معضلات رسائل بولس
الرسالة الأولى الى تيموثاوس 16:3
(الله ظهر في الجسد، تبرّرَ في الروح)
الرسالة الأولى الى تيموثاوس 16:3
(الله ظهر في الجسد، تبرّرَ في الروح)
لم يعد أحد يستشهد بهذه الفقرة من الرسالة المعنونة الى تيموثاوس، ولكن من المهم جدًا سردُ القصة المشهورة المتعلقة بها لتوضيح طبيعة النسخ وأسلوب النسّاخ في التعامل مع نصوص العهد الجديد منذ البدايات.
عام 1707م وضع العلّامة جون ميل (John Mill) نسخته للعهد الجديد باللغة اليونانية معتمدًا على 100 مخطوطة وقعت عليها يده، ووضع ملاحظاتِه وتعليقاتِه في الهامش. ذكر ميل في كتابه هذا وجود ما لا يقلّ عن ثلاثين الفَ (30000) اختلافٍ وتباينٍ بين المخطوطات، مع الإشارة الى أنّه لم يذكر ما وجده غيرَ مهمٍ؛ كالأخطاء الإملائية أو سقوط أو تكرار كلمة، أي أنّه اعتبر كل ما قد ذكره ذا أهمية.
كان جون ميل يشغل منصب القس الملحق لأسقف أوكسفورد ثم القس الملحق للملك تشارلز الثاني.
ولد جوهان ويتستاين (Johann Wettstein) اللاهوتي البروتستانتي السويسري عام 1693م في بازل Basel، وأظهر اهتمامه وشغفه بدراسة العهد الجديد في سنّ مبكّرة. في عام 1713م، ولم يكن عمره قد جاوز العشرين عامًا، وفي امتحانه المعلن دافع عن العهد الجديد بحماسة ضد آراء واستنتاجات جون ميل وقال: "إنّ التنوّع في القراءات لا ينتقص من سلطة الكتاب المقدس، وإنّ رسالته الأساسية تبقى رصينة مهما اختلفت النصوص". تولّى جوهان منصب وزاري في بازل وأصبح خليفةً لوالده على أبرشية سانت ليونارد.
في عام 1715م ذهب جوهان في جولة أدبية الى إنكلترا. وهناك سُمح له، لمنزلته وسمعته العالية، بمعاينة وتصفّح المخطوطة الإسكندرانية. وبينما هو يتصفح بإجلال هكذا نسخة قديمة معتبرة للكتاب المقدس بلغته اليونانية الأصلية، اكتشف شيئاً غيَّرَ كلّ شيء في حياته.
كان أغلب النسّاخ يختصرون الكلمات المقدسة عند كتابتها، حيث يقوم الكاتب بوضع خطٍّ أفقيٍّ فوق الكلمة للإشارة الى أنّها أحرفُ اختصار، ويُعرَف هذا في علم المخطوطات بالـ (nomina sarca). والمقطع الذي صدم جوهان كان بخصوص هذه المعلومة. كان كلٌّ من جوهان ومعظمِ اللاهوتيين المدافعين، يعتبرون ما جاء في الرسالة الأولى المنسوبة لبولس الى تيموثاوس، وبالتحديد الفقرة 16:3 (الله ظهر في الجسد، تبرّرَ في الروح)، دليلًا واضحًا على أنّ العهد الجديد يستعمل كلمة (الله) عند الإشارة للمسيح. في هذا النص، كلمة (الله) التي تكتب هكذا (ΘΕOΣ) باللغة اليونانية، ومن الظاهر أنّها قدِ اخْتُصِرَتْ بكتابة الحرفين الأوّلِ والأخيرِ فقط ، theta Θ وsigma Σ مع وجود الخط الأفقي فوق الحرفين.
لاحظ جوهان أنّ الخط الموجود فوق الحرفين قد كُتب بحبر مخالف عن الحبر الذي كُتب به الحرفان والكلمات المجاورة، مِمّا يعني أنّه (الخط) قد وضع من قبل ناسخ آخر بعد فترة من كتابة النص. بالإضافة الى ذلك، لاحظ أنّ الخط الوسطي في منتصف الحرف theta Θ لم يكن في الحقيقة جزءًا من الحرف. وهذا يعني أنّ الحرفين لم يكونا مختصرًا لكلمة (ΘΕOΣ) الله، بل كانا أصلًا كلمة أخرى تتكوّن من حرفين؛ omicron O وsigma Σ، أي Σ O والتي تعني ببساطة (الذي - who). إذن الجملة لم تكن تتكلم عن الله الذي تحوّل الى جسد، بل هو المسيح نفسه الذي تحوّل الى جسد. بكلمة أخرى: هذه الفقرة لم يُرد بها الإشارةُ الى أنّ المسيحَ هو اللهُ الآب، وإنّما توارث الناس هذا المعنى نتيجة لتلاعب ناسخ غير مؤتمن بالحروف والكلمات ليجعلها تصف هذا المعنى. أخذ جوهان يبحث عن نصوص أخرى في المخطوطة الإسكندرانية طالتها يد النسّاخ، فوجد العديد، منها مثلاً جملة (كنيسة المسيح) في النسخة الإسكندرانية التي تحوّلت الى (كنيسة لله) في سفر أعمال الرسل 28:20. وكذلك الفاصلة اليوحناوية. اقتنع جوهان أنّه حتى النصوص القديمة لا يمكن الاعتماد عليها لمعرفة ماذا أراد الكاتبُ الأوّلُ أن يوضِّحَه لنا. وقال أيضَا: على الأقل يجب أن يكون هنالك تمييز واضح بين الآب والابن، لأنّهما في النهاية ليسا شيئًا واحدًا كما يدّعي أهل الثالوث.
كسب جوهان بآرائه هذه أعداء كثيرون، وأكثرُ مَنْ جابَهَهُ ووقف ضدّه هم أنفسهم من كانوا من قَبْلُ زملاءه وأصدقاءه. وطالب هؤلاء مجلس مدينة بازل أن لا يسمحوا لجوهان أن يطبع أيَّ كتابٍ له ينشر فيه آراءه الهرطوقية. وأصبح جوهان عدو الثالوث والإيمان القويم بنظرهم. بعدها، وباختصار... تمت إقالته من مناصبه الكنسية والمدنية، ثم طرد من مدينة بازل بأكملها.
حديثًا، لا يوجد أيّ كتاب مقدس يدعي الدقّة في الترجمة والتحرير يقبل أن يورد جملة (الله ظهر في الجسد) في الرسالة الأولى الى تيموثاوس، فطبعة New International Version وطبعة English Standard Version وطبعة American Standard Bible وطبعة International Standard Version والكثير الكثير غيرها يُورِدُ إمّا كلمة (He) أو (Christ) بدلًا من (God). طبعاً نستثني منهم طبعة King James Bible وما انحدر منها، مثل New King James Bible وAmerican King James Bible
تعليق