أحببت نقل هذا الفصل لأهميته
أقوال شيخ الإسلام في:
1- ذم النواصب
2- فضل على - رضي الله عنه -
منقول من كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية لم يكن ناصبياً
المؤلف: سليمان بن صالح الخراشي
الناشر: دار الوطن للنشر، الرياض
الطبعة: الأولى، ١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م
==================
أولاً: ذم شيخ الإسلام للنواصب
مما يدفع هذه الفرية عن شيخ الإسلام أنه كان شديد الذم للنواصب بطوائفهم، والخوارج الذين اتخذوا بغض علي - رضي الله عنه - ديناً يدينون الله به، وتجرأ بعضهم على تكفيره، أو تفسيقه، أو سبه وشتمه، والعياذ بالله.
وكان - رحمه الله - يكثر من ذم هؤلاء في كتابه " منهاج السنة " فلو كان ناصبياً كما يزعم أعداؤه لأثنى عليهم، أو دافع عن مواقفهم، والتمس العذر منهم.
ولكنه مع هذا الذم لهم يرى أنهم خير من الرافضة، أهل الكذب والنفاق.
يقول شيخ الإسلام: (لا تجد أحداً ممن تذمه الشيعة بحق أو باطل إلا وفيهم من هو شر منه، ولا تجد أحداً ممن تمدحه الشيعة إلا وفيمن تمدحه الخوراج من هو خير منه، فإن الروافض شر من النواصب، والذين تكفرهم أو تفسقهم الروافض هم أفضل من الذين تكفرهم أو تفسقهم النواصب.
وأما أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين، ويتكلمون بعلم وعدل، ليسوا من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء، ويتبرؤن من طريقة الروافض والنواصب جميعاً، ويتولون السابقين والأولين كلهم، ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم، ويرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله لهم، ولا يرضون بما فعله المختار ونحوه من الكذابين، ولا ما فعله الحجاج ونحوه من الظالمين، ويعلمون مع هذا مراتب السابقين الأولين، فيعلمون أن لأبي بكر وعمر من التقدم والفضائل ما لم يشاركهما فيها أحد من الصحابة، لا عثمان ولا علي ولا غيرهما)
ويقول: (وهؤلاء هم الذين نصبوا العداوة لعلي ومن والاه، وهم الذين استحلوا قتله وجعلوه كافراً، وقتله أحد رؤوسهم " عبد الرحمن بن ملجم المرادي " فهؤلاء النواصب الخوارج المارقون إذا قالوا: إن عثمان وعلي بن أبي طالب ومن معهما كانوا كفاراً مرتدين، فإن من حجة المسلمين عليهم ما تواتر من إيمان الصحابة، وما ثبت بالكتاب السنة الصحيحة من مدح الله تعالى لهم، وثناء الله عليهم، ورضاء عنهم، وإخباره بأنهم من أهل الجنة، ونحو ذلك من النصوص، ومن لم يقبل هذه الحجج لم يمكنه أن يثبت إيمان علي بن أبي طالب وأمثاله.
فإنه لو قال هذا الناصبي للرافضي: إن علياً كان كافراً، أو فاسقاً ظالماً، وأنه قاتل على الملك: لطلب الرياسة، لا للدين وأنه قتل " من أهل الملة " من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجمل، وصفين، وحروراء، ألوفاً مؤلفة، ولم يقاتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كافراً، ولا فتح مدينة، بل قاتل أهل القبلة، نحو هذا الكلام - الذي تقوله النواصب المبغضون لعلي - رضي الله عنه - لم يمكن أن يجيب هؤلاء النواصب إلا أهل السنة والجماعة، الذين يحبون السابقين الأولين كلهم، ويوالونهم.
فيقولون لهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، ونحوهم، ثبت بالتواتر إيمانهم وهجرتهم وجهادهم، وثبت في القرآن ثناء الله عليهم، والرضى عنهم، وثبت بالأحاديث الصحيحة ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم خصوصاً وعموماً، كقوله في الحديث المستفيض عن: " لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً "، وقوله: " إنه قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر "، وقوله عن عثمان: " ألا أستحي ممن نستحي منه الملائكة "؟ وقوله لعلي: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله علي يديه " وقوله: " لكل نبي حواريون، وحواريي الزبير " وأمثال ذلك.
وأما الرافضي فلا يمكنه إقامة الحجة على من يبغض علياً من النواصب، كما يمكن ذلك أهل السنة، الذين يحبون الجميع)
قلت: وفي كلام شيخ الإسلام الآتي صرح رحمه الله بأنه ليس ناصبياً، وأن الشام كلها لم يبق فيها نواصب، وهو قول صريح من الشيخ يرد به على من يظن به هذا الظن
قال - رحمه الله -:
(وأما جواز الدعاء للرجل وعليه فبسط هذه المسئلة في الجنائز، فإن موتى المسلمين يصلي عليهم برهم وفاجرهم، وإن لعن الفاجر مع ذلك بعينه أو بنوعه، لكن الحال الأولى أوسط وأعدل، وبذلك أجبت مقدم المغل بولاي، لما قدموا دمشق في الفتنة الكبيرة، وجرت بيني وبينه وبين غيره مخاطبات، فسألني فيما سألني: ما تقول في يزيد؟ فقلت: لا نسبه ولا نحبه، فإنه لم يكن رجلاً صالحاً فنحبه، ونحن لا نسب أحداً من المسلمين بعينه.
فقال: أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالماً؟ أما قتل الحسين؟
فقلت له: نحن إذا ذكر الظالمون كالحججاج بن يوسف وأمثاله: نقول كما قال الله في القرآن: (ألا لعنه الله على الظلمين) ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه، وقد لعنه قوم من العلماء وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن.
وأما من قتل " الحسين " أو أعان على قتله، أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
قال: فما تحبون أهل البيت؟
قلت: محبتهم عندنا فرض واجب، يؤجر عليه، فإنه قد ثبت عندنا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعي خماً، بين مكة والمدينة فقال " أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله " فذكر كتاب الله وحض عليه، ثم قال: " وعترتي أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي " قلت لمقدم: ونحن نقول في صلاتنا كل يوم: " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد "
قال مقدم: فمن يبغض أهل البيت؟
قلت: من أبغضهم فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
ثم قلت للوزير المغولي: لأي شئ قال عن يزيد وهذا تتري؟
قال: قد قالوا له إن أهل دمشق نواصب.
قلت بصوت عال: يكذب الذي قال هذا، ومن قال هذا فعليه لعنة الله، والله ما في أهل دمشق نواصب، وما علمت فيهم ناصبياً ولو تنقص أحد علياً بدمشق لقام المسلمون عليه، لكن كان قديماً - لما كان بنو أمية ولاة البلاد - بعض بني أمية ينصب العداوة لعلي ويسبه، وأما اليوم فما بقي من أولئك أحد)
================================================== =============================
ثانياً: أقوال شيخ الأسلام في فضل علي - رضي الله عنه -
لشيخ الإسلام - رحمه الله - مواضع عديدة يمدح فيها علياً رضي الله عنه، ويثني عليه، وينزله في المنزلة الرابعة بعد أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - كما هو منهج أهل السنة والجماعة، وهي واضحة صريحة تلوح لكل قارئ لكتب الشيخ، فلا أدري كيف زاغت عنها أبصار أهل البدعة والشانئين لشيخ الإسلام؟
وقد أحببت جمع بعضها في هذا المبحث ليقرأها كل منصف وطالب للحق من أولئك النفر، ولكي تقر بها أعين أهل السنة، فلا يحوك في صدر أحدهم وسواس أهل البدع تجاه شيخ الإسلام، عندما يطلعون على تلك الاتهامات الظالمة.
وقد أكثرت من النقل عن كتاب " منهاج السنة " لأنه عمدة الطاعنين والمتهمين للشيخ بأن فيه عبارات توحي بانحرافه عن علي - رضي الله عنه - أو توهم تنقصه له، فوددت أن أبين لهؤلاء أنهم قوم لم يفقهوا مقاصد الشيخ من عباراته لأنهم ينظرون بعين السخط وعين العداوة في الدين ومثل هذه الأعين لا يفلح صاحبها
وأبدأ هذه المواضع بذكر مجمل عقيدته - رحمه الله - في الصحابة نقلاً عن " العقيدة الواسطية " وهي عقيدته الشهيرة التي كتبها بيده ونافح عنها في حياته أمام أهل البدع.
قال رحمه الله: (ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله في قوله تعالى: (والذين جاءو من بعدهم يقولون رينا اغفر لنا ولإخوننا الذين سبقونا بالإيمن ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم) .
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصفيه "
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح وقاتل - وهو صلح الحديبية - على من أنفق من بعده وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر -: " اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم " وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة -
ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة، وثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة.
ويقرون بما تواتر بن النقل عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي رضي الله عنهم، كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع على تقديم عثمان في البيعة، مع أن بعض … أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي - - بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل، فقدم قوم عثمان وسكتوا، أو ربعوا بعلي وقدم قوم علياً، وقوم توقفوا، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي.
وإن كانت هذه المسألة - مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة، وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد هؤلاء فهو أضل من حمار أهله)
وأما المواضع التي ذكر فيها فضل علي - رضي الله عنه - ودافع عنه:
فمن ذلك قوله - رحمه الله -:
(فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم، ولله الحمد، ومن طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني، لا يحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يعلم صدقه)
ومن ذلك قوله:
(وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن، فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات علي، فعلي اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متولياً على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وأمواتاً)
ومن ذلك قوله:
(وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله)
ومن ذلك قوله (لا ريب أن موالاة علي واجبة على كل مؤمن، كما يجب على كل مؤمن موالاة أمثاله من المؤمنين)
ومن ذلك أنه سئل - رحمه الله -:
عن رجل قال عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إنه ليس من أهل البيت، ولا تجوز الصلاة عليه، والصلاة عليه بدعة؟
فأجاب: أما كون علي بن أبي طالب من أهل البيت فهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين، وهو أظهر عند المسلمين من أن يحتاج إلى دليل، بل هو أفضل أهل البيت، وأفضل بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عن النبي أنه أدار كساءه على علي، وفاطمة، وحسن، وحسين، فقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنه الرجس وطهرهم تطهيراً "
وأما الصلاة عليه منفرداً فهذا ينبني على أنه هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً؟ مثل أن يقول: اللهم صلى على عمر أو علي. وقد تنازع العلماء في ذلك.
فذهب مالك، والشافعي، وطائفة من الحنابلة: إلى أنه
لا يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً، كما روي عن ابن عباس أنه قال: لا أعلم الصلاة تنبغي على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب الإمام أحمد وأكثر أصحابه إلى أنه لا بأس بذلك، لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لعمر بن الخطاب: صلى الله عليك. وهذا القول أصح وأولى.
ولكن إفراد واحد من الصحابة والقرابة كعلي أو غيره بالصلاة عليه دون غيره مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم، بحيث يجعل ذلك شعاراً معروفاً باسمه: هذا هو البدعة)
ومن ذلك أنه يفضله بعبارة صريحة واضحة على معاوية، وعلى من هو أفضل من معاوية، ولو رغمت أنوف النواصب، يقول رحمه الله:
(ليس من أهل السنة من يجعل بغض علي طاعة ولا حسنة، ولا يأمر بذلك، ولا من يجعل مجرد حبه سيئة ولا معصية، ولا ينهي عن ذلك.
وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله مناقبه، ويذم الذين يظلمونه من جميع الفرق، وهم ينكرون على من سبه، وكارهون لذلك، وما جرى من التساب والتلاعن بين العسكرين، من جنس ما جرى من القتال، وأهل السنة من أشد الناس بغضاً وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب.
بل هم كلهم متفقون على أنه أجل قدراً، وأحق بالإمامة، وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيراً منه، وعلي أفضل ممن هو أفضل من معاوية رضي الله عنه، فالسابقون الأولون الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم أفضل من معاوية، وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم، وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة، بل هو أفضل منهم كلهم إلا الثلاثة، فليس في أهل السنة من يقدم عليه أحداً غير الثلاثة، بل يفضلونه على جمهور أهل بدر وأهل بيعة الرضوان، وعلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار)
ومن ذلك أنه: يرد علي قول الرافضي بأن علياً سيف الله المسلول وليس خالد بن الوليد، فيقول:
(وأما قوله أي الرافضي: " علي أحق بهذا الاسم "
فيقال: أولاً من الذي نازع في ذلك؟ ومن قال: إن علياً لم يكن سيفاً من سيوف الله؟ وقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي ثبت
في الصحيح يدل على أن لله سيوفاً متعددة، ولا ريب أن علياً من أعظمها ، وما في المسلمين من يفضل خالداً على علي، حتى يقال: إنهم جعلوا هذا مختصا بخالد. والتسمية بذلك وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، فهو صلى الله عليه وسلم الذي قال: إن خالداً سيف من سيوف الله.
ثم يقال ثانياً: علي أجل قدراً من خالد، وأجل من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله؟ فإن عليا له من العلم والبيان والدين والإيمان والسابقة ما هو به أعظم من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله، فإن السيف خاصته القتال، وعلي كان القتال أحد فضائله، بخلاف خالد فإنه كان هو فضيلته التي تميز بها عن غيره، لم يتقدم بسابقة ولا كثرة علم ولا عظيم زهد، وإنما تقدم بالقتال، فلهذا عبر عن خالد بأنه سيف من سيوف الله)
ومن ذلك قوله:
(فكيف يظن بعلي - رضي الله عنه - وغيره من أهل البيت أنهم كانوا أضعف ديناً وقلوباُ من الأسرى في بلاد الكفر، ومن عوام أهل السنة، ومن النواصب)
ومن ذلك أنه يرد أكاذيب الروافض في فضل علي، وأنه قاتل الجن، وأن الجن تحتاجه، بقوله:
(لا ريب أن من دون علي بكثير تحتاج الجن إليه وتستفتيه وتسأله، وهذا معلوم قديماً وحديثاً، فإن كان هذا قد وقع، فقدره أجل من ذلك. وهذا من أدنى فضائل من هو دونه. وإن لم يكن وقع، لم ينقص فضله بذلك)
ويقول - رحمه الله - مبيناً شجاعة علي - رضي الله عنه -:
(لا ريب أن علياً رضي الله عنه كان من شجعان الصحابة، وممن نصر الله الإسلام بجهاده، ومن كبار السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ومن سادات من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله، وممن قاتل بسيفه عدداً من الكفار)
ومن ذلك قوله:
(أما زهد علي رضي الله عنه في المال فلا ريب فيه، لكن الشأن أنه كان أزهد من أبي بكر وعمر)
ومن ذلك قوله:
(نحن نعلم أن علياً كان أتقى لله من أن يتعمد الكذب، كما أن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم كانوا أتقى لله من أن يتعمدوا للكذب)
ومن ذلك أنه سئل - رحمه الله -:
(عمن قال: إن علياً قاتل الجن في البئر؟ وأنه حمل على اثني عشر ألفاً وهزمهم؟
فأجاب: لم يحمل أحد من الصحابة وحده لا في اثني عشر ألفاً ولا في عشرة آلاف، لا علي ولا غيره، بل أكثر عدد اجتمع على النبي صلى الله عليه وسلم هم الأحزاب الذين حاصروه بالخندق، وكانوا قريباً من هذه العدة، وقتل علي رجلاً من الأحزاب اسمه " عمرو بن عبدود العامري ".
ولم يقاتل أحد من الإنس للجن، لا علي ولا غيره، بل علي كان أجل قدراً من ذلك، والجن الذين يتبعون الصحابة يقاتلون كفار الجن، لا يحتاجون في ذلك إلى قتال الصحابة معهم)
ومن ذلك أنه - رحمه الله - يرى أن الذين لم يقاتلوا علياً - رضي الله عنه - هم أحب إلى أهل السنة ممن قاتله، وأن أهل السنة يدافعون عنه بقوة أمام اتهامات النواصب والخوارج، يقول:
(وأيضاً فأهل السنة يحبون الذين لم يقاتلوا علياً أعظم مما يحبون من قاتلفه، ويفضلون من لم يقاتله على من قاتله، كسعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم.
فهؤلاء أفضل من الذين قاتلوا علياً عند أهل السنة. والحب لعلي وترك قتاله خير بإجماع أهل السنة من بغضه وقتاله، وهم متفقون على وجوب موالاته ومحبته، وهم من أشد الناس ذبا عنه، ورداً على من طعن عليه من الخوارج وغيرهم من النواصب، لكن لكل مقام مقال)
ومن ذلك أنه يفضل الصحابة الذين كانوا مع علي على الصحابة الذين كانوا مع معاوية - رضي الله عنهم أجمعين - يقول:
(معلوم أن الذين كانوا مع علي من الصحابة مثل: عمار وسهل بن حنيف ونحوهما كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية)
ومن ذلك أنه يرد على من تأول حديث " عمار تقتله الفئة الباغية " بأن علياً هو الذي قتله لأنه الذي أحضره إلى المعركة معه، فيقول:
(وأما تأويل من تأوله: أن علياً وأصحابه قتلوه، وأن الباغية الطالبة بدم عثمان، فهذا من التأويلات الظاهرة الفساد، التي يظهر فسادها للعامة والخاصة) .
ومن ذلك أنه يبرئه من دم عثمان - -
فيقول: (وتولى علي على إثر ذلك، والفتنة قائمة، وهو عند كثير منهم متلطخ بدم عثمان، والله يعلم براءته مما نسبه إليه الكاذبون عليه، المبغضون له، كما نعلم براءته مما نسبه إليه الغالون فيه، المبغضون لغيره من الصحابة، فإن عليا لم يعن على قتل عثمان ولا رضي به، كما ثبت عنه - وهو الصادق - أنه قال ذلك) .
ومن ذلك أنه يقول - رحمه الله -:
(إن قتل علي وأمثاله من أعظم المحاربة لله ورسوله والفساد في الأرض)
وينكر شيخ الإسلام علي الجهلة الذين يطعنون في علي - رضي الله عنه - في مقابل الروافض الذين يطعنون في الصحابة، فهو يقول عن بعض أهل السنة بأن:
(فيهم نفرة عن قول المبتدعة، بسبب تكذيبهم بالحق ونفيهم له، فيعرضون عن ما يثبتونه من الحق أو ينفرون منه، أو يكذبون به، كما قد يصير بعض جهالة المتسننة في إعراضه عن بعض فضائل علي وأهل البيت، إذا رأى أهل البدعة يغلون فيها، بل بعض المسلمين يصير في الإعراض عن فضائل موسى وعيسى بسبب اليهود والنصارى بعض ذلك، حتى يحكى عن قوم من الجهال أنهم ربما شتموا المسيح إذا سمعوا النصارى يشتمون نبينا في الحرب.
وعن بعض الجهال أنه قال:
سبوا علياً كما سبوا عتيقكم … كفراً بكفر وإيماناً بإيمان)
هذه مواضع يسيرة مما نقل عن شيخ الإسلام - رحمه الله - في فضل علي - رضي الله عنه - ودفاعه الحار عنه أمام أعدائه، وتبرئته مما نسبوه إليه.
فهل يقال بعد هذا كما قال هؤلاء المبتدعة الجائرون بأنه - رحمه الله - كان منحرفاً عن علي - رضي الله عنه - أو أنه تنقصه في كتبه؟
سبحانك هذا بهتان عظيم؟ لا يقوله أدنى مسلم فضلاً عن شيخ الإسلام الذي تصرمت حبال أيامه تقرير عقيدة السلف الصالح، ومن ضمنها تفضيل علي رضي الله عنه وجعله الخليفة الرابع الراشد، واعتقاد أنه على الحق أمام من حاربه وخالفه.
ولكن ذنب شيخ الإسلام عند هؤلاء المبتدعة أنه لم يغل في علي كما غلوا، أو يتجاوز به قدره الذي أراده الله له
أقوال شيخ الإسلام في:
1- ذم النواصب
2- فضل على - رضي الله عنه -
منقول من كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية لم يكن ناصبياً
المؤلف: سليمان بن صالح الخراشي
الناشر: دار الوطن للنشر، الرياض
الطبعة: الأولى، ١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م
==================
أولاً: ذم شيخ الإسلام للنواصب
مما يدفع هذه الفرية عن شيخ الإسلام أنه كان شديد الذم للنواصب بطوائفهم، والخوارج الذين اتخذوا بغض علي - رضي الله عنه - ديناً يدينون الله به، وتجرأ بعضهم على تكفيره، أو تفسيقه، أو سبه وشتمه، والعياذ بالله.
وكان - رحمه الله - يكثر من ذم هؤلاء في كتابه " منهاج السنة " فلو كان ناصبياً كما يزعم أعداؤه لأثنى عليهم، أو دافع عن مواقفهم، والتمس العذر منهم.
ولكنه مع هذا الذم لهم يرى أنهم خير من الرافضة، أهل الكذب والنفاق.
يقول شيخ الإسلام: (لا تجد أحداً ممن تذمه الشيعة بحق أو باطل إلا وفيهم من هو شر منه، ولا تجد أحداً ممن تمدحه الشيعة إلا وفيمن تمدحه الخوراج من هو خير منه، فإن الروافض شر من النواصب، والذين تكفرهم أو تفسقهم الروافض هم أفضل من الذين تكفرهم أو تفسقهم النواصب.
وأما أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين، ويتكلمون بعلم وعدل، ليسوا من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء، ويتبرؤن من طريقة الروافض والنواصب جميعاً، ويتولون السابقين والأولين كلهم، ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم، ويرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله لهم، ولا يرضون بما فعله المختار ونحوه من الكذابين، ولا ما فعله الحجاج ونحوه من الظالمين، ويعلمون مع هذا مراتب السابقين الأولين، فيعلمون أن لأبي بكر وعمر من التقدم والفضائل ما لم يشاركهما فيها أحد من الصحابة، لا عثمان ولا علي ولا غيرهما)
ويقول: (وهؤلاء هم الذين نصبوا العداوة لعلي ومن والاه، وهم الذين استحلوا قتله وجعلوه كافراً، وقتله أحد رؤوسهم " عبد الرحمن بن ملجم المرادي " فهؤلاء النواصب الخوارج المارقون إذا قالوا: إن عثمان وعلي بن أبي طالب ومن معهما كانوا كفاراً مرتدين، فإن من حجة المسلمين عليهم ما تواتر من إيمان الصحابة، وما ثبت بالكتاب السنة الصحيحة من مدح الله تعالى لهم، وثناء الله عليهم، ورضاء عنهم، وإخباره بأنهم من أهل الجنة، ونحو ذلك من النصوص، ومن لم يقبل هذه الحجج لم يمكنه أن يثبت إيمان علي بن أبي طالب وأمثاله.
فإنه لو قال هذا الناصبي للرافضي: إن علياً كان كافراً، أو فاسقاً ظالماً، وأنه قاتل على الملك: لطلب الرياسة، لا للدين وأنه قتل " من أهل الملة " من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجمل، وصفين، وحروراء، ألوفاً مؤلفة، ولم يقاتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كافراً، ولا فتح مدينة، بل قاتل أهل القبلة، نحو هذا الكلام - الذي تقوله النواصب المبغضون لعلي - رضي الله عنه - لم يمكن أن يجيب هؤلاء النواصب إلا أهل السنة والجماعة، الذين يحبون السابقين الأولين كلهم، ويوالونهم.
فيقولون لهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، ونحوهم، ثبت بالتواتر إيمانهم وهجرتهم وجهادهم، وثبت في القرآن ثناء الله عليهم، والرضى عنهم، وثبت بالأحاديث الصحيحة ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم خصوصاً وعموماً، كقوله في الحديث المستفيض عن: " لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً "، وقوله: " إنه قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر "، وقوله عن عثمان: " ألا أستحي ممن نستحي منه الملائكة "؟ وقوله لعلي: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله علي يديه " وقوله: " لكل نبي حواريون، وحواريي الزبير " وأمثال ذلك.
وأما الرافضي فلا يمكنه إقامة الحجة على من يبغض علياً من النواصب، كما يمكن ذلك أهل السنة، الذين يحبون الجميع)
قلت: وفي كلام شيخ الإسلام الآتي صرح رحمه الله بأنه ليس ناصبياً، وأن الشام كلها لم يبق فيها نواصب، وهو قول صريح من الشيخ يرد به على من يظن به هذا الظن
قال - رحمه الله -:
(وأما جواز الدعاء للرجل وعليه فبسط هذه المسئلة في الجنائز، فإن موتى المسلمين يصلي عليهم برهم وفاجرهم، وإن لعن الفاجر مع ذلك بعينه أو بنوعه، لكن الحال الأولى أوسط وأعدل، وبذلك أجبت مقدم المغل بولاي، لما قدموا دمشق في الفتنة الكبيرة، وجرت بيني وبينه وبين غيره مخاطبات، فسألني فيما سألني: ما تقول في يزيد؟ فقلت: لا نسبه ولا نحبه، فإنه لم يكن رجلاً صالحاً فنحبه، ونحن لا نسب أحداً من المسلمين بعينه.
فقال: أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالماً؟ أما قتل الحسين؟
فقلت له: نحن إذا ذكر الظالمون كالحججاج بن يوسف وأمثاله: نقول كما قال الله في القرآن: (ألا لعنه الله على الظلمين) ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه، وقد لعنه قوم من العلماء وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن.
وأما من قتل " الحسين " أو أعان على قتله، أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
قال: فما تحبون أهل البيت؟
قلت: محبتهم عندنا فرض واجب، يؤجر عليه، فإنه قد ثبت عندنا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعي خماً، بين مكة والمدينة فقال " أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله " فذكر كتاب الله وحض عليه، ثم قال: " وعترتي أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي " قلت لمقدم: ونحن نقول في صلاتنا كل يوم: " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد "
قال مقدم: فمن يبغض أهل البيت؟
قلت: من أبغضهم فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
ثم قلت للوزير المغولي: لأي شئ قال عن يزيد وهذا تتري؟
قال: قد قالوا له إن أهل دمشق نواصب.
قلت بصوت عال: يكذب الذي قال هذا، ومن قال هذا فعليه لعنة الله، والله ما في أهل دمشق نواصب، وما علمت فيهم ناصبياً ولو تنقص أحد علياً بدمشق لقام المسلمون عليه، لكن كان قديماً - لما كان بنو أمية ولاة البلاد - بعض بني أمية ينصب العداوة لعلي ويسبه، وأما اليوم فما بقي من أولئك أحد)
================================================== =============================
ثانياً: أقوال شيخ الأسلام في فضل علي - رضي الله عنه -
لشيخ الإسلام - رحمه الله - مواضع عديدة يمدح فيها علياً رضي الله عنه، ويثني عليه، وينزله في المنزلة الرابعة بعد أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - كما هو منهج أهل السنة والجماعة، وهي واضحة صريحة تلوح لكل قارئ لكتب الشيخ، فلا أدري كيف زاغت عنها أبصار أهل البدعة والشانئين لشيخ الإسلام؟
وقد أحببت جمع بعضها في هذا المبحث ليقرأها كل منصف وطالب للحق من أولئك النفر، ولكي تقر بها أعين أهل السنة، فلا يحوك في صدر أحدهم وسواس أهل البدع تجاه شيخ الإسلام، عندما يطلعون على تلك الاتهامات الظالمة.
وقد أكثرت من النقل عن كتاب " منهاج السنة " لأنه عمدة الطاعنين والمتهمين للشيخ بأن فيه عبارات توحي بانحرافه عن علي - رضي الله عنه - أو توهم تنقصه له، فوددت أن أبين لهؤلاء أنهم قوم لم يفقهوا مقاصد الشيخ من عباراته لأنهم ينظرون بعين السخط وعين العداوة في الدين ومثل هذه الأعين لا يفلح صاحبها
وأبدأ هذه المواضع بذكر مجمل عقيدته - رحمه الله - في الصحابة نقلاً عن " العقيدة الواسطية " وهي عقيدته الشهيرة التي كتبها بيده ونافح عنها في حياته أمام أهل البدع.
قال رحمه الله: (ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله في قوله تعالى: (والذين جاءو من بعدهم يقولون رينا اغفر لنا ولإخوننا الذين سبقونا بالإيمن ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم) .
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصفيه "
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح وقاتل - وهو صلح الحديبية - على من أنفق من بعده وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر -: " اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم " وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة -
ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة، وثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة.
ويقرون بما تواتر بن النقل عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي رضي الله عنهم، كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع على تقديم عثمان في البيعة، مع أن بعض … أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي - - بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل، فقدم قوم عثمان وسكتوا، أو ربعوا بعلي وقدم قوم علياً، وقوم توقفوا، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي.
وإن كانت هذه المسألة - مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة، وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد هؤلاء فهو أضل من حمار أهله)
وأما المواضع التي ذكر فيها فضل علي - رضي الله عنه - ودافع عنه:
فمن ذلك قوله - رحمه الله -:
(فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم، ولله الحمد، ومن طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني، لا يحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يعلم صدقه)
ومن ذلك قوله:
(وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن، فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات علي، فعلي اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متولياً على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وأمواتاً)
ومن ذلك قوله:
(وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله)
ومن ذلك قوله (لا ريب أن موالاة علي واجبة على كل مؤمن، كما يجب على كل مؤمن موالاة أمثاله من المؤمنين)
ومن ذلك أنه سئل - رحمه الله -:
عن رجل قال عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إنه ليس من أهل البيت، ولا تجوز الصلاة عليه، والصلاة عليه بدعة؟
فأجاب: أما كون علي بن أبي طالب من أهل البيت فهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين، وهو أظهر عند المسلمين من أن يحتاج إلى دليل، بل هو أفضل أهل البيت، وأفضل بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عن النبي أنه أدار كساءه على علي، وفاطمة، وحسن، وحسين، فقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنه الرجس وطهرهم تطهيراً "
وأما الصلاة عليه منفرداً فهذا ينبني على أنه هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً؟ مثل أن يقول: اللهم صلى على عمر أو علي. وقد تنازع العلماء في ذلك.
فذهب مالك، والشافعي، وطائفة من الحنابلة: إلى أنه
لا يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً، كما روي عن ابن عباس أنه قال: لا أعلم الصلاة تنبغي على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب الإمام أحمد وأكثر أصحابه إلى أنه لا بأس بذلك، لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لعمر بن الخطاب: صلى الله عليك. وهذا القول أصح وأولى.
ولكن إفراد واحد من الصحابة والقرابة كعلي أو غيره بالصلاة عليه دون غيره مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم، بحيث يجعل ذلك شعاراً معروفاً باسمه: هذا هو البدعة)
ومن ذلك أنه يفضله بعبارة صريحة واضحة على معاوية، وعلى من هو أفضل من معاوية، ولو رغمت أنوف النواصب، يقول رحمه الله:
(ليس من أهل السنة من يجعل بغض علي طاعة ولا حسنة، ولا يأمر بذلك، ولا من يجعل مجرد حبه سيئة ولا معصية، ولا ينهي عن ذلك.
وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله مناقبه، ويذم الذين يظلمونه من جميع الفرق، وهم ينكرون على من سبه، وكارهون لذلك، وما جرى من التساب والتلاعن بين العسكرين، من جنس ما جرى من القتال، وأهل السنة من أشد الناس بغضاً وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب.
بل هم كلهم متفقون على أنه أجل قدراً، وأحق بالإمامة، وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيراً منه، وعلي أفضل ممن هو أفضل من معاوية رضي الله عنه، فالسابقون الأولون الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم أفضل من معاوية، وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم، وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة، بل هو أفضل منهم كلهم إلا الثلاثة، فليس في أهل السنة من يقدم عليه أحداً غير الثلاثة، بل يفضلونه على جمهور أهل بدر وأهل بيعة الرضوان، وعلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار)
ومن ذلك أنه: يرد علي قول الرافضي بأن علياً سيف الله المسلول وليس خالد بن الوليد، فيقول:
(وأما قوله أي الرافضي: " علي أحق بهذا الاسم "
فيقال: أولاً من الذي نازع في ذلك؟ ومن قال: إن علياً لم يكن سيفاً من سيوف الله؟ وقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي ثبت
في الصحيح يدل على أن لله سيوفاً متعددة، ولا ريب أن علياً من أعظمها ، وما في المسلمين من يفضل خالداً على علي، حتى يقال: إنهم جعلوا هذا مختصا بخالد. والتسمية بذلك وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، فهو صلى الله عليه وسلم الذي قال: إن خالداً سيف من سيوف الله.
ثم يقال ثانياً: علي أجل قدراً من خالد، وأجل من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله؟ فإن عليا له من العلم والبيان والدين والإيمان والسابقة ما هو به أعظم من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله، فإن السيف خاصته القتال، وعلي كان القتال أحد فضائله، بخلاف خالد فإنه كان هو فضيلته التي تميز بها عن غيره، لم يتقدم بسابقة ولا كثرة علم ولا عظيم زهد، وإنما تقدم بالقتال، فلهذا عبر عن خالد بأنه سيف من سيوف الله)
ومن ذلك قوله:
(فكيف يظن بعلي - رضي الله عنه - وغيره من أهل البيت أنهم كانوا أضعف ديناً وقلوباُ من الأسرى في بلاد الكفر، ومن عوام أهل السنة، ومن النواصب)
ومن ذلك أنه يرد أكاذيب الروافض في فضل علي، وأنه قاتل الجن، وأن الجن تحتاجه، بقوله:
(لا ريب أن من دون علي بكثير تحتاج الجن إليه وتستفتيه وتسأله، وهذا معلوم قديماً وحديثاً، فإن كان هذا قد وقع، فقدره أجل من ذلك. وهذا من أدنى فضائل من هو دونه. وإن لم يكن وقع، لم ينقص فضله بذلك)
ويقول - رحمه الله - مبيناً شجاعة علي - رضي الله عنه -:
(لا ريب أن علياً رضي الله عنه كان من شجعان الصحابة، وممن نصر الله الإسلام بجهاده، ومن كبار السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ومن سادات من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله، وممن قاتل بسيفه عدداً من الكفار)
ومن ذلك قوله:
(أما زهد علي رضي الله عنه في المال فلا ريب فيه، لكن الشأن أنه كان أزهد من أبي بكر وعمر)
ومن ذلك قوله:
(نحن نعلم أن علياً كان أتقى لله من أن يتعمد الكذب، كما أن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم كانوا أتقى لله من أن يتعمدوا للكذب)
ومن ذلك أنه سئل - رحمه الله -:
(عمن قال: إن علياً قاتل الجن في البئر؟ وأنه حمل على اثني عشر ألفاً وهزمهم؟
فأجاب: لم يحمل أحد من الصحابة وحده لا في اثني عشر ألفاً ولا في عشرة آلاف، لا علي ولا غيره، بل أكثر عدد اجتمع على النبي صلى الله عليه وسلم هم الأحزاب الذين حاصروه بالخندق، وكانوا قريباً من هذه العدة، وقتل علي رجلاً من الأحزاب اسمه " عمرو بن عبدود العامري ".
ولم يقاتل أحد من الإنس للجن، لا علي ولا غيره، بل علي كان أجل قدراً من ذلك، والجن الذين يتبعون الصحابة يقاتلون كفار الجن، لا يحتاجون في ذلك إلى قتال الصحابة معهم)
ومن ذلك أنه - رحمه الله - يرى أن الذين لم يقاتلوا علياً - رضي الله عنه - هم أحب إلى أهل السنة ممن قاتله، وأن أهل السنة يدافعون عنه بقوة أمام اتهامات النواصب والخوارج، يقول:
(وأيضاً فأهل السنة يحبون الذين لم يقاتلوا علياً أعظم مما يحبون من قاتلفه، ويفضلون من لم يقاتله على من قاتله، كسعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم.
فهؤلاء أفضل من الذين قاتلوا علياً عند أهل السنة. والحب لعلي وترك قتاله خير بإجماع أهل السنة من بغضه وقتاله، وهم متفقون على وجوب موالاته ومحبته، وهم من أشد الناس ذبا عنه، ورداً على من طعن عليه من الخوارج وغيرهم من النواصب، لكن لكل مقام مقال)
ومن ذلك أنه يفضل الصحابة الذين كانوا مع علي على الصحابة الذين كانوا مع معاوية - رضي الله عنهم أجمعين - يقول:
(معلوم أن الذين كانوا مع علي من الصحابة مثل: عمار وسهل بن حنيف ونحوهما كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية)
ومن ذلك أنه يرد على من تأول حديث " عمار تقتله الفئة الباغية " بأن علياً هو الذي قتله لأنه الذي أحضره إلى المعركة معه، فيقول:
(وأما تأويل من تأوله: أن علياً وأصحابه قتلوه، وأن الباغية الطالبة بدم عثمان، فهذا من التأويلات الظاهرة الفساد، التي يظهر فسادها للعامة والخاصة) .
ومن ذلك أنه يبرئه من دم عثمان - -
فيقول: (وتولى علي على إثر ذلك، والفتنة قائمة، وهو عند كثير منهم متلطخ بدم عثمان، والله يعلم براءته مما نسبه إليه الكاذبون عليه، المبغضون له، كما نعلم براءته مما نسبه إليه الغالون فيه، المبغضون لغيره من الصحابة، فإن عليا لم يعن على قتل عثمان ولا رضي به، كما ثبت عنه - وهو الصادق - أنه قال ذلك) .
ومن ذلك أنه يقول - رحمه الله -:
(إن قتل علي وأمثاله من أعظم المحاربة لله ورسوله والفساد في الأرض)
وينكر شيخ الإسلام علي الجهلة الذين يطعنون في علي - رضي الله عنه - في مقابل الروافض الذين يطعنون في الصحابة، فهو يقول عن بعض أهل السنة بأن:
(فيهم نفرة عن قول المبتدعة، بسبب تكذيبهم بالحق ونفيهم له، فيعرضون عن ما يثبتونه من الحق أو ينفرون منه، أو يكذبون به، كما قد يصير بعض جهالة المتسننة في إعراضه عن بعض فضائل علي وأهل البيت، إذا رأى أهل البدعة يغلون فيها، بل بعض المسلمين يصير في الإعراض عن فضائل موسى وعيسى بسبب اليهود والنصارى بعض ذلك، حتى يحكى عن قوم من الجهال أنهم ربما شتموا المسيح إذا سمعوا النصارى يشتمون نبينا في الحرب.
وعن بعض الجهال أنه قال:
سبوا علياً كما سبوا عتيقكم … كفراً بكفر وإيماناً بإيمان)
هذه مواضع يسيرة مما نقل عن شيخ الإسلام - رحمه الله - في فضل علي - رضي الله عنه - ودفاعه الحار عنه أمام أعدائه، وتبرئته مما نسبوه إليه.
فهل يقال بعد هذا كما قال هؤلاء المبتدعة الجائرون بأنه - رحمه الله - كان منحرفاً عن علي - رضي الله عنه - أو أنه تنقصه في كتبه؟
سبحانك هذا بهتان عظيم؟ لا يقوله أدنى مسلم فضلاً عن شيخ الإسلام الذي تصرمت حبال أيامه تقرير عقيدة السلف الصالح، ومن ضمنها تفضيل علي رضي الله عنه وجعله الخليفة الرابع الراشد، واعتقاد أنه على الحق أمام من حاربه وخالفه.
ولكن ذنب شيخ الإسلام عند هؤلاء المبتدعة أنه لم يغل في علي كما غلوا، أو يتجاوز به قدره الذي أراده الله له
تعليق