"صُنِع في مصر"
لننحي الحديث عن حفظ القرآن في الصدور قليلًا، لأن هذا مما يعجز النصراني الحائر والمكابر عن مجاراته. ونتحدث عن المكتوبات، التي يتغني بها. وهنا نقطة مهمة جدًا فيما يتعلق بتوزيع المخطوطات المكتوبة بين القرآن الكريم والإنجيل. إذا جئت تنظر إلى المخطوطات القديمة للقرآن الكريم، أي مصاحفنا القديمة، ستجد أنها نُسخت في البدء كلها بإجماع الصحابة ممن عاصر النبوة، وعلى يد كاتب وحي النبي نفسه الذي يكتب بين يدي النبي، وبإجماعهم ومباركتهم تم إرسال النسخ إلى الأمصار، ثم توالت النسخ، فتكتشف مصاحف قديمة في المدينة وفي اليمن، وتجد مصاحف قديمة في مصر، ومصاحف قديمة في العراق ومصاحف قديمة في تركيا ومصاحف قديمة في الشام ومصاحف قديمة في الهند وفي الصين وفي مختلف بلاد العالم. ويجمعها جميعا وحدة النص وسوره وآياته بلا استثناء. وفوق كل هذا تجمعها المتاحف، لغنية المسلمين بالقرآن في الصدور. والخطا البشري وارد، لكن التحريف مصيبة، فمهما يحدث من أخطاء غير متعمدة بشرية من الكاتب وسهوه، تجدها لا تتكاثر ولا تنتشر وتموت في مهدها فيكون مقبرة الخطأ هي نفس المخطوطة أو حتى المطبوعة في يومنا هذا. ويتم تصحيح كل خطا بشري في مهده بما هو متواتر محفوظ يحفظه مئات الآلاف الصغير والكبير والمرأة والرجل، والغني والفقير، بل حتى غير المسلم يستطيع تصحيح الخطأ المكتوب لأي آية!
لكن في المقابل، جميع مخطوطات الأناجيل القديمة لم تخرج إلا من مكان واحد فقط، مصر، التي لا علاقة لها بموطن المسيح ولا تلامذته، وتجد هذه المخطوطات كلها منذ نهاية القرن الثاني إلى الرابع الميلادي، لا يوجد إلا في مصر! لماذا مصر وحدها؟ لقد امتدت الكنائس المبكرة عبر الإمبراطورية الرومانية من قرطاج إلى أنطاكية إلى كابادوكيا إلى روما إلى إسبانيا. من الغريب أن لا تجد ولا وريقة تائهة تسقط من أي مكان من هذه الكنائس! وفي الواقع، لم تستلم مصر أياً من كتابات الرسل أصلًا بخلاف باقي الكنائس في أنطاكية وسوريا وروما وأورشاليم، الخ. وبالتالي لو جاز لنا تسمية الأناجيل الحالية بالأناجيل المصرية لكان أقرب للواقع والتاريخ.
وجميع هذه المخطوطات المصرية، هي ما يُعول عليها النصارى اليوم في كل أنحاء العالم، ويدعون بها سلامة الأناجيل. لعلهم يقصدون سلامة الإنجيل ذو الطابع "صُنع في مصر". لكن حتى هذا الأصل الوحيد الباقي لهم، الأصل المصري، فإن كتبة هؤلاء المخطوطات كتبوها بلغة مختلفة عن لغة المسيح واصحابه، وبلا أي دليل على أنها نُسخ كتبت بأمر من هؤلاء، أو نُسخ لاحقة عنها، بل جاءت بعدهم بقرون، وتجمعها ميزة لن تجد عناءًا في اكتشافها، فقد كان الكتبة واضحين في إبراز مواهبهم، هذه الميزة هي كونك تستطيع تمييز أنه "نص إبداعي جديد محرف"، جميع المخطوطات المصرية (الإنجيلية القديمة) ونصوصها محرفة، مختلفة متناقضة متغايرة لا تتفق واحدة منها مع الأخرى، وإذا وُلِد خطا تكاثر وازدهر ويتحول إلى كلمات، ثم جملة ثم جمل وفقرات تُضاف، وتظهر على أنها وحي في العصور التالية.
قدرة المصريين خطيرة، في محاربة المحتل اليوناني الغافل، لقد كان كثيرٌ من كتبة الاناجيل كما يقول بروس ميتزجر وثنيون، لم يكونوا حتى نصارى. لكنهم استطاعوا اقناع النصراني الغافل التائه في ذلك الزمان، أنهم خير من يقوم بصناعة الإنجيل، إنهم يستطيعون صناعة فقرات الوحي الإنجيلي حتى من الخطأ، لو ارتكب أحدهم خطئًا واحدًا، سيبدعون في إقامة نص كامل وعقيدة كاملة من هذا الخطأ، ولن يراه النصراني. بل ستظهر بعد عقود وتنتشر في الأناجيل، ولن يعرف النصراني المسكين أي شيء إلا أنه يُطعم عقيدة الكاتب المصري الوثني. جبار هذا المصري في ذلك الزمان. ولا يزال هذا الحال قائمًا حتى في زماننا لكن يقوم بالمهمة باقي كتبة أهل الأرض مع المصريين، فزيفوا ولا زالوا يزيفون للنصارى كتابهم، ولازال النصارى يجددون وحيهم ويُضيفون ويطرحون.
إن جميع هذه المخطوطات التي يتغني بها النصارى اليوم، حتى تتوهم من كتر تغنيهم أنها منتشرة في كل كنائس الأرض، وليست آتية من مصر وحدها، ستجد أن جميع هذه المخطوطات المصرية يجمعها جميعا شهادة قوية يشهد بها أوريجانوس عليها، وهو الذي عاش في الإسكندرية بين ظهراني هؤلاء المبدعين الجبابرة:
يقول أوريجانوس في أوائل القرن الميلادي الثالث: "... أصبحت الاختلافات بين المخطوطات [للأناجيل] كبيرة، إما من خلال إهمال بعض النساخ أو من خلال الجرأة الشريرة للآخرين؛ فهم إما يتجاهلون التحقق مما كتبوه، أو في عملية التحقق، يطيلون أو يقصرون كما يحلو لهم ". (بروس ميتزجر، نص العهد الجديد: انتقاله وفساده واستعادته، الطبعة الثالثة (1991)، ص 151-152).
لذا كانت المهمة ثقيلة على أوريجانوس في محاولة استعادة نص مفقود تائه بين آلاف الأخطاء ولم يستطع ولايزال النصارى اليوم حائرون مع علماء النقد النصي في استعادة نص دفن حقائقه المصريون!