرة البشر، وإنما يؤيده الله تعالى بالوحي، وبنصره كيف يشاء ربنا ويرضى. وذلك لمّا طلب منه المشركون أموراً ليست في قدرة البشر على سبيل التعجيز، أمره ربه جل وعلا أن يقول: ((قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولًا)) [الإسراء:93] وإنما الله وحده هو المتصرف في جميع الأمور إن شاء أتاكم بما سألتم عنه وإن شاء منع، وهذا دليل واضح على أن ما جاء به صلى الله عليه وسلم من آيات بينات، ودلائل واضحات ليست في قدرة البشر إنما هو أمر من عند الله جل وعلا."
وتناول الغلط العظيم الثانى وهو أن النبي (ص) مخلوق من نور الله تعالى حيث قال :
"المفسدة العقدية الثانية: اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور الله تعالى.
جاء في حديث جابر المزعوم: {أن الله تعالى خلق نور نبيه من نوره}. قال تعالى: ((وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)) [النور:16] نزلت هذه الآية الكريمة في عتاب المؤمنين لمّا تعاطى بعضهم حادثة الإفك على سبيل الحكاية ولم ينكروا ذلك وينزهوا الله تعالى أن يحدث مثل هذا من زوج نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يحكموا على هذه المقالة بأنها بهتان فيجب على كل مسلم أن يُنزّه الله تبارك وتعالى مما نسبه إليه هؤلاء الغلاة من خلق نبيه صلى الله عليه وسلم من نوره سبحانه. وإنما جاؤوا به افتراءً للكذب على الله، قال سبحانه: ((وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ)) [يونس:60]، وقال: ((إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)) [يونس:69]، وقال: ((قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)) [يونس:68] فالمسلم لا ينسب شيئاً إلى الله تعالى أو إلى رسوله صلى الله عليه وسلم إلا وعنده فيه من الله برهان، وقد ذم الله تعالى أقواماً نسبوا إليه القول والفعل من غير برهان منه سبحانه، قال تعالى: ((وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)) [النحل:116]، وقال تعالى: ((مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) [المائدة:103]. ألا يعي هؤلاء الغلاة ما يخرج من رؤوسهم ((مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)) [الكهف:5].
ويترتب على اعتقاد النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور الله تعالى: القول بوحدة الوجود والاتحاد بالله تعالى.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عند أئمة الصوفية خُلق من نور الله تعالى، ثم خُلق من نور النبي صلى الله عليه وسلم بقية المخلوقات. وهذا الذي ذهبوا إليه من خلق العالم أو صدوره عن ذات الله تعالى هو الشق الأول الذي يفسر لنا ما ذهب إليه هؤلاء الغلاة من القول بوحدة الوجود والفناء أو الاتحاد بالله تعالى.
يقول عارفهم ابن عربي: (فلما أراد -الله- وجود العالم وبدأه على حد علمه ما علمه بنفسه انفعل عن تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية، انفعل عنها حقيقة تُسمى الهباء وهي بمنزلة طرح البناء الجص ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور، وهذا أول موجود في العالم... ثم إنه سبحانه تجلى بنوره إلى ذلك الهباء... فلم يكن أقرب إليه قبولاً في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم المسماة بالعقل فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود، فكان وجوده من ذلك النور الإلهي)
ويقول عارفهم عبد الكريم الجيلي: (ولما خلق الله تعالى العالم جميعه من نور محمد صلى الله عليه وسلم كان المحل المخلوق منه إسرافيل قلب محمد صلى الله عليه وسلم) ويقول أيضاً: (... ثم إن العقل الأول المنسوب إلى محمد صلى الله عليه وسلم خلق الله جبريل عليه السلام منه في الأزل، فكان محمد صلى الله عليه وسلم أبا جبريل وأصلاً لجميع العالم) وقال أيضاً: (اعلم أن الله تعالى لما خلق النفس المحمدية من ذاته، وذات الحق جامعة للضدين، خلق الملائكة العالين من حيث صفات الجمال والنور والهدى من نفس محمد صلى الله عليه وسلم)
فَخَلْقُ العالَمِ أو صدوره عن ذات الله تعالى هو الشق الأول الذي يفسر لنا ما ذهب إليه هؤلاء الغلاة من القول بوحدة الوجود أو الاتحاد بالله تعالى، وبيان ذلك يكون بعد إثبات أن ما ذهبوا إليه لم يكن وليد أفكارهم، وإنما كان مستمداً من مصادر فلسفية قديمة تأثروا بها ونقلوها إلى المسلمين، وما زال تأثيرها إلى وقتنا الحاضر."
وكلام الكاتب صحيح وأزيد عليه أن الحديث يقول بوجود أجزاء لله منها جزء أصبح النبى(ص)ويترتب على ذلك أن الله مادة كالمادة الكونية وهو بذلك يشبه خلقه وهو ما نفاه بقوله :
" ليس كمثله شىء"
واما أغاليط الرواية فهى :
الأول إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره وهو ما يعارض أن الخلق خلقوا جميعا من ماء كما قال سبحانه:
" وجعلنا من الماء كل شىء حى"
كما يعارض اعتراف النبى ببشريته وهى كونه طين كما قال سبحانه:
" قل إنما أنا بشر مثلكم"
وقال فى الطينية :
" إنى خالق بشرا من طين"
الثانى التناقض فى تقسيم الجزء الرابع فمرة قسم للسموات والأرض والجنة والنار وهو ثوله :
"ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول السموات، ومن الجزء الثاني الأراضين، ومن الثالث الجنة والنار"
وهو ما يناقض أنه قسم نور أبصار المؤمنين ونور قلوبهم ونور أنسهم حيث قال :
"ثم قسم الجزء الرابع إلى أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم، وهي المعرفة بالله، ومن الثالث نور أنسهم، وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله "
الثالث ذكر أنه قسم الجزء الرابع لأربعة أجزاء ومع هذا المذكور هو ثلاثة فى قوله:
"ثم قسم الجزء الرابع إلى أربعة أجزاء: 1-فخلق من الجزء الأول نور أبصار المؤمنين، 2-ومن الثاني نور قلوبهم، وهي المعرفة بالله،3- ومن الثالث نور أنسهم، وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله "
ولا وجود للجزء الربع فهل تم أكله ؟
الغريب أن الجزء الرابع ليس أيا مما ذكر فى التعارضين لأن هناك تعارض ثالث وهو أن الجزء الرابع خلق منه واحد فقط وهو آدم(ص) وهو قول الرواية:
" ثم خلق الله آدم من الأرض ورَّكب فيه النور وهو الجزء الرابع"
الرابع تقسيم الكون للسموات والأرض والجنة والنار فى قوله" ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول السموات، ومن الجزء الثاني الأراضين، ومن الثالث الجنة والنار"
وهو ما يعارض أن الجنة والنار الموعودتين فى السماء كما قال سبحانه:
" وفى السماء رزقكم وما توعدون"
وفى الوعد قال سبحانه:
" وعد الله المؤمنون والمؤمنات جنات"
وقال أيضا:
""وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم "
ومن ثم فالكون جزئين وليس أربعة كما قالت الرواية لأن الجنة والناء فى أحد الجزئين وهو السموات
الخامس أن النور أصبح قطرات بعدد الرسل وهم ألأنبياء(ص) فى قولهم:
"ثم نظر إليه فترشح النور عرقاً، فتقطرت منه مائة ألف قطرة وعشرين ألفاً وأربعة آلاف قطرة، فخلق الله من كل قطرة روح نبي رسول"
الغريب أن محمد(ص) واحد من ضمن الرسل كما قال سبحانه" محمد رسول الله" فكيف يكون مخلوق قبل الكل ومع هذا يحلق معهم ا
السادس القول "والكروبيون من نوري، والروحانيون من نوري" وهذا كلام مأخوذ من دين اليهود والنصارى فلا وجود للكروبيون ولا للروحانيين فى الإسلام
السابع انتقال النور من صلب إلى صلب حتى وصل لعبد الله والد محمد(ص)بقولهم" ثم انتقل منه إلى شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله ومنه إلى وجه أمي آمنة" وهو كلام يتناقض مع انتشار ذلك النور فى المخلوقات الكونية التى خلقت منه فكيف انتقل لبشر فقط وهو وكموجود فى الرسل والمؤمنين والسموات والأرض وغيرهم ؟
الثامن أن النور المزعوم كان فى الأصلاب وأخيرا أصب خفى وجه آمنة فى قولهم:
"ثم انتقل منه إلى شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله ومنه إلى وجه أمي آمنة"
والمفترض أن يكون فى رحمها وليس فى وجهها لأن الجنين يكون فى الرحم وليس فى الوجه
إنه الاستهبال والاستغفال على القراء والسامعين
التاسع أن محمد(ص) فى قولهم "ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين" هو سيد المرسلين وهو ما يخالف أن هذا تزكية للنفس تتعارض مع قوله سبحانه:
" فلا تزكوا أنفسكم"
كما أنه لا سيادة بين المؤمنين كما قال سبحانه :
"إنما المؤمنون اخوة"
وحتى فى الآخرة اخوة كما قال :
" اخوانا على سرر متقابلين"
الكاتب هو الصادق محمد ابراهيم وموضوع الكتاب هل محمد(ص) خلق من نور أم لا؟
ابتدأ الكاتب بإظهار معتقد بعض الغلاة فى النبى وذكر أسماء فريق منهم فى كون محمد(ص) مخلوق نورانى خلق منه الكون حيث قال :
"يعتقد الغلاة من الصوفية أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور، وأن هذا النور مخلوق من نور الله جلَّ وعلا.
فممن قال بذلك منهم: ابن عربي الحاتمي وعبد الكريم الجيلي وأبو الحسن بن عبد الله البكري والبريلوي، ومحمد عثمان عبده البرهاني وغيرهم.
ومناقشة هؤلاء الغلاة فيما يعتقدونه في مطلبين:
الأول: ذكر دليلهم والكلام عليه من جهة الثبوت.
الثاني: المفاسد العقدية المترتبة عليه."
وذكر الكاتب دليلهم للأول وهو رواية منسوبة لجابر حيث قال:
المطلب الأول: ذكر دليلهم والكلام عليه من جهة الثبوت:
"استدل الغلاة بالحديث المنسوب إلى جابر بن عبد الله الأنصاري في مواضع متفرقة من كتبهم، ولكن أشمل رواية لهذا الحديث وجدتها عند شيخ الطريقة البرهانية في كتابه ( تبرئة الذمة) حيث يقول: (روى عبد الرزاق بسنده في كتابه (جنة الخلد) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قلت: {يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء؟ قال: يا جابر إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قَسّم ذلك النور أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول السموات، ومن الجزء الثاني الأراضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الجزء الرابع إلى أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم، وهي المعرفة بالله، ومن الثالث نور أنسهم، وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم نظر إليه فترشح النور عرقاً، فتقطرت منه مائة ألف قطرة وعشرين ألفاً وأربعة آلاف قطرة، فخلق الله من كل قطرة روح نبي رسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة، فالعرش والكرسي من نوري، والكروبيون من نوري، والروحانيون من نوري، والجنة وما فيها من النعيم من نوري والشمس والكواكب من نوري، والعقل والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري، والسعداء والصالحون من نتائج نوري، ثم خلق الله آدم من الأرض ورَّكب فيه النور وهو الجزء الرابع، ثم انتقل منه إلى شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله ومنه إلى وجه أمي آمنة ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين. هكذا بدأ خلق نبيك يا جابر}. حديث صحيح)"
انتهت الرواية الكاذبة والتى قام الكاتب بمناقشتها على منهج أهل الحديث حيث قال :
"أقول وبالله التوفيق:
لقد حاولت أن أسير في بحثي هذا في نقد الروايات الحديثية على منهج المحدثين قدر الجهد، والطاقة فأذكر أقوال أهل العلم في نقد السند ثم المتن. أمَّا الحديث موضوع الدراسة فكل الذين ذكروه لم يذكروا له سنداً، وإنما اكتفوا بنسبته إلى عبد الرزاق الصنعاني فقط دون ذكر السند ولا الكتاب الذي ورد فيه، عدا شيخ الطريقة البرهانية فقد أحال إلى كتاب (جنة الخلد) ونسبه إلى عبد الرزاق، وقد بحثت عن هذا الكتاب لعلي أطلع على سند الحديث، ولكن دون جدوى فلم أعثر له على أثر، بل لم أقف على من نسب الكتاب لعبد الرزاق، وكذلك بحثت في كتب عبد الرزاق الأخرى فلم أجد له أثراً، وقد بحث غيري أيضاً عن هذا الحديث المزعوم فلم يعثر عليه.
يقول عدَّاب الحمش: (نسبه العجلوني إلى عبد الرزاق وقد كنت أرجح أنه في تفسيره لأنني اجتهدت فلم أقف عليه في المصنف... إلى أن قال: ثم ترجح عندي أنه من غرائب ابن عربي وابن حمويه والبكري)
بل قد شهد شاهد من القوم على براءة عبد الرزاق من هذا الحديث يقول عبد الله بن الصديق الغماري معلقاً على قول السيوطي في الحاوي على هذا الحديث: (إنه غير ثابت) (وهو تساهل قبيح بل الحديث ظاهر الوضع، واضح النكارة، وفيه نَفَسٌ صوفي... إلى أن قال: والعجب أن السيوطي عزاه إلى عبد الرزاق، مع أنه لا يوجد في (مصنفه) ولا (تفسيره) ولا (جامعه) وأعجب من هذا أن بعض الشناقطة صدَّق هذا العزو المخطىء، فرّكب له إسناداً من عبد الرزاق إلى جابر، ويعلم الله أن هذا كله لا أصل له. فجابر رضي الله عنه بريء من رواية هذا الحديث، وعبد الرزاق لم يسمع به، وأول من شهَّر هذا الحديث ابن عربي الحاتمي، فلا أدري عمن تلقاه وهو ثقة فلابُدَّ أن أحد المتصوفة المتزهدين وضعه"
الرواية إذا لا وجود لها فى كتب الحديث
الرواية لا إسناد لها
الرواية ليست فى كتب أو مسند عبد الرزاق والذى نسبت إليه فى كتب المتصوفة
وتناول الكاتب الروايات الأخرى التى تشبه الرواية فى المعنى حيث قال:
"ومثل هذا الحديث ما روي من طريق أهل البيت عن علي مرفوعاً: {كنت نوراً بين يدي ربي قبل أن يُخلق آدم بأربعة عشر ألف عام} وحديث: {لولاك ما خلقت الأفلاك} وكتب المولد النبوي ملأى بهذه الموضوعات، وأصبحت عقيدة راسخة في أذهان العامة)
ومما يشهد على وضع الحديث أن الغلاة لم يعزوه لغير عبد الرزاق مما يؤكد خلو دواوين السنة المعتبرة عند عامة المسلمين منه كالصحاح والسنن والمسانيد، ومن القرائن التي يعرف بها الوضع في الحديث أن لا يتداوله علماء الحديث."
وإلى هنا الكاتب من ذكر ما ذكر فى كتب الحديث عن الرواية وتناول المعتقدات الفاسدة المترتبة على الرواية حيث قال:
"المطلب الثاني: المفاسد العقدية المترتبة على هذا الحديث:
المفسدة الأولى: اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم خُلق من نور.
وهذا باطل من وجهين: الوجه الأول: إن في إثبات هذا المعنى الذي زعموه نفياً لبشرية الرسول صلى الله عليه وسلم التي أمره الله تعالى أن يعلنها في الملأ، قال تعالى: ((قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولاً)) [الإسراء:93]. والبشر مخلوقون من تراب لا من نور قال تعالى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ)) [الروم:20]، وقال تعالى: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ..)) [فاطر: 11] الآية، والآيات كثيرة في هذا المعنى. فربُّ العزة والجلال يخبرنا أن رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بشر، وأن البشر مخلوقون من تراب، فهذا خبر عام يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من بني آدم عليه السلام. فتخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه خلق من نور يحتاج إلى مخصص، ولا مخصص. وأمَّا الحديث المنسوب إلى عبد الرزاق فلا يجوز التخصيص به أصلاً؛ لأنه ليس حديثاً صحيحاً؛ لما سبق ذكره
قال ابن تيمية: (والنبي صلى الله عليه وسلم خُلق مما يخُلق منه البشر، ولم يُخلق أحد من البشر من نور، بل قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله خلق الملائكة من نور، وخلق إبليس من نار، وخلق آدم مما وصف لكم}، وليس تفضيل بعض المخلوقات على بعض باعتبار ما خلقت منه فقط، بل قد يخلق المؤمن من كافر والكافر من مؤمن، كابن نوح منه، وكإبراهيم من آزر، وآدم خلقه الله من طين، فلما سوّاه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وفضله عليهم بتعليمه أسماء كل شيء وبأن خلقه بيديه، وبغير ذلك فهو وصالحو ذريته أفضل من الملائكة وإن كان هؤلاء مخلوقين من طين وهؤلاء من نور) "
والكاتب محق فى نقده فنصوص القرآن تثبت بشريته واعترافه بكونه بشر مخلوق كبقية الخلق من طين
وكرر الكاتب نفس المعنى حيث قال بعدها مباشرة:
"الوجه الثاني: إن الذين قالوا بخلق النبي صلى الله عليه وسلم من نور، غفلوا عن الآية من أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بشر، لا قدرة له إلا قدرة البشر، وإنما يؤيده الله تعالى بالوحي، وبنصره كيف يشاء ربنا ويرضى. وذلك لمّا طلب منه المشركون أموراً ليست في قدرة البشر على سبيل التعجيز، أمره ربه جل وعلا أن يقول: ((قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولًا)) [الإسراء:93] وإنما الله وحده هو المتصرف في جميع الأمور إن شاء أتاكم بما سألتم عنه وإن شاء منع، وهذا دليل واضح على أن ما جاء به صلى الله عليه وسلم من آيات بينات، ودلائل واضحات ليست في قدرة البشر إنما هو أمر من عند الله جل وعلا."
وتناول الغلط العظيم الثانى وهو أن النبي (ص) مخلوق من نور الله تعالى حيث قال :
"المفسدة العقدية الثانية: اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور الله تعالى.
جاء في حديث جابر المزعوم: {أن الله تعالى خلق نور نبيه من نوره}. قال تعالى: ((وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)) [النور:16] نزلت هذه الآية الكريمة في عتاب المؤمنين لمّا تعاطى بعضهم حادثة الإفك على سبيل الحكاية ولم ينكروا ذلك وينزهوا الله تعالى أن يحدث مثل هذا من زوج نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يحكموا على هذه المقالة بأنها بهتان فيجب على كل مسلم أن يُنزّه الله تبارك وتعالى مما نسبه إليه هؤلاء الغلاة من خلق نبيه صلى الله عليه وسلم من نوره سبحانه. وإنما جاؤوا به افتراءً للكذب على الله، قال سبحانه: ((وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ)) [يونس:60]، وقال: ((إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)) [يونس:69]، وقال: ((قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)) [يونس:68] فالمسلم لا ينسب شيئاً إلى الله تعالى أو إلى رسوله صلى الله عليه وسلم إلا وعنده فيه من الله برهان، وقد ذم الله تعالى أقواماً نسبوا إليه القول والفعل من غير برهان منه سبحانه، قال تعالى: ((وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)) [النحل:116]، وقال تعالى: ((مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) [المائدة:103]. ألا يعي هؤلاء الغلاة ما يخرج من رؤوسهم ((مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)) [الكهف:5].
ويترتب على اعتقاد النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور الله تعالى: القول بوحدة الوجود والاتحاد بالله تعالى.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عند أئمة الصوفية خُلق من نور الله تعالى، ثم خُلق من نور النبي صلى الله عليه وسلم بقية المخلوقات. وهذا الذي ذهبوا إليه من خلق العالم أو صدوره عن ذات الله تعالى هو الشق الأول الذي يفسر لنا ما ذهب إليه هؤلاء الغلاة من القول بوحدة الوجود والفناء أو الاتحاد بالله تعالى.
يقول عارفهم ابن عربي: (فلما أراد -الله- وجود العالم وبدأه على حد علمه ما علمه بنفسه انفعل عن تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية، انفعل عنها حقيقة تُسمى الهباء وهي بمنزلة طرح البناء الجص ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور، وهذا أول موجود في العالم... ثم إنه سبحانه تجلى بنوره إلى ذلك الهباء... فلم يكن أقرب إليه قبولاً في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم المسماة بالعقل فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود، فكان وجوده من ذلك النور الإلهي)
ويقول عارفهم عبد الكريم الجيلي: (ولما خلق الله تعالى العالم جميعه من نور محمد صلى الله عليه وسلم كان المحل المخلوق منه إسرافيل قلب محمد صلى الله عليه وسلم) ويقول أيضاً: (... ثم إن العقل الأول المنسوب إلى محمد صلى الله عليه وسلم خلق الله جبريل عليه السلام منه في الأزل، فكان محمد صلى الله عليه وسلم أبا جبريل وأصلاً لجميع العالم) وقال أيضاً: (اعلم أن الله تعالى لما خلق النفس المحمدية من ذاته، وذات الحق جامعة للضدين، خلق الملائكة العالين من حيث صفات الجمال والنور والهدى من نفس محمد صلى الله عليه وسلم)
فَخَلْقُ العالَمِ أو صدوره عن ذات الله تعالى هو الشق الأول الذي يفسر لنا ما ذهب إليه هؤلاء الغلاة من القول بوحدة الوجود أو الاتحاد بالله تعالى، وبيان ذلك يكون بعد إثبات أن ما ذهبوا إليه لم يكن وليد أفكارهم، وإنما كان مستمداً من مصادر فلسفية قديمة تأثروا بها ونقلوها إلى المسلمين، وما زال تأثيرها إلى وقتنا الحاضر."
وكلام الكاتب صحيح وأزيد عليه أن الحديث يقول بوجود أجزاء لله منها جزء أصبح النبى(ص)ويترتب على ذلك أن الله مادة كالمادة الكونية وهو بذلك يشبه خلقه وهو ما نفاه بقوله :
" ليس كمثله شىء"
واما أغاليط الرواية فهى :
الأول إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره وهو ما يعارض أن الخلق خلقوا جميعا من ماء كما قال سبحانه:
" وجعلنا من الماء كل شىء حى"
كما يعارض اعتراف النبى ببشريته وهى كونه طين كما قال سبحانه:
" قل إنما أنا بشر مثلكم"
وقال فى الطينية :
" إنى خالق بشرا من طين"
الثانى التناقض فى تقسيم الجزء الرابع فمرة قسم للسموات والأرض والجنة والنار وهو ثوله :
"ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول السموات، ومن الجزء الثاني الأراضين، ومن الثالث الجنة والنار"
وهو ما يناقض أنه قسم نور أبصار المؤمنين ونور قلوبهم ونور أنسهم حيث قال :
"ثم قسم الجزء الرابع إلى أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم، وهي المعرفة بالله، ومن الثالث نور أنسهم، وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله "
الثالث ذكر أنه قسم الجزء الرابع لأربعة أجزاء ومع هذا المذكور هو ثلاثة فى قوله:
"ثم قسم الجزء الرابع إلى أربعة أجزاء: 1-فخلق من الجزء الأول نور أبصار المؤمنين، 2-ومن الثاني نور قلوبهم، وهي المعرفة بالله،3- ومن الثالث نور أنسهم، وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله "
ولا وجود للجزء الربع فهل تم أكله ؟
الغريب أن الجزء الرابع ليس أيا مما ذكر فى التعارضين لأن هناك تعارض ثالث وهو أن الجزء الرابع خلق منه واحد فقط وهو آدم(ص) وهو قول الرواية:
" ثم خلق الله آدم من الأرض ورَّكب فيه النور وهو الجزء الرابع"
الرابع تقسيم الكون للسموات والأرض والجنة والنار فى قوله" ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول السموات، ومن الجزء الثاني الأراضين، ومن الثالث الجنة والنار"
وهو ما يعارض أن الجنة والنار الموعودتين فى السماء كما قال سبحانه:
" وفى السماء رزقكم وما توعدون"
وفى الوعد قال سبحانه:
" وعد الله المؤمنون والمؤمنات جنات"
وقال أيضا:
""وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم "
ومن ثم فالكون جزئين وليس أربعة كما قالت الرواية لأن الجنة والناء فى أحد الجزئين وهو السموات
الخامس أن النور أصبح قطرات بعدد الرسل وهم ألأنبياء(ص) فى قولهم:
"ثم نظر إليه فترشح النور عرقاً، فتقطرت منه مائة ألف قطرة وعشرين ألفاً وأربعة آلاف قطرة، فخلق الله من كل قطرة روح نبي رسول"
الغريب أن محمد(ص) واحد من ضمن الرسل كما قال سبحانه" محمد رسول الله" فكيف يكون مخلوق قبل الكل ومع هذا يحلق معهم ا
السادس القول "والكروبيون من نوري، والروحانيون من نوري" وهذا كلام مأخوذ من دين اليهود والنصارى فلا وجود للكروبيون ولا للروحانيين فى الإسلام
السابع انتقال النور من صلب إلى صلب حتى وصل لعبد الله والد محمد(ص)بقولهم" ثم انتقل منه إلى شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله ومنه إلى وجه أمي آمنة" وهو كلام يتناقض مع انتشار ذلك النور فى المخلوقات الكونية التى خلقت منه فكيف انتقل لبشر فقط وهو وكموجود فى الرسل والمؤمنين والسموات والأرض وغيرهم ؟
الثامن أن النور المزعوم كان فى الأصلاب وأخيرا أصب خفى وجه آمنة فى قولهم:
"ثم انتقل منه إلى شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله ومنه إلى وجه أمي آمنة"
والمفترض أن يكون فى رحمها وليس فى وجهها لأن الجنين يكون فى الرحم وليس فى الوجه
إنه الاستهبال والاستغفال على القراء والسامعين
التاسع أن محمد(ص) فى قولهم "ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين" هو سيد المرسلين وهو ما يخالف أن هذا تزكية للنفس تتعارض مع قوله سبحانه:
" فلا تزكوا أنفسكم"
كما أنه لا سيادة بين المؤمنين كما قال سبحانه :
"إنما المؤمنون اخوة"
وحتى فى الآخرة اخوة كما قال :
" اخوانا على سرر متقابلين"